الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعروف، ومقابله يقال له: المنكر. انتهى.
وإلى هذا أشار الحافظ السيوطيّ رحمه الله تعالى في "ألفية الحديث"، بقوله:
وَذُو الشُّذُوذِ مَا رَوَى الْمَقْبُولُ
…
مُخَالِفًا أَرْجَحَ وَالْمَجْعُولُ
أَرْجَحَ مَحْفُوظٌ وَقِيلَ مَا انْفَرَدْ
…
لَوْ لم يُخَالِفْ قِيلَ أَوْ ضَبْطًا فَقَدْ
وقال أيضًا:
الْمُنْكَرُ الَّذِي رَوَى غَيْرُ الثِّقَهْ
…
مُخَالِفًا فِي نُخْبَةٍ قَدْ حَقَّقَهْ
قَابَلَهُ الْمَعْرُوفُ وَالَّذِي رَأَى
…
تَرَادُفَ الْمُنْكَرِ وَالشَّاذِ نَأَى
والله تعالى أعلم.
الثاني: وقع في عبارتهم "أنكر ما رواه فلان كذا"، وإن لم يكن ذلك الحديث ضعيفا، وقال ابن عدي: أنكر ما روى بُريد بن عبد الله بن أبي بردة: "إذا أراد الله بأمة خيرا قبض نبيها قبلها"، قال: وهذا طريق حسن رواته ثقات، وقد أدخله قوم في صحاحهم. انتهى، والحديث في "صحيح مسلم"(1).
وقال الذهبي: أَنْكَرُ ما للوليد بن مسلم من الأحاديث، حديث حفظ القرآن، وهو عند الترمذي، وحسنه، وصححه الحاكم على شرط الشيخين. قاله في "التدريب" 1/ 241. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
المسألة الثالثة في البحث عن حكم زيادة الثقة:
قد صرّح المصنّف رحمه الله تعالى في كلامه السابق بأن من قد شارك الثقات الحفّاظ في بعض ما رووا، وأمعن في ذلك، إذا زاد شيئًا ليس عند أصحابه قُبلت زيادته، وهذا هو الذي يسمّونه زيادة الثقة، ويشمل الزيادة في الإسناد، وفي المتن، وفيه اختلاف بين أهل العلم، وقد بينه في "التدريب" أحسن بيان، حيث قال ما خلاصته:
معرفة زيادات الثقات فن لطيف، تُستحسن العناية به، وقد اشتهر بمعرفة ذلك جماعة، كأبي بكر عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري، وأبي الوليد حسان بن محمد القرشي، وغيرهما، ومذهب الجمهور من الفقهاء والمحدثين قبولها مطلقا، سواء وقعت
(1) أخرجه في "كتاب الفضائل"، ونصّه:
2288 -
وحُدِّثتُ عن أبي أسامة، وممن روى ذلك عنه إبراهيم بن سعيد الجوهري، حدثنا أبو أسامة، حدثني بريد بن عبد الله، عن أبي بردة، عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله عز وجل إذا أراد رحمة أمة من عباده، قَبَضَ نبيها قبلها، فجعله لها فَرَطًا وسلفا بين يديها، وإذا أراد هَلَكَةَ أمة عَذَّبَهَا ونبيها حي، فأهلكها وهو ينظر، فأقر عينه بهلكتها، حين كذبوه وعصوا أمره".
ممن رواه أولا ناقصا، أم من غيره، وسواء تعلق بها حكم شرعي، أم لا، وسواء غَيّرت الحكم الثابت، أم لا، وسواء أوجبت نقض أحكام ثبتت بخير ليست هي فيه، أم لا، وقد ادَّعَى ابن طاهر الإتفاق على هذا القول، وقيل: لا تقبل مطلقا، لا ممن رواه ناقصا، ولا من غيره، وقيل تقبل إن زادها غير من رواه ناقصا، ولا تقبل ممن رواه مرة ناقصا. وقال ابن الصباغ: فيه إن ذكر أنه سمع كل واحد من الخبرين في مجلسين قبلت الزيادة، وكانا خبرين يعمل بهما، وإن عزى ذلك إلى مجلس واحد، وقال: كنت أنسيت هذه الزيادة قبل منه، وإلا وجب التوقف فيها. وقال في "المحصول": فيه العبرة لما روى منه أكثر، فإن استوى قُبلت منه، وقيل: إن كانت الزيادة مغيرة للإعراب، كان الخبران متعارضين، وإلا قبلت، حكاه ابن الصباغ عن المتكلمين، والصفي الهندي عن الأكثرين، كأن يُروَى في أربعين شاةٌ، ثم في أربعين نصفُ شاة، وقيل: تقبل إن غَيّرت الإعراب مطلقا، وقيل: لا تقبل إلا إن أفادت حكما، وقيل: تقبل في اللفظ دون المعنى، حكاهما الخطيب. وقال ابن الصباغ: إن زادها واحد، وكان من رواه ناقصا جماعة، لا يجوز عليهم الوهم سقطت، وعبارة غيره:"لا يغفل مثلهم عن مثلها عادة"، وقال ابن السمعاني مثله، وزاد أن يكون مما تتوفر الدواعي على نقله، وقال الصيرفي، والخطيب: يُشترط في قبولها كون من رواها حافظا.
وقال الحافظ: اشتهر عن جمع من العلماء القول بقبول الزيادة مطلقا، من غير تفصيل، ولا يتأتى ذلك على طريق المحدثين الذين يشترطون في الصحيح والحسن، أن لا يكون شاذا، ثم يفسرون الشذوذ بمخالفة الثقة من هو أوثق منه، والمنقول عن أئمة الحديث المتقدمين، كابن مهدي، ويحيى القطان، وأحمد، وابن معين، وابن المديني، والبخاري، وأبي زرعة، وأبي حاتم، والنسائي، والدارقطني، وغيرهم اعتبار الترجيح فيما يتعلق بالزيادة المنافية، بحيث يلزم من قبولها رد الرواية الأخرى.
وقد تنبه لذلك ابن الصلاح، وتبعه النوويّ حيث قال: وقسمه ابن الشيخ الصلاح أقساما:
[أحدها]: زيادة تخالف الثقات فيما رووه فترد، كما سبق في نوع الشاذ.
[الثاني]: ما لا مخالفة فيه لما رواه الغير أصلا، كتفرد ثقة بجملة حديث فيقبل، قال الخطيب: باتفاق العلماء.
[الثالث]: زيادة لفظة في حديث لم يذكرها سائر رواته، وهذه مرتبة بين تينك المرتبتين، كحديث حذيفة:"جُعلت لي الأرض مسجدا وطهورا"، انفرد أبو مالك سعد ابن طارق الأشجعي، فقال:"وجعلت تربتها لنا طهورا"، وسائر الرواة لم يذكروا
ذلك، فهذا يشبه الأول المردود من حيث إن ما رواه الجماعة عام، وما رواه المنفرد المردود بالزيادة مخصوص، وفي ذلك مغايرة في الصفة، ونوع من المخالفة يختلف به الحكم، ويشبه الثاني المقبول من حيث إنه لا منافاة بينهما، كذا قال الشيخ ابن الصلاح، قال النوويّ: والصحيح قبول هذا الأخير، قال: ومثله الشيخ أيضا بزيادة مالك في حديث الفطرة: "من المسلمين"، ونقل عن الترمذي أن مالكا تفرد بها، وأن عبيد الله بن عمر، وأيوب، وغيرهما رووا الحديث عن نافع، عن ابن عمر بدون ذلك، قال النوويّ: ولا يصح التمثيل به، فقد وافق مالكا عليها جماعة من الثقات، منهم عمر ابن نافع، وروايته عند البخاري في "صحيحه"، والضحاك بن عثمان، وروايته عن مسلم في "صحيحه"، قال العراقي: وكثير بن فرقد، وروايته في "مستدرك الحاكم"، و "سنن الدارقطني"، ويونس بن يزيد في "بيان المشكل للطحاوي"، والمعلى بن إسماعيل في "صحيح ابن حبّان"، وعبد الله بن عمر العمري في "سنن الدارقطني".
قيل: وزيادة "التربة" في الحديث السابق يحتمل أن يراد بها الأرض، من حيث هي أرض، لا التراب، فلا يبقى فيه زيادة، ولا مخالفة لمن أطلق.
وأجيب بأن في بعض طرقه التصريح بالتراب، ثم إن عَدّها زيادة بالنسبة إلى حديث حذيفة، وإلا فقد وردت في حديث علي، رواه أحمد، والبيهقي، بسند حسن.
ومن أمثلة هذا الباب حديث الشيخين عن ابن مسعود رضي الله عنه: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي العمل أفضل؟ قال: "الصلاة لوقتها"، وزاد الحسن بن مُكرم، وبندار في روايتهما:"في أول وقتها"، صححها الحاكم، وابن حبان. وحديث الشيخين عن أنس رضي الله عنه:"أُمر بلال أن يشفع الأذان، ويوتر الإقامة"، زاد سماك بن عطية:"إلا الإقامة"، وصححها الحاكم، وابن حبان. وحديث علي رضي الله عنه:"إن السَّهَ وِكاء العين"، زاد إبراهيم بن موسى:"فمن نام فليتوضأ". انتهى. ما في "التدريب" 1/ 245 - 248.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تلخّص مما سبق أن الأرجح في مسألة زيادة الثقة التفصيل الذي سبق، وهو أنها إن خالفت ما رواه الثقات رُدّت؛ لكونها شاذّة منافية، وإلا قُبلت؛ لأن من زادها جازم بما رواه، وهو ثقة، ولا معارض لروايته؛ لأن الساكت عنها لم ينفها لفظا، ولا معنى؛ لأن مجرد سكوته عنها لا يدل على أن راويها وَهِمَ فيها، وإن وقعت بين هاتين المرتبتين، كأن زاد لفظة توجب قيدًا لمطلق، أو تخصّصًا، فالذي عليه عمل المحدّثين كعبد الرحمن بن مهديّ، ويحيى بن سعيد، وأحمد بن حنبل، والبخاريّ، وأبي حاتم، والدارقطنيّ، وغيرهم من الأئمة أنهم لا يحكمون فيه بحكم كلّيّ من القبول والردّ، بل عملهم في ذلك دائر مع الترجيح بالنسبة إلى ما يقوى عندهم في كلّ حديث، فربما يقبلون من ثقة حافظ في موضع، ويردّون منه
في موضع آخر، قال الحافظ رحمه الله تعالى عند ذكر ترجيح الإمام البخاريّ رحمه الله تعالى لوصل حديث. "لا نكاح إلا بوليّ": ما حاصله: الإستدلال بأن الحكم للواصل دائمًا على العموم من صنيع البخاريّ في هذا الحديث الخاصّ ليس بمستقيم؛ لأن البخاريّ لم يحكم فيه بالإتصال من أجل كون الوصل زيادة، وإنما حكم له بالاتصال لمعان أخرى، رجحت عنده حكم الموصول، منها: أن يونس بن أبي إسحاق، وابنيه إسرائيل، وعيسى رووه عن أبي إسحاق موصولًا، ولا شكّ أن آل الرجل أخصّ به من غيرهم، ووافقهم على ذلك أبو عوانة، وشريك النخعيّ، وزهير بن معاوية، وتمام العشرة من أصحاب أبي إسحاق، مع اختلاف مجالسهم في الأخذ عنه، وسماعهم إياه من لفظه، وأما رواية من أرسله وهما شعبة، وسفيان، فإنما أخذاه عن أبي إسحاق في مجلس واحد، فقد رواه الترمذيّ، قال: حدثنا محمود بن غيلان، ثنا أبو داود، حدثنا شعبة، قال: سمعت سفيان الثوريّ يسأل أبا إسحاق، أسمعت أبا بُردة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بوليّ" فقال: نعم، فشعبة وسفيان إنما أخذاه معًا في مجلس واحد عرضًا كما ترى، ولا يخفى رجحان ما أخذ من لفظ المحدث في مجالس متعدّدة على ما أخذ عنه عرضًا في محل واحد.
هذا إذا قلنا: حفظ سفيان وشعبة في مقابل عدد الآخرين، مع أن الشافعيّ رحمه الله تعالى يقول: العدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد.
فتبيّن أن ترجيح البخاريّ لوصل هذا الحديث على إرساله لم يكن لمجرّد أن الوصل معه زيادة ليست مع المرسل، بل لما يظهر من قرائن الترجيح، ويزيد ذلك ظهورًا تقديمه الإرسال في مواضع أُخَر، مثاله ما رواه الثوريّ، عن محمد بن أبي بكر ابن حزم، عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: إن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "إن شئتِ سبَعتُ لك
…
" الحديث، ورواه مالك عن عبد الله ابن أبي بكر بن الحارث أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لأم سلمة رضي الله عنها، قال البخاريّ في "تاريخه": الصواب قول مالك، مع إرساله. فصوّب الإرسال هنا لقرينة ظهرت له فيه، وصوّب المتّصل هناك؛ لقرينة ظهرت له فيه، فتبيّن أنه ليس له عملٌ مطّرد في ذلك. انتهى كلام الحافظ (1).
وإلى ما تقدّم أشرت في منظومتي "شافية الغُلل" حيث قلت:
زِيَادَةُ الثِّقَةِ فِيهَا اخْتَلَفُوا
…
قَبِلَهَا قَوْمٌ وَقَوْمٌ ضَعَّفُوا
وَفَصَّلَتْ طَائِفَةٌ فَإِنْ أَتَتْ
…
مِنْ حَافِظٍ ثَبْتٍ فَأَخْذُهَا ثَبَتْ
(1) راجع "النكت على ابن الصلاح" للحافظ رحمه الله تعالى 2/ 606 - 609.