الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صُهْبَانَ، وَمَنْ نَحَا نَحْوَهُمْ فِي رِوَايَةِ الْمُنْكَرِ مِنَ الْحَدِيثِ، فَلَسْنَا نُعَرِّجُ عَلَى حَدِيثِهِمْ، وَلَا نَتَشَاغَلُ بِهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَالَّذِي نَعْرِفُ مِنْ مَذْهَبِهِمْ فِي قَبُولِ مَا يَتَفَرَّدُ بِهِ الْمُحَدِّثُ مِنَ الْحَدِيثِ، أَنْ يَكُونَ قَدْ شَارَكَ الثِّقَاتِ، مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْحِفْظِ فِي بَعْضِ مَا رَوَوْا، وَأَمْعَنَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمُوَافَقَةِ لَهُمْ، فَإذَا وُجِدَ كَذَلِكَ، ثُمَّ زَادَ بَعْدَ ذَلِكَ شيْئًا لَيْسَ عِنْدَ أَصْحَابِهِ، قُبِلَتْ زِيَادَتُهُ، فَأَمَّا مَنْ تَرَاهُ يَعْمِدُ لِمِثْلِ الزُّهْرِيِّ فِي جَلَالَتِهِ، وَكَثْرَةِ أَصْحَابِهِ الْحُفَّاظِ الْمُتْقِنِينَ لِحَدِيثِهِ وَحَدِيثِ غَيْرِهِ، أَوْ لِمِثْلِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، وَحَدِيثُهُمَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مَبْسُوطٌ مُشْتَرَكٌ، قَدْ نَقَلَ أَصْحَابُهُمَا عَنْهُمَا حَدِيثَهُمَا عَلَى الإِتِّفَاقِ مِنْهُمْ فِي أَكْثَرِهِ، فَيَرْوِي عَنْهُمَا، أَوْ عَنْ أَحَدِهِمَا الْعَدَدَ مِنَ الْحَدِيثِ، مِمَّا لَا يَعْرِفُهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِمَا، وَلَيْسَ مِمَّنْ قَدْ شَارَكَهُمْ فِي الصَّحِيحِ مِمَّا عِنْدَهُمْ، فَغَيْرُ جَائِزٍ قَبُولُ حَدِيثِ هَذَا الضَّرْبِ مِنَ النَّاسِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ).
إيضاح المعنى الإجماليّ لهذه الفقرة:
بيّن رحمه اللهُ تعالى أنه كما يُترك أحاديث المتّهمين كذلك يترك أحاديث من كان الغالب على حديثه المنكر، أو الغلط، ثم بيّن ما يُعرف به الحديث المنكر، وهو أنه إذا عُرضت رواية راويه على رواية الحفّاظ الأثبات خالفت روايته روايتهم، فإذا كان كذلك لا يُقبل حديثه، بل يكون مردودًا.
ثم ذكر أمثلة لهذا النوع، حيث قال: فمن هذا الضرب من المحدّثين عبد الله بن مُحَرَّر الخ. ثم بيّن أن مذهب أهل العلم في قبول ما ينفرد به المحدّث أن يُشارك الثقات الأثبات فيما يروونه من الأحاديث، ولو في بعض مرويّاتهم، فيوافقهم على ذلك، فإذا كان كذلك، ثم زاد على أصحابه قُبلت زيادته.
وأما الذي يروي عن الأئمة المشهورين، كالزهريّ، وهشام بن عروة، ممن اشتهر بكثرة الأحاديث، وكثرة الرواة الأثبات المتقنين ما لا يعرفه أحد من أصحابهما، وليس ذلك الراوي شارك الثقات الحفّاظ في رواية أحاديثهما الصحيحة، فلا يجوز قبوله؛ لكونه منكر الحديث. والله تعالى أعلم.
إيضاح الشرح التفصيليّ لهذه الفقرة:
(وَكَذَلِكَ) أي مثل ما تقدّم من ترك أحاديث المتّهمين بالوضع، والجارّ والمجرور متعلّق بحال محذوف: أي حال كونه كائنًا مثل ما تقدّم (مَنِ) بفتح الميم موصولة مبتدأ، خبره قوله:"أمسكنا"(الْغَالِبُ) أي الكثير (عَلَى حَدِيثِهِ الْمُنْكَرُ) أي غير المعروف عند
أهل الحديث (أَوِ الْغَلَطُ) بفتح اللام، مصدر غلِط، من باب تعِب: أي أو كان الغالب على حديثهم الغلط (أَمْسَكْنَا أَيْضًا عَنْ حَدِيثِهِمْ) أي تركنا إخراج أحاديثهم في هذا الكتاب. فقوله: "الغالب" مبتدأ، وقوله:"على حديثه" متعلّق به، وقوله:"المنكر" خبر المبتدإ، والجملة صلة:"من"، وقوله:"أو الغلط" عطف على "الغالب"، وقوله:"أمسكنا الخ" خبر "من".
وحاصل معنى كلامه رحمه الله تعالى أنه كما ترك إخراج أحاديث المتّهمين بالوضع، ترك أيضًا من كان قريبًا من درجتهم، وهم الذين يغلب على أحاديثهم المنكر، أو الغلط. والله تعالى أعلم بالصواب.
ثم ذكر علامةً يعرف بها كون الحديث منكرًا، فقال:
(وَعَلَامَةُ الْمُنْكَرِ) مبتدأ خبره جملة "إذا": والعلامة، كالعَلَم -بفتحتين-: الفصل يكون بين الأرضين، وشيء يُنصب في الْفَلَوَات تهتدي إليه الضالّة. أفاده في "اللسان". والمعنى: أن علامة وقوع المنكر (فِي حَدِيثِ الْمُحَدِّثِ) متعلّق بـ "المنكر"(إِذَا مَا عُرِضَتْ) بالبناء للمفعول (رِوَايَتُهُ لِلْحَدِيثِ) متعلّق بما قبله (عَلَى رِوَايَةِ غيْرِهِ) متعلّق بـ "عُرضت"(مِنْ أَهْلِ الْحِفْظِ وَالرِّضَا) أي من الرواة الحفّاظ العدول، وقد أشار رحمه الله تعالى بهذا إلى شرطي قبول حديث المحدّث، وهما الحفظ، والعدالة؛ إذ هي المراد بالرضا، كما قال الله سبحانه وتعالى:{مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282]، وقد بين المرضي في آية أخرى، حيث قال سبحانه وتعالى:{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2]، فدلّ على أن العدل هو المرضيّ الذي تجوز شهادته، والرواية في هذا مثل الشهادة، كما سيأتي في كلام المصنّف رحمه الله تعالى.
وإلى الشرطين المذكورين أشار السيوطيّ في ألفيّة الحديث، حيث قال:
لِنَاقِلِ الأَخْبَارِ شَرْطَانِ هُمَا
…
عَدْلٌ وَضَبْطٌ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمَا
مُكَلَّفًا لَمْ يَرْتَكِبْ فِسْقًا وَلَا
…
خَرْمَ مُرُوءَةٍ وَلَا مُغَفَّلَا
يَحْفَظُ إِنْ يُمْلِ كِتَابًا يَضْبِطُ
…
إِنْ يَرْوِ مِنْهُ عَالِمًا مَا يُسْقِطُ
إِنْ يَرْوِ بِالْمَعْنَى وَضَبْطُهُ عُرِفْ
…
إِنْ غَالِبًا وَافَقَ مَنْ بِهِ وُصِفْ
وقوله: (خَالَفَتْ) جواب "إذا"(رِوَايَتُهُ رِوَايَتَهُمْ) أي لم توافقها أصلًا (أَوْ لم تَكَدْ) أي لم تقرب (تُوَافِقُهَا) قال النوويّ رحمه الله تعالى: معناه: لا توافقها إلا في قليل، قال أهل اللغة. "كاد" موضوعة للمقاربة، فإن لم يتقدّمها نفي كانت لمقاربة الفعل، ولم يفعل، كقوله تعالى:{يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ} الآية [البقرة: 20]، وإن تقدّمها نفي كانت للفعل بعد بُطء، وإن شئت قلت: لمقاربة عدم الفعل، كقوله تعالى: {وَمَا كَادُوا
يَفْعَلُونَ} [البقرة: 71]. انتهى (1).
[فائدة]: اعلم أنه قد اشتهر بين النحويين أن "كاد" إثباتها نفي، ونفيها إثبات، حتى جعله بعضهم لغزًا، حيث قال:
أَنَحْوِيَّ هَذَا الْعَصْرِ مَا هِيَ لَفْظَةٌ
…
جَرَتْ فِي لِسَانَي جُرْهُمٍ وَثَمُودِ
إِذَا اسْتُعْمِلَتْ فِي صُورَةِ الْجَحْدِ أَثْبَتَتْ
…
وَإِنْ أَثْبَتَتْ قَامَتْ مَقَامَ جُحُودِ
والصحيح -كما قال الفاكهيّ، وغيره-: أنها كسائر الأفعال، نفيُها نفي، وإثباتها إثبات، وقوله تعالى:{فَذَبَحُوهَا} لا ينافي قوله تعالى: {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} ؛ لأن معنى الكلام: أنهم ذبحوها، ولم يكونوا قبل الذبح قريبين إلى الذبح؛ بناءً على التعنّتات الصادرة عنهم. وحاصله أن انتفاء مقاربتهم إلى الذبح إنما كان قبل زمان الذبح، فلما انقطعت تعلّلاتهم، وانتهت سؤالاتهم فعلوه، كالمضطرّ الملجأ إلى الفعل (2). والله تعالى أعلم.
(فَإِذَا كَانَ الأَغْلَبُ مِنْ حَدِيثِهِ) أي المحدث (كَذَلِكَ) أي كما ذُكر، من المخالفة أصلًا، أو المخالفة إلا في القليل النادر (كَانَ مَهْجُورَ الْحَدِيثِ) أي متروكه، من هجرته هجرًا: إذا قطعته، وقوله:(غَيْرَ مَقْبُولِهِ) مؤكّد لما قبله، كقوله (وَلَا مُسْتَعْمَلِهِ) بصيغة اسم المفعول: أي غير جائر الاستعمال، بمعنى أنه لا يجوز العمل بحديثه.
ثم ضرب أمثلة لهؤلاء الذين تُهْجَرُ أحاديثهم؛ لنكارتها، وغلبة الغلط فيها بذكر بعضهم، فقال:
(فَمِنْ هَذَا الضَّرْبِ) أي الصنف، قال في "القاموس": والضرب الصنف من الشيء، كالضريب، والمَضروبِ. انتهى (مِنَ الْمُحَدِّثِينَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَرَّرٍ) بالرفع على أنه مبتدأ مؤخّر، خبره الجار والمجرور قبله.
و"محرّر" بصيغة اسم المفعول المضعّف، من التحرير، قال النوويّ: هو بفتح الحاء المهملة، وبراءين مهملتين، الأولى مفتوحة مشدّدة، هكذا هو في روايتنا، وفي أصول أهل بلادنا، وهذا هو الصواب، وكذا ذكره البخاريّ في "تاريخه"، وأبو نصر بن ماكولا، وأبو عليّ الغسّانيّ الجيّانيّ، وآخرون من الحفّاظ. وذكر القاضي عياض أن جماعة شيوخهم رووه مُحْرِزًا بإسكان الحاء، وكسر الراء، وآخره زاي، قال: وهو غلط، والصواب الأول. انتهى (3).
(1)"شرح مسلم" 1/ 57.
(2)
راجع "الكواكب الدريّة على متممة الآجروميّة" ص 115.
(3)
"شرح مسلم" 1/ 57.
وهو عبد الله بن محرّر -براء مهملة مكررة- العامري الجزري الحراني، ويقال الرَّقّي، قاضي الجزيرة، ولّاه أبو جعفر قضاء الرّقّة، وهو من تابعي التابعين. روى عن قتادة، والزهري، ونافع، وعبد الكريم الجزري، وأيوب، والحكم بن عتيبة، وعدة. وعنه الثوري، وهو من أقرانه، وإسماعيل بن عياش، وبقية، وعبد الرزاق، وحاتم بن إسماعيل، وأبو نعيم الفضل بن دكين، وغيرهم. قال حمدان الوراق، عن أحمد: ترك الناس حديثه. وقال معاوية بن صالح، عن ابن معين: ضعيف. وقال عثمان الدارمي، عن ابن معين: ليس بثقة. وقال أبو نعيم، الفضل بن دكين: ما نصنع بحديثه، هو ضعيف. وقال عمرو بن علي، وأبو حاتم، وعلي بن الجنيد، والدارقطني: متروك الحديث. وكذا قال النسائي، وقال مرة: ليس بثقة، ولا يكتب حديثه. وقال أبو حاتم أيضا: منكر الحديث، ترك حديثه ابن المبارك. وقال الجوزجاني: هالك. وقال أبو زرعة: ضعيف الحديث. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال ابن المبارك: كنت لو خيرت بين أن أدخل الجنة، وبين أن ألقى عبد الله بن محرر، لاخترت أن ألقاه، ثم أدخل الجنة، فلما رأيته كانت بعرة أحب إلي منه. وقال ابن حبان: كان من خيار عباد الله، إلا أنه كان يكذب، ولا يعلم، ويُقلّب الأسانيد، ولا يفهم. وقال عبد الرزاق: في روايته عن قتادة، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم:"عَقَّ عن نفسه بعد النبوة"، قال عبد الرزاق: إنما تركوه لحال هذا الحديث. وقال ابن عدي: رواياته عن من يروي عنه غير محفوظة. وقال هلال بن العلاء الرَّقَّيُّ في "تاريخه": ذكروا أنه مات في خلافة أبي جعفر، وهو منكر الحديث، حدث عن الزهري، وقتادة، ويزيد بن الأصم بأحاديث مناكير. وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: امتنع أبو زرعة من قراءة حديثه علينا، وضربنا عليه. وقال ابن سعد: توفي في خلافة أبي جعفر، وكان ضعيفا، ليس بذاك. وذكره البخاريّ في "الأوسط" فيمن مات ما بين الخمسين إلى الستين. وقال أبو نعيم الأصبهاني: روى عن قتادة المناكير. له في ابن ماجه حديث واحد في الحلف باليهودية (1). وسيذكره المصنّف في "باب كشف معايب رواة الحديث"، إن شاء الله تعالى.
(وَيَحْيَى بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ) -بضم الهمزة، مصغّرًا- واسمه زيد، ويقال أسامة الغنوي مولاهم، أبو زيد الجزري، روى عن عمرو بن شعيب، وجابر الجعفي، والحكم بن عتيبة، والزهري، وعلقمة بن مرثد، ويزيد بن أبي حبيب، وغيرهم. روى عنه الأعمش،
(1) راجع "تهذيب التهذيب" 2/ 418 - 419. "المغني" 1/ 356 "الضعفاء والمتروكين" 2/ 137. "الجرح والتعديل" 5/ 176. "الضعفاء الكبير" 2/ 309.
وهو أكبر منه، وابن إسحاق، وأبو خيثمة، وعبد الوارث بن سعيد، وأبو إسحاق الفزاري، وأبو معاوية الضرير، وعبد الله بن بكر السهمي، وآخرون.
قال ابن سعد: كان يسكن الرُّها، وكان أحدث من أخيه زيد بن أبي أنيسة، وكان ضعيفًا، وأصحاب الحديث لا يكتبون حديثه. وقال أبو موسى: ما سمعت يحيى، ولا عبد الرحمن حدثا عن يحيى بن أبي أنيسة شيئا قط. وقال صالح بن أحمد، عن علي ابن المديني: سمعت يحيى بن سعيد يقول: يحيى بن أبي أنيسة أحب إلي من حجاج بن أرطاة، وأشعث بن سَوّار، وابن إسحاق، قال ابن أبي حاتم: فذكرت ذلك لأبي، فقال: يحيى بن سعيد لم يكتب عن ابن أبي أنيسة، ولو كتب عنه لم يقل هذا. قال زيد ابن أبي أنيسة: أخي يحيى يكذب، وحجاج، وأشعث، وابن إسحاق كل هؤلاء أحب إلي من يحيى. وقال عمرو بن علي عن يحيى بن سعيد: سمعت ابن عيينة يقول: كانوا يجتمعون على كتاب يحيى بن أبي أنيسة عند الزهري. وقال عبد الله بن جعفر، عن عبيد الله بن عمرو الرَّقّي: قال لي زيد بن أبي أنيسة: لا تكتب عن أخي يحيى، فإنه كذاب. وقال أحمد بن أبي يحيى، عن أحمد بن حنبل: يحيى بن أبي أنيسة متروك الحديث. وقال الأثرم عن أحمد: ليس هو ممن يكتب حديثه، قيل له: لم؟ قال: حديثه يدلك عليه. وقال الجوزجاني: غير ثقة، سمعت أحمد يذكره بالذم. وقال عثمان الدارمي عن ابن معين: ليس بشيء. وقال ابن الدَّوْرقي عن ابن معين: كان أقدم من أخيه زيد، وليس حديثه بشيء. وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت أبي وأبا زرعة عنه؟ فقالا: ليس بالقوي، وقال أبي: هو ضعيف الحديث. وقال ابن المديني: ضعيف، لا يكتب حديثه. وقال عمرو بن علي: صدوق، وكان يهم في الحديث. وقد اجتمع أصحاب الحديث على تركه، إلا من لا يَعلَم. وقال يعقوب بن سفيان: لا يكتب حديثه إلا للمعرفة. وذكره فيمن لا ينبغي لأهل العلم أن يَشْغَلوا أنفسهم بحديثهم، وفي باب من يُرغَب عن الرواية عنهم، وكنت أسمع أصحابنا يضعفونهم. وقال البخاري: ليس بذاك، وقال أيضا: لا يتابع في حديثه. وقال النسائي، والدارقطني: متروك الحديث. وقال ابن عدي: يقع في رواياته ما لا يتابع عليه، ومع ضعفه يكتب حديثه. وقال النسائي أيضا: ليس بثقة. وقال الساجي: متروك الحديث، ضعيف جدا، كان صدوقا، ولم يكن بالحافظ. وقال ابن حبان: كان يقلب الأسانيد، ويرفع المراسيل، لا يجوز الاحتجاج به. قال أبو عروبة: أخبرني أبو فروة أنه مات سنة ست وأربعين ومائة. له عند الترمذيّ حديث واحد برقم (1260) "من كاتب عبده على مائة أوقيّة، فأداها
…
) الحديث. وقال في التقريب: ضعيف من السادسة.
(وَالْجَرَّاحُ) بفتح الجيم، وتشديد الراء (ابْنُ الْمِنْهَالِ) بكسر، فسكون (أَبُو
الْعَطُوفِ) -بفتح العين، وضمّ الطاء المهملتين- الجزري، روى عن الزهري، قال أحمد: كان صاحب غفلة. وقال ابن المديني: لا يكتب حديثه. وقال البخاري ومسلم: منكر الحديث. وقال النسائي، والدارقطني: متروك. وقال ابن حبان: كان يكذب في الحديث، ويشرب الخمر، مات سنة ثمان وستين ومائة. وقال ابن معين: ليس حديثه بشيء. وقال أبو حاتم، والدولابي: متروك الحديث، ذاهب لا يكتب حديثه. وقال ابن سعد: كان ضعيفا في الحديث. وذكره البرقي في "باب من اتُّهم بالكذب". وقال أبو أحمد الحاكم: حديثه ليس بالقائم. وقال النسائي في "التمييز": ليس بثقة، ولا يكتب حديثه. وقال ابن الجارود: ليس بشيء. وذكره الساجي، والعقيلي، والجوزجاني في "الضعفاء". وقال ابن الجوزي: قلب ابن إسحاق اسمه، فسماه المنهال بن الجراح. وكذا قلبه يوسف بن أسباط، وقع كذلك في "كتاب الطهارة" -من "شرح السنة" للبغوي. وليس له في الكتب الستة شيء (1).
(وَعَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ) الثقفي البصري، رَوَى عن أيوب السختياني، ويحيى بن أبي كثير، وعمرو بن خالد الواسطي، وثابت البناني، وعبد الله بن طاووس، وعبد الله بن محمد بن عَقِيل، وعمرو بن أبي عمرو، مولى المطلب، وأبي الزبير، وأبي الزناد، وغيرهم، وروى عنه إبراهيم بن طهمان، وأبو خيثمة، وهما من أقرانه، وإسماعيل بن عياش، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي، وعبد الرحمن بن محمد المحاربي، وأبو بدر شجاع بن الوليد، وضمرة بن ربيعة، وأبو ضمرة، وأبو عاصم، وأبو نعيم، وغيرهم. قال أبو طالب عن أحمد: هو أسوأ حالا من الحسن بن عمارة، وأبي شيبة، روى أحاديث كذب لم يسمعها، وكان صالحا، قلت: فكيف روى ما لم يسمع؟ قال: الْبُلْهُ والغفلة. وقال الدُّوري عن ابن معين: ضعيف الحديث، وليس بشيء. وقال ابن أبي مريم عن ابن معين: لا يكتب حديثه. وقال عثمان الدارمي عن ابن معين: ليس بشيء في الحديث، وكان رجلا صالحا. وقال ابن المبارك: انتهيت إلى شعبة، فقال: هذا عباد بن كثير فاحذروه. وقال ابن المبارك أيضا: قلت للثوري: إن عبادا من تعرف حاله، وإذا حدث جاء بأمر عظيم، فترى أن أقول للناس: لا تأخذوا عنه؟ قال: بلى. وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: كان يسكن مكة، ضعيف الحديث، وفي حديثه عن الثقات إنكار. وعن أبي زرعة: لا يكتب حديثه، كان شيخا صالحا، وكان لا يضبط الحديث، قال: وكان في كتاب أبي زرعة: حديث عن أحمد بن يونس، عن زهير عنه، فقال: اضربوا عليه. وقال البخاري: اتركوه. وقال النسائي: متروك الحديث. وقال
(1) راجع "ميزان الاعتدال" 2/ 14 - 15 "لسان الميزان" 2/ 124 - 125.
الدارقطني: ضعيف. وقال إبراهيم الجوزجاني: لا ينبغي لحكيم أن يذكره في العلم حسبك بحديث النهي. وقال ابن عدي: حدث من المناهي بمقدار ثلاث مائة حديث، قال: ومقدار ما أمليت من حديثه لا يتابع عليه. قال الحافظ: وحديث النهي الذي أشار إليه الجوزجاني، هو الذي ذكر ابن عدي أنه مقدار ثلاثمائة حديث، وصدق ابن عدي قد رأيتها، وكأنه لم يترك متنا صحيحا ولا سقيما، فيه نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كذا إلا وساقه على ذلك الإسناد، الذي ركبه، وهو: حدثني عثمان الأعرج، حدثني يونس، عن الحسن البصري، قال: حدثني سبعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وجابر، وأبو هريرة، ومعقل بن يسار، وعمران بن حصين، فساق الحديث عنهم، وافترى في زعمه أن الحسن سمع من هؤلاء، نعم سمع من معقل، وعمران، واختُلف في سماعه من أبي هريرة، وساق ابن حبان بعضه في ترجمة عباد بن راشد، عن الحسن، وزعم أن ابن قتيبة أخبره به، عن صفوان بن صالح، عن ضمرة بن ربيعة عنه، وما أظنه إلا وَهِمَ في ذلك، أو بعض من تقدمه، والله أعلم. وذكره البخاري في "الأوسط" في فصل من مات بين الأربعين إلى الخمسين ومائة، وقال: سكتوا عنه، وقال الحاكم، وأبو نعيم، أبو عبد الله شيخ قديم، كان الثوري يُكَذِّبه، ولما مات لم يصل عليه، حَدّث عن هشام، والحسن، وابن عقيل، ونافع بالمعضلات، وقال يعقوب بن سفيان: يُذكَر بزهد، وتقشف، وحديثه ليس بذاك. وقال البرقي: ليس بثقة. وقال ابن عمار: ضعيف، وعباد بن كثير الرملي أثبت منه. وقال العجلي: ضعيف، متروك الحديث، وكان رجلا صالحا. وقال عبد الله بن إدريس: كان شعبة لا يستغفر له. روى له أبو داود، وابن ماجه. وسيذكره المصنّف في "باب ذكر معايب رواة الحديث".
(وَحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ ضُمَيْرَةَ) بن أبي ضميرة سعيد الْحِمْيري المدني، روى عن أبيه، وعنه زيد بن الحباب، وغيره، كذبه مالك. وقال أبو حاتم: متروك الحديث كذاب. وقال أحمد: لا يساوي شيئا. وقال ابن معين: ليس بثقة، ولا مأمون. وقال البخاري: منكر الحديث ضعيف. وقال أبو زرعة: ليس بشيء، يضرب على حديثه. وقال أحمد بن حنبل: متروك الحديث. وقال البخاري في "التاريخ الأوسط": تركه علي، وأحمد. وقال الدارقطني: متروك. وقال ابن أبي أويس: كان يُتَّهم بالزندقة. وقال العقيلي: نسبه مالك إلى الكذب، قاله ابن مهدي. وقال أبو داود: ليس بشيء. وقال النسائي: ليس بثقة، ولا يكتب حديثه. وقال ابن الجارود: كذاب ليس بشيء. وقال الإدريسي: لما خرج إسماعيل بن أبي أويس إلى حسين بن عبد الله بن ضميرة، فبلغ مالكا، فهجره أربعين يوما. وقال العقيلي: الغالب على حديثه الوهم والنكارة،
وساق له عن أبيه، عن جده، عن علي رفعه:"المجالس بالأمانة في الحديث"، وقال: هذا قد جاء عن جابر بن عتيك بلفظ: "إذا حدث الرجل، ثم التفت، فهي أمانة"(1). ليس له في الكتب الستة شيء.
(وَعُمَرُ بْنُ صُهْبَانَ) -بضم الصاد المهملة، وإسكان الهاء- ويقال: عمر بن محمد ابن صهبان الأسلمي، أبو جعفر المدني، خال إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى. روى عن زيد بن أسلم، وأبي حازم بن دينار، وصفوان بن سليم، والزهري، وابن المنكدر، ونافع مولى بن عمر، وهشام بن عروة، وثابت البناني، وغيرهم. وروى عنه مندل بن علي، وعيسى بن يونس، ومحمد بن بكر البرساني، ومحمد بن شعيب بن شابور، وسعيد بن سلام العطار، وأبو علي الحنفي، ومعلّى بن أسد العمي، وعبيد الله بن موسى، وآخرون.
قال أحمد: لم يكن بشيء أدركته، ولم أسمع منه. وقال الدوري، عن ابن معين: لا يسوى حديثه فلسا. وقال معاوية بن صالح، عن ابن معين: ليس بذاك. وقال ابن أبي مريم، عن ابن معين: ضعيف الحديث. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي: ضعيف. وقال في موضع آخر: متروك الحديث. وقال أبو زرعة: ضعيف الحديث، واهي الحديث. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، منكر الحديث، متروك الحديث. وقال الأزدي، والدارقطني: متروك الحديث. وقال ابن عدي: عامة أحاديثه مما لا يتابعه الثقات عليه، وغلبت على حديثه المناكير. قال الخطيب في حديث سعيد ابن سلام العطار، عن عمر بن محمد: هو عمر بن محمد بن صهبان، ولم يرو سعيد عن عمر بن محمد بن زيد شيئا. وقال الساجي: فيه ضعف، يحدث عن أبي الزبير، وعمارة بن غزية بأحاديث يخالف فيها. وقال ابن أبي مريم: قال عمي -يعني سعيد بن أبي مريم-: لم يكن بشيء أدركته، ولم أسمع منه. وقال ابن شاهين في "الضعفاء": قال أبو نعيم: كان ضعيفا. وقال في "الثقات" قال أحمد بن صالح: ثقة ما علمت إلا خيرا، ما رأيت أحدا يتكلم فيه. وقال الحاكم: روى عن نافع، وزيد بن أسلم أحاديث مناكير. وقال النسائي في "الكنى": أبو حفص عمر، خال ابن أبي يحيى، أنا إبراهيم ابن يعقوب، ثنا الحنفي، ثنا أبو حفص، خال ابن أبي يحيى، وكان أرضى أهل المدينة يومئذ، أهلُ المدينة له حامدون، ثنا صفوان بن سليم
…
فذكر حديثا. وقال علي بن المديني: لا يكتب حديثه. وقال البغوي: ضعيف الحديث. وقال البخاري في "التاريخ": قال الفضل بن سهل: هو عمر بن محمد بن صهبان. وقال ابن سعد: عمر
(1) راجع "لسان الميزان" 2/ 330 - 331. "التاريخ الكبير" 2/ 388 "الجرح والتعديل" 3/ 359.
ابن صهبان كان قليل الحديث، مات سنة سبع وخمسين ومائة، وفيها أرخه خليفة، وابن قانع. تفرد به ابن ماجه، له عنده حديث واحد، في الأكل يوم الفطر قبل الغدو.
(وَمَنْ نَحَا نَحْوَهُمْ) أي قَصَدَ قَصْدَ هؤلاء المذكورين، وسلك طريقهم (فِي رِوَايَةِ الْمُنْكَرِ مِنَ الْحَدِيثِ، فَلَسْنَا نُعَرِّجُ عَلَى حَدِيثِهِمْ) بتشديد الراء، من التعريج، وهو الميل، والعطف، والإقامة، قال في "اللسان"، : عرّج عليه: عَطَف، وعرّج بالمكان: أقام، وقال أيضًا: والتعريج أن تَحْبِس مطيتك، مقيما على رُفقتك، أو لحاجة. انتهى. فالمعنى هنا: لا نميل إليه، ولا نخرّجه، فقوله:(وَلَا نَتَشَاغَلُ بِهِ) عطف تفسير لـ "نعرّج".
ثم علّل عدم التعريج على حديث هؤلاء بقوله: (لِأَنَّ حُكْمَ أَهْلِ الْعِلْمِ) أي المحدّثين وغيرهم (وَالَّذِي نَعْرِفُ) بكسر الراء، من باب ضرب (مِنْ مَذْهَبِهِمْ فِي قَبُولِ مَا يَتَفَرَّدُ بهِ الْمُحَدِّثُ) أي يرويه وحده (مِنَ الْحَدِيثِ) بيان لـ "ما"(أنْ يَكُونَ) في تأويل المصدَر خبر "أنّ"، أي كون ذلك المتفرّد (قَدْ شَارَكَ الثِّقَاتِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْحِفْظِ) متعلق بحال مقدّر (فِي بَعْضِ مَا رَوَوْا) متعلّق بـ "شارك" أي شاركهم في بعض مروياتهم الأخرى، غير ما تفرّد به (وَأَمْعَنَ) أي بالغ، قال الفيّوميّ: أمعن الفرس إمعانًا: تباعد في عَدْوِهِ، ومنه قيل: أمعن في الطلب: إذا بالغ في الإستقصاء. انتهى (فِي ذَلِكَ) اسم الإشارة راجع إلى "بعض ما رووا"(عَلَى الْمُوَافَقَةِ لَهُمْ) أي للثقات، والجارّان متعلقان بـ "أمعن"(فَإِذَا وُجِدَ) بالبناء للمفعول (كَذَلِكَ) أي على الصفة المذكورة من الموافقة، فالكاف بمعنى "على"، فإنها تأتي بمعناها عند الأخفش، والكوفيين، ومنه قيل لبعضهم: كيف أصبحت؟ قال: كخير: أي على خير (1)(ثُمَّ زَادَ) ذلك المحدّث (بَعْدَ ذَلِكَ) أي بعد أن ظهرت موافقته للثقات في بعض مروياتهم (شَيْئًا) مفعول به لـ "زاد"(لَيْسَ عِنْدَ أَصْحَابِهِ) يريد بهم الثقات المذكورين، والجملة صفة "شيئًا"(قُبِلَتْ زِيَادَتُهُ) ببناء الفعل للمفعول، والجملة جواب "إذا".
وحاصل ما أشار إليه رحمه الله تعالى في كلامه هذا أن شرط قبول زيادة الراوي أن يكون مشاركًا للحفّاظ المتقنين في بعض ما يروونه من الأحاديث، من غير مخالفة لهم، فمن كان حاله هكذا إذا زاد شيئًا على أصحابه الثقات، جاز قبول زيادته؛ لأنه يُحمل على أنه حفظ ما لم يحفظوا، ولا يُستبعد ذلك منه؛ لأنه حافظ، فيمكن أن يكون الشيخ حدّث بالحديث في مجالس، فزاد في بعضها، ونقص في بعضها، فحضر ما لم يحضروا، وحفظ ما لم يحفظوا.
(1) راجع "مغني اللبيب" 1/ 177.
وأما إذا كان المتفرّد بتلك الزيادة بخلاف ذلك، لم تقبل زيادته، كما بيّنه بقوله:
(فَأَمَّا مَنْ تَرَاهُ يَعْمِدُ) بكسر الميم، يقال: عمدت للشيء عمدًا، من باب ضرب، وعمدت إليه: قصدت، وتعمّدته: قصد إليه أيضًا. قاله الفيّوميّ (لِمِثْلِ الزُّهْرِيِّ) هو: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة، القرشي الزهري الفقيه، أبو بكر الحافظ المدني، أحد الأئمة الأعلام، وعالم الحجاز والشام.
قال البخاري عن علي بن المديني: له نحو ألفي حديث. وقال الآجري عن أبي داود: جميع حديث الزهري كله ألفا حديث ومائتا حديث، النصف منها مسند، وقدر مائتين عن غير الثقات، وأما ما اختلفوا فيه فلا يكون خمسين حديثا، والاختلاف عندنا ما تفرد به قوم على شيء. وقال الذهلي عن عبد الرزاق: قلت لمعمر: هل سمع الزهري من ابن عمر؟ قال: نعم سمع منه حديثين. وقال العجلي: روى عن ابن عمر نحوا من ثلاثة أحاديث. وقال ابن سعد: قالوا: وكان الزهري ثقة، كثير الحديث والعلم والرواية، فقيها جامعا. وقال أبو الزناد: كنا نكتب الحلال والحرام، وكان ابن شهاب يكتب كلما سمع، فلما احتيج إليه علمت أنه أعلم الناس. وقال معمر عن صالح ابن كيسان: كنت أطلب العلم أنا والزهري، فقال: تعال نكتب السنن، قال: فكتبنا ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: تعال نكتب ما جاء عن الصحابة، قال: فكتب، ولم نكتب، فأنجح وضيعت. وقال ابن وهب عن الليث: كان ابن شهاب يقول: ما استودعت قلبي شيئا قط فنسيته. وقال ابن مهدي: سمعت مالكا يقول: قال الزهري: ما استفهمت عالما قط، ولا زدت على عالم شيئا قط. قال عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري: ما استعدت حديثا قط. وقال النسائي: أحسن أسانيد تُرْوَى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة: الزهري، عن علي بن الحسين، عن أبيه، عن جده، والزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس، وأيوب، عن محمد، عن عَبِيدة، عن علي، ومنصور عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله. وقال ابن عيينة، عن عمرو بن دينار: ما رأيت أنص للحديث من الزهري. وقال الليث، عن جعفر بن ربيعة، قلت لعراك بن مالك: مَنْ أفقه أهل المدينة؟ فذكر سعيد بن المسيب، وعروة، وعبيد الله بن عبد الله، قال عراك: وأعلمهم عندي جميعا ابن شهاب؛ لأنه جمع علمهم إلى علمه. وقال عبد الرزاق عن معمر: قال عمر بن عبد العزيز لجلسائه: لم يبق أحدٌ أعلم بسنة ماضية منه، قال معمر: وإن الحسن وضرباءه لأحياء يومئذ. وقال عمرو بن أبي سلمة، عن سعيد بن عبد العزيز، عن مكحول: ما بقي على ظهرها أعلم بسنة ماضية من الزهري. وقال أبو صالح عن الليث: ما رأيت عالما أجمع من ابن شهاب، ولا أكثر علما منه، لو سمعتَهُ يحدث في
الترغيب، لقلت لا يحسن إلا هذا، وإن حدث عن الأنساب، لقلت لا يعرف إلا هذا، وإن حدث عن القرآن والسنة، كان حديثه نوعا جامعا. وقال ابن أبي مريم، عن الليث: قال الزهري: ما نشر أحد من الناس هذا العلم نشري، ولا بذله بذلي. وقال ابن مهدي، عن وهيب بن خالد، سمعت أيوب يقول: ما رأيت أحدا أعلم من الزهري، فقال له صخر بن جويرية: ولا الحسن، قال: ما رأيت أعلم من الزهري، وكذا قال أبو بكر الهذلي. وقال إبراهيم بن سعد بن إبراهيم: قلت لأبي: بم فاقكم ابن شهاب؟ قال: كان يأتي المجالس من صدورها، ولا يَلقَى في المجلس كهلا إلا ساءله، ولا شابا إلا ساءله، ثم يأتي الدار من دور الأنصار، فلا يلقى شابا إلا ساءله، ولا كهلا، ولا عجوزا، ولا كهلة إلا ساءلها، حتى يحاول ربات الحجال. وقال سعيد بن عبد العزيز: سأل هشام بن عبد الملك الزهري، أن يملي على بعض ولده، فدعا بكاتب، فأملى عليه أربعمائة حديث، ثم إن هشاما قال له: إن ذلك الكتاب قد ضاع، فدعا الكاتب، فأملاها عليه، ثم قابله هشام بالكتاب الأول، فما غادر حرفا. وقال عبد الرزاق، عن معمر: ما رأيت مثل الزهري في الفن الذي هو فيه. وقال مالك: كان من أسخى الناس. قال أبو داود، عن أحمد بن صالح يقولون: إن مولده سنة خمسين، وقال خليفة: ولد سنة إحدى وخمسين، وقال يحيى بن بكير: سنة ست، وقال الواقدي: سنة ثمان، وكان وفاته سنة ثلاث وعشرين، قاله ضمرة بن ربيعة، وقال القطان وغير واحد: مات سنة ثلاث، أو أربع، وقال أبو عبيدة، وابن المديني، وعمرو ابن علي: في آخر سنة أربع، زاد الزبير بن بكار في رمضان، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة، وقال ابن يونس وغيره: مات في رمضان، سنة خمس وعشرين ومائة.
وقال في "التقريب": الفقيه الحافظ، متّفقٌ على جلالته وإتقانه، وهو من رؤوس الطبقة الرابعة. انتهى.
أخرج له الجماعة، وله في "صحيح مسلم"(606) ستمائة وستة أحاديث. (فِي جَلَالَتِهِ) أي بسبب عظمته، فـ "في" بمعنى الباء السببية، كما في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ما، مرفوعًا: "عُذبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت جوعا
…
" الحديث، رواه البخاريّ (1)، أي بسبب هرة (وَكَثْرَةِ أَصْحَابِهِ) من عطف
(1) هو ما أخرجه البخاريّ رحمه الله في "كتاب المساقاة" من "صحيحه"، فقال:
2365 -
حدثنا إسماعيل، قال: حدثني مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "عذبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت جوعا، فدخلت فيها النار، قال: فقالوا -والله أعلم-: لا أنت أطعمتها، ولا سقيتها حين حبستيها، ولا أنت أرسلتها، فأكلت من خشاش الأرض".
المسبّب على السبب؛ لأن أصحابه لم يكثروا إلا لجلالته بالعلم والحفظ (الْحُفَّاظِ الْمُتْقِنِينَ لِحَدِيثِهِ وَحَدِيثِ غَيْرِهِ) يعني أنهم مشهورون بطلب العلم، فلم يقتصروا عليه، بل حفظوا أحاديث غيره، كما حفظوا أحاديثه أيضًا (أَوْ لِمِثْلِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ) بن الزبير بن العوّام الأسدي، أبي المنذر، وقيل: أبو عبد الله، رأى ابن عمر، ومسح رأسه، ودعا له، وسهل بن سعد، وجابرا، وأنسا، وروى عن أبيه، وعمه عبد الله بن الزبير، وخلق كثير.
قال عثمان الدارمي: قلت لابن معين: هشام أحب إليك عن أبيه أو الزهريُّ؟ قال: كلاهما ولم يفضّل. وقال علي بن المديني: قال يحيى بن سعيد: رأيت مالك بن أنس في النوم، فسألته عن هشام بن عروة؟ فقال: أما ما حدث به، وهو عندنا فهو أي كأنه يصححه، وما حدث به بعدما خرج من عندنا، فكأنه يوهنه. وقال ابن سعد، والعجلي: كان ثقة، زاد ابن سعد: ثبتا كثير الحديث، حجة. وقال أبو حاتم: ثقة، إمام في الحديث. وقال يعقوب بن شيبة: ثقة ثبت، لم ينكر عليه شيء إلا بعدما صار إلى العراق، فإنه انبسط في الرواية عن أبيه، فأنكر ذلك عليه أهل بلده، والذي نرى أن هشاما تسهل لأهل العراق، أنه كان لا يحدث عن أبيه إلا بما سمعه منه، فكان تسهله أنه أرسل عن أبيه مما كان يسمعه من غير أبيه عن أبيه. وقال ابن خراش: كان مالك لا يرضاه، وكان هشام صدوقا، تدخل أخباره في الصحيح، بلغني أن مالكا نَقِم عليه حديثه لأهل العراق، قدم الكوفة ثلاث مرات: قدمةٌ كان يقول: حدثني أبي، قال: سمعت عائشة رضي الله عنها، وقَدِمَ الثانية، فكان يقول: أخبرني أبي عن عائشة رضي الله عنها، وقدم الثالثة: فكان يقول: أبي عن عائشة رضي الله عنها، سمع منه بآخره وكيع، وابن نمير، ومحاضر. وقال موسى بن إسماعيل، عن وهب: قدم علينا هشام بن عروة، فكان فينا مثل الحسن وابن سيرين. وقال الزبير بن بكار، عن عثمان بن عبد الرحمن: قال المنصور لهشام بن عروة: تذكر يوم دخلنا عليك، فقال لنا أبي: اعرفوا لهذا الشيخ حقه، فقال: لا أذكر ذلك، فعوتب على ذلك، فقال: لم يعودني الله تعالى في الصدق إلا خيرا، قال عمرو بن علي الفلاس عن عبد الله بن داود: ولد هشام، والأعمش، وسَمَّى غيرهما سنة مقتل الحسين -يعني سنة إحدى وستين- قال الحربي: مات سنة ست وأربعين ومائة، وأرخه أبو نعيم وغيره: سنة خمس. وقال أبو حاتم: يقال: إنه توفي بعد الهزيمة سنة خمس، وقد بلغ سبعا وثمانين. وقال عمرو بن علي: مات سنة سبع وأربعين. وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: كان متقنا ورعا فاضلا حافظا. وقال ابن شاهين في "الثقات": قال يحيى بن سعيد: هشام بن عروة، عن عبد الرحمن بن القاسم، مكي عن مكي. وقال الآجري عن أبي داود: لَمّا حدث هشام بن عروة بحديث أم زرع، هجره أبو الأسود، يتيم عروة. وقال العقيلي: قال