الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَكُلُّ مَا فِي ذَيْنِ وَ"الْمُوَطَّا"
…
فَهْوَ "الْحَرَامِيُّ" بِرَاءٍ ضَبْطَا
إِلَّا الَّذِي أُبْهِمَ عَنْ أَبِي الْيَسَرْ
…
فِي مُسْلِمٍ فَإِنَّ فِيهِ الْخُلْفَ قَرْ
وَحِّدْ "زُبَيْدًا" مَا عَدَا ابْنَ الصَّلْتِ
…
وَ"وَاقِدٌ" بِالْقَافِ فِيهَا يَأْتِي
بِالْيَاءِ "الايْلِيُّ" سِوَى شَيْبَانَا
…
لَكِنَّهُ بِنَسَبٍ مَا بَانَا
وَلَمْ يَزِدْ مُوَطَّأٌ إِنْ تَفْطُنِ
…
سِوَى بِضَمِّ "بُسْرٍ" ابْنِ مِحْجَنِ
والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
[تنبيه]: تكرر في "صحيح مسلم" قوله: حدثنا فلان وفلان كليهما عن فلان، هكذا يقع في مواضع كثيرة في أكثر الأصول "كليهما" بالياء، وهو مما يُسْتَشكل من جهة العربية، وحقه أن يقال:"كلاهما" بالألف، ولكن استعماله بالياء صحيح، وله وجهان:[أحدهما]: أن يكون مرفوعا تأكيدا للمرفوع قبله، ولكنه كتب بالياء؛ لأجل الإمالة، ويُقرأ بالألف، كما كتبوا "الربا" و"الربى" بالألف والياء، ويقرأ بالألف لا غير. [والوجه الثاني]: أن يكون "كليهما" منصوبًا، ويقرأ بالياء، ويكون تقديره أعني كليهما. قاله النوويّ (1). والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
المسألة الحادية والعشرون: وهي آخر المسائل في ذكر رسالتين مهمّتين
لهما صلة
بكتابنا هذا، حيث إنه ضِمْنَ الكتب التي وُضعتا للبحث عن شروطها.
الرسالة الأولى:
شروط الأئمة للحافظ أبي الفضل محمد بن طاهر بن عليّ المقدسيّ المتوفّى سنة (507 هـ) رحمه اللهُ تعالى (2)، ونصّ الرسالة:
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الإمام الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر بن عليّ المقدسيّ رحمه اللهُ تعالى: [فإن قيل]: إن كلّ واحد من الأئمة الستّة -يعني البخاريّ ومسلمًا، وأبا داود، والترمذيّ، والنسائيّ، وابن ماجه- صنّف كتابًا على حِدَة، ولم يَتّفقوا على ما أخرج
(1)"مقدّمة شرح مسلم" 1/ 41 - 42.
(2)
هو الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر بن عليّ بن أحمد القيسرانيّ المقدسيّ، ذو الرحلة الواسعة، والتصانيف النافعة، وُلد سنة (448) للهجرة، سمع بالقدس، وبغداد، ونيسابور، وأصبهان، وشيراز، والريّ، ودمشق، ومصر، ومات في بغداد عند قدومه من الحج يوم الجمعة في شهر ربيع الأول سنة (507 هـ) رحمه الله تعالى رحمة واسعة. راجع ترجمته في "طبقات الحفّاظ"، و"ميزان الاعتدال"، و"شذرات الذهب".
الأول من غير زيادة ونقصان، فهل تجري كلها مَجْرًى واحدًا في الصحّة أم تتباين في المعنى؟ .
[الجواب]: إن بعض أهل الصنعة سألني ببغداد عن شرط كلّ واحد من هؤلاء الأئمة في كتابه، فأجبته بجواب أنا أذكره بعينه ورُمّته.
[قلت]: اعلم: أن البخاريّ ومسلمًا، ومن ذكرنا بعدهما لم يُنقَل عن أحد منهم أنه قال: شرطت أن أُخرج في كتابي ما يكون على الشرط الفلانيّ، وإنما يَعرف ذلك من سبر كتبهم، فيُعلَم بذلك شرط كلّ رجل منهم.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قوله: "لم يُنقَل عن أحد إلخ" فيه نظر لا يخفى؛ لأن مسلمًا قد بيّن شرطه في هذه المقدّمة، وكذلك أبو داود أوضح شرطه في رسالته إلى أهل مكّة، فكيف يقال: لم يُنقل عن أحد منهم إلخ، فتبصّر. والله تعالى أعلم.
قال: فاعلم أن شرط البخاري ومسلم أن يُخرجا الحديث المتّفق على ثقة نقلته (1) إلى الصحابيّ المشهور من غير اختلاف بين الثقات الأثبات، ويكون إسناده متّصلًا غير مقطوع، فإن كان للصحابيّ راويان فصاعدًا فحسنٌ، وإن لم يكن له إلا راو واحد إذا صحّ الطريق إلى ذلك الراوي أخرجاه، إلا أن مسلمًا أخرج أحاديث أقوام ترك البخاريّ حديثهم لشبهه وقعت في نفسه، أخرج مسلم أحاديثهم بإزالة الشبهة، مثلُ حمّاد بن سلمة، وسُهيل بن أبي صالح، وداود بن أبي هند، وأبي الزبير، والعلاء بن عبد الرحمن، وغيرهم.
جعلنا هؤلاء الخمسة مثالًا لغيرهم، لكثرة رواياتهم وشُهرتهم، فلما تكلم في هؤلاء بما لا يُزيل العدالة والثقة ترك البخاريّ إخراج حديثهم معتمِدًا عليهم تحرّيًا، وأخرج مسلم أحاديثهم بإزالة الشبهة.
ومثال ذلك أن سُهيل بن أبي صالح تكلم في سماعه من أبيه، فقيل: صحيفة، فترك البخاريّ هذا الأصل، واستغنى عنه بغيره من أصحاب أبيه، ومسلم اعتمد عليه لَمّا سَبَر أحاديثه فوجده مرّةً يُحدّث عن عبد الله بن دينار، عن أبيه، ومرّة عن الأعمش، عن أبيه، ومرّةً يُحدّث عن أخيه، عن أبيه بأحاديث فاتته من أبيه، فصحّ عنده أنه سمع من أبيه؛ إذ لو كان سماعه صحيفةً لكان يروي هذه الأحاديث مثل تلك الأُخَر.
(1) ناقش الحافظ العراقيّ المقدسيّ في قوله: "المتّفق على ثقة نقلته"، فقال في "شرح ألفيته": ليس ما قاله ابن طاهر بجيّد؛ لأن النسائيّ ضعّف جماعة أخرج لهما الشيخان، أو أحدهما، غير أن تضعيف النسائيّ لهم بدون تبيين السبب، وقد ذكر علماء الجرح أن الجرح الذي لم يبيّن سببه غير مفيد للجرح، ولكن يوجب الريبة والتوقّف في غير المشاهير بالعدالة والأمانة، فلا يؤثّر فيهم. انتهى.
وكذلك حمّاد بن سلمة إمام كبيرٌ مدحه الأئمة، وأطنبوا لَمّا تكلّم فيه بعض منتحلي المعرفة أن بعض الكذبة أدخل في حديثه ما ليس منه لم يُخرج عنه معتمِدًا عليه، بل استشهد به في مواضع ليُبَيّن أنه ثقة، وأخرج أحاديثه التي يرويها من حديث غيره من أقرانه، كشعبة، وحمّاد بن زيد، وأبي عوانة، وأبي الأحوص، وغيرهم.
ومسلم اعتمَد عليه؛ لأنه رأى جماعةً من أصحابه القدماء والمتأخّرين رووا عنه حديثًا لم يَختلفوا عليه، وشاهد مسلم منهم جماعة، وأخذ عنهم، ثم عدالة الرجل في نفسه، وإجماع أئمة النقل على ثقته وإمامته.
فهذا الكلام فيما اختلفا فيه من إخراج أحاديث هؤلاء، وما جرى مجراهم.
وأما أبو داود، فمن بعده، فإن كتبهم تنقسم على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: صحيح، وهو الجنس المخرج في هذين الكتابين للبخاريّ ومسلم، فإن أكثر ما في هذه الكتب مخرج في هذين الكتابين، والكلام عليه كالكلام على "الصحيحين" فيما اتّفقا عليه، واختلفا فيه.
والقسم الثاني: صحيح على شرطهم، حكى أبو عبد الله بن منده أن شرط أبي داود، والنسائيّ إخراج أحاديث أقوام لم يُجمَع على تركهم إذا صحّ الحديث باتّصال الإسناد من غير قطع، ولا إرسال، ويكون هذا القسم من الصحيح، فإن البخاريّ قال: أحفظ مائتي ألف حديث صحيح، ومائتي ألف حديث غير صحيح، ومسلم قال: أخرجت المسند الصحيح من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة.
ثم إنا رأيناهما أخرجا في كتابيهما ما اتّفقا عليه، وما انفردا به قريب عشرة آلاف تزيد أو تنقص، فعلمنا أنه قد بقي من الصحيح الكثير إلا أن طريقه لا يكون كطريق ما أخرجاه في هذين الكتابين، فما أخرجوه مما انفردوا به دونهما، فإنه من جملة ما تركه البخاريّ ومسلم من جملة الصحيح.
والقسم الثالث: أحاديث أخرجوها للضدّيّة في الباب المتقدّم، وأوردوها لا قطعًا منهم بصحّتها، وربّما أبان الْمُخْرِج لها عن علّتها بما يفهمه أهل المعرفة.
[فإن قيل]: لم أودعوها كتبهم، ولم تصبحّ عندهم؟ .
[فالجواب]: من ثلاثة أوجه:
أحدهما: رواية قوم لها، واحتجاجهم بها، فأوردوها، وبيّنوا سقمها؛ لتزول الشبهة.
والثاني: أنهم لم يشترطوا ما ترجمه البخاريُّ ومسلم رضي الله عنهم على ظهر كتابيهما من
التسمية بالصحّة، فإن البخاريّ قال: ما أخرجت في كتابي إلا ما صحّ، وتركت من الصحاح لحال الطول، ومسلم قال: ليس كلُّ حديث صحيح أودعته هذا الكتاب، وإنما أخرجت ما أجمعوا عليه، ومن بعدهم لم يقولوا ذلك، فإنهم كانوا يُخرجون الشيء وضدّه.
والثالث: أن يُقال لقائل هذا الكلام: رأينا الفقهاء، وسائر العلماء يوردون أدلّة الخصم في كتبهم مع علمهم أن ذلك ليس بدليل، فكان فعلهما هذا كفعل الفقهاء. والله أعلم.
وأما أبو عيسى الترمذيّ رحمه الله فكتابه وحده على أربعة أقسام: قسم صحيح مقطوع به، وهو ما وافق فيه البخاريّ ومسلمًا، وقسم على شرط الثلاثة دونهما كما بيّنّا، وقسم أخرجه للضدّيّة، وأبان عن علّته، ولم يُغفله، وقسم رابع أبان هو عنه، فقال: ما أخرجت في كتابي إلا حديثًا قد عمل به بعض الفقهاء، وهذا شرط واسعٌ، فإنّ (1) على هذا الأصل كلّ حديث احتجّ به محتجّ، أو عمل بموجبه عاملٌ أخرجه، سواء صحّ طريقه، أو لم يصحّ، وقد أزاح عن نفسه الكلام، فإنه شفَى في تصنيفه، وتكلّم على كلّ حديث بما يقتضيه، وكان من طريقته رحمة الله عليه أن يترجم الباب الذي فيه حديث مشهور عن صحابيّ قد صحّ الطريق إليه، وأخرج من حديثه في الكتب الصحاح، فيورد في الباب ذلك الحكم من حديث صحابيّ آخر لم يُخرجوه من حديثه، ولا تكون الطرق إليه كالطريق الأول، وإن كان الحكم صحيحًا، ثمّ يُتبعه بأن يقول:"وفي الباب عن فلان وفلان"، ويعُدّ جماعة فيهم ذلك الصحابيّ المشهور وأكثر، وقلّما يسلك هذه الطريقة إلا في أبواب معدودة. والله أعلم.
قال السائل: فإن الحاكم أبا عبد الله النيسابوريّ الحافظ ذكر في كتاب "المدخل إلى معرفة كتاب الإكليل" شرطًا على غير هذا النحو.
قلت: نعم أخبرنا أبو بكر أحمد بن عليّ الأديب الشيرازيّ بنيسابور، قال: قال أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ القسم الأول من المتّفق عليها اختيار البخاريّ ومسلم، وهو الدرجة الأولى من الصحيح، ومثاله الحديث الذي يرويه الصحابيّ المشهور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وله راويان ثقتان، ثم يرويه عنه التابعيّ المشهور بالرواية عن الصحابيّ، وله راويان ثقتان، ثم يرويه عنه من أتباع التابعين الحافظ المتقِن المشهور، وله رواة من الطبقة الرابعة، ثم يكون شيخ البخاريّ أو مسلم حافظًا متقنًا مشهورًا بالعدالة، فهذه الدرجة الأولى من الصحيح.
(1) هكذا النسخة، ولعله "فإنه" بالضمير، والله أعلم.
الجواب: أن البخاريّ ومسلمًا لم يشترطا هذا الشرط، ولا نُقل عن واحد منهما أنه قال ذلك، والحاكم قدّر هذا التقدير، وشَرَطَ لهما هذا الشرطَ على ما ظَنَّ عن واحد، ولعمري إنه شرط حسن لو كان موجودًا في كتابيهما، إلا أنا وجدنا هذه القاعدة التي أسسها الحاكم منتقضةً في الكتابين جميعًا.
فمن ذلك في الصحابة: أن البخاريّ أخرج حديث قيس بن أبي حازم، عن مِرْداس الأسلميّ: "يذهب الصالحون الأول فالأوّل
…
" الحديث، وليس لمِرداس راوٍ غيرُ قيس. وأخرج هو ومسلم حديث المسيّب بن حَزْن في وفاة أبي طالب، ولم يرو عنه غير ابنه سعيد. وأخرج البخاريّ حديث الحسن البصريّ، عن عمرو بن تغلِب: "إني لأعطي الرجل، والذي أَدَعُ أحبّ إليّ
…
" الحديث، ولم يرو عن عمرو غيرُ الحسن.
هذا في أشياء عند البخاريّ على هذا النحو. وأما مسلم فإنه أخرج حديث الأغرّ الْمُزَنيّ: "إنه لَيُغانُ على قلبي
…
"، ولم يرو عنه غير أبي بُرْدة. وأخرج حديث أبي رِفَاعة الْعَدَويّ، ولم يرو عنه غير حُميد بن هلال الْعَدَويّ. وأخرج حديث رافع بن عَمْرو الْغِفَاريّ، ولم يرو عنه غير عبد الله بن الصامت. وأخرج حديث رَبِيعة بن كعب السلميّ، ولم يرو عنه غير أبي سلمة بن عبد الرحمن.
هذا في أشياء كثيرة اقتصرنا منها على هذا القدر؛ ليُعلَم أن القاعدة التي أسّسها منتقضةٌ، لا أصل لها، ولو اشتغلنا بنقض هذا الفصل الواحد في التابعين وأتباعهم، ولمن روى عنهم إلى عصر الشيخين لأربى على كتابه "المدخل" أجمع، إلا أن الاشتغال بنقض كلام الحاكم لا يُفيد فائدةً، وله في سائر كتبه مثل هذا الكثيرُ -عفا الله عنّا وعنه-.
وأما الإمام الحافظ المتقن، أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن مندهْ، فأشار إلى نحو ما ذكرناه، وخلاف ما رسمه الحاكم، أخبرنا أبو عمرو عبد الوهّاب بن أبي عبد الله بن منده، قال: قال أبي: من (1) حكم الصحابيّ إذا روى عنه تابعيّ واحد، وإن كان مشهورًا، مثل الشعبيّ، وسعيد بن المسيِّبِ يُنسب إلى الجهالة (2)، فإذا روى عنه رجلان صار مشهورًا، واحتُجّ به، وعلى هذا بَنى محمد بن إسماعيل البخاريّ ومسلم بن الحجّاج كتابيهما "الصحيحين"، إلا أحرفًا تبيّن أمرها، فأما الغريب من الحديث، كحديث الزهريّ وقتادة وأشباههما من الأئمة، ممن يُجمَعُ حديثهم إذا انفرد الرجل عنهم
(1) هكذا النسخة، ولعل الأولة إسقاط "من"، فليحرّر. والله تعالى أعلم.
(2)
إطلاق الجهالة على الصحابيّ محلّ نظر.
بالحديث يُسمّى غريبًا، فإذا روى عنهم رجلان وثلاثة اشتركوا في حديث يُسمّى عزيزًا، فإذا روى الجماعة عنهم حديثًا سُمّي مشهورًا.
فاستثنى أبو عبد الله بن منده أحرفًا، وهو هذا النوع الذي أشرت إليه، فقد صحّ لديك بيان ما قدّمته إليك. والله أعلم بالصواب.
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أبي نصر الأندلسيّ (1) قال: سمعت أبا محمد عليّ ابن أحمد بن سعيد الحافظ الفقيه (2)، وقد جرى ذكر "الصحيحين"، فعظّم منهما، ورفَعَ من شأنهما، وذكر أن سعيد بن السكر اجتمع إليه يومًا قوم من أصحاب الحديث، فقالوا له: إن الكتب في الحديث قد كثُرت علينا، فلو دلّنا الشيخ على شيء نقتصر عليه منها، فسكت، ودخل إلى بيته، فأخرج أربع رزم (3)، ووضع بعضها على بعض، وقال: هذه قواعد الإسلام، كتاب مسلم، وكتاب البخاريّ، وكتاب أبي داود، وكتاب النسائيّ.
سمعت الإمام أبا إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاريّ (4) بهَرَاةَ، وجرى بين يديه ذكر أبي عيسى الترمذيّ وكتابه، فقال: كتابه عندي أنفع من كتاب البخاريّ ومسلم؛ لأن كتاب البخاريّ ومسلم لا يَقِف على الفائدة منهما إلا المتبحّر العالم، وكتاب أبي عيسى يَصِلُ إلى فائدته كلُّ أحد من الناس.
رأيت على ظهر جزء قديم بالريّ حكايةً كتبها أبو حاتم الحافظ المعروف بخاموش، قال أبو زرعة الرازيّ: طالعت كتاب أبي عبد الله بن ماجه، فلم أجد فيه إلا قدرًا يسيرًا (5) مما فيه شيء، وذكر قريب بضعة عشر أو كلامًا هذا معناه.
ورأيت بقزوين له تاريخًا على الرجال والأمصار من عهد الصحابة إلى عصره، وفي آخره بخط جعفر بن إدريس صاحبه: مات أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه المعروف يوم الاثنين، ودُفن يوم الثلاثاء لثمان بقين من شهر رمضان من سنة ثلاث
(1) هو الحميديّ الظاهريّ، صاحب "الجمع بين الصحيحين"، وهو الذي جذب المصنّف إلى مذهب أهل الظاهر.
(2)
هو ابن حزم، ولم يجعل هو ولا شيخه لكتاب ابن ماجه، ولا لكتاب الترمذيّ شأنًا حيث لا يعرفانهما.
(3)
"الرِّزْم" بالكسر جمع رِزْمة: ما شُدّ في ثوب واحد. اهـ "ق".
(4)
هو الذي أمال المصنّف إلى التصوّف السالميّ المعروف.
(5)
لعل أبا زرعة أراد الأحاديث الواهية والموضوعة، وإلا فأحاديثه الضعيفة أكثر بكثير مما قاله، والذي أورده ابن الجوزيّ من أحاديثه في سلك الموضوعات نحو ثلاثين حديثًا، فليتنبّه.
وسبعين ومائتين، وسمعته يقول: وُلدت سنة تسع ومائتين، ومات وله أربع وستون سنة، وصلّى عليه أخوه أبو بكر، وتولّى دفنه أبو بكر، وأبو عبد الله أخواه، وابنه عبد الله.
أخبرنا أبو زيد واقد بن الخليل القزوينيّ الخطيب بالريّ، أنبأنا والدي الخليل بن عبد الله الحافظ في كتاب قزوين قال: أبو عبد الله محمد بن يزيد يُعرف بماجه (1)، مولى ربيعة، له "سنن"، و"تفسير"، و"تاريخ"، وكان عارفًا بهذا الشأن، ارتحل إلى العراقين: البصرة والكوفة، وبغداد، ومكة، والشام، ومصر، والريّ لكَتْب الحديث، مات سنة ثلاث وسبعين ومائتين.
أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن طاهر التميميّ الفقيه، قدم علينا الريّ حاجّا، أنبأنا علي بن محمد بن نصر الدينوريّ، حدّثنا القاضي أبو الحسن عليّ بن الحسن بن محمد المالكيّ، حدثنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن أحمد، حدّثني أبو بكر محمد بن إسحاق، ثنا الصوليّ، قال: سمعت أبا يحيى زكريا بن يحيى الساجيّ يقول: كتاب الله عز وجل أصل الإسلام، وكتاب "السنن" لأبي داود عهد الإسلام.
أخبرنا أبو القاسم عليّ بن عبد العزيز الخشّاب بنيسابور، أنبأنا محمد بن عبد الله البيّع، فيما أذِن لنا، قال: سمعت أبا سليمان الخطابيّ يقول: سمعت إسماعيل بن محمد الصفّار يقول: سمعت محمد بن إسحاق الصغانيّ يقول: أُلين لأبي داود السجستانيّ الحديث كما أُلين لداود عليه الصلاة والسلام الحديد.
أخبرنا الحسن بن أحمد أبو محمد السمرقنديّ مناولةً، أنبأنا أبو بشر عبد الله بن محمد بن محمد بن عمرو، حدّثنا أبو سعد عبد الرحمن بن محمد الإدريسيّ الحافظ قال: محمد بن عيسى بن سَوْرة الترمذيّ الحافظ الضرير، أحد الأئمة الذين يُقتدى بهم في علم الحديث، صنّف كتاب "الجامع"، و"التواريخ"، و"العلل" تصنيف رجل عالم متقِنٍ، كان يُضرَب به المثلُ في الحفظ. قال الإدريسيّ: سمعت أبا بكر محمد بن أحمد ابن محمد بن الحارث المروزيّ الفقيه يقول: سمعت أحمد بن عبد الله بن داود المروزيّ يقول: سمعت أبا عيسى محمد بن عيسى الحافظ يقول: كنت في طريق مكّة، وكنت قد كتبت جزأين من أحاديث شيخ، فمرّ بنا ذلك الشيخ، فسألت عنه، فقالوا: فلان، فذهبت إليه، وأنا أظنّ أن الجزأين معي، وحملت معي في محملي جزأين، كنت ظننت أنهما الجزآن اللذان له، فلما ظفِرت به، وسألته أجابني إلى ذلك، فرأى البياض في يدي، فقال: أما تستحي مني، قلت. لا، وقصصت عليه القصّة، وقلتُ: أحفظه
(1) هكذا النسخة، ولعل الصواب: يُعرف بابن ماجه، فليُحرّر.