الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كلّه، فقال: اقرأ، فقرأت جميع ما قرأ على الولاء، فلم يُصدّقني، وقال: استظهرتَ قبل أن تجيئني، فقلت: حَدِّثْنِي بغيره، فقرأ عليّ أربعين حديثًا من غرائب حديثه، ثم قال: هات اقرأ، فقرأت عليه من أوله إلى آخره كما قرأ ما أخطأت في حرف، فقال لي: ما رأيت مثلك.
أخبرنا أبو بكر الأديب، أنبأنا محمد بن عبد الله البيّع إجازةً قال: سمعت أبا الحسن أحمد بن محبوب الرمليّ بمكة يقول: سمعت أبا عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائيّ يقول: لَمّا عزمت على جمع كتاب "السنن"، استخرت الله تعالى في الرواية عن شيوخ كان في القلب منهم بعض الشيء، فوقعت الخيرة على تركهم، فنزلت في جملة من الحديث كنت أعلو فيه عنهم.
سألت الإمام أبا القاسم سعد بن عليّ الزنجانيّ بمكة عن حال رجلٍ من الرواة، فوثّقه، فقلت: إن أبا عبد الرحمن النسائيّ ضعّفه، فقال: يا بُنيّ إن لأبي عبد الرحمن في الرجال شرطًا أشدّ من شرط البخاريّ ومسلم.
قرأت على أبي القاسم الفضل بن أبي حرب الجرجانيّ بنيسابور، أخبركم أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلميّ الصوفيّ فيما أَذِن لك، قال: سألت أبا الحسن عليّ ابن عمر الدارقطنيّ الحافظ، فقلت: إذا حدّث محمد بن إسحاق بن خُزيمة، وأحمد بن شعيب النسائيّ حديثًا من تُقَدِّم منهما؟ قال: النسائيّ؛ لأنه أسند، على أني لا أُقدّم على النسائيّ أحدًا، وإن كان ابنُ خزيمة إمامًا ثبتًا، معدوم النظير.
وقال: سمعت أبا طالب الحافظ يقول: مَن يصبر على ما يصبر عليه أبو عبد الرحمن النسائيّ؟ ، عنده حديث ابن لَهِيعة ترجمة ترجمة، فما حدّث بها، وكان لا يرى أن يُحدّث بحديث ابن لهيعة.
سمعت أبا زكريّا الحافظ يقول: سمعت عمّي أبا القاسم يقول: سمعت الحافظ أبا عبد الله بن منده يقول: ما رأيت في اختلاف الحديث، والإتقان أحفظ من أبي عليّ الحسين بن عليّ بن داود اليزديّ النيسابوريّ.
تم وكمل بحمد الله وعونه، وصلواته على نبيّنا محمد، وآله وصحبه وعترته، وسلّم تسليمًا كثيرًا. انتهت الرسالة الأولى.
الرسالة الثانية:
شروط الأئمة الخمسة: البخاريّ، ومسلم، وأبي داود، والترمذيّ، والنسويّ رضي الله عنهم-
للحافظ أبي بكر محمد بن موسى الحازميّ المتوفّى سنة (584 هـ) رحمه الله تعالى (1).
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ الحافظ زين الدين أبو عبد الله محمد بن موسى الحازميّ الهمدانيّ رحمه الله من لفظه:
الحمد لله الذي اختار لنا الإسلام دينًا، وآزره وأظهره على الدين كلّه، وآثره، وجعله حصنًا حصينًا، ومنهاجًا مُبينًا، لا يَدْرُس منارُه، ولا تُطمس آثارُه، وصلى الله على محمد النبيّ المبعوث مِن أظهر المراتب، والمختار من أطهر المناسب، وعلى آله وصحبه ذوي السوابق والمناقب.
أما بعد: فقد سألتني -وفّقك الله لاكتساب الخيرات، وجنّبني وإياك موارد الهلَكات- أن أذكر لك شروط الأئمة الخمسة في كتبهم المعتمد على نقلهم وحكمهم: أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن الأحنف بن بَرْدِزْبَهْ الجعفيّ مولاهم البخاريّ، وأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيريّ النيسابوريّ، وأبي داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شدّاد بن عمرو بن عمران الأزديّ السجستانيّ، وأبي عيسى محمد بن عيسى بن سَوْرَة الترمذيّ، وأبي عبد الرحمن أحمد ابن شُعيب النسويّ رحمهم الله رضي الله عنهما، وما قصدوه، وغرض كلّ واحد منهم في تأسيس قاعدته، وتمهيد مرامه، وذكرتَ أن بعض الناس يزعم أن شرط الشيخين أبي عبد الله الجعفيّ، وأبي الحسين القشيريّ أن لا يُخرجا إلا حديثًا سمعاه من شيخين عدلين، وكلّ واحد منهما رواه أيضًا عن عدلين كذلك إلى أن يتّصل الحديث على هذا القانون برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يُخرجا حديثًا لم يُعرف إلا من جهة واحدة، أو لم يروه إلا راو واحد، وإن كان ثقة.
فاعلم -وفّقك الله تعالى- أن هذا قول من يستطرف أطراف الآثار، ولم يَلِج تيّار الأخبار، وجَهِلَ مخارج الحديث، ولم يَعثُر على مذاهب أهل التحديث، ومن عَرَف مذاهب الفقهاء في انقسام الأخبار إلى المتواتر والآحاد، ووقف على اصطلاح العلماء في كيفيّة مخرج الإسناد لم يذهب إلى هذا المذهب، وسهُل عليه المطلب، ولعمري هذا
(1) هو الإمام المتقن الحافظ البارع النسابة المبَرِّز زين الدين أبو بكر محمد بن موسى بن عثمان بن حازم الهمدانيّ الحازميّ، نسبة إلى جدّه، وُلد سنة (548 هـ) كان من الأئمة الحافظين العالمين بفقه الحديث ومعانيه ورجاله، صنّف في الحديث عدّة مصنّفات، وأملى عدّة مجالس، ومات في جمادى الأولى سنة (584 هـ) وهو ابن (36) سنة رحمه الله تعالى رحمة واسعة. راجع ترجمته في "تذكرة الحفاظ"، و"طبقات الشافعيّة"، و"شذرات الذهب".
قول قد قيل، ودعوى قد تقدّمت حتى ذكره بعض أئمة الحديث في مدخل الكتابين.
أنبأنا أبو محمد عبد الخالق بن عبد الوهّاب بن محمد المالكيّ، أنبأنا زاهر بن أبي عبد الرحمن المستملي، أنبأنا أحمد بن الحسين الخسرو جرديّ، أنبأنا الحاكم أبو عبد الله النيسابوريّ، قال:
والصحيح من الحديث ينقسم على عشرة أقسام، خمسة منها متّفقٌ عليها، وخمسةٌ مختلفٌ فيها.
فالقسم الأول من المتّفق عليها: اختيار البخاريِّ ومسلم، وهو الدرجة الأولى من الصحيح، ومثاله الحديث الذي يرويه الصحابيّ المشهور بالرواية عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وله راويان ثقتان، ثم يرويه عنه التابعيّ المشهور بالرواية عن الصحابة، وهم راويان ثقثان، ثم يرويه عنه من أتباع التابعين الحافظ المتقن المشهور، وله راويان ثقتان من الطبقة الرابعة، ثم يكون شيخ البخاريّ ومسلم حافظًا متقنًا مشهورًا بالعدالة في روايته، فهذه الدرجة الأولى من الصحيح، والأحاديث المرويّة بهذه الشريطة لا يبلغ عددها عشرة آلاف حديث.
والقسم الثاني من الصحيح المتّفق عليها الحديث الصحيح بنقل العدل عن العدل، رواه الثقات الحفّاظ إلى الصحابيّ، وليس لهذا الصحابيّ إلا راو واحد، ومثاله حديث عروة بن مضرّس الطائيّ أنه قال: "أتيت النبيّ صلى الله عليه وسلم، وهو بالمزدلفة
…
" الحديث، وهذا الحديث من أصول الشريعة مقبول، مُتداولٌ بين فقهاء الفريقين، ورواته كلهم ثقات، ولم يُخرجه البخاريّ، ولا مسلم في "الصحيحين"؛ إذ ليس له راو عن عروة بن مضرّس غير الشعبيّ، وشواهد هذا كثيرة في الصحابة، كعمير بن قتادة الليثيّ، ليس له راو غير ابنه عبيد، وأُسامة بن شَريك، وقُطبة بن مالك على اشتهارهما في الصحابة، ليس لهما راو غير زياد بن عِلاقة، وهو من كبار التابعين، ومِرْداس بن مالك الأسلميّ، والمستورِد ابن شدّاد الفِهْريّ، ودُكين المزنيّ، كلهم من الصحابة، وليس لهم راو غير قيس بن أبي حازم، والشواهد لما ذكرناه كثيرة، ولم يُخرج البخاريّ ومسلم هذا النوع من الصحيح.
والقسم الثالث من الصحيح المتّفق عليها: أخبار جماعة من التابعين عن الصحابة -والتابعون ثقات- إلا أنه ليس لكلّ واحد منهم إلا الراوي الواحد، وذكر له مثالًا.
والقسم الرابع من الصحيح المتّفق عليها: هذه الأحاديث الأفراد، والغرائب التي يرويها الثقات العدول، تفرّد بها ثقة من الثقات، ليس لها طرق مخرّجة في الكتب، وذكر له مثلًا.
والقسم الخامس من الصحيح: أحاديث جماعة من الأئمة عن آبائهم، عن
أجدادهم، ولم تتواتر الرواية عن آبائهم، عن أجدادهم بها إلا عنهم.
قال: وهذه الأقسام الخمسة مخرّجة في كتب الأئمة، محتجّ بها، ولم يُخَرَّج في "الصحيحين" منها حديثٌ؛ لما بيّنّا في كلّ قسم منها. هذا آخر كلام الحاكم.
ولم يُصب في قسم من هذه الأقسام، وسنبيّن أوهامه فيما بعدُ، وربّما لو رُوجع، وطولب بالدليل، وكُلّف البحث والسبر عن مخارج الأحاديث المخرّجة في الكتابين بالاستقراء، وتتبّع الطرق، وجمع التراجم والمشايخ، وتأليف الأبواب لاستوعر السبيل، ولم يتّضح له فيه دليل إلا في قدر من ذلك، وآفة العلوم التقليد.
وبيان ذلك إما إيثار الدَّعَة، وترك الدأب، وإما حسن الظنّ بالمتقدّم، ولعمري إن هذا القسم الثاني لحسنٌ، غير أن الاسترواح إلى هذا غير ممكن؛ لأنه يُفضي إلى سدّ باب الاجتهاد، والبحث عن مخارج الحديث، وأحوال الرجال.
وهذا الحاكم أبو أحمد الحافظ النيسابوريّ، وهو أحد أركان الحديث، وممن أخرج التخاريج الكثيرة، وكتابه المؤلّف في الأسماء والكنى يشهد له بتبحّره في علم الصنعة، وقد ذكر في بعض تراجمه حارثة بن مالك الأنصاريّ في الصحابة، مقلّدًا لآخر تقدّمه، ثم جاء بعده جماعة من المؤلّفين في الحديث والتواريخ والمعارف، ممن كان يُنسب إلى التحقيق والتدقيق نحو أبي عمر بن عبد البرّ القرطبيّ، والأمير أبي نصر بن ماكولا في كتابه "الإكمال"، وغيرهما قلّدوا المتقدّم، وركِبوا في ذلك الْمَجَرّة (1) وأثبتوه في كتبهم على ما رسمه المتقدّم، ولو عدل واحد من هؤلاء الأستاذين إلى كتب السير وتواريخ المحدّثين لبرح الخفاء، وانكشف الغطاء، وبان أن حارثة بن مالك الأنصاريّ لم يكن من الصحابة، ولا من أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا من الموجودين في زمنه أو بعده، وإنما هو في نسب الأنصار، وهو عبد حارثة بن مالك بن عضب بن جُشَم جاهليّ قديم من ولده بنو زُريق بن عامر بن زريق بن عبد حارثة بن مالك، بطن، وبنو بياضة بن عامر بن زريق إليهما يُنسب الزرقيّون، والبياضيّون في الأنصار جماعة منهم صحبوا النبيّ صلى الله عليه وسلم، ولهم رواية، وشهدوا معه بدرًا، وفيهم من بينه وبين عبد حارثة الذي سمّوه حارثة، وجعلوا له صحبة تسعة آباء، وأقلّ من ذلك، والعجب من الحاكم، ومن أبي عمر أنهما أحالا بذلك على الواقديّ، وإنما قال الواقديّ في تسمية البدريين: ومن بني زريق بن عامر بن عبد حارثة، وغيره يقول: زريق بن عامر بن زريق بن عبد حارثة ابن مالك بن عضب بن جشم، ثم من بني مخلد بن عامر قيس بن محصن، وسمّى
(1) يعني حاولوا المحال كمن يريد ركوب المجرّة، وهي منطقة في السماء قوامها نجوم كثيرة، لا يميّزها البصر فيراها كبقعة بيضاء.