الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَابْنُ أَبِي أَوْفَى وَعَمْرٌو أَوْسُ
…
أَبُو أُمَامَةَ وَسَعْدٌ عُرْسُ
وَالأَشْعَرِي وَالْغَافِقِي وَالْخَطْمِي
…
كَذَا أَبُو رَافِعِهِمْ وَالتَّيْمِي
جَنْدَرَةٌ وَخَالِدٌ وَطَارِقٌ
…
عَمْرٌو وَكَعْبٌ وَنُبَيْطٌ لَاحِقُ
يَعْلَى وَمُرَّةُ كَذَا نَجْلُ صُرَدْ
…
عَفَّانُ عَبْدُ اللهِ نِعْمَ الْمُسْتَنَدْ
يَزِيدُ وَالْمُنْقَعُ وَابْنُ خَالِدِ
…
وَابْنُ جَرَادٍ ثُمَّ الازْدِي يَقْتَدِي
وَرَجُلٌ مِنْ أَسْلَمٍ مَعْ آخَرَا
…
قَدْ صَحِبَا النَّبِيَّ نِعْمَ مَتْجَرَا
عَائِشَةٌ وَحَفْصَةٌ قَدْ رَوَتَا
…
لأُمِّ أَيْمَنَ كَذَاكَ ثَبَتَا
وَوَلَدُ الْجَوْزِيِّ قَدْ أَسْنَدَ مَا
…
لِهُؤلاءِ مِنْ أَحَادِيثَ انْتَمَى
وَقَالَ قَدْ رَوَاهُ أَيْضًا مَالِكُ
…
سَهْلٌ مُعَاذٌ وَحَبِيبٌ سَالِكُ
كَذَا أَبُو بَكْرَةَ سَهْلٌ سَبْرَةُ
…
كَذَا أَبُو هِنْدٍ رَوَى وَخَوْلَةُ
النَّوَوِي عَنْ مِائَتَيْنِ وَارِدُ
…
عَبْدُ الرَّحِيمِ قَالَ ذَا مُسْتَبْعَدُ
والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
المسألة الرابعة: في حكم الكذب في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
-:
اعلم: أن الكذب حرام بالإجماع مطلقًا (1)، وأنه فاحشة عظيمة، وموبقة كبيرة، ولكن لا يكفر بهذا الكذب، إلا أن يستحله، هذا هو المشهور من مذاهب العلماء من الطوائف، وقال الشيخ أبو محيد الجويني، والد إمام الحرمين أبي المعالى، من أئمة الشافعية يكفر بتعمد الكذب عليه صلى الله عليه وسلم، حكى إمام الحرمين عن والده هذا المذهب، وأنه كان يقول في درسه كثيرا: من كَذَب على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمدا كفر، وأريق دمه، وضعف إمام الحرمين هذا القول، وقال: إنه لم يره لأحد من الأصحاب، وإنه هفوة عظيمة، والصواب ما قدمناه عن الجمهور. ذكره النوويّ في "شرحه" لهذا الكتاب (2).
وقال الإمام النوويّ أيضًا: لا فرق في تحريم الكذب عليه صلى الله عليه وسلم بين ما كان في الأحكام، وما لا حكم فيه، كالترغيب والترهيب، والمواعظ، وغير ذلك، فكله حرام من أكبر الكبائر، وأقبح القبائح بإجماع المسلمين، الذين يُعتَدُّ بهم في الإجماع، خلافا للكرامية الطائفة المبتدعة، في زعمهم الباطل أنه يجوز وضع الحديث في الترغيب والترهيب، وتابعهم على هذا كثيرون من الجهلة، الذين ينسبون أنفسهم إلى الزهد، أو ينسبهم جهلة مثلهم، وشُبهةُ زعمهم الباطل أنه جاء في رواية: "من كذب عليّ متعمدا -
(1) أي سواء كان في التحليل والتحريم، أو في الفضائل والترغيب والترهيب، أو في غيرها.
(2)
"شرح مسلم" 1/ 69.
ليضل به الناس- فليتبوأ مقعده من النار"، وزعم بعضهم أن هذا كَذِبٌ له عليه الصلاة والسلام، لا كذب عليه، وهذا الذي انتحلوه، وفعلوه واستدلوا به غاية الجهالة، ونهاية الغفلة، وأدل الدلائل على بُعْدِهم من معرفة شيء من قواعد الشرع، وقد جمعوا فيه جُمَلًا من الأغاليط اللائقة بعقولهم السخيفة، وأذهانهم البعيدة الفاسدة، فخالفوا قول الله عز وجل:{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} وخالفوا صريح هذه الأحاديث المتواترة، والأحاديث الصريحة المشهورة في إعظام شهادة الزور، وخالفوا إجماع أهل الْحَلّ والْعَقْد، وغير ذلك من الدلائل القطعيات، في تحريم الكذب على آحاد الناس، فكيف بمن قوله شرعٌ، وكلامه وَحْيٌ، وإذا نُظِر في قولهم وُجد كذبا على الله تعالى، قال الله تعالى:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3].
ومن أعجب الأشياء قولهم: هذا كذب له، وهذا جهل منهم بلسان العرب، وخطاب الشرع، فإن كل ذلك عندهم كذب عليه.
وأما الحديث الذي تعلقوا به، فأجاب العلماء عنه بأجوبة:
أحسنها، وأخصرها، أن قوله:"ليضل الناس" زيادة باطلة، اتفق الحفاظ على إبطالها، وأنها لا تعرف صحيحة بحال.
الثاني: جواب أبي جعفر الطحاوي أنها لو صحت لكانت للتأكيد، كقول الله تعالى:{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ} [الأنعام: 144].
الثالث: أن اللام في "ليضل" ليست لام التعليل، بل هي لام الصيرورة والعاقبة، معناه أن عاقبة كذبه، ح ومصيره إلى الإضلال به، كقوله تعالى:{فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} الآية [القصص: 8]، ونظائره في القرآن، وكلام العرب أكثر من أن يُحصَر، وعلى هذا يكون معناه: فقد يصير أمر كذبه إضلالًا.
وعلى الجملة مذهبهم أَرَكّ من أن يُعتنَى بإيراده، وأبعد من أن يُهتَمَّ بإبعاده، وأفسدُ من أن يُحتاج إلى إفساده. قاله النوويّ رحمهُ اللهُ تعالى (1).
وقال العلّامة ابن عراق رحمهُ اللهُ تعالى: أجمع المسلمون -كما قال النوويّ رحمهُ اللهُ تعالى- الذين يُعتد بهم على تحريم تعمّد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى أنه من الكبائر؛ لخبر:"من كذب عليّ، متعمّدًا، فليتبوّأ مقعده من النار"، بل بالغ الشيخ أبو محمد الجوينيّ، فكفّر به. ونقل الحافظ ابن كثير عن أبي الفضل الهَمَذانيّ، شيخ ابن عقيل من
(1)"شرح صحيح مسلم" 1/ 70/ 71.
الحنابلة أنه وافق الجوينيّ على هذه المقالة. وقال الحافظ الذهبيّ في "كتاب الكبائر" له: ولا ريب أن تعمّد الكذب على الله تعالى، وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحريم حلال، أو تحليل حرام كفر محض، وإنما الشأن في الكذب عليهما فيما سوى ذلك. والله تعالى أعلم.
وقد جوّزت الكرّاميّة، وبعض المتصوّفة، كما قال الحافظ ابن حجر الكذب، قال الغزاليّ: وهذا من نزغات الشيطان، ففي الصدق مندوحة عن الكذب، وفيما ذكر الله تعالى، ورسوله صلى الله عليه وسلم غُنية عن الاختراع في الوعظ.
وقد أولوا حديث: "من كذب عليّ، متعمدًا الخ" بتأويلات باطلة:
[أحدها]: أن ذلك إنما ورد في رجل معيّن، ذهب إلى قوم، وادّعى أنه رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، يحكم في دمائهم، وأموالهم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر بقتله، وقال: "من كذب عليّ
…
" الحديث (1).
[الثاني]: أنه في حقّ من كذب عليه يقصد به عيبه، أو شين الإسلام، وتعلّقوا في ذلك بما روي عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كذب عليّ، متعمّدًا، فليتبوّأ مقعده بين عيني جهنم"، قال: فشقّ ذلك على أصحابه، حتى عرف في وجوههم، وقالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت هذا، ونحن نسمع منك الحديث، فنزيد، وننقص، ونقدّم، ونؤخّر، فقال:"لم أعنِ ذلك، ولكن عنَيتُ من كذب عليّ، يريد عيبي، وشين الإسلام".
[الثالث]: أنه إذا كان الكذب في الترغيب والترهيب، فإنه كَذِبٌ للنبيّ صلى الله عليه وسلم، لا عليه.
[الرابع]: أنه ورد في بعض طرق الحديث: "من كذب عليّ متعمّدًا؛ ليضلّ به الناس، فليتبوّأ مقعده من النار"، فتُحمل الروايات المطلقة عليه.
(1) رواه الطبرانيّ في "الأوسط" من حديث عبد الله بن عمرو، وفيه أنه بعث أبا بكر وعمر ليقتلاه، فإن وجداه قد مات فليحرّقاه بالنار، فوجداه قد مات من لدغة حيّة، فحرقاه بالنار. وروى ابن عديّ في "الكامل" عن بُريدة، قال: كان حيّ من بني ليث على ميل من المدينة، وكان رجل خطب منهم في الجاهليّة، فلم يزوّجوه، فأتاهم، وعليه حلّة، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كساني هذه، وأمرني أن أحكم في أموالكم، ودمائكم، ثم نزل على تلك المرأة التي كان خطبها، فأرسل القوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: كذب عدوّ الله، ثم أرسل رجلًا، فقال: إن وجدته حيّا فاضرب عنقه، وإن وجدته ميتًا، فأحرقه، فجاء، فوجده قد لدغته أفعى، فمات، فحرقه بالنار، فذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كذب عليّ متعمدًا
…
" الحديث.
[والجواب عن هذه الشُّبَه ما يلي]:
أما شبهتهم الأولى، فجوابها أن السبب المذكور لم يثبت إسناده، وبتقدير ثبوته، فإن العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب.
وأما الشبهة الثانية: فجوابها أن الحديث باطل، كما قاله الحاكم، ففي إسناده محمد بن الفضل بن عطيّة، اتّفقوا على تكذيبه، وقال صالح جزرة: كان يضع الحديث.
وأما الشبهة الثالثة: فجوابها أنه كذب عليه في وضع الأحكام، فإن المندوب قسم منها، وفي الإخبار عن الله عز وجل في الوعد على ذلك العمل بذلك الثواب.
وأما الشبهة الرابعة: فجوابها أن أئمة الحديث اتّفقوا على أن زيادة: "ليضلّ به الناس" ضعيفة، وبتقدير صحتها لا تعلّق لهم بها؛ لأن اللام في قوله:"ليضلّ" لام العاقبة، لا لام التعليل، أو هي للتأكيد، ولا مفهوم لها، وعلى هذين الوجهين خُرّج قوله تعالى:{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ} الآية [الأنعام: 144]؛ لأن افتراء الكذب على الله تعالى محرّم مطلقًا، سواء قُصد به الإضلالا أم لا. انتهى كلام ابن عراق رحمهُ اللهُ تعالى (1).
وإلى هذا كلّه أشرت في منظومتي "تذكرة الطالبين"، فقلت:
وَرَابِعُ الأَصْنَافِ قَوْمٌ نُسِبُوا
…
للِزُّهْدِ جَاهِلِينَ ذَاكَ ارْتَكَبُوا
قَدْ وَضَعُوا الْحَدِيثَ فِي التَّرْغِيبِ
…
لِلنَّاسِ فِي الْخَيْرِ وَلِلتَّرْهِيبِ
وَمَنْ يَرَى جَوَازَ ذَا فَإِنَّهُ
…
قَدْ غَرَّهُ الشَّيْطَانُ مُرْدِيًا فَانْبِذَنَّهُ
لأَنَّ فِي السُّنَّةِ وَالْكِتَابِ
…
غِنًى عَنِ اخْتِلَاقِ ذَا الْكَذَّاب
وَخَالَفُوا إِجْمَاعَ أَهْلِ الْمِلَّةِ
…
فِي حُرْمَةِ الْكِذْبِ عَلَى ذِي السُّنَّةِ
وَأَنَّهُ مِنَ الْكَبَائِرِ الَّتِي
…
تُرْدِي بِأَهْلِهَا إِلَى الْهَاوِيَةِ
وَبَالَغَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ
…
مُكَفِّرًا بِهِ لِهَذَ الْمُعْتَدِي
وَالْهَمَذَانِيُّ لَهُ مُوَافِقُ
…
وَالذَّهَبِيُّ لَهُمَا يُرَافِقُ
إِنْ حَرَّمَ الْحَلَالَ أَوْ بِضِدِّهِ
…
وَإِنَّمَا الشَّأْنُ يِجِي فِي غَيْرِهِ
وَمَنْ يَقُلْ مُؤِّلًا لـ"مَنْ كَذَبْ"
…
فِي رَجُلٍ مُعَيَّنٍ فَقَدْ كَذَبْ
أَوْ حَقِّ مَنْ قَدِ افْتَرَى يَقْصِدُ بِهْ
…
عَيْبًا لَهُ أَوْ شَيْنَ الإِسْلَامِ النَّبِهْ
فَكُلُّ مَا قَالُوهُ فَهْوَ بَاطِلُ
…
وَلَوْ تُرَى صِحَّتُهُ يُؤَوَّلُ
والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(1) راجع "تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة" 1/ 12 - 13.