الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[تنبيه]: هل يثبت الوضع بالبيّنة، كأن يَرَى عدلان رجلًا يُصنّف كلامًا، ثم ينسبه إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم؟ ، قال الزركشيّ: يشبه أن يجيء فيه التردّد في أن شهادة الزور هل تثبت بالبيّنة، مع القطع بأنه لا يُعمل به. هذا ملخّص ما ذكره ابن عراق رحمه الله تعالى في مقدمة كتابه، "تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة" 1/ 5 - 8.
وقد أشرت إلى هذه الأمارات في منظومتي المذكورة، حيث قلت:
أَشَرُّ أَنْوَاعِ الضَّعِيفِ الْوَاهِيَهْ
…
لَهُ أَمَارَاتٌ تَجِيكَ تَالِيَهْ
(مِنْهَا) اعْتِرَافُ وَاضِعٍ كَمَيْسَرَهْ
…
فَضَائِلَ الْقُرْآنِ أَعْنِي سُوَرْهْ
بِهِ يُرَدُّ كُلُّ مَا رَوَاهُ
…
بِمُوجَبِ الإِقْرَارِ إِذْ أَبْدَاهُ
كَذَا إِذَا تَارِيخُهُ يُكَذِّبُ
…
مِثْلُ الْجُوَيْبَارِيِّ بِئْسَ الْمُذْنِبُ
كَذَا إِذَا صَرَّحَ مَنْ يَمْتَنِعُ
…
كَذِبُهُمْ بِوَضْعِهِ وَأَجْمَعُوا
كَذَا إِذَا قَرِينَةُ الرَّاوِي تُرَى
…
كَمَا لِمَهْدِيِّ غِيَاثٌ افْتَرَى
كَذَاكَ فِي الْمَرْوِيِّ حَيْثُ خَالَفَا
…
لِمُقْتَضَى عَقْلٍ وَحِسٍّ عُرِفَا
كَذَا الْمُشَاهَدَةُ أَوْ لِعَادَةِ
…
أَوْ حُجَّةِ الْكِتَابِ أَيْ قَطْعِيَّةِ
كَذَاكَ إِجْمَاعٌ لِقَطْعٍ نُسِبَا
…
أَوْ سُنَّةٍ تَوَاتَرَتْ فَاجْتَنِبَا
كَذَاكَ عَنْ أَمْرٍ جَسِيمٍ يَعْتَنِي
…
بِنَقْلِهِ جَمٌّ غَفِيرٌ فَاعْتَنِ
أَوْ يَلْزَمُ الْمُكَلَّفِيَنَ عِلْمُهُ
…
فَانْفَرَدَ الْوَاحِدُ نَتَّهِمُهُ
وَرِكَّةُ الْمَعْنَى كَإِفْرَاطٍ أَتَى
…
فِي الْوَعْدِ بِالْيَسِيرِ فَاحْذَرْ يَا فَتَى
كَذَا الْوَعِيدُ لِصَغِيرَةٍ كَمَا
…
يَفْعَلُهُ الْقُصَّاصُ بِئْسَ اللُّؤَمَا
أَوْ حَافِظٌ مُنْتَقِدٌ مَا عَرَفَهْ
…
أَوْ قَالَ لا أَصْلَ لَهُ فَنَعْرِفَهْ
كَذَا إِذَا مِنْ رَافِضِيٍّ وَرَدَا
…
فِي فَضْلِ أَهْلِ الْبَيْتِ نِعْمَ السُّعَدَا
أَوْ ذَمِّ مَنْ حَارَبَهُمْ أَوْ وَرَدَا
…
يُعْطَى ثَوَابَ الأَنْبِيَاءِ فَارْدُدَا
وَفِي ثُبُوتِ الْوَضْعِ حَيْثُ يُشْهَدُ
…
الزَّرْكَشِي قَالَ يَجِي تَرَدُّدُ
مَعْ قَطْعِنَا بِأَنَّهُ لا يُعْمَلُ
…
بِهِ لِتُهْمَةٍ أَتَتْ فَتَحْظُلُ
والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الثالثة): في أصناف الوضّاعين
.
اعلم: أن الوضّاعين على ما ذكره ابن عراق رحمه اللهُ تعالى في مقدّمة كتابه "تنزيه الشريعة" سبعة أصناف:
[الصنف الأول]: هم الزنادقة، وهم السابقون إلى ذلك، والهاجمون عليه، حملهم على الوضع الاستخفاف بالدين، والتلبيس على المسلمين، كعبد الكريم بن أبي
العوجاء، ومحمد بن سعيد المصلوب، والحارث الكذّاب الذي ادّعى النبوّة في زمن عبد الملك بن مروان، والمغيرة بن سعيد الكوفيّ، حتى قال حماد بن زيد: وضعت الزنادقة على النبيّ صلى الله عليه وسلم أربعة عشر ألف حديث، رواه العقيليّ. وقال ابن عديّ: لما أُخذ ابن أبي العوجاء، وأُتي به محمد بن سليمان بن عليّ، فأمر بضرب عنقه، قال: والله لقد وضعت فيكم أربعة آلاف حديث، أُحرّم فيها الحلال، وأُحلّ الحرام. قال ابن الجوزيّ: وقد كان من هؤلاء من يتغفّل الشيخ، فيدُسّ في كتابه ما ليس من حديثه، فيرويه ذلك الشيخ ظنّا منه أنه من حديثه.
وإلى هذا الصنف أشرت في منظومتي المذكورة بقولي:
الصِّنْفُ الأَوَّلُ هُمُ الزَّنَادِقَهْ
…
الْهَاجِمُونَ الظَّالِمُونَ الْمَارِقَهْ
حَمَلَهُمْ أَنِ اسْتَخَفُّوا الدِّينَا
…
فَلَبَّسُوا عَلَى الْوَرَى الْيَقِينَا
كَابْنِ أَبِي الْعَوْجَاءِ مَعْ مُحَمَّدِ
…
وَالْحَارِثِ الْكَذَّابِ بِئْسَ الْمُعْتَدِي
مُغِيرَةُ الْكُوفِيُّ بِئْسَ الْهَالِكُ
…
جَزَاهُمُ السُّوءَ الإِلَهُ الْمَالِكُ
الصنف الثاني: أصحاب الأهواء، والبِدَع، وضعوا نصرةً لمذاهبهم، أو ثَلْبًا لمخالفيهم، روى ابن أبي حاتم في مقدّمة "كتاب الجرح والتعديل" عن شيخ من الخوارج أنه كان يقول بعدما تاب: انظروا عمن تأخذون دينكم، فإنا كنا إذا هوينا أمرًا صيّرنا له حديثًا. وقال الحاكم أبو عبد الله: كان محمد بن القاسم الطالَقانيّ من رؤساء المرجئة يَضَع الأحاديث التي ظاهرها التجسيم، وينسبها إلى أهل الحديث، يقصد الشناعة عليهم؛ لما بينه وبينهم من العداوة المذهبيّة.
وقال أبو العبّاس القرطبيّ، صاحب "المفهم": استجاز بعض فقهاء أهل الرأي نسبة الحكم الذي دلّ عليه القياس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نسبة قوليّةً، فيقول في ذلك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، ولهذا ترى كتبهم مشحونة بأحاديث تشهد متونها بأنها موضوعة؛ لأنها تشبه فتاوى الفقهاء، ولأنهم لا يقيمون لها سندًا.
وإلى هذا الصنف أشرت بقولي:
يَلِيهِمُ الْمُبْتَدِعُونَ وَضَعُوا
…
لِنُصْرَةِ الرَّأْيِ فَبِئْسَ الْمَفْزَعُ
أَوْ ثَلْبِ مَنْ خَالَفَ كَابْنِ الْقَاسِمِ
…
وَابْنِ شُجَاعِ اللَّئِيمِ الظَّالِمِ
وَبَعْضُ أَهْلِ الرَّأْيِ قَالَ يُنْسَبُ
…
إِلَى النَّبِي مَا بِالْقِيَاسِ يُجْلَبُ
لِذَا تَرَى كُتْبَهُمُ تَشْتَمِلُ
…
مَا لا يُرَى بِسَنَدٍ يَتَّصِلُ
الصنف الثالث: قوم اتّخذوا الوضع صناعة، وتسوّقًا؛ جراءة على الله سبحانه وتعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، حتى إن أحدهم ليسهر عامّة ليله في وضع الحديث، كأبي
البختريّ، وهب بن وهب القاضي، وسليمان بن عمرو النخعيّ، والحسين بن علوان، وإسحاق بن نَجيح الْمَلَطيّ. ذكر ذلك الإمام أبو حاتم بن حبّان في مقدّمة كتابه "الضعفاء والمجروحين".
وإلى هذا الصنف أشرت بقولي:
ثَالِثُهُمْ مَنْ جَعَلُوا الْبِضَاعَهْ
…
وَضْعَ الْحَدِيثِ بِئْسَتِ الصِّنَاعَهْ
قَدْ أَسْهَرُوا فِيهِ اللَّيَالِي مِثْلَمَا
…
وَهْبٌ وَإِسْحَاقُ بِذَاكَ أَجْرَمَا
كَذَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَمْرٍو وُصِفَا
…
وَنَجْلُ عَلْوَانَ فِبِئْسَمَا اقْتَفَى
الصنف الرابع: قوم يُنسبون إلى الزهد، حملهم التديّن الناشىء عن الجهل على وضع أحاديث في الترغيب والترهيب؛ ليحثّوا الناس بزعمهم على الخير، ويزجروهم عن الشرّ، وقد جوّز ذلك الكرّاميّة، وكذلك بعض المتصوّفة، كما قاله الحافظ.
وإلى هذا الصنف أشرت بقولي:
وَرَابِعُ الأَصْنَافِ قَوْمٌ نُسِبُوا
…
للِزُّهْدِ جَاهِلِينَ ذَاكَ ارْتَكَبُوا
قَدْ وَضَعُوا الْحَدِيثَ فِي التَّرْغِيبِ
…
لِلنَّاسِ فِي الْخَيْرِ وَلِلتَّرْهِيبِ
وَمَنْ يَرَى جَوَازَ ذَا فَإِنَّهُ
…
قَدْ غَرَّهُ الشَّيْطَانُ فَانْبِذَنَّهُ
الصنف الخامس: أصحاب الأغراض الدنيويّة، كالقُصّاص، والشحّاذين، وأصحاب الأمراء، وأمثلة ذلك كثيرة.
فمن أمثلة الأول: ما أورده ابن الجوزيّ في مقدّمة كتابه، قال: صنّف بعض قُصّاص زماننا كتابًا، فذكر فيه أن الحسن والحسين رضي الله عنهما ما دخلا على عمر ابن الخطّاب رضي الله عنه، وهو مشغول، فلما فرغ من شغله رفع رأسه، فرآهما، فقام، فقبّلهما، ووهب لكل واحد منهما ألفًا، وقال لهما: اجعلاني في حلّ، فما عرفت دخولكما، فرجعا، وشكراه بين يدي أبيهما، عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: عمر بن الخطاب نور في الإسلام، سراج لأهل الجنة، فرجعا، فحدثاه، فدعا بدواة وقرطاس، وكتب فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، حدثني سيدا شباب أهل الجنة، عن أبيهما المرتضى، عن جدّهما المصطفى صلى الله عليه وسلم، أنه قال:"عمر نور في الإسلام، سراج لأهل الجنة"، وأوصى أن يُجعل في كفنه على صدره، فوُضع، فلما أصبحوا وجدوه على قبره، وفيه: صدق الحسن، والحسين، وصدق أبوهما، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم:"عمر نور الإسلام، وسراج أهل الجنة".
ومن أمثلة الثاني: ما رواه ابن حبان في مقدّمة كتابه "الضعفاء والمجروحين"، قال: أخبرنا إبراهيم بن عبد الواحد، قال: سمعت جعفر بن أبي عثمان الطيالسيّ،
قال: صلى أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين في مسجد الرُّصافة، فقام بين أيديهم قاصّ، فقال: حدثنا أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، قالا: حدثنا عبد الرزّاق، عن معمر، عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال: لا إله إلا الله، خلق الله من كل كلمة منها طيرًا، منقاره من ذهب، وريشه من مرجان" وأخذ في قصّة نحوًا من عشرين ورقة، فجعل أحمد بن حنبل ينظر إلى يحيى بن معين، ويحيى ينظر إلى أحمد، فقال له: أنت حدّثته بهذا، فيقول: والله ما سمعت بهذا إلا الساعة، فلما فرغ من قصصه، وأخذ القطيعات (1) ثم قعد ينتظر بقيتها، قال له يحيى بن معين بيده: تعال، فجاء متوهّما لنوال، فقال له يحيى: من حدّثك بهذا الحديث؟ قال: أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، فقال: أنا يحيى بن معين، وهذا أحمد بن حنبل، ما سمعنا بهذا قطّ في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لم أزل أسمع أن يحيى بن معين أحمق، ما تحققته إلا الساعة، كأن ليس في الدنيا يحيى بن معين، وأحمد بن حنبل غيركما، قد كتبت عن سبعة عشر أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، فوضع أحمد كمّه على وجهه، وقال: دعه يقوم، فقام كالمستهزىء بهما. هكذا ساق ابن حبان هذه الحكاية، ثم ابن الجوزيّ، وسكتا عليها.
لكن الذهبيّ أنكرها في "الميزان" في ترجمة إبراهيم بن عبد الواحد البكريّ، فقال: لا أدري من ذا أتى بحكاية منكرة، أخاف أن تكون من وضعه، فذكر الحكاية المذكورة. قاله ابن عراق في "التنزيه" 1/ 14.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: ما أحسن ما قاله الذهبيّ رحمه اللهُ تعالى، فإن لوائح الوضع على القصّة ظاهرة. والله تعالى أعلم.
ومن أمثلته أيضًا: ما رواه ابن حبّان في مقدمة كتابه المذكور، عن مؤمل بن إهاب، قال: قام رجل يسأل الناس، فلم يُعط شيئًا، فقال: حدثنا يزيد بن هارون، عن شريك، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: إذا سأل السائل ثلاثًا، فلم يُعط، فليكبّر عليهم ثلاثًا، وجعل يقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ثم مرّ، فذكر ذلك ليزيد بن هارون، فقال: كذب عليّ الخبيثُ، ما سمعت بهذا قطّ.
ومن أمثلة الثالث: قصّة غياث بن إبراهيم مع المهديّ، ذكرها ابن أبي خيثمة في "تاريخه"، وهي أنه دخل على المهديّ، وكان المهديّ يحبّ الحمام، يلعب بها، فإذا قُدّامه حمام، فقيل له: حدّث أمير المؤمنين، فقال: حدثنا فلان، عن فلان، أن
(1) وفي نسخة أحمد شاكر على ألفية السيوطي في الحديث: "وأخذ العطيات".
النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "لا سبق إلا في نصل، أو خفّ، أو حافر، أو جناح"، فأمر له المهديّ ببدرة (1)، فلما قام قال: أشهد على قفاك أنه قفا كذاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال المهديّ: أنا حملته على ذلك، ثم أمر بذبح الحمام، ورفض ما كان فيه.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذه القصّة في صحتها نظر أيضًا، فلوائح النكارة ظاهرة عليها، فليتنبّه. والله تعالى أعلم.
وَخَامِسُ الأَصْنَافِ أَهْلُ الْغَرَضِ
…
كَمَنْ يقُصُّ كَاذِبًا ذَا مَرَضِ
وَالشَّاحِذِينَ وَكَذَا مَنْ يَقْرُبُ
…
لِلأُمَرَاءِ آخِذًا مَا يَطْلُبُ
كَبَعْضِ مَنْ قَصَّ بِأَنَّ عُمَرَا
…
نُورٌ لِلإِسْلَامِ فِبِئْسَمَا افْتَرَى
وَمِنْهُ مَا افْتَرَاهُ بَعْضُ الْمُعْتَدِي
…
عَلَى ابْنِ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى الْمُهْتَدِي
وَالذَّهَبِيُّ أَنْكَرَ الحِكَايَهْ
…
فَاللهُ أَعْلَمُ لَنَا حِمَايَهْ
كَذَاكَ تَكْبِيرٌ أَتَى مِنْ سَائِلِ
…
ثَلَاثًا افْتَرَاهُ غَيْرُ عَاقِلِ
كَذَا غِيَاثٌ فِي حَدِيثِ "مَنْ سَبَقْ"
…
زَادَ "جَنَاحًا" بِئْسَمَا لَهُ اخْتَلَقْ
وَصَلَهُ الْمَهْدِي بِبَدْرَةٍ فَمَا
…
أَحْسَنَ فِي هَذَا وَلَكِنْ عِنْدَ مَا
قَدْ ذَبَحَ الْحَمَامَ وَاللَّهْوَ رَفَضْ
…
خَفَّفَ مَا لَهُ مِنَ اللَّوْمِ عَرَضْ
الصنف السادس: قوم حملهم الشره، ومحبة الظهور على الوضع، فجعل بعضهم لذي الإسناد الضعيف إسنادًا صحيحا مشهورًا، وجعل بعضهم للحديث إسنادًا غير إسناده المشهور، ليُستغرب، ويُطلب، قال الحاكم أبو عبد الله: ومن هؤلاء إبراهيم بن اليسع، وهو ابن أبي حية، كان يحدث عن جعفر الصادق، وهشام بن عروة، فيركب حديث هذا على حديث ذاك؛ لتستغرب تلك الأحاديث بتلك الأسانيد، قال: ومنهم حماد بن عمرو النصيبيّ، وبهلول بن عُبيد، وأصرم بن حوشب. قال الحافظ: وهذا داخل في قسم المقلوب. وقال القاضي تاج الدين السبكيّ في "طبقات الشافعية الكبرى" نقلًا عن السؤالات الحديثية التي سأل الحافظ أبو سعدان عليك عنها الأستاذ أبا إسحاق الإسفراينيّ: إن من قلب الإسناد؛ ليُستغرب حديثه، ويُرغب فيه، يصير دجّالًا كذّابًا، تسقط به جميع أحاديثه، وإن رواها على وجهها.
ومنهم: من كان يدّعي سماع ما لم يسمع، قال ابن الجوزيّ: حدّث عبد الله بن إسحاق الكرمانيّ عن محمد بن يعقوب، فقيل له: مات محمد قبل أن تولد بتسع سنين. وحدّث محمد بن حاتم الكشيّ عن عبد بن حُميد، فقال أبو عبد الله الحاكم: هذا
(1) بفتح الباء، وسكون الدال: عشرة آلاف درهم. وقيل: غير ذلك.
الشيخ سمع من عبد بن حُميد بعد موته بثلاث عشرة سنة.
وإلى هذا الصنف أشرت في المنظومة المذكورة بقولي:
وَسَادِسُ الأَصْنَافِ قَوْمٌ وَضَعُوا
…
مَحَبَّةَ الظُّهُورِ فِيمَا اصْطنَعُوا
فَجَعَلُوا الصَّحِيحَ مِنْ إِسنَادِ
…
بَدَلَ ذِي الضُّعْفِ الْمَهِينِ الْبَادي
أَوْ سَنَدًا مُشْتَهِرًا بِعَكْسِهِ
…
لِيَرْغَبَ النَّاسُ إِلَى اقْتِبَاسِهِ
مِنْ هَؤُلَاءِ أَصْرَمُ بْنُ حَوْشَبِ
…
بُهْلُولُ إِبْرَاهِيمُ حَمَّادُ الْغَبِي
وَمِنْهُمُ مَنْ لِسَمَاعٍ ادَّعَى
…
عَمَّنْ غَدَا لِقَاؤُهُ مُمْتَنِعَا
كَمَا ابْنُ إِسْحَاقَ سَمَاعًا أَفْصَحَا
…
عَنِ ابْنِ يَعْقُوبَ لِذَاكَ افْتَضَحَا
كَذَاكَ عَنْ عَبْدٍ رَوَى ابْنُ حَاتِمِ
…
فَجَاءَنَا تَكْذِيبُهُ عَنْ حَاكِمِ
الصنف السابع: قوم وقع الموضوع في حديثهم، ولم يتعمّدوا الوضع، كمن يَغلَط، فيُضيف إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم كلام بعض الصحابة، أو غيرهم، وكمن ابتُلي بمن يَدُسّ في حديثه ما ليس منه، كما وقع لحمّاد بن سلمة مع ربيبه عبد الكريم بن أبي العوجاء، وكما وقع لسفيان بن وكيع مع ورّاقه قرطمة، ولعبد الله بن صالح، كاتب الليث مع جاره، وكمن تدخل عليه آفة في حفظه، أو في بصره، أو في كتابه، فيروي ما ليس من حديثه غالطًا، قال ابن الصلاح رحمه اللهُ تعالى: وأشدّ هذه الأصناف ضررًا أهل الزهد؛ لأنهم للثقة بهم، وتوسّم الخير فيهم يَقبَل موضوعاتهم كثير ممن هو على نمطهم في الجهل، ورقّة الدين. وقال الحافظ رحمه اللهُ تعالى: ويلتحق بالزهّاد في ذلك المتفقّهة الذين استجازوا نسبة ما دلّ عليه القياس إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: وأخفى الأصناف الصنف الأخير الذين لم يتعمّدوا الكذب مع وصفهم بالصدق، فإن الضرر بهم شديد؛ لدقّة استخراج ذلك إلا من الأئمة النقّاد، وأما باقي الأصناف فالأمر فيهم أسهل؛ لأن كون تلك الأحاديث كذبًا لا تخفى إلا على الأغبياء. انتهى (1).
وإلى هذا الصنف أشرت في المنظومة المذكورة بقولي:
وَسَابِعُ الأَصْنَافِ قَوْمٌ وَضَعُوا
…
مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ غَلطًا، فَافْتَجَعُوا
فَنَسَبُوا إِلَى النَّبِيِّ مَا وَرَدْ
…
عَنْ صَحْبِهِ أَوْ غَيْرِهِمْ لِذَا يُرَدّ
وَكَا الَّذِي بِمَنْ يَدُسُّ يُبْتَلَى
…
مَا لَيْسَ مِنْ حَدِيثِهِ فَأُبْطَلَا
كَابْنِ أَبِي الْعَوْجَاءِ حَمَّادًا ظَلَمْ
…
كَذَاكَ قُرْطُمَةُ سُفْيَانَ اخْتَرَمْ
وَكَاتِبُ اللَّيْثِ بِجَارِهِ بُلِي
…
وَكَالَّذِي بِآفَةٍ قَدِ ابْتُلِي
(1) راجع "تنزيه الشريعة" 1/ 11/ 16.