الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فهذه الأحاديث متعاضدة على تطهير التراب لذيل المرأة وللنعال، وتأويل الشافعي في أنه في غير البول، كأنه يريد أنّ هذه عامة، فتخص بأحاديث نجاسة البول، وأنه لا يطهره إلاّ الماء.
السابع: حديث (ابن عباس رضي الله عنهما).
7 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "إذَا مَرَّ ثَوْبُكَ، أَوْ وَطِئْتَ قَذَراً رطباً فَاغْسِلْهُ، وَإِنْ كاَنَ يَابِساً فَلَا عَلَيْكَ". أخرجه رزين.
"قال: إذا مرّ ثوبك" أي: على قذر كما يدل.
"أو وطئت قذراً رطباً فاغسله" ظاهره تعيين الماء، ولا يكفي التراب.
"وإن كان يابساً" أي: القذر.
"فلا عليك" أي: لا يجب (1) عليك غسله، وهذا موقوف.
قوله: "أخرجه رزين" كما مرَّ مراراً.
الفصل الثاني: في المني
(الفصل الثاني) من الفصول الخمسة التي في إزالة النجاسة.
في المنيِّ.
(في المني) في حكمه، وقد أدخله في النجاسة مع الخلاف في ذلك.
الأول: حديث (عائشة رضي الله عنها):
1 -
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كُنْتُ أَغْسِلُ الجَنَابَةَ مِنْ ثَوْبِ رَسولِ الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ، وَإِنَّ بُقَعَ المَاءِ فِي ثَوْبِهِ. أخرجه الخمسة (2)، وهذا لفظ الشيخين. [صحيح]
(1) انظر: "الأوسط" لابن المنذر (2/ 167 - 170)، "المحلى"(1/ 94).
(2)
أخرجه البخاري رقم (229، 230، 231، 232)، ومسلم رقم (289)، وأبو داود رقم (371، 372، 373)، والترمذي رقم (117، 118)، والنسائي (1/ 156) وهو حديث صحيح.
"قالت: كنت أغسل الجنابة" المني، وأطلقتها عليه مجازاً، والمراد غسل أثرها.
"من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم" ليس فيه دليل أنه عن أمره.
"فيخرج إلى الصلاة، وإن بقع الماء" بضم الموحدة، وفتح القاف والعين المهملة، جمع البقعة وهي القطعة من الأرض.
"وفي ثوبه" واعلم أن العلماء اختلفوا في طهارة المني؛ فذهبت الشافعية (1) إلى طهارته، وقالوا: الغسل ليس للتنجس؛ لأنه قد ثبت أنها كانت تفركه كما يأتي، ولو كان نجساً لما أجزأ فركه، وذهبت الحنفية (2) إلى أنه نجس، والفرك مطهر، ووافقتهم الهادوية (3) على نجاسته، وقالوا: لا يطهره إلاّ الماء، كسائر النجاسات.
وقد بسطنا المقاولات في ذلك بين المطهرين وغيرهم في حاشيتنا على "شرح العمدة"(4) وهي مناظرة وجدال وردٌّ واستدلال [230 ب] بسطناها هنالك بحمد الله.
قوله: "أخرجه الخمسة".
- ولمسلم (5) في أخرى: أَنَّ رَجُلاً نَزَلَ بِعَائِشَةَ رضي الله عنها، فَأَصْبَحَ يَغْسِلُ ثَوْبَهُ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّمَا كَانَ يُجْزِئُكَ - إِنْ رَأَيْتَهُ - أَنْ تَغْسِلَ مَكَانَهُ، فَإِنْ لَمْ تَرَهُ نَضَحْتَ حَوْلَه، لَقَدْ رَأَيْتُنِي أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَرْكًا فَيُصَلِّى فِيهِ. [صحيح]
(1) في "الأم"(1/ 219)، "المجموع شرح المهذب"(2/ 573).
(2)
"البناية في شرح الهداية"(1/ 291 - 292).
(3)
"المحلى"(1/ 126).
(4)
(1/ 323 - 324).
(5)
في صحيحه رقم (109/ 290) عن عبد الله بن شهاب الخولاني قال: كنت نازلاً على عائشة، فاحتلمت في ثوبي، فغمستهما في الماء فرأتني جارية لعائشة، فأخبرتها، فبعثت إليَّ عائشة فقالت: ما حملك على ما صنعت =
"ولمسلم" أي: عن عائشة في رواية: "أخرى".
"أن رجلاً نزل" أي: ضيفاً.
"بعائشة فأصبح يغسل ثوبه فقالت عائشة: إنما كان يجزئك"، قال النووي (1): بالياء وبالهمزة.
"أن تغسل مكانه" لا الثوب كله.
"فإن لم تره" أي: المني، "في الثوب نضحت ما حوله"، مما تظنه محله، والمراد نضحته وما حوله.
"ولقد رأيتني أفركه" أي: أدلكه.
"حتى يذهب" أثره من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي أخرى (2): "وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي، وَإِنِّي لَأَحُكُّهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَابِسًا بِظُفُرِي".
"وفي رواية أخرى: لقد رأيتني وأنا أحكه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم يابساً بظفري".
وفي الأحاديث كلها ما يدل على أنه كالنخامة (3)، يراد إذهاب لونه من الثوب، لا أنه نجس يغسل منه الثوب حتماً.
= بثوبيك؟ قال: قلت: رأيت ما يرى النائم في منامه، قالت: هل رأيت فيهما شيئاً؟ قال: لا. قالت: فلو رأيت شيئاً غسلته، لقد رأيتني وإني لأحكه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم يابساً بظفري
(1)
في "شرح صحيح مسلم"(3/ 196).
(2)
أخرجها مسلم في صحيحه رقم (290).
(3)
يشير إلى حديث ابن عباس قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن المنيِّ يصيب الثوب، فقال:"إنما هو بمنزلة المُخاط والبُصاق، وإنما يكفيك أن تمسحه بخرقة أو بإذخرة".
أخرجه الدارقطني (1/ 124 رقم 1)، وهو حديث منكر مرفوعاً، وصحيح موقوفاً.
الثاني: حديث (يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب).
2 -
وَعن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب: أَنَّهُ اعْتَمَرَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه فِي رَكْبٍ فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ العَاصِ، وَأَنَّ عُمَرَ عَرَّسَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ قَرِيبًا مِنْ بَعْضِ المِيَاهِ، فَاحْتَلَمَ عُمَرُ بْنِ الخَطَّابِ، وَقَدْ كَادَ أَنْ يُصْبحَ فَلَمْ يَجِدْ مَعَ الرَّكْبِ مَاءً فَرَكِبَ حَتَّى جَاءَ المَاءَ، فَجَعَلَ يَغْسِلُ مَا رَأَى مِنْ ذَلِكَ الاحْتِلَامِ حَتَّى أَسْفَرَ، فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ العَاصِ: أَصبَحْتَ، وَمَعَنَا ثِيَابٌ، فَدَعْ ثَوْبَكَ يُغْسَلُ، فَقَالَ عُمَرُ وَاعَجَبًا لَكَ يَا ابْنَ العَاصِ! لَئِنْ كُنْتَ تَجِدُ ثِيَابًا أَفكُلُّ النَّاسِ يَجِدُ ثِيَابًا؟ وَالله لَوْ فَعَلْتُهَا لَكَانَتْ سُنَّةً، بَلْ أَغْسِلُ مَا رَأَيْتُ وَأَنْضِحُ مَا لَمْ أَرَهُ. أخرجه مالك (1). [موقوف صحيح]
"أنه اعتمر" أي: خرج إلى العمرة.
"مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ركب" جماعة، والركب جمع ركاب، وهي الرواحل من الإبل.
"فيهم عمرو بن العاص وأنّ عمر عرَّس" نزل لينام، والتعريس (2) نزول المسافر آخر الليل للنوم والاستراحة.
"ببعض الطريق قريباً من بعض المياه، فاحتلم عمر بن الخطاب، وقد كاد يصبح، فلم يجد مع الركب ماءً، فركب حتى جاء الماء" الذي عرَّس قريباً منه.
"فجعل يغسل ما رأى من ذلك الاحتلام" أي: من ماءه.
"حتى أسفر" أي: اتضح ضوء الفجر. "فقال عمرو بن العاص لعمر بن الخطاب: أصبحت ومعنا ثياب فدع ثوبك يغسل" أي: والبس ثوباً من ثيابنا.
(1) في "الموطأ"(1/ 50 رقم 83) وهو أثر موقوف صحيح.
(2)
"النهاية في غريب الحديث"(2/ 181)، "الفائق في غريب الحديث"(2/ 409).
"فقال عمر: واعجباً لك يا ابن العاص؛ لأن كنت تجد ثياباً، أفكل الناس يجد ثياباً؟ والله لو فعلتها" أي: أخذت ثوباً غير الذي احتلمت فيه.
"لكانت" هذه القضية. "سنة" أي: طريقة يسلكها الناس، فلا يغسل محتلم ثوبه الذي احتلم فيه بل يأخذ ثوباً غيره.
"بل أغسل ما رأيت وأنضح ما لم أره" فيه ما كان عليه عمر رضي الله عنه من التقلل من الدنيا، وأنه ليس له إلا ثوبه [231 ب] الذي ينام فيه، ويصلي فيه، وشفقته على العباد، لئلا يستنوا به لو أخذ ثوباً آخر.
قوله: "أخرجه مالك".
الثالث: حديث (ابن عباس رضي الله عنهما).
3 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "إِنَّما المَنِيُّ بِمَنْزِلَةِ المُخَاطِ فَأَمِطْهُ عَنْكَ وَلَوْ بِإِذْخِرَة". أخرجه الترمذي (1) بغير إسناد. [منكر مرفوعاً صحيح موقوفاً]
"قال: إنما المني بمنزلة المخاط" أي: فضلة من فضلات (2) البدن ظاهرة.
"فأمطه" أزله "عنك" عن بدنك أو ثوبك.
"ولو بإذخرة" في النهاية (3): الإذخر بكسر الهمزة، حشيشة طيبة الرائحة، تُسَقَّفُ بها البيوت فوق الخشب. انتهى.
والمراد هنا إزالة المني بأي شيء، ولو بما ذكر من مفرد الإذخر.
(1) في "السنن" بإثر الحديث رقم (117) وقد أخرجه الدارقطني (1/ 124 رقم 1)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 418) وهو حديث منكر مرفوعاً صحيح موقوفاً، وقد تقدم.
(2)
انظر: "فتح الباري"(1/ 333).
(3)
(1/ 46).