الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم أورده السبكيّ من طريق خارجة بن مُصعب، عن الأوزاعيّ به، إلا أنه قال:"بحمد الله"، بدل "بسم الله الرحمن الرحيم"، وخارجة هذا قال الحافظ: متروك، وكان يدلّس عن الكذّابين، ويقال: إن ابن معين كذّبه.
وقد خالف، والذي قبله محمد بن كثير المصّيصيّ، فقال في إسناده: عن الأوزاعيّ، عن يحيى، عن أبي سلمة به باللفظ الثاني:"بحمد الله". رواه السبكيّ ص 7 من طريق أبي بكر الشيرازيّ في "كتاب الألقاب". والمصّيصيُّ هذا ضعيف؛ لأنه كثير الغلط -كما قال الحافظ- والصحيح: عن الزهريّ، مرسلًا -كما قال الدارقطنيّ وغيره - وقد روي موصولًا من طريق قُرّة، عنه، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة باللفظ الثانيّ
…
إلى أن قال: ومما سبق يتبيّن أن الحديث بهذا اللفظ ضعيف جدًّا، فلا يُغترّ بمن حسّنه مع الذي بعده -يعني حديث الحمد- فإنه خطأٌ بيّنٌ، ولئن كان اللفظ الآتي -يعني لفظ الحمد- يحتمل التحسين (1)، فهذا ليس كذلك، لما في سنده من الضعف الشديد، كما رأيت انتهى كلام الألباني رحمه الله (2).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الحاصل أن الحديث بلفظ: "بسم الله الرحمن الرحيم" واهٍ بمرّة، لأن في سنده أحمد بن محمد بن عمران المذكور، وهو متّهم، مع مخالفته للثقات، كما تقدّم، بل حكم بعضهم على روايته بالوضع، وإن كان لا يُوافَق عليه (3). والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
المسألة الثانية: في الكلام على البسملة:
اعلم: أن البسملة مصدر قياسيّ لـ"بسمل"، كدحرَج دحرجةً: إذا قال: باسم الله، على ما في "الصحاح" وغيره، أو إذا كتبها على ما في "تهذيب الأزهريّ"، فهي بمعنى القول، أو الكتابة، لكن أطلقوها على نفس "بسم الله الرحمن الرحيم"، مجازًا، من إطلاق المصدر على المفعول؛ لعلاقة اللزوم، ثم صار حقيقةً عُرْفيّة.
وهو من باب النحت، وهو أن يُختَصَر من كلمتين، فأكثر كلمةٌ واحدةٌ، ولا يُشترط فيه حفظ الكلمة الأولى بتمامها بالاستقراء؛ خلافًا لبعضهم، ولا الأخذ من كلّ الكلمات، ولا موافقة الحركات، والسكنات، كما يُعلم من شواهده، نعم كلامهم يُفهم اعتبار ترتيب الحروف، ولذا عُدَّ ما وقع للشهاب الْخَفَاجيّ في "شفاء الغليل" من طبلق
(1) تحسينه للثاني محل نظر، كما يتبيّن مما سيأتي في موضعه، إن شاء الله تعالى.
(2)
إرواء الغليل ج 1 ص 29 - 30.
(3)
هو العلامة السيد أحمد محمد بن الصدّيق الغماري المتوفى سنة 1380 هـ فقد ألف رسالة سماها "الاستعاذة والحسبلة ممن صحّح حديث البسملة"، وهي مطبوعة، فإنه حكم فيها بكون الحديث موضوعًا، لكن الحكم بالوضع لا يُوافق عليه. والله تعالى أعلم.
بتقديم الباء على اللام: إذا قال: أطال الله بقاءك سبق قلم، والقياس طلبق. والنحت مع كثرته عن العرب غير قياسيّ، كما صرّح به الشمنيّ، ونقل عن "فقه اللغة" لابن فارس قياسيّته.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي هذا الأخير أولى؛ إذ ليس هناك دليل على كون الاستعمال قياسيا إلا كثرته، كما يظهر لمن تتبّع قواعدهم. والله تعالى أعلم. ومن المسموع:"سمعل": إذا قال: "السلام عليكم"، و"حوقل" -بتقديم القاف-: إذا قال: "لا حول ولا قوّة إلا بالله"، وقيل: بتقديم اللام، وهَلّل تهليلًا، وهَيلَلَ هَيْلَلة، إذا قال: لا إله إلا الله، وياء هيلل للإلحاق بدحرج، وسَبْحَل، إذا قال: سبحان الله، وحَمْدَل، إذا قال: الحمد للَّه، وحَيْصَل، إذا قال: حيّ على الصلاة، وحَيْفَلَ، إذا قال: حيّ على الفلاح، وجَعْفَلَ، إذا قال: جُعِلْتُ فداءك، وطَلْبَقَ، إذا قال: أطال الله بقاءك، ودَمْعَزَ، إذا قال: أدام الله عزّك.
ومنه في القرآن: {وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4)} [الانفطار: 4]، قال الزمخشريّ: هو منحوت من بُعِث، وأُثير، أي بُعِث موتاها، وأُثير ترابها.
ومن المولّد الْفَذْلَكَة، من قولهم: فذلك العدَدُ كذا وكذا، والْبَلْكَفَةُ التي أخذها الزمخشريّ من قول أهل السنّة: إن الله تعالى يُرَى بلا كيف، ورَدَّ عليهم بناءً على زعمه الفاسد بقوله [من الكامل]:
قَدْ شَبَّهُوهُ بِخَلْقِهِ فَتَخَوَّفُوا
…
شَنْعَ الْوَرَى فَتَسَتَّرُوا بِالْبَلْكَفَهْ
قيل: ومن المولّد: بسمل؛ لأنه لم يُسمع من فُصحاء العرب، قال الشهاب الْخَفَاجيّ: والمشهور خلافه، وقد أثبتها كثير من أهل اللغة، كابن السِّكِّيت، والْمُطَرِّزِيّ، ووردت في قول عمر بن أبي ربيعة [من الطويل]:
لَقَدْ بَسْمَلَتْ لَيْلَى غَدَاةَ لَقِيتُهَا
…
فَيَا حَبَّذَا ذَاكَ الْحَدِيثُ الْمُبَسْمَلُ
وقد استعمل كثير -لا سيّما الأعاجم- النحتَ في الخطّ فقط، والنطقُ على أصله، ككتابة "حينئذ" حاء مفردةً، و"رحمه الله""رح"، و"ممنوع""مم"، و"إلى آخره""الخ"، وتارة "اه"، و"صلى الله عليه وسلم""صلعم"، و"عليه السلام""عم"، إلى غير ذلك، لكن الأولى ترك نحو الأخيرين، وإن أكثرت منه الأعاجم (1). والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(1) راجع تفسير القرطبيّ ج 1 ص 97، وحاشية الخضريّ على ابن عقيل ج 1 ص 4.