الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حديث خبرٌ، من غير عكس. أفاده في "نزهة النظر، شرح نخبة الفكر"(1). وقيل: لا يطلق الحديث على غير المرفوع إلا بشرط التقييد.
وأما الأثر -بفتحتين- فهو لغةً: اسم من أثرتُ الحديثَ أَثْرًا، من باب قتل: إذا نقلته، ومنه حديث مأثورٌ: أي منقولٌ. أفاده في "المصباح". وفي "القاموس": "الأثَرُ" محرّكةً: بقيّة الشيء، جمعه آثارٌ، وأُثُورٌ، والخَبَر. انتهى.
وأما في الاصطلاح: فهو مرادف للحديث، والخبر. قال في "التدريب": إنّ المحدّثين يسمون المرفوع، والموقوف بالأثر، وإنّ فقهاء خُرَاسان يُسمّون الموقوف بالأثر، والمرفوع بالخبر. ويقال: أثرت الحديث: بمعنى رويته، ويسمّى المحدّث أَثَريًّا، نسبةً للأثر انتهى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
المسألة السابعة: في بحثٍ مهمّ يتعلَق بقول المصنّف: "بالأسانيد التي بها نُقِلَتْ"، وهو البحث عن السند والإسناد، والمتن
.
فأما "السند": -بفتحتين-: لغةً: ما استندت إليه، من حائط وغيره، وسَنَدتُ إلى الشيء سُنُودًا، من باب قَعَد، وسَنِدتُ أَسْنَدُ، من باب تَعِب لغةٌ. قاله في "المصباح"(2).
وقال في"اللسان": "السنَدُ": ما ارتفع من الأرض في قُبُل الجبل، أو الوادي، والجمعُ أَسْنادٌ، لا يكسّر على غير ذلك. انتهى (3).
وقال في "التدريب": وأما السند، فقال البدر بن جماعة، والطيبيّ: هو الإخبار عن طريق المتن. قال ابن جماعة: وأخذه، إما من السند، وهو ما ارتفع، وعلا من سَفْح الجبل؛ لأن المسند يرفعُهُ إلى قائله، أو من قولهم: فلان سَنَدٌ: أي مُعتَمدٌ، فسمّي الإخبار عن طريق المتن سندًا؛ لاعتماد الحفّاظ في صحّة الحديث، وضعفه عليه. انتهى (4).
وأما الإسناد: فهو لغة مصدر أسند، يقال: أسندت الحديث إلى قائله بالألف: رفعتُهُ إليه بذكر ناقله. قاله في "المصباح".
وفي "لسان العرب": وأسند الحديث: رفعه. قال الأزهريّ: والْمُسْنَد من
= الجمع على لفظه مطلقًا، وخرّج عليه قول الناس: فرائضي، وكُتُبيّ، وقَلَانِسيّ
…
الخ. وبه يُعلَم أن ما جزم به ابن هشام بأن ذلك من لحن العوامّ ليس بذاك الحسن. أفاده بعض المحقّقين.
(1)
ص 153 - 155 نسخة شرح الشرح لعلي القاري النسخة الجديدة.
(2)
المصباح المنير في مادّة سند.
(3)
لسان العرب في مادّة سند.
(3)
التدريب ج 1 ص 22 - 23.
الحديث: ما اتصل إسناده حتى يُسنَد إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، والمرسل، والمنقطع: ما لم يتَصل. والإسناد في الحديث: رفعُهُ إلى قائله انتهى.
وفي "التدريب": وأما الإسناد فهو رفع الحديث إلى قائله. قال الطيبيّ: وهما -أي السند، والإسناد- متقاربان في معنى اعتماد الحفّاظ في صحّة الحديث، وضعفه عليهما. وقال ابن جماعة: المحدّثون يستعملون السند، والإسناد لشيء واحد.
وأما الْمُسنَد -بفتح النون- فله اعتبارات:
أحدها: أنه الحديث المتّصل المرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأصحّ، وقيل: هو المرفوع مطلقًا. وقيل: هو المتّصل مطلقًا.
ثانيها: الكتاب الذي جُمع فيه ما أسنده الصحابة، أي رووه، فهو اسمُ مفعولٍ.
ثالثها: أن يطلق، ويراد به الإسنادُ، فيكون مصدرًا، كمسنَد الشهاب، ومسنَد الفردوس. أي أسانيد أحاديثهما انتهى من "التدريب" بتصرّف (1).
وأما المتن: فهو في اللغة: من كلّ شيء ما صَلُب ظهره، والجمع مُتُون، ومِتَانٌ. ومتنُ كلّ شيء: ما ظهر منه. ومتن الْمَزَادة: وجهها البارز. والمتن: ما ارتفع من الأرض، واستوى. وقيل: ما ارتفع، وصَلُبَ. قاله في "اللسان".
وأما في الاصطلاح: فهو ألفاظ الحديث التي تتقوّم بها المعاني. قاله الطيبيّ. وقال ابن جماعة: هو ما ينتهي إليه غاية السند من الكلام، من المماتنة، وهي المباعدة في الغاية؛ لأنه غاية السند، أو من متنت الكبش: إذا شققت جلدة بيضته، واستخرجتها، فكأن المسند استخرج المتن بسنده، أو من المتن، وهو ما صلُب، وارتفع من الأرض؛ لأن الْمُسْنِد يقوّيه بالسند، ويرفعه إلى قائله، أو من تمتينِ القوسِ، أي شَدِّها بالعَصَب؛ لأن الْمُسنِد يقوّي الحديث بسنده. قاله في "التدريب"(2). والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب. المسألة الثامنة: في بحث مهمّ أيضًا يتعلّق بقوله: "وتداولها أهل العلم"، وقد أشرت سابقًا إلى أنّ مقصوده بذلك شهرة تلك الأسانيد بين أهل العلم، واحترز بذلك عن الأسانيد الغريبة؛ لأنها مذمومة، فقد ذكر الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى في "شرح علل الترمذيّ" ما نُقل عن السلف في ذلك، فقال:
وقد كان السلف يمدحون المشهور من الحديث، ويذمّون الغريب منه في الجملة،
(1) التدريب ج 1 ص 23.
(2)
تدريب الراوي ج 1 ص 23.
ومنه قول ابن المبارك: العلم هو الذي يجيئك من ههنا، ومن ههنا -يعني المشهور-. أخرجه البيهقيّ من طريق الترمذيّ، عن أحمد بن عبدة، عن أبي وهب، عنه. وأخرج أيضًا من طريق الزهريّ، عن عليّ بن حسين، قال: ليس من العلم ما لا يُعرَف، إنما العلم ما عُرف، وتواطأت عليه الألسن. وبإسناده عن مالك، قال: شرّ العلم الغريب، وخير العلم الظاهر الذي قد رواه الناس. وروى محمد بن جابر، عن الأعمش، عن إبراهيم، قال: كانوا يكرهون غريب الحديث، وغريب الكلام. وعن أبي يوسف، قال: من طلب غرائب الحديث كذب. وقال أبو نعيم: كان عندنا رجل يصلّي كلّ يوم خمسمائة ركعة، سقط حديثه في الغرائب. وقال عمرو بن خالد: سمعت زُهير بن معاوية، يقول لعيسى بن يونس: ينبغي للرجل أن يتوقّى رواية غريب الحديث، فإني أعرف رجلًا كان يصلي في اليوم مائتي ركعة، ما أفسده عند الناس إلا رواية غريب الحديث.
وذكر مسلم في "مقدّمة كتابه" من طريق حمّاد بن زيد أن أيوب قال لرجل: لزمت عَمرًا؟ قال: نعم، إنه يجيئنا بأشياء غرائب، قال: يقول له أيوب: إنما نَفِرُّ، أو نَفْرَقُ من تلك الغرائب. وقال رجلٌ لخالد بن الحارث: أَخْرِج إليّ حديثَ الأشعث، لعلي أجد فيه شيئًا غريبًا، فقال: لو كان فيه شيء غريبٌ لمحوته. ونقل عليّ بن عثمان النفيليّ، عن أحمد، قال: شرّ الحديث الغرائب، التي لا يُعمل بها، ولا يُعتمد عليها. وقال المرّوذيّ: سمعت أحمد يقول: تركوا الحديث، وأقبلوا على الغرائب، ما أقلّ الفقه فيهم. ونقل محمد بن سهل بن عسكر، عن أحمد، قال: إذا سمعت أصحاب الحديث يقولون: هذا الحديث غريب، أو فائدة، فاعلم أنه خطأٌ، أو دخل حديث في حديث، أو خطأ من المحدّث، أو ليس له إسنادٌ، وإن كان قد رَوَى شعبة، وسفيان، وإذا سمعتهم يقولون: لا شيء، فاعلم أنه حديث صحيح. وقال أحمد بن يحيى: سمعت أحمد غير مرّة، يقول: لا تكتبوا هذه الأحاديث الغرائب، فإنها مناكير، وعامّتها عن الضعفاء.
قال أبو بكر الخطيب: أكثر طالبي الحديث في هذا الزمان، يغلب عليهم كَتْبُ الغريب، دون المشهور، وسماع المنكر، دون المعروف، والاشتغال بما وقع فيه السهو والخطأ، من رواية المجروحين والضعفاء، حتى لقد صار الصحيح عند أكثرهم مجتنبًا، والثابت مصدوفًا عنه مُطَّرَحًا، وذلك لعدم معرفتهم بأحوال الرواة، ومحلِّهم، ونقصوان علمهم بالتمييز، وزهدهم في تعلّمه، وهذا خلاف ما كان عليه الأئمّة من المحدّثين الأعلام، من أسلافنا الماضين.
قال الحافظ ابن رجب: وهذا الذي ذكره الخطيب حقّ، ونجد كثيرًا ممن ينتسب