الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نقله شيخ شيوخنا العلامة المحدث شمس الدين السخاويّ في "شرح التقريب"، وقال عقبه بل مجرّد اتّهام الراوي بالكذب مع تفرّده لا يسوغ الحكم بالوضع، ولذا جعله شيخنا -يعني الحافظ ابن حجر- نوعًا مستقلّا، وسمّاه بالمتروك، وفسّره بأن يرويه من يُتّهم بالكذب، ولا يُعرف ذلك الحديث إلا من جهته، ويكون مخالفًا للقواعد المعلومة، قال: وكذا من عُرف بالكذب في كلامه، وإِن لم يظهر وقوعه منه في الحديث، وهو دون الأول. انتهى. وخرج بقوله: من يُتّهم بالكذب من عُرف بالكذب في الحديث، وروى حديثًا لم يروه غيره، فإنا نحكم على حديثه ذلك بالوضع، إذا انضمّت إليه قرينة تقتضي وضعه، كما صرّح به الحافظ العلائيّ، وغيره. انتهى "تنزيه الشريعة" 1/ 10.
وإلى هذا أشرت في "تذكرة الطالبين" بقولي:
وَوَلَدُ الْجَوْزِيِّ وَضْعًا أَطْلَقَا
…
عَلَى أَحَادِيثَ فَبِئْسَمَا انْتَقَى
لِطَعْنِ بَعْضِ النَّاسِ فِيمَنْ قَدْ رَوَى
…
وَلَيْسَ ذَلِكَ الْحَدِيثُ قَدْ حَوَى
دَلَائِلَ الْبُطْلَانِ غَيْرَ ذَالِكَا
…
وَذَا تَشَدُّدٌ فَدَعْهُ تَارِكَا
بَلْ مَا رَوَى مُتَّهَمٌ مُنْفَرِدَا
…
فَسَمِّهِ الْمَتْرُوكَ نِلْتَ الرَّشَدَا
وَسَمَهُ بِذَا حَذَامِ الْخَبَرِ
…
الْعَسْقَلَانِيُّ الْعَجِيبُ النَّظَرِ
والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
المسألة السادسة: قال الإمام ابن الجوزيّ
رحمه اللهُ تعالى: لَمّا لم يمكن أحدًا أن يزيد في القرآن، أخذ أقوام يزيدون في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويضعون عليه ما لم يقل، فأنشأ الله تعالى علماء يذبّون عن النقل، ويوضّحون الصحيح، ويَفضَحون القبيح، وما يُخلي الله منهم عصرًا من الأعصار، غير أنهم قلّوا في هذا الزمان، فصاروا أعزّ من عنقاء مُغرب:
وَقَدْ كَانُوا إِذَا عُدُّوا قَلِيلَا
…
فَقَدْ صَارُوا أَقَلّ مِنَ الْقَلِيلِ
قال سفيان الثوريّ: الملائكة حُرّاس السماء، وأصحاب الحديث حُرّاس الأرض. وقال يزيد بن زُريع: لكلّ دين فرسان، وفرسان هذا الدين أصحاب الأسانيد. وروينا عن ابن المبارك أنه قيل له: هذه الأحاديث الموضوعة؟ فقال: تعيش لها الجهابذة. انتهى.
وذكر الحافظ الذهبيّ في "تذكرة الحفّاظ" أن الرشيد أخذ زنديقًا ليقتله، فقال: أين أنت من ألف حديث وضعتها، فقال: أين أنت يا عدوّ الله من أبي إسحاق الفزاريّ، وابن المبارك، ينخُلانها، فيُخرجانها حرفًا حرفًا.
وقال ابن قتيبة في كتابه "اختلاف الحديث" يمدح أهل الحديث: "التمسوا الحقّ
من وجهته، وتتبّعوه من مظانّه، وتقرّبوا إلى الله باتباعهم سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطلبهم لأخباره برّا وبحرًا، وشرقًا وغربًا، ولم يزالوا في التنقير عنها، والبحث لها، حتّى عرفوا صحيحها، وسقيمها، وناسخها ومنسوخها، وعرفوا من خالفها إلى الرأي، فنبّهوا على ذلك، حتى نجم الحقّ بعد أن كان عافيا، وبسق بعد أن كان دارسًا، واجتمع بعد أن كان متفرّقًا، وانقاد للسنّة من كان عنها معرضًا، وتنبّه عليها من كان غافلًا، وقد يعيبهم الطاعنون بحملهم الضعيف، وطلبهم الغريب، وفي الغرائب الداء، ولم يحملوا الضعيف والغريب لأنهم رأوهما حقّا، بل جمعوا الغثّ والسمين، والصحيح والسقيم؛ ليميّزوا بينهما، ويدلّوا عليهما، وقد فعلوا ذلك. انتهى باختصار.
وقال ابن حبّان: أخبرني الحسن بن عثمان بن زياد، قال: حدّثنا محمد بن منصور، قال: مرّ أحمد بن حنبل على نفر من أصحاب الحديث، وهم يَعْرِضون كتابًا لهم، فقال: ما أحسب هؤلاء إلا ممن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أُمّتي على الحقّ حتى تقوم الساعة"، قال ابن حبّان: ومن أحقّ بهذا التأويل من قوم فارقوا الأهل، والأوطان، وقنعوا بالكسر والأطمار، في طلب السنن والآثار، يجولون البراري والقفار، ولا يبالون بالبؤس والافتقار، متّبعين لآثار السلف الماضين، وسالكين ثَبَج محجّة الصالحين برد الكذب عن رسول ربّ العالمين، وذبّ الزور عنه حتى وضح للمسلمين المنار، وتبيّن لهم الصحيح من الموضوع والزور من الأخبار. انتهى.
وإلى ما ذُكر أشرت في منظومتي المذكورة بقولي:
لَمّا حَمَى اللهُ الْكِتَابَ الْمُنْزَلَا
…
عَنْ أَنْ يُزَادَ فِيهِ أَوْ يُبدَّلَا
أَخَذَ أَقْوَامٌ يَزِيدُون عَلَى
…
أَخْبَارِ مَنْ أَرْسَلَهُ لِيَفْصِلَا
فَأَنْشَأَ اللهُ حُمَاةَ الدِّينِ
…
يُمَيِّزُونَ الْغَثَّ عَنْ سَمِينِ
قَدْ أَيَّدَ اللهُ بِهِمْ أَعْصَارَا
…
وَنَوَّرُوا الْبِلَادَ وَالأَمْصَارَا
وَحَرَسُوا الأَرْضَ كَأَمْلَاكِ السَّمَا
…
أَكْرِمْ بِفُرْسَانٍ يَجُولُونَ الْحِمَى
وَقَالَ سُفْيَانُ الْمَلَائِكَةُ قَدْ
…
حَرَسَتِ السَّمَاءَ عَنْ طَاغٍ مَرَدْ
وَحَرَسَ الأَرْضَ رُوَاةُ الْخَبَرِ
…
عَنْ كُلِّ مُجْرِمٍ مَرِيدٍ يَفْتَرِي
وَابْنُ زُرَيْعٍ قَالَ قَوْلًا يُعْتَبَرْ
…
لِكُلِّ دِينٍ جَاءَ فُرْسَانٌ غُرَرْ
فُرْسَانُ هَذَا الدِّينِ أَصْحَابُ السَّنَدْ
…
فَاسْلُكْ سَبِيلَهُمْ فَإِنَّهُ الرَّشَدْ
وَابْنُ الْمُبَارَكِ الْجَلِيلُ إِذْ سُئِلْ
…
عَمَّا لَهُ الْوَضَّاعُ كَيْدًا يَفْتَعِلْ
قَالَ تَعِيشُ دَهْرَهَا الْجَهَابِذَهْ
…
حَامِيَةً تِلْكَ الْغُثَاءَ نَابِذَهْ
وَأَخَذَ الرَّشِيدُ زِنْدِيقًا بَغَى
…
فَقَالَ أَيْنَ أَنْتَ مِنْ أَلْفٍ طَغَا
فَقَالَ أَيْنَ أَنْتَ مِنْ فَزَارِي
…
وَابْنِ الْمُبَارَكِ الْجَلِيلِ الدَّارِي
فَرَحِمَ الإِلَهُ أَصْحَابَ السُّنَنْ
…
الْتَمَسُوا الْحَقَّ مِنَ الْوَجْهِ الْحَسَنْ
تَقَرَّبُوا إِلَيْهِ بِاتِّبَاعِ مَنْ
…
مِنْهَاجُهُ خَيْرُ طَرِيقٍ وَسَنَنْ
وَطَلَبُوا أَخْبَارَهُ فَغَرَّبُوا
…
وَشَرَّقُوا بَرًّا وَبَحْرًا رَكِبُوا
وَنَقَّرُوا عَنْهَا إِلَى أَنْ يَتَّضِحْ
…
صَحِيحُهَا مِنَ السَّقِيم الْمُفْتَضِحْ
وَنَاسِخٌ مِنْ عَكْسِهِ وَمَنْ عَدَلْ
…
عَنْهَا برَأْيِهِ السَّخِيفِ الْمُبْتَذَلْ
فَنَبَّهُوا عَلَيْهِ حَتَّى نَجَمَا
…
الْحَقُّ بَعْدَ كَوْنِهِ قَدْ أَحْجَمَا
وَانْقَادَ للسُّنَّةِ مَنْ قَدْ أَعْرَضَا
…
وَانْتَبَهَ الْغَافِلُ حَتَّى انْتَهَضَا
وَعَابَهُمْ بغَيْرِ عِلْمٍ غَافِلُ
…
لِحَمْلِهِمْ ذَا الضَّعْفِ فَهْوَ بَاطِلُ
كَذَاكَ لِلْغرِيبِ لَكِنْ قَدْ ظَهَرْ
…
لِحَمْلِهِمْ لِذَيْنِ سِرٌّ قَدْ بَهَرْ
وذَاكَ تَمْيِيزٌ لِمَا صَحَّ وَمَا
…
سَقِمَ كَيْ يَعْلَمَهُ ذَوُو الْعَمَى
وَمَرَّ أَحْمَدُ عَلَى أَهْلِ الأَثَرْ
…
يُقَابِلُونَ كُتْبَهُمْ لِتُعْتَبَرْ
فَقَالَ مَا أَحْسِبُهُمْ إِلَّا وَفَا
…
عَلَيْهِمُ قَوْلُ النَّبِيِّ الْمُقْتَفَى
حَيْثُ يَقُولُ "لَا تَزَالُ طَائِفَهْ
…
مِنْ أُمَّتِي حَتَّى تَجِيءَ الآزِفَهْ
وَمَنْ أَحَقُّ مِنْهُمُ بِذَا الشَّرَفْ
…
قَدْ فَارَقُوا أَهْلًا وَمَالًا وَغُرَفْ
وَقَنِعُوا بِالْكِسْرِ وَالأَطْمَارِ
…
فِي طَلَب السُّنَنِ وَالآثَارِ
فَهُمْ يَجُولُونَ الْبَرَارِي وَالْقِفَارْ
…
وَلَا يُبَالُونَ بِبُؤْسٍ وَافْتِقَارْ
مُتَّبِعِينَ هَدْيَ خَيْرِ الْخَلْقِ
…
وَمُرْشِدِ الْكُلِّ لِدِينِ الْحَقِّ
فَهُمْ يَرُدُّونَ افْتِرَاءَ الْمُفْتَرِي
…
عَلَى خِتَامِ الرُّسْلِ صَافِي الْخَبَرِ
صَلَّى عَلَيْهِ اللهُ مَا دَامَ الأَثَرْ
…
وَأَهْلُهُ الأَعْلَوْنَ مِنْ بَيْنِ الْبَشَرْ
وَآلِهِ وَصَحْبِهِ الْهُدَاةِ
…
السَّالِكِينَ مَنْهَجَ النَّجَاةِ
والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
ثم ذكر المصنّف رحمهُ الله تعالى أيضًا من القسم الثالث الذي لا يعرّج عليه منكرَ الحديث، أو مَنِ الغالب عليه الغلط، فقال:
(وَكَذَلِكَ مَنِ الْغَالِبُ عَلَى حَدِيثِهِ الْمُنْكَرُ، أَوِ الْغَلَطُ، أَمْسَكْنَا أَيْضًا عَنْ حَدِيثِهِمْ، وَعَلَامَةُ الْمُنْكَرِ فِي حَدِيثِ الْمُحَدِّثِ، إِذَا مَا عُرِضَتْ رِوَايَتُهُ لِلْحَدِيثِ عَلَى رِوَايَةِ غَيْرِهِ، مِنْ أَهْلِ الْحِفْظِ وَالرِّضَا خَالَفَتْ رِوَايَتُهُ رِوَايَتَهُمْ، أَوْ لم تَكَدْ تُوَافِقُهَا، فَإِذَا كَانَ الْأَغْلَبُ مِنْ حَدِيثِهِ كَذَلِكَ، كَانَ مَهْجُورَ الْحَدِيثِ، غَيْرَ مَقْبُولِهِ، وَلَا مُسْتَعْمَلِهِ، فَمِنْ هَذَا الضَّرْبِ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَرَّرٍ، وَيحْيَى بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ، وَالْجَرَّاحُ بْنُ الْمِنْهَالِ أَبُو الْعَطُوفِ، وَعَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ، وَحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ ضُمَيْرَةَ، وَعُمَرُ بْنُ