الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أصلح لمجالسة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا على تلك الحالة. وقد ذُكر في هذه الكلمة قول خامس، هوة "فانبخست" بنون، ثم باء معجمة بواحدة، بعدها خاء معجمة، من البخس، وهو النقص، فإن صحت هذه الرواية، فقد ذكر بعض العلماء أن معناها أنه ظهر له نقصانه عن مماشاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لما اعتقده في نفسه من النجاسة، فرأى أنه لا يقاومه ما دام في تلك الحال. قلت: ومعنى هذه الأقوال كلها يرجع إلى شيء واحد، وهو الانفصال، والمزايلة على وجه التوقير والتعظيم له صلى الله عليه وسلم. والله أعلم.
(15) - الحديث الثاني:
أخرج مسلم رحمه الله في "كتاب الزكاة"(1) حديث عمرو بن الحارث، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعطي عمر بن الخطاب العطاء، فيقول له عمر: أعطه يا رسول الله أفقر إليه مني
…
الحديث. ثم أردفه بقوله: وحدثني أبو الطاهر، أنا ابن وهب، قال عمرو: وحدثني ابن شهاب بمثل ذلك، عن السائب بن يزيد، عن عبد الله بن السعدي، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. هكذا أخرجه مسلم في "صحيحه". وقال الحافظ أبو علي: في إسناده انقطاع.
قلت: وبيان انقطاعه أنه قد سقط من هذا الطريق الثاني رجل بين السائب بن يزيد وعبد الله بن السعدي، وهو حويطب بن عبد العزى رضي الله عنهم، هكذا ذكر غير واحد من الحفاظ، وقال الإمام أبو عبد الرحمن النسائي: لم يسمعه السائب بن يزيد من عبد الله ابن السعدي، إنما رواه عن حويطب -يعني ابن عبد العزى- عنه.
قلت: وهكذا رواه يونس بن عبد الأعلى الصَّدَفيّ، عن ابن وهب متصلا، وهو حديث مشهور، اجتمع في إسناده أربعة من الصحابة رضي الله عنهم في نسق واحد، يروي بعضهم عن بعض، وليس في "الصحيحين" هكذا غيره، وحديث آخر اجتمع في إسناده أربع صحابيات، تروي بعضهن عن بعض، على اختلاف في ذلك بين الرواة، لأن جماعة منهم لم يذكروا في إسناده إلا ثلاث صحابيات فقط، وهو حديث زينب بنت جحش رضي الله عنها، قالت: انتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما محمرا وجهه، وهو ويقول: "لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب
…
" الحديث. وليس هذا موضع إيراده.
وحديث ابن السعدي المتقدم، وإن كان مقطوعا في "صحيح مسلم" من هذا الوجه الذي ذكرناه خاصة، فإنه متصل فيه من وجه آخر، ومع ذلك فقد وصله البخاري في "صحيحه"، والنسائي في "سننه" من ذلك الوجه المنقطع.
(1)"باب إباحة الأخذ لمن أُعطي من غير مسألة" 2/ 723 الحديث 111.
فأما حديث البخاري فأخبرنا به أبو علي بن عبد الله المجاور بالحرم الشريف، أنا أبو الحسن علي بن حميد المقرىء، أنا عيسى بن أبي ذر، أنا أبي، أنا المشايخ الثلاثة: أبو محمد السرخسي، وأبو إسحاق المستملي، وأبو الهيثم الكشميهني، قالوا: أنا الفربري، أنا البخاري رحمه الله وأخبرنا عاليا أبو القاسم، هبة الله بن علي المصري، واللفظ له، أنا محمد بن بركات النحوي، أخبرتنا كريمة، أنا أبو الهيثم الأديب، أنا الفربري، أنا البخاري، ثنا أبو اليمان، ثنا شعيب، عن الزهري، أخبرني السائب بن يزيد، ابن أخت نَمِر، أن حويطب بن عبد العزى أخبره، أن عبد الله بن السعدي أخبره، أنه قَدِمَ على عمر في خلافته، فقال له عمر: ألم أُحَدَّث أنك تلي من أعمال الناس أعمالا، فإذا أعطيت العُمَالة كرهتها؟ فقلت: بلى، قال عمر: فما تريد إلى ذلك؟ قلت: إن لي أفراسا، وأعبدا، وأنا بخير، وأريد أن تكون عمالتي صدقة على المسلمين، قال عمر: لا تفعل، فإني كنت أردت الذي أردت، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء، فأقول: أعطه أفقر إليه مني، حتى أعطاني مرة مالا، فقلت: أعطه أفقر إليه مني، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"خذه، فتموله، وتصدق به، فما جاءك من هذا المال، وأنت غير مشرف، ولا سائل فخذه، وإلا فلا تتبعه نفسك". هكذا أخرجه البخاري في "كتاب الأحكام".
وأما حديث النسائي، فأخبرناه الشيخ العلامة البارع، أبو عبد الله محمد بن محمد ابن حامد الأصبهاني رحمه الله، قراءة عليه، أنا الفقيه الزاهد، أبو إسحاق إبراهيم بن محمد ابن نبهان الغنوي الرقي، بقراءتي عليه بمدينة السلام، بالجانب الغربي، سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة، قال: سمعت الحافظ أبا عبد الله محمد بن أبي نصر الحميدي، يقول: سمعت أبا زكرياء عبد الرحيم بن أحمد البخاري، يقول: سمعت الحافظ أبا محمد بن عبد الغني بن سعيد بن علي رحمه الله يقول: حدثنا حمزة بن محمد الكناني، حدثنا أحمد بن شعيب رحمه الله وأخبرنا عاليا أبو بكر عبد العزيز بن أحمد البغدادي، أنا طاهر بن محمد الهمداني، أنا أبو محمد الدُّوني، أنا أبو نصر أحمد بن الحسين الدينوري، أنا أحمد بن محمد بن إسحاق الحافظ، أنا أبو عبد الرحمن النسائي، ثنا كثير بن عبيد، ثنا محمد بن حرب، عن الزُّبيدي، عن الزهري، عن السائب بن يزيد، أن حويطب بن عبد العزى أخبره، أن عبد الله بن السعدي أخبره، أنه قدم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافة عمر، فقال له عمر: أُخْبِرتُ أنك تلي من أعمال الناس أعمالًا، وذكر الحديث بكماله (1) أنا اختصرته.
(1) ينظر تكميله في "سنن النسائي" 5/ 104.