الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الزهري قال: ما جالست أحدا من العلماء إلا وأرى أني قد أتيت على ما عنده، وقد كنت اختلفت إلى عروة، حتى ما كنت أسمع منه إلا معادًا، ما خلا عبيد الله بن عتبة، فإنه لم آته إلا وجدت عنده علمًا طريفًا. وعن عبيد الله قال: ما سمعت حديثا قط ما شاء الله أن أعيه إلا وعيته. وقال عثمان الدارمي: قلت لابن معين: أيما أحب إليك عكرمة أو عبيد الله؟ قال: كلاهما ولم يخير. وقال الواقدي: كان عالمًا، وكان ثقة فقيهًا، كثير الحديث والعلم، شاعرًا، وقد عمي. وقال أبو جعفر الطبري: كان مقدما في العلم والمعرفة بالأحكام والحلال والحرام، وكان مع ذلك شاعرًا مُجِيدًا. وقال ابن عبد البر: كان أحد الفقهاء العشرة، ثم السبعة الذين يَدُور عليهم الفتوى، وكان عالما فاضلا مقدما في الفقه، تَقِيّا شاعرا محسنا، لم يكن بعد الصحابة إلى يومنا فيما علمتُ فقيه أشعر منه، ولا شاعرٌ أفقه منه. وقال عمر بن عبد العزيز: لو كان عبيد الله حيا ما صدرت إلا عن رأيه. وقال ابن حبان في "الثقات": كان من سادات التابعين، مات سنة (98) قال: وقد قيل: إنه مات قبل علي بن الحسين مات سنة (94). قال البخاري: مات قبل علي بن الحسين سنة أربع أو خمس وتسعين. وقال ابن نمير وغيره: مات سنة (98). وقال ابن المديني: مات سنة (99). وقال في "التقريب": ثقة فقيه ثبتٌ، من الثالثة.
أخرج له الجماعة، وله في "صحيح مسلم"(55) حديثًا.
7 -
(عبد الله بن مسعود) الصحابيّ الشهير رضي الله عنه المذكور قريبًا. والله تعالى أعلم.
شرح الأثر:
(عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ) بن مسعود الْهُذَلي (أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ) رضي الله عنه (قَالَ: مَا) نافية (أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ) الباء زائدة: في خبر "ما"، كما قال في "الخلاصة":
وَبَعْدَ "مَا" وَ "لَيْسَ" جَرَّ الْبَا الْخَبَرْ
…
وَبَعْدَ "لَا" وَنَفْي "كَانَ" قَدْ يُجَرّ
(قَوْمًا حَدِيثًا لَا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ) جملة في محلّ نصب صفة لحديث، أي لا تدركه أفهامهم (إِلَّا كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً) قال أبو العبّاس القرطبيّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: الفتنة هنا الضلال والْحَيْرَة، وهي تتصرّف في القرآن على أوجه متعدّدة، وأصلها: الامتحان والاختبار، ومنه قولهم: فتنت الذهب بالنار: إذا اختبرته بها، وهذا نحو مما قال في حديث آخر:"حدّثوا الناس بما يفهمون، أتريدون أن يكذّب الله ورسوله"(1). انتهى (2).
(1) علّقه البخاريّ في "كتاب العلم" من "صحيحه" من حديث عليّ (بلفظ: "حدّثوا الناس بما يَعرِفون
…
الخ".
(2)
"المفهم" 1/ 118.
[تنبيه]: عقد الإمام البخاريّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في "كتاب العلم" من "صحيحه" بابًا لما دلّ عليه أثر ابن مسعود رضي الله عنه هذا، فقال:"باب من خص بالعلم قوما دون قوم؛ كراهية أن لا يفهموا". وقال عليّ: حدّثوا الناس بما يعرفون، أتحبّون أن يُكذّب الله ورسوله؟ ".
قال في "الفتح": والمراد بقوله: "بما يعرفون": أي يفهمون، وزاد آدم بن أبي إياس في "كتاب العلم" له في آخره "ودعوا ما ينكرون": أي يشتبه عليهم فهمه. وكذا رواه أبو نعيم في "المستخرج".
وفيه دليل على أن المتشابه لا ينبغي أن يُذكَرَ عند العامة. قال: وممن كره التحديث ببعض دون بعض أحمد في الأحاديث التي ظاهرها الخروج على السلطان، ومالك في أحاديث الصفات، وأبو يوسف في الغرائب، ومن قبلهم أبو هريرة كما في قصّة الجرابين، وأن المراد ما يقع من الفتن، ونحوه عن حذيفة. وعن الحسن أنه أنكر تحديث أنس للحجاج بقصة العرنيين؛ لأنه اتخذها وسيلة إلى ما كان يعتمده من المبالغة في سفك الدماء بتأويله الواهي. وضابط ذلك أن يكون ظاهر الحديث يقوي البدعة، وظاهره في الأصل غير مراد، فالإمساك عنه عند من يُخشَى عليه الأخذ بظاهره مطلوب. انتهى ببعض تصرّف (1).
قال الجامع عفا الله رَحِمَهُ اللهُ تعالى عنه: أشار بقصّة الجرابين إلى ما أخرجه البخاريّ في "كتاب العلم" من "صحيحه"، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: حَفِظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين، فأما أحدهما فبثثته، وأما الآخر فلو بثثته قُطِعَ هذا البلعوم.
و"البلعوم" بضم الموحّدة: مجرى الطعام، وكنى به عن القتل.
قال في "الفتح": وحمل العلماء الوعاء الذي لم يبثه على الأحاديث التي فيها تَبْيِينُ أسامي أمراء السوء، وأحوالهم، وزمنهم، وقد كان أبو هريرة يَكنِي عن بعضه، ولا يصرح به خوفا على نفسه منهم، كقوله: أعوذ بالله من رأس الستين، وإمارة الصبيان، يشير إلى خلافة يزيد بن معاوية؛ لأنها كانت سنة ستين من الهجرة، واستجاب الله دعاء أبي هريرة، فمات قبلها بسنة. قال ابن المنير: جعل الباطنية هذا الحديث ذريعة إلى تصحيح باطلهم، حيث اعتقدوا أن للشريعة ظاهرا وباطنًا، وذلك الباطن إنما حاصله الانحلال من الدين، قال: وإنما أراد أبو هريرة بقوله: "قُطِع": أي قَطَعَ أهلُ الجور رأسه إذا سمعوا عيبه لفعلهم، وتضليله لسعيهم، ويؤيد ذلك أن الأحاديث المكتوبة لو كانت من الأحكام الشرعية ما وسعه كتمانها؛ لما ذكره في
(1)"الفتح" 1/ 272. طبعة دار الريّان.
الحديث الأول (1) من الآية الدالة على ذمّ مَن كَتَمَ العلمَ. وقال غيره: يحتمل أن يكون أراد مع الصنف المذكور ما يتعلق بأشراط الساعة، وتغير الأحوال، والملاحم في آخر الزمان، فينكر ذلك من لم يألفه، ويعترض عليه من لا شعور له به. انتهى (2). والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
قال الجامع الفقير إلى رحمة ربه القدير محمد ابن الشيخ العلامة علي بن آدم بن موسى الإتيوبيّ عفا الله تعالى عنه، وعن والديه آمين:
انتهى الجزء الأول من شرح مقدّمة "صحيح الإمام مسلم بن الحجّاج رَحِمَهُ اللهُ تعالى" المسمّى "قرّة عين المحتاج في شرح مقدّمة صحيح مسلم بن الحجّاج" رَحِمَهُ اللهُ تعالى، وذلك بتاريخ يوم السبت المبارك 19/ 7/ 1422 هـ الموافق 6 (أكتوبر) 2001 م.
وآخر دعوانا
{أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} .
"اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صلّيت على آل إبراهيم،
إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد
كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
"السلام عليك أيها النبيّ ورحمة الله وبركاته".
ويليه الجزء الثاني مفتتحًا بـ 4/ 15
"باب النهي عن الضعفاء، والاحتياط في تحملها".
"سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، أستغفرك، وأتوب إليك".
(1) أراد بهذا الحديث الذي أخرجه البخاريّ أيضًا بسنده عن أبي هريرة (قال: إن الناس يقولون: أكثر أبو هريرة، ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثًا، ثم يتلو:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} إلى قوله: {الرَّحِيمُ} ، إن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم، وإن أبا هريرة كان يلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشبع بطنه، ويحضر ما لا يحضرون، ويحفظ ما لا يحفظون.
(2)
"الفتح" 1/ 282.