الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أدّبه به من ذلك، وعلّمه إياه منه لجميع خلقه سنّةً، يستنّون بها، وسبيلًا يتّبعونه عليها في افتتاح أوائل منطقهم، وصدور رسائلهم، وكتبهم، وحاجاتهم انتهى كلام ابن جرير (1).
مسائل تتعلّق بـ"بالبسملة
":
المسألة الأولى: في الكلام على حديث البسملة الذي اشتهر الاحتجاج به على استحباب الابتداء بها
اعلم: أنه إنما عَدَلتُ عن الاستدلال بما اشتهر الاحتجاج به -ولا سيّما عند المتأخرين من المصنّفين- على استحباب البسملة، وهو حديث:"كلّ أمر ذي بال، لا يُبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم، فهو أبتر"، وفي رواية:"لا يُبدأ بالحمد للَّه"، وفي رواية:"بالحمد، فهو أقطع"، وفي رواية:"أجذم"، وفي رواية:"لا يبدأ فيه بذكر الله". رواه الحافظ عبد القادر الرُّهَاويّ رحمه اللهُ تعالى في "أربعينه" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه -كما ذكره الشارح النوويّ رحمه اللهُ تعالى في شرحه -إلى ما ذكرته لضعفه جدًّا، ودونك ما قاله المحققون من أهل الحديث.
قال الحافظ الزيلعيّ رحمه الله تعالى في "تخريج أحاديث الكشّاف": رُوي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ومن حديث كعب بن مالك رضي الله عنه.
أما حديث أبي هريرة رضي الله عنه فأخرجه أبو داود في "سننه" في "كتاب الأدب"، والنسائيّ في "اليوم والليلة"، وابن ماجه في "النكاح" من حديث قُرّة بن عبد الرحمن، عن الزهريّ، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلّ أمر، ذي بالٍ، لم يُبدأ باسم الله، فهو أبتر" انتهى (2).
ورواه ابن حبّان في "صحيحه" في موضعين منه في النوع الثاني والتسعين، من القسم الأول، وأعاده في النوع السادس والستّين، من القسم الثالث بالإسناد المذكور، ولفظه:"كلّ أمر ذي بال، لا يُبدأ فيه بحمد الله أقطع". ورواه الإمام أحمد في "مسنده"، وابن أبي شيبة في "مصنّفه"، في "كتاب الأدب"، و"مسنده"، وكذلك رواه البزّار في "مسنده"، وقال: لا نعلمه رُوي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه انتهى.
(1) تفسير ابن جرير الطبريّ ج 1 ص 50.
(2)
ما قاله الزيلعيّ فيه نظر، لأن رواية البسملة ليست عند أبي داود، ولا عند النسائيّ، ولا عند ابن ماجه، وإنما أخرجها الخطيب البغداديّ، كما يأتي قريبًا، وأما هؤلاء فقد رووه بلفظ الحمد فتنبّه.
ورواه الدارقطنيّ في "سننه" في أوائل "كتاب الصلاة"، ورواه البيهقيّ في "شعب الإيمان" في الباب الثالث والثلاثين عن الحاكم بسنده إلى قُرّة بن عبد الرحمن به، سواءً، ولفظه:"كلّ أمر، ذي بال، لا يُبدأ فيه بالحمد للَّه فهو أقطع". ورواه إسحاق ابن راهويه في "مسنده" كذلك، ولفظه:"كلّ أمر ذي بال، لا يُبدأ فيه بذكر الله، فهو أقطع". وهي رواية الدارقطنيّ، وأحمد، والنسائيّ.
والحديث فيه روايات، فروي "كلّ أمر"، وروي "كلّ كلام"، وهي رواية أحمد، والنسائيّ، وروي "لم يُبدأ"، وقد تقدّم، وروي "لم يُفتتح"، وهي عند أحمد أيضًا، وروي "بحمد الله"، وقد تقدّم، وروي "بذكر الله"، وقد تقدّم، وروي "فهو أقطع"، وقد تقدّم، وروي "فهو أبتر"، وقد تقدّم، وروي "فهو أجذم"، وروي "فهو أكتع" -بالكاف، ورواه الإمام إسحاق بن راهويه في "مسنده": حدثنا بقيّة بن الوليد، ثنا شعيب بن أبي حمزة، عن الزهريّ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلّ أمر، ذي بال، لا يُبدأ فيه بحمد الله، أكتع". قال بقيّة: و"الأكتع" الذي ذهبت أصابعه، وبقي كفّه انتهى. وهذا معضَلٌ.
وفيه رواية أخرى، رواه الإمام أبو بكر الخطيب البغداديّ في كتابه "الجامع لأخلاق الراوي، وآداب السامع" من حديث مبشّر بن إسماعيل، عن الزهريّ، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلّ أمر، ذي بال، لا يُبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم أقطع".
وهذا الحديث أُعلّ من وجهين:
الأول: أنه قد روي مُرسلًا، أخرجه كذلك أبو داود، والنسائيّ، عن أبي سلمة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، ليس فيه أبو هريرة، قال النسائيّ. والمرسل أولى بالصواب انتهى.
الثاني: في إسناده قُرّة بن عبد الرحمن بن حَيْوَئِيل الْمَعَافريّ، وفيه مقال، قال الحاكم في "مستدركه" في أواخر الصلاة: وقد استشهد مسلم رحمه اللهُ تعالى بقُرّة بن عبد الرحمن في موضعين من "صحيحه" انتهى.
وأما حديث كعب بن مالك رضي الله عنه فرواه الطبرانيّ في "معجمه": حدّثنا أحمد بن المعلى الدمشقيّ، حدّثنا عبد الله بن يزيد الدمشقيّ، حدّثنا صدقة بن عبد الله، عن محمد بن الوليد الزُّبيدي، عن الزهريّ، عن عبد الله بن كعب بن مالك، عن أبيه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال:"كلّ أمر، ذي بال، لا يبدأ فيه بالحمد للَّه، فهو أقطع" انتهى كلام الحافظ الزيلعيّ رحمه اللهُ تعالى (1).
(1) راجع تخريج أحاديث الكشّاف ج 1 ص 22 - 24.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: في سند حديث كعب بن مالك المذكور عبد الله ابن يزيد الدمشقيّ ضعيف، وصدقة بن عبد الله السمين الدمشقيّ ضعيف أيضًا. والله تعالى أعلم.
وقال الحافظ رحمهُ الله تعالى في "الفتح": عند تفسير قوله تعالى: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ} الآية [آل عمران: 64] في الكلام على حديث هِرَقْل، عند قوله:"فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم": ما نصّه: قال النوويّ: فيه استحباب تصدير الكتاب بـ"بسم الله الرحمن الرحيم"، وإن كان المبعوث إليه كافرًا، ويُحمل قولُه في حديث أبي هريرة رضي الله عنه:"كلّ أمر، ذي بال، لا يبدأ فيه بحمد الله، فهو أقطع"، أي بذكر الله، كما جاء في رواية أخرى، فإنه روي على أوجه:"بذكر الله"، "ببسم الله الرحمن الرحيم"، "بحمد الله". وهذا الكتاب كان ذا بال، من المهمّات العظام، ولم يُبدأ فيه، بلفظ الحمد، بل بالبسملة انتهى.
قال الحافظ: والحديث الذي أشار إليه أخرجه أبو عوانة في "صحيحه"، وصححه ابن حبّان أيضًا، وفي إسناده مقال، وعلى تقدير صحّته، فالرواية المشهورة فيه بلفظ:"حمد الله"، وما عدا ذلك من الألفاظ التي ذكرها النوويّ وردت في بعض طرق الحديث بأسانيد واهية انتهى كلام الحافظ رحمه اللهُ تعالى (1).
وقال العلاّمة، محدث العصر، الشيخ ناصر الألبانيّ -رحمه الله تعالى- في أول كتابه "إرواء الغليل": ما نصّه:
حديث "كلّ أمر، ذي بال، لا يُبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم، فهو أبتر". رواه الخطيب، وعبد القادر الرُّهاويّ ص 5 ضعيف جدًّا، وقد رواه السبكيّ في "طبقات الشافعيّة الكبرى" -1/ 6 - من طريق الحافظ الرُّهاويّ بسنده، عن أحمد بن محمد بن عمران، حدثنا محمد بن صالح البصريّ -بها- حدّثنا عبيد بن عبد الواحد بن شريك، حدثنا يعقوب بن كعب الأنطاكيّ، حدثنا مبشّر بن إسماعيل، عن الأوزاعيّ، عن الزهريّ، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا به، إلا أنه قال:"فهو أقطع". وهذا سندٌ ضعيف جدًّا، آفته ابن عمران هذا، ويُعرف بابن الجنديّ، ترجمه الخطيب في "تاريخه"، وقال - 5/ 77 - : كان يُضعّف في روايته، ويُطعن في مذهبه -يعني التشيّع- قال الأزهريّ: ليس بشيء. وقال الحافظ في "اللسان": وأورد ابن الجوزيّ في "الموضوعات" في فضل عليّ رضي الله عنه حديثًا بسند رجاله ثقات، إلا الجنديّ، فقال: هذا موضوعٌ، ولا يَتَعَدَّى الجنديّ.
(1) فتح الباري ج 9 ص 85. طبعة دار الفكر.