الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألتان تتعلّقان بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في تخريجه:
أما حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه فأخرجه المصنّف بالسند المذكور هنا فقط، وأخرجه (البخاريّ) في "الجنائز"(1291) عن أبي نعيم، عن سعيد بن عبيد، عن علي ابن ربيعة، عنه (1). و (الترمذيّ) في "العلم"(2662) عن محمد بن بشّار، عن عبد الرحمن بن مهديّ، عن سفيان الثوريّ، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ميمون بن شبيب، عنه. و (ابن ماجه) في "المقدّمة"(41) عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن وكيع، عن الثوريّ به. (وأحمد) في "مسنده" 4/ 250 عن محمد بن جعفر غندر، وبهز جميعًا عن شعبة، عن حبيب به. و 4/ 252 عن وكيع، عن الثوريّ وشعبة كلاهما عن حبيب به. و 4/ 255 عن بهز بن أسد، عن شعبة به.
وأما حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه فأخرجه المصنّف أيضًا بالسند المذكور فقط، وأخرجه (ابن ماجه)(39) عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن وكيع -وعن محمد بن بشار، عن غندر- كلاهما عن شعبة، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عنه. و (أحمد) 5/ 14 عن يزيد -يعني ابن هارون- عن وكيع- و 5/ 20 عن غندر، وعفّان- ثلاثتهم عن شعبة به. والله تعالى أعلم.
(المسألة الثانية): في فوائده:
(منها): ما بوّب له المصنّف رحمه اللهُ تعالى، وهو بيان تحريم رواية المنكر من الأخبار.
ومنها: تغليظ الكذب، والتعرض له، وأن من غلب على ظنه كذب ما يَرويه، فرواه كان كاذبا، وكيف لا يكون كاذبا، وهو مُخبِر بما لم يكن.
قال أبو جعفر الطحاويّ رحمه اللهُ تعالى في كتابه "مشكل الآثار" 1/ 375 بعد أن أورد هذا الحديث من رواية عليّ، وسمرة بن جندب، والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهم: ما نصّه: فتأملنا هذا الحديث لنقف على المراد به منه ما هو؟ ، فوجدنا الله تعالى قد قال في كتابه:{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ} إلى قوله {أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ} [الأعراف: 169]، فوجدناه تعالى قد أخبر أن ذوي الكتاب مأخوذ عليهم أن لا يقولوا على الله إلا الحق، وكان ما يأخذونه عن الله تعالى هو ما يأخذونه عن رسله -صلوات الله عليهم- إليهم، فكان فيما أخذه الله تعالى عليهم
(1) ولفظه: عن المغيرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن كذبا عليّ ليس ككذب على أحد، من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار"، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"من نِيحَ عليه يُعَذَّب بما نيح عليه".
أن لا يقولوا على الله إلا الحق، ودخل فيه أخذه عليهم أن لا يقولوا على رسله إلا الحقّ، كان الحق ههنا كهو في قوله تعالى:{إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86]، وكان من شهد بظن، فقد شهد بغير الحقّ، إذ كان الظن كما قد وصفه الله تعالى في قوله:{وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [يونس: 36].
وفي ذلك إعلامه إيانا أن الظنّ غير الحقّ، وإذا كان من شهد بالظنّ شاهدًا بغير الحقّ كان مثله من حدّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا لظنّ محدّثا عنه بغير الحقّ، والمحدّث عنه بغير الحقّ محدّث عنه بالباطل، والمحدّث عنه بالباطل كاذب عليه كأحد الكاذبين عليه الداخلين في قوله صلى الله عليه وسلم:"من كذب عليّ متعمّدًا، فليتبوّأ مقعده من النار"، ونعوذ بالله تعالى من ذلك. انتهى كلام الطحاويّ (1). والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى إسناد هذا الحديث، فقال بالسند المتصل إليه أول الكتاب:
1 -
(حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، وَسُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ أَبِي شَبِيبٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ ابْنِ شُعْبَةَ، قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ).
رجال هذا الإسناد: عشرة:
1 -
(أبو بكر بن أبي شيبة) هو عبد الله بن محمد بن أبي شيبة إبراهيم بن عثمان ابن خُواستي (2) العبسي مولاهم، الحافظ الكوفي الواسطيّ الأصل.
رَوَى عن أبي الأحوص، وعبد الله بن إدريس، وابن المبارك، وشريك، وهشيم، وجماعة. ورَوى عنه البخاري، ومسلم، وأبو داود، وابن ماجه، وروى له النسائي بواسطة أحمد بن علي القاضي، وزكرياء الساجي، وعثمان بن خرزاذ، وابنه أبو شيبة إبراهيم بن أبي بكر بن أبي شيبة، وأحمد بن حنبل، ومحمد بن سعد، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وجماعة.
قال يحيى الحماني: أولاد ابن أبي شيبة من أهل العلم، كانوا يزاحمونا عند كل محدث. وقال أحمد: أبو بكر صدوق، وهو أحب إلي من عثمان. قال عبد الله بن
(1)"شرح مشكل الآثار" 1/ 374 - 375.
(2)
"خُوَاستي" بخاء معجمة مضمومة، ثم واو مخفّفة، ثم ألف، ثم سين مهملة ساكنة، ثم تاء مثنّاة من فوقُ، ثم ياء مثناة من تحت. انتهى "شرح النووي على صحيح مسلم" 1/ 64.
أحمد: فقلت لأبي: إن يحيى بن معين يقول: عثمان أحب إلي، فقال: أبو بكر أعجب إلينا. وقال العجلي: ثقة، وكان حافظا للحديث. وقال أبو حاتم، وابن خراش: ثقة. وقال محمد بن عمر بن العلاء الجرجاني: سألت ابن معين عن سماع أبي بكر من شريك؟ فقال: أبو بكر عندنا صدوق، ولو ادّعَى السماع من أجل من شريك لكان مصدقا فيه، وما يحمله على أن يقول: وجدت في كتاب إلي بخطه، وحدث عن روح بحديث الدجال، وكنا نظن أنه سمعه من أبي هشام الرفاعي، وكان أبو بكر لا يذكر أبا هشام، قال: وسألت أبا بكر متى سمعت من شريك؟ قال: وأنا ابن (14) سنة، وأنا يومئذ أحفظ مني اليوم. وقال عمرو بن علي: ما رأيت أحفظ من أبي بكر، قدم علينا مع علي بن المديني، فسرد للشيباني أربعمائة حديث حفظا وقام. وقال أبو عبيد القاسم: انتهى العلم إلى أربعة، فأبو بكر أسردهم له، وأحمد أفقههم فيه، ويحيى أجمعهم له، وعلي أعلمهم به. وقال عبدان الأهوازي: كان يقعد عند الأُسطوانة أبو بكر، وأخوه، ومُشكُدانةُ، وعبد الله بن البراد، وغيرهم كلهم سكوت إلا أبا بكر، فإنه يهدر. وقال صالح بن محمد: أعلم من أدركت بالحديث وعلله علي بن المديني، وأعلمهم بتصحيف المشايخ يحيى بن معين، وأحفظهم عند المذاكرة أبو بكر بن أبي شيبة. وقال ابن خراش: سمعت أبا زرعة الرازي يقول: ما رأيت أحفظ من أبي بكر بن أبي شيبة، فقلت له: يا أبا زرعة وأصحابنا البغداديين؟ فقال: دع أصحابك أصحاب مخاريق. وقال ابن حبان في "الثقات": كان متقنا حافظا دَيِّنا، ممن كتب، وجمع، وصنّف، وذاكر، وكان أحفظ أهل زمانه للمقاطيع. وقال ابن قانع: ثقة ثبت. قال البخاري وغير واحد: مات سنة خمس وثلاثين ومائتين في المحرم. وفي "الزهرة": روى عنه البخاري ثلاثين حديثا، ومسلم ألفا وخمسمائة وأربعين حديثا (1).
وجعله في "التقريب" من الطبقة العاشرة.
أخرج له الجماعة إلا الترمذي.
[تنبيه]: قال النوويّ رحمه اللهُ تعالى في "شرحه": 1/ 64:
وأما أبو بكر بن أبي شيبة فاسمه عبد الله، وقد أكثر مسلم من الرواية عنه، وعن أخيه عثمان، ولكن عن أبي بكر أكثر، وهما أيضا شيخا البخاريّ، وهما منسوبان إلى جدهما، واسم أبيهما محمد بن إبراهيم بن عثمان بن خُوَاستي -بخاء معجمة مضمومة، ثم واو مخففة، ثم ألف، ثم سين مهملة ساكنة، ثم تاء مثناة من فوق، ثم ياء مثناة من تحت- ولأبي بكر وعثمان ابني أبي شيبة أخ ثالث، اسمه القاسم، ولا رواية له في
(1) الذي في برنامج الحديث صخر أن المصنف روى له (1301) فليُحرّر.
الصحيح، كان ضعيفا، وأبو شيبة هو إبراهيم بن عثمان، وكان قاضي واسط، وهو ضعيف، متفق على ضعفه، وأما ابنه محمد والد بني أبي شيبة، فكان على قضاء فارس، وكان ثقة. قاله يحيى بن معين وغيره، ويقال لأبي شيبة وابنه وبني ابنه: عبسيون -بالموحدة، والسين المهملة- وأما أبو بكر وعثمان فحافظان جليلان، واجتمع في مجلس أبي بكر نحو ثلاثين ألف رجل، وكان أجلّ من عثمان وأحفظ، وكان عثمان أكبر منه سنّا، وتأخرت وفاة عثمان، فمات سنة تسع وثلاثين ومائتين، ومات أبو بكر سنة خمس وثلاثين.
ومن طُرَف ما يتعلق بأبي بكر ما ذكره أبو بكر الخطيب البغدادي، قال: حَدّث عن أبي بكر محمدُ بنُ سعد كاتبُ الواقديّ، ويوسف بن يعقوب أبو عمرو النيسابوريّ، وبين وفاتيهما مائة وثمان أو سبع سنين. والله أعلم. انتهى كلام النوويّ.
2 -
(وكيع) بن الجرّاح بن مَلِيح الرُّؤاسيّ -بضم الراء، وهمزة، ثم مهملة- أبو سفيان الكوفيّ الحافظ، أحد الأئمة الأعلام.
رَوَى عن أبيه، وإسماعيل بن أبي خالد، وأيمن بن نابل، وعكرمة بن عمار، وهشام بن عروة، والأعمش، وشعبة، وغيرهم.
ورَوَى عنه أبناؤه سفيان، ومليح، وعبيد، ومستمليه محمد بن أبان البلخي، وشيخه سفيان الثوري، وعبد الرحمن بن مهدي، وأحمد، وعلي، ويحيى، وإسحاق، وابنا أبي شيبة، وأبو خيثمة، والحميدي، والقعنبي، وآخرون، آخرهم إبراهيم بن عبد الله العبسي القصار.
قال القعنبي: كنا عند حماد بن زيد، فجاء وكيع، فقالوا: هذا راوية سفيان، فقال حماد: لو شئت قلت: هذا أرجح من سفيان. وقال المروذي: قلت لأحمد: مَن أصحاب سفيان؟ قال وكيع، ويحيى، وعبد الرحمن، قلت: قدمت وكيعا، قال: وكيع شيخ. وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: ما رأيت أوعى للعلم من وكيع، ولا أحفظ منه، قال: وسمعت أبي يقول: كان مطبوع الحفظ، وكان وكيع حافظا حافظا، وكان أحفظ من عبد الرحمن بن مهدي كثيرا كثيرا، وقال في موضع آخر: ابن مهدي أكثر تصحيفا من وكيع، ووكيع أكثر خطأ منه. وقال في موضع آخر: أخطأ وكيع في خمسمائة حديث. وقال صالح بن أحمد: قلت لأبي: أيما أثبت عندك، وكيع أو يزيد؟ وقال: ما منهما -بحمد الله تعالى- إلا ثبت، قلت: فأيهما أصلح؟ قال ما منهما إلا صالح، إلا أن وكيعا لم يتلطخ بالسلطان، وما رأيت أحدا أوعى للعلم منه، ولا أشبه بأهل النسك منه. وقال الدوري: ذاكرت أحمد بحديث، فقال: مَن حدثك؟ قلت. شبابة، قال: لكن حدثني من لم تر عيناك مثله وكيع. وقال علي بن عثمان النفيلي:
قلت لأحمد: إن أبا قتادة يتكلم في وكيع، قال: من كذب بأهل الصدق فهو الكذاب. وقال محمد بن عامر المصيصي: سألت أحمد، وكيع أحب إليك أو يحيى بن سعيد؟ قال: وكيع، قلت: لم؟ قال: كان وكيع صديقا لحفص بن غياث، فلما ولي القضاء هجره، وكان يحيى بن سعيد صديقا لمعاذ بن معاذ، فلما ولي القضاء لم يهجره. وحكى محمد بن علي الوراق عن أحمد مثل ذلك سواء في وكيع وابن مهدي، وزاد: قد عُرض على وكيع القضاء فامتنع منه. وقال بشر بن موسى عن أحمد: ما رأيت مثل وكيع في الحفظ والإسناد والأبواب، مع خشوع وورع.
قال هارون بن حاتم: سمعت وكيعا يقول: وُلدت سنة ثمان وعشرين ومائة، وقيل: ولد سنة سبع، وقيل سنة تسع، وقال خليفة وغيره: مات سنة ست وتسعين، وقال أحمد: حج وكيع سنة ست، ومات في الطريق، وقال محمد بن سعد، وأبو هشام: مات بفيد، منصرفا من الحج سنة سبع، زاد أبو هشام: يوم عاشوراء.
وفي "التقريب": مات في آخر سنة (6) أو أول سنة (197) وله (70) سنة. انتهى.
وجعله في "التقريب" من كبار وجعله في "التقريب" من كبار الطبقة التاسعة.
أخرج له الجماعة، وله في "صحيح مسلم"(333) حديثًا.
3 -
(شعبة) بن الحجاج الإمام المشهور، تقدّمت ترجمته عند شرح قوله:"ممن ذمّ الرواية عنهم أئمة الحديث الخ".
4 -
(سفيان) بن سعيد بن مسروق بن حبيب بن رافع بن عبد الله بن موهب بن منقذ بن نصر بن الحكم بن الحارث بن مالك بن ملكان بن ثور بن عبد مناة بن أدّ بن طابخة على الصحيح، وقيل: هو من ثور همدان، الثوريّ، أبو عبد الله الكوفيّ، أحد الأئمة الأعلام.
رَوَى عن أبيه، وأبي إسحاق الشيباني، وأبي إسحاق السبيعي، وعبد الملك بن عمير، وعبد الرحمن بن عابس بن ربيعة، وإسماعيل بن أبي خالد، وسلمة بن كهيل، وطارق بن عبد الرحمن، والأسود بن قيس، وبيان بن بشر، وخلق كثير من أهل العراق، والحجاز، وغيرهم.
ورَوَى عنه خلق لا يحصون، منهم: جعفر بن برقان، وخصيف بن عبد الرحمن، وابن إسحاق، وغيرهم من شيوخه، وأبان بن تغلب، وزائدة، والأوزاعي، ومالك، وزهير بن معاوية، ومسعر وغيرهم من أقرانه، وعبد الرحمن بن مهدي، ويحيى بن سعيد القطان، وابن المبارك، وجرير، ووكيع، وعلي بن الجعد، وهو آخر من حدث عنه من الثقات، وغيرهم.
قال شعبة، وابن عيينة، وأبو عاصم، وابن معين، وغير واحد من العلماء: سفيان أمير المؤمنين في الحديث. وقال ابن المبارك: كتبت عن ألف ومائة شيخ، ما كتبت عن أفضل من سفيان. وقال يونس بن عبيد: ما رأيت أفضل من سفيان، فقال له رجل: يا أبا عبد الله، رأيت سعيد بن جبير وغيره، وتقول هذا؟ فقال: هو ما أقول، ما رأيت أفضل من سفيان. وقال وكيع عن سعيد: سفيان أحفظ مني. وقال ابن مهدي: كان وهب يقدم سفيان في الحفظ على مالك. وقال يحيى القطان: ليس أحد أحبّ إليّ من شعبة، ولا يعدله أحد عندي، وإذا خالفه سفيان أخذت بقول سفيان. وقال الدوري: رأيت يحيى بن معين لا يقدم على سفيان في زمانه أحدا في الفقه والحديث والزهد وكل شيء. وقال الآجري عن أبي داود: ليس يختلف سفيان وشعبة في شيء إلا يظفر سفيان. وقال أبو داود: بلغني عن ابن معين: ما خالف أحد سفيان في شيء إلا كان القول قول سفيان. وقال العجلي: أحسن إسناد الكوفة سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله. وقال ابن المديني: لا أعلم سفيان صحف في شيء قط إلا في اسم امرأة أبي عبيد، كان يقول: حفينة. وقال المروذي عن أحمد: لم يتقدمه في قلبي أحد. وقال عبد الله بن داود: ما رأيت أفقه من سفيان. وقال أبو قطن: قال لي شعبة: إن سفيان ساد الناس بالورع والعلم. وقال النسائي: هو أجل من أن يقال فيه: ثقة، وهو أحد الأئمة الذين أرجو أن يكون الله ممن جعله للمتقين إماما. وقال الخطيب: كان الثوريّ إمامًا من أئمة المسلمين، وعَلَمًا من أعلام الدين، مجمعًا على إمامته، مع الإتقان والضبط والحفظ والمعرفة والزهد والورع. وقال محمد بن سهل بن عسكر عن عبد الرزاق: بعث أبو جعفر الخشابين حين خرج إلى مكة، فقال: إن رأيتم سفيان فاصلبوه، قال: فجاء النجارون، ونصبوا الخشب، ونودي سفيان، وإذا رأسه في حجر الفضيل، ورجلاه في حجر ابن عيينة، فقالوا له: يا أبا عبد الله اتق الله، ولا تشمت بنا الأعداء، قال: فتقدم إلى الأستار فأخذها، ثم قال: برئت منه إن دخلها أبو جعفر، قال: فمات قبل أن يدخل مكة. وفضائله كثيرة جدّا.
قال أبو نعيم: خرج سفيان من الكوفة سنة خمسين ومائة، ولم يرجع إليها. وقال العجلي وغيره: مولده سنة سبع وتسعين. وقال ابن سعد: أجمعوا على أنه توفي بالبصرة سنة إحدى وستين ومائة، وفي بعض ذلك خلاف، والصحيح ما هنا.
وجعله في "التقريب" من رؤوس الطبقة السابعة.
أخرج له الجماعة (1). وله في "صحيح مسلم"(235) حديثًا.
(1) راجع "الخلاصة" ص 145 و"التقريب" ص 128.
5 -
(الحكم) بن عُتيبة -بمثناة فوقية، مصغّرًا- الكنديّ مولاهم، أبو محمد، ويقال: أبو عبد الله، ويقال: أبو عمر، أو أبو عبد الله الكوفيّ، أحد الأعلام.
رَوَى عن أبي جحيفة، وزيد بن أرقم، وقيل: لم يسمع منه، وعبد الله بن أبي أوفى، هؤلاء صحابة، وشريح القاضي، وقيس بن أبي حازم، وموسى بن طلحة، ويزيد ابن شريك التيمي، وعائشة رضي الله عنها بنت سعد، وعبد الله بن شداد بن الهاد، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وعطاء، وطاووس، وغيرهم.
ورَوى عنه الأعمش، ومنصور، ومحمد بن جحادة، وأبو إسحاق السبيعي، وأبو إسحاق الشيباني، وقتادة، وغيرهم من التابعين، وأبان بن صالح، وحجاج بن دينار، وسفيان بن حسين، والأوزاعي، ومسعر، وشعبة، وأبو عوانة، وغيرهم.
قال الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير، وعبدة بن أبي لبابة: ما بين لابتيها أفقه من الحكم. وقال مجاهد بن رومي: رأيت الحكم في مسجد الخيف، وعلماء الناس عيال عليه. وقال جرير، عن مغيرة: كان الحكم إذا قدم المدينة، أخلوا له سارية النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إليها. وقال عباس الدوري: كان صاحب عبادة وفضل. وقال ابن عيينة: ما كان بالكوفة بعد إبراهيم والشعبي مثل الحكم وحماد. وقال ابن مهدي: الحكم بن عتيبة ثقة ثبت، ولكن يختلف معنى حديثه. وقال ابن المديني: قلت ليحيى بن سعيد: أي أصحاب إبراهيم أحب إليك؟ قال: الحكم، ومنصور، قلت: أيهما أحبّ إليك؟ قال: ما أقربهما. وقال أحمد: أثبت الناس في إبراهيم الحكم ثم منصور. وقال ابن معين، وأبو حاتم، والنسائي: ثقة، زاد النسائي ثبت، وكذا قال العجلي، وزاد: وكان من فقهاء أصحاب إبراهيم، وكان صاحب سنة واتباع، وكان فيه تشيع إلا أن ذلك لم يظهر منه. وقال ابن سعد: كان ثقة ثقة فقيها عالما رفيعا كثير الحديث. وقال يعقوب بن سفيان: كان فقيها ثقة. وقال أحمد: لم يسمع من علقمة شيئا. وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن الحكم عن عبيدة السلماني متصل؟ قال: لم يلقه. وقال أحمد وغيره: لم يسمع الحكم حديث مِقسَم، كتابٌ إلا خمسة أحاديث، وعدها يحيى القطان: حديث الوتر، والقنوت، وعزمة الطلاق، وجزاء الصيد، والرجل يأتي امرأته وهي حائض. رواه ابن أبي خيثمة في "تاريخه" عن علي بن المديني عن يحيى. وقال البخاري في "التاريخ الكبير": قال القطان: قال شعبة: الحكم عن مجاهد كتاب، إلا ما قال: سمعت. وقال ابن حبان في "الثقات": كان يدلس، وكان سنهُ سن إبراهيم النخعي.
ذكر ابن منجويه أنه وُلد سنة (50) وقيل: إنه مات سنة (113) وقال الواقدي: سنة (14) وقال عمرو بن علي وغيره: سنة (15).
وجعله في "التقريب" من الطبقة الخامسة.
أخرج له الجماعة. وله في هذا الكتاب (42) حديثًا.
6 -
(حبيب) بن أبي ثابت قيس، ويقال: هند بن دينار، الأسدي الكاهليّ مولاهم، أبو يحيى الكوفيّ.
روى عن زيد بن أرقم، وابن عبّاس، وابن عمر، وخلق من الصحابة والتابعين. وعنه مسعر، والثوريّ، وشعبة، وأبو بكر النهشليّ، وخلق كثير. وثقه ابن معين، وأبو زرعة، والنسائيّ، والعجليّ. وقال أبو بكر بن عياش: كان بالكوفة ثلاثة ليس لهم رابع: حبيب بن أبي ثابت، والحكم، وحماد، وكانوا أصحاب الفتيا، ولم يكن أحد إلا ذلّ لحبيب. وقال ابن المدينيّ: له نحو مائتي حديث.
وقال العجلي: كوفي تابعي ثقة. وقال ابن معين والنسائي: ثقة. وقال ابن أبي مريم عن ابن معين: ثقة حجة، قيل له: ثبت؟ قال: نعم، إنما روى حديثين -قال: أظن يحيى يريد منكرين- حديث المستحاضة تصلي وإن قطر الدم على الحصير، وحديث القبلة للصائم. وقال أبو زرعة: لم يسمع من أم سلمة. وقال أبو حاتم: صدوق ثقة، ولم يسمع حديث المستحاضة من عروة. وقال الترمذي عن البخاري: لم يسمع من عروة بن الزبير شيئا. قال أبو بكر بن عياش وغيره: مات سنة (119)، وقيل: غير ذلك.
وقال ابن حبان في "الثقات": كان مدلسا. وقال ابن عدي: هو أشهر وأكثر حديثا من أن أحتاج أذكر من حديثه شيئا، وقد حدث عنه الأئمة، وهو ثقة حجة كما قال ابن معين. وقال العجلي: كان ثقة ثبتا في الحديث، سمع من ابن عمر غير شيء، ومن ابن عباس، وكان فقيه البدن، وكان مفتي الكوفة قبل الحكم وحماد. وذكره أبو جعفر الطبري في "طبقات الفقهاء"، وكان ذا فقه وعلم. وقال ابن خزيمة في "صحيحه": كان مدلسا، وقد سمع من ابن عمر.
مات سنة (119) وقيل: (122).
وجعله في "التقريب" من الطبقة الثالثة.
أخرج له الجماعة (1). وله في هذا الكتاب (17) حديثًا.
7 -
(ميمون بن أبي شبيب) الربعي، أبو نصر الكوفيّ، ويقال: الرقّيّ.
رَوَى عن معاذ بن جبل، وعمر، وعلي، وأبي ذر، والمقداد، وابن مسعود،
(1)"الخلاصة" ص 71. و"التقريب" ص 63 و"شرح النووي" 1/ 63.
وقيس بن سعد، والمغيرة بن شعبة، وعائشة رضي الله عنها، وسمرة بن جندب، وأبي عمرو الصيني.
ورَوَى عنه إبراهيم النخعي، وحبيب بن أبي ثابت، والحكم بن عتيبة، ومنصور بن زاذان، والحسن بن الحر، وإسماعيل بن عبد الملك بن أبي الصفيراء.
قال علي بن المديني: خفي علينا أمره. وقال أبو حاتم: صالح الحديث. وذكره ابن حبان في "الثقات". وقال عمرو بن علي: كان رجلا تاجرا كان من أهل الخير، وليس يقول في شيء من حديثه: سمعت، ولم أُخْبَر أن أحدا يزعم أنه سمع من الصحابة. وقال أبو داود: ولم يدرك عائشة رضي الله عنها. وقال الحسن بن الحر عن ميمون بن أبي شبيب: أردت الجمعة في زمان الحجاج، فذكر خبرا. قال أبو بكر بن أبي عاصم: مات سنة ثلاث وثمانين، وفيها أرخه ابن حبان، وزاد: قُتِل في الجماجم. وقال ابن معين: ضعيف. وقال ابن خراش: لم يسمع من علي، وصحح له الترمذي روايته عن أبي ذر، لكن في بعض النسخ، وفي أكثرها قال: حسن فقط.
وجعله في "التقريب" من الطبقة الثالثة.
أخرج له البخاريّ في "الأدب المفرد"، والمصنّف في هذا الموضع فقط، والأربعة (1)، وله في هذا الكتاب هذا الحديث فقط.
8 -
(عبد الرحمن بن أبي ليلى) واسمه يسار، ويقال: بلال، ويقال، داود بن بلال بن بُلَيل بن أُحيحة بن الْجُلاح بن الْحَرِيش بن جَحْجَبَا بن كُلْفة بن عوف بن عمرو ابن عوف بن مالك بن أوس الأنصاري الأوسي أبو عيسى المدنيّ، ثم الكوفي والد محمد.
وُلِد لستّ بقين من خلافة عمر، رَوَى عن أبيه، وعمر، وعثمان، وعلي، وسعد وحذيفة، ومعاذ بن جبل، والمقداد، وابن مسعود، وأبي ذر، وأُبَيّ بن كعب، وبلال بن رباح، وغيرهم.
وعنه ابنه عيسى، وابن ابنه عبد الله بن عيسى، وعمرو بن ميمون الأودي، وهو أكبر منه، والشعبي، وثابت البناني، والحكم بن عتيبة، وحصين بن عبد الرحمن، وجماعة.
قال عطاء بن السائب عن عبد الرحمن: أدركت عشرين ومائة من الأنصار صحابة. وقال عبد الملك بن عمير: لقد رأيت عبد الرحمن في حلقة فيها نفر من
(1)"الخلاصة" ص 394 و"القريب"354.
الصحابة، فيهم البراء يسمعون لحديثه، وينصتون له. وقال عبد الله بن الحارث بن نوفل: ما ظننت أن النساء ولدن مثله. وقال الدوري عن ابن معين: لم ير عمرَ، قال: فقلت له: فالحديث الذي يروي كنا مع عمر نتراءى الهلال، فقال ليس بشيء. وقال إسحاق بن منصور عن ابن معين: ثقة. وقال العجلي: كوفي تابعي.
وذكر أبو عبيد أنه أصيب سنة (71) وهو وَهَمٌ، ثم قال أبو عبيد: وأخبرني يحيى ابن سعيد، عن سفيان أن ابن شداد، وابن أبي ليلى فُقدا بالجماجم، وقد اتفقوا على أن الجماجم كانت سنة (82) وفيها أرخه خليفة، وأبو موسى، وغير واحد، ويقال: إنه غَرِق بدجيل. وقال ابن أبي حاتم: قلت لأبي: يصح لابن أبي ليلى سماع من عمر؟ قال: لا، قال أبو حاتم: رُوي عن عبد الرحمن أنه رأى عمر، وبعض أهل العلم يُدخل بينه وبين عمر البراء بن عازب، وبعضهم كعب بن عجرة. وقال ابن أبي خيثمة في "تاريخه": وقد رُوي سماعه من عمر من طرق، وليست بصحيحة. وقال الخليلي في "الإرشاد": الحفاظ لا يثبتون سماعه من عمر. وقال ابن المديني: كان شعبة ينكر أن يكون سمع من عمر. قال ابن المديني: لم يسمع من معاذ بن جبل، وكذا قال الترمذي في "العلل الكبير"، وابن خزيمة. وقال يعقوب بن شيبة: قال ابن معين: لم يسمع من عمر، ولا من عثمان، وسمع من علي. وقال ابن معين: لم يسمع من المقداد.
وجعله في "التقريب" من الطبقة الثانية.
أخرج له الجماعة، وله في هذا الكتاب (32) حديثًا.
9 -
(سمرة بن جندب) -بضم الدال المهملة، وفتحها- بن هلال بن حُديج بن مُرّة بن حَزْم بن عَمْرو بن جابر بن ذي الرأسين الفزاري، أبو سعيد، ويقال: أبو عبد الله، ويقال: أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو محمد، ويقال: أبو سليمان. قال ابن إسحاق: كان حليف الأنصار. رَوَى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أبي عُبيدة، وعنه ابناه: سليمان وسعد، وعبد الله بن بريدة، وزيد بن عقبة، والرَّبِيع بن عَمِيلة، وهلال بن يساف، وأبو رجاء العطاردي، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وأبو نضرة العبدي، وثعلبة ابن عباد، والحسن البصري، وغيرهم.
قال ابن عبد البر: سكن البصرة، وكان زياد يستخلفه عليها، فلما مات زياد أقره معاوية عاما أو نحوه، ثم عزله، وكان شديدا على الحرورية، فهم ومن قاربهم يطعنون عليه. وكان الحسن، وابن سيرين، وفضلاء أهل البصرة يُثنون عليه. وقال ابن سيرين في رسالة سمرة إلى بنيه علم كثير. وقال أيضا: كان عظيم الأمانة، صدوق الحديث، يحب الإسلام وأهله. قال ابن عبد البر: مات بالبصرة سنة ثمان وخمسين، سقط في قدر مملوءة ماء حارا، فكان ذلك تصديقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم له ولأبي هريرة وثالثٍ
معهما -يعني أبا محذورة-: "آخركم موتا في النار"، وقيل: مات آخر سنة تسع وخمسين، أو أول سنة ستين بالكوفة، وقيل بالبصرة. وقيل في سبب موته غير ذلك. أخرج له الجماعة. وقال في "الخلاصة": له (123) حديثًا اتفقا على حديثين، وانفرد البخاريّ بحديثين، ومسلم بأربعة. انتهى. وله في هذا الكتاب (13) حديثًا.
10 -
(المغيرة (1) بن شعبة) بن أبي عامر بن مسعود بن معتِّب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن قَسِيّ الثقفي، أبو عيسى، أو أبو محمد. وقال الطبري: يكنى أبا عبد الله. قال: وكان ضخم القامة، عَبْلَ الذراعين، بعيد ما بين المنكبين، أصهب الشعر جعده. وكان لا يَفرُقُه، أسلم قبل عمرة الحديبية، وشهدها، وبيعة الرضوان، وله فيها ذكر، وحَدَّثَ عن النبي صلى الله عليه وسلم، رَوَى عنه أولاده: عروة، وعقار، وحمزة ومولاه ورّاد، وابن عم أبيه حسن بن حبة، ومن الصحابة الْمِسْوَر بن مخرمة، ومن المخضرمين فمن بعدهم، قيس بن أبي حازم، ومسروق، وقبيصة بن ذؤيب، ونافع بن جبير، وبكر بن عبد الله المزني، والأسود بن هلال، وزياد بن علاقة، وآخرون. قال ابن سعد: كان يقال له: مغيرة الرأي، وشهد اليمامة، وفتوح الشام والعراق، وقال الشعبي: كان من دُهاة العرب، وكذا ذكره الزهري. وقال قبيصة بن جابر: صحبت المغيرة، فلو أن مدينة لها ثمانية أبواب، لا يخرج من باب منها إلا بمكر لخرج المغيرة من أبوابها كلها، وولاه عمر البصرة، ففتح مِيسان، وهَمَذان، وعِدّة بلاد إلى أن عزله لما شهد عليه أبو بكرة ومن معه. قال البغوي: كان أول من وضع ديوان البصرة. وقال ابن حبان: كان أول من سُلِّم عليه بالإِمْرة (2)، ثم ولاه عمر الكوفة، وأقره عثمان، ثم عزله، فلما قُتل عثمان اعتزل القتال إلى أن حضر مع الحكمين، ثم بايع معاوية بعد أن اجتمع الناس عليه، ثم ولاه بعد ذلك الكوفة، فاستمر على إمرتها حتى مات سنة خمسين عند الأكثر، ونقل فيه الخطيب الإجماع، وقيل: مات قبلُ بسنة، وقيل بعدها بسنة. وقال الطبري: كان لا يقع في أمر إلا وجد له مخرجا، ولا يلتبس عليه أمران إلا ظهر الرأي في أحدهما. وقال الطبري أيضا: كان مع أبي سفيان في هدم طاغية ثقيف بالطائف، وبعثه أبو بكر الصديق إلى أهل النُّجَير (3)، وأصيبت عينه باليرموك، ثم كان رسول سعد إلى رستم. وفي "صحيح البخاري" في قصة النعمان بن مُقَرِّن في قتال الفرس، أنه كان رسول النعمان إلى امرئ
(1)"المغيرة" بضم الميم على المشهور، وحكى ابن السكّيت، وابن قتيبة، وغيرهما أنه يقال: بكسرها أيضًا. انتهى "شرح النووي" 1/ 63.
(2)
قال الحافظ الذهبيّ رحمه الله تعالى في "سير أعلام النبلاء" 3/ 28: يعني قول المؤذّن عند خروج الإمام إلى الصلاة: السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله وبركاته". انتهى.
(3)
"النُّجَير" كزبير: حصنٌ قرب حضر موت. وماء حذاء قرية صُفَينة. اهـ "ق" ص 433.
القيس، وشهد تلك الفتوح، وقال البغوي: حدّثني حمزة بن مالك الأسلمي، حدثني عمي شيبان بن حمزة، عن دُوَيد، عن المطلب بن حنطب قال: قال المغيرة: أنا أول من رشا في الإسلام، جئت إلى يَرْفَأ حاجب عمر، وكنت أجالسه، فقلت له: خذ هذه العمامة فالبسها، فإن عندي أختها، فكان يَأْنَس بي، ويأذن لي أن أجلس من داخل الباب، فكنت آتي، فأجلس في القائلة، فيمرّ المارّ، فيقول: إن للمغيرة عند عمر منزلة، إنه ليدخل عليه في ساعة لا يدخل فيها أحد. وذكر البغوي من طريق زيد بن أسلم، أن المغيرة استأذن على عمر، فقال أبو عيسى، قال: من أبو عيسى؟ قال: المغيرة بن شعبة، قال: فهل لعيسى من أب؟ فشهد له بعض الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكنيه بها، فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم غُفر له، وإنا لا ندري ما يُفعل بنا، وكناه أبا عبد الله. وأخرج البغوي من طريق هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: استعمل عمر المغيرة على البحرين، فكرهوه، وشَكَوا منه، فعزله، فخافوا أن يعيده عليهم، فجمعوا مائة ألف، فأحضرها الدِّهْقان إلى عمر، فقال: إن المغيرة اختان هذه، فأودعها عندي، فدعاه، فسأله، فقال: كذب، إنما كانت مائتي ألف، فقال: وما حملك على ذلك، قال كثرة العيال، فسُقِطَ في يد الدّهقان، فحلف وأكد الأيمان أنه لم يودع عنده قليلا ولا كثيرا، فقال عمر للمغيرة: ما حملك على هذا؟ ، قال: إنه افترى عليّ، فأردت أن أُخزيه. وأخرج ابن شاهين من طريق كثير بن زيد، عن المطلب -هو ابن حنطب- عن المغيرة، قال: كنت آتي، فأجلس على باب عمر، أنتظر الإذن على عمر، فقلت ليرفأ، حاجب عمر: خذ هذه العمامة فالبسها، فإن عندي أختها، فكان يأذن لي أن أقعد من داخل الباب، فمن رآني قال: إنه ليدخل على عمر في ساعة لا يدخل فيها غيره. وقال ابن سعد: كان رجلا طوالا، مصاب العين، أصيبت عينه باليرموك، أصهب الشعر، أقلص الشفتين، ضخم الهامة، عَبْلَ الذراعين، عريض ما بين المنكبين، وكان يقال له: مغيرة الرأي. ومن طُرف أخبار المغيرة رضي الله عنه أنه حكي عنه أنه أحصن في الإسلام ثلاثمائة امرأة، وقيل: ألف امرأة (1).
وقال البخاري في "التاريخ": قال أبو نعيم، عن زكريا، عن الشعبي: انكسفت الشمس في زمن المغيرة بن شعبة، يوم الأربعاء في رجب، سنة تسع وخمسين، فقام المغيرة، وأنا شاهد، فذكر القصة، كذا قال، والصواب: سنة تسع وأربعين. قاله في "الإصابة"(2). وفي "تهذيب التهذيب": وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: توفي سنة تسع وأربعين، وهو أميرها. وقال ابن سعد، وأبو حسان الزيادي، وغير واحد: مات سنة
(1) راجع "شرح النووي" 1/ 63.
(2)
"الإصابة" 9/ 269 - 271. و"سير أعلام النبلاء" 3/ 21/ 32.