الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنها: أن فيه أنس بن مالك رضي الله عنه من المكثرين السبعة، روى (2286) حديثًا، اتّفقا على (168) وانفرد البخاريّ بـ (83) ومسلم بـ (71).
[فائدة]: المكثر هو الذي رَوَى أكثر من ألف حديث، وهؤلاء المكثرون هم الذين جمعتهم مرتّبًا بقولي:
الْمُكْثِرُونَ فِي رِوَايَةِ الْخَبَرْ
…
مِنَ الصَّحَابَةِ الأَكَارِمِ الْغُرَرْ
أَبُو هُرَيْرَةَ يَلِيهِ ابْنُ عُمَر
…
فَأَنَسٌ فَزَوْجَةُ الْهَادِي الأَبَرّ
ثُمَّ ابْنُ عَبَّاسٍ يَلِيهِ جَابِرُ
…
وَبَعْدَهُ الْخُدْرِيُّ فَهْوَ آخِرُ
فأما أبو هريرة رضي الله عنه فروى (5374) حديثًا، اتفقا الشيخان على (326) وانفرد البخاريّ (93) ومسلم (98)(1).
وأما ابن عمر رضي الله عنهما فروى (2630) اتفقا على (170) وانفرد البخاريّ (81) ومسلم (31).
وأما أنس بن مالك رضي الله عنه، فروى (2286)، اتفقا على (168) وللبخاريّ (83) ولمسلم (71).
وأما عائشة رضي الله عنها، وهي المرادة بقولي:"فأمنا"، فروت (2210) اتفقا على (174) وللبخاريّ (54) ولمسلم (68).
وأما ابن عبّاس رضي الله عنهما، وهو المراد بقولي:"فالبحر"، فروى (1696)، اتفقا على (75) وللبخاري (28) ولمسلم (49).
وأما جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، فروى (1540) اتفقا على (58) وللبخاريّ (26) ولمسلم (126).
وأما أبو سعيد الخدريّ رضي الله عنه، وهو المراد بقولي "سعد"، فروى (1170) اتفقا على (43) وللبخاريّ (26) ولمسلم (52). والله تعالى أعلم.
ومنها: أنّ أنسًا رضي الله عنه من المعمّرين من الصحابة رضي الله عنهم، فقد عاش أكثر من مائة سنة، كما مرّ آنفًا، وهو آخرهم موتًا في البصرة. والله تعالى أعلم.
شرح الحديث:
(عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) رضي الله عنه (أَنَّهُ قَالَ: إِنَّهُ) الضمير للشأن، وهو ضمير يقدّمه المتكلّم
(1) هكذا في "سير أعلام النبلاء" 2/ 632 والذي في "خلاصة الخزرجي" أن المتفق عليه (325) وما للبخاريّ (79) وما لمسلم (93) فليحرر.
قبل كلامه، يقصد به تعظيم مضمون كلامه، وقد ذكره ابن مالك رحمهُ اللهُ تعالى في "الكافية الشافية"، حيث قال:
وَمُضْمَرُ الشَّأْنِ ضَمِيرٌ فُسِّرَا
…
بِجُمْلَةٍ كَإِنَّ ذَا زَيْدٌ سَرَى
لِلابْتِدَا أَوْ نَاسِخَاتِهِ انْتَسَبْ
…
إِذَا أَتَى مُرْتَفِعًا أَوِ انْتَصَبْ
وَإِنْ يَكُنْ مَرْفُوعَ فِعْلٍ اسْتَتَرْ
…
حَتْمًا وَإِلَّا فَتَرَاهُ قَدْ ظَهَرْ
فِي بَابِ إِنَّ اسْمًا كَثِيرًا يُحْذَفُ
…
كَإِنَّ مَنْ يَجْهَلْ يَسَلْ مَنْ يَعْرِفُ
وَجَائِزٌ تَأْنِيثُهُ مَتْلُوَّ مَا
…
أُنِّثَ أَوْ تَشْبِيهَ أُنْثَى أَفْهَمَا
وَقَبْلَ مَا أُنِّثَ عُمْدَةً فَشَا
…
تَأْنِيثُهُ كَإِنَّهَا هِنْدٌ رَشَا (1)
(لَيَمْنَعُنِي) -بفتح اللام- وهي لام الابتداء دخلت للتأكيد، وأصل محلّها اسم "إن"، وإنما أخّرت كراهة اجتماع حرفي تأكيد من غير فاصل، وإلى هذه اللام أشار ابن مالك رحمهُ اللهُ تعالى في "الخلاصة" بقوله:
وَبَعْدَ ذَاتِ الْكَسْرِ تَصْحَبُ الْخَبَرْ
…
لَامُ ابْتِدَاءٍ نَحْوُ إِنِّي لَوَزَرْ
وقوله: "يمنعني" بفتح أوله، وثالثه، مصارع منع، يقال: منعته الأمر، ومن الأمر مَنْعًا: إذا حَرَمْته، فهو ممنوعٌ منه: أي محروم، والفاعل مانعٌ، والجمع مَنَعَةٌ - بفتحات- مثلُ كافر وكَفَرَة. وجاء للمبالغة مَنُوعٌ، ومَنّاع. أفاده الفيّوميّ.
(أَنْ) بفتح الهمزة، وسكون النون هي المصدريّة، وقوله:(أُحَدِّثَكُمْ حَدِيثًا كَثِيرًا) في تأويل المصدر مفعول مقدّم لـ "يمنعني": (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ) بفتح همزة "أنّ" والجملة في تأويل المصدر فاعل "يمنعني" مؤخّرًا: والتقدير إنه يمنعني من تحديثكم حديثًا كثيرًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: "من تعمّد الخ".
[فإن قلت]: الحديث نصّ في كون الوعيد فيمن تعمّد الكذب، ومعلوم أن أنسًا رضي الله عنه لا يتعمّد الكذب، فكيف يمنعه هذا الحديث؟ .
[قلت]: إنما منعه الورع، وشدّة الخوف؛ إذ ربّما يؤدّي كثرة التحديث إلى زيادة شيء في الحديث، أو نقصه، بحيث يحصل التغيير للحديث، فخشي على نفسه الخطأ سهوًا وغفلة؛ لأنه وإن لم يأثم بالسهو والخطإ، إلا أن تغيير الحديث خطر عظيمٌ؛ إذ يترتّب عليه تشريع الأحكام، فلذلك قلّل الرواية؛ ليسلم من معرّة ذلك. والله تعالى أعلم بالصواب.
(مَنْ) شرطيّة (تَعَمَّدَ عَلَيَّ كَذِبًا، فَلْيَتَبَوَّأْ) أي فليتّخذ (مَقْعَدَهُ) بفتح الميم، وسكون
(1) راجع "شرح الكافية الشافية" 1/ 233 - 238.
القاف، وفتح العين المهملة: أي محلّ قعوده، والمراد منزله (مِنَ النَّارِ) بيان لمقعد، متعلّق بحال محذوف: أي حال كون ذلك اليقعد كائنًا من النار.
وقال أبو العبّاس القرطبيّ رحمهُ اللهُ تعالى: قوله: "فليتبوّأ الخ": أي ليتّخذ فيها منزلًا، فإنها مقرّه، ومسكنه، يقال: تبوّأت منزلًا: أي اتّخذته، ونزلته، وبوّأت الرجل منزلًا: أي هيّأته له، ومصدره باءة، ومباءة، وهذه صيغة أمر، والمراد بها التهديد، والوعيد. وقيل: معناها الدعاء: أي بوّأه الله ذلك. وقيل: معناها الإخبار بوقوع العذاب به في نار جهنّم، وكذلك القول في حديث عليّ رضي الله عنه الذي قال فيه:"يلج النار". وقد روى أبو بكر البزّار هذا الحديث من طريق عبد الله بن مسعود، وزاد:"ليُضلّ به"، وقد اغترّ بهذه الزيادة ممن يقصد الخير، ولا يعرفه، فظنّ أن هذا الوعيد إنما يتناول من قصد الإضلال بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأما من قصد الترغيب في الأعمال الصالحة، وتقوية مذاهب أهل السنّة، فلا يتناوله، فوضع الأحاديث لذلك، وهذه جهالة؛ لأن هذه الزيادة تُروى عن الأعمش، ولا تصحّ عنه، وليست معروفة عند نَقَلَة ذلك الحديث مع شهرته، وقد رواها أبو عبد الله الحاكم المعروف بابن الْبَيّع من طرق كثيرة، وقال: إنها واهية، لا يصحّ منها شيء. ولو صحّت لما كان لها دليل خطاب، وإنما تكون تأكيدًا لقوله تعالى:{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 144]، وافتراء الكذب على الله محرّم مطلقًا، قُصد به الإضلال، أو لم يُقصد. قاله الطحاويّ. ولأن وضعَ الخبر الذي يُقصد به الترغيب كذب على الله تعالى في وضع الأحكام، فإن المندوب قسم من أقسام الأحكام الشرعيّة، وإخبار عن أن الله تعالى وَعَدَ على ذلك العمل بذلك الثواب، فكلّ ذلك كذبٌ، وافتراء على الله تعالى، فيتناوله عموم قوله تعالى:{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} .
وقد استجاز بعض فقهاء العراق نسبةَ الحكم الذي دلّ عليه القياس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نسبة قوليّة، وحكاية نقليّةً، فيقول في ذلك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، ولذلك ترى كتبهم مشحونةً بأحاديث مرفوعة، تشهد متونها بأنها موضوعة؛ لأنها تُشبه فتاوى الفقهاء، ولا تَليق بجزالة سيد الأنبياء مع أنهم لا يُقيمون لها صحيح سند، ولا يُسندونها من أئمة النقل إلى كبير أحد، فهؤلاء قد خالفوا ذلك النهي الأكيد، وشملهم ذلك الذمّ والوعيد، ولا شكّ في أن تكذيب رسول الله صلى الله عليه وسلم كفرٌ، وأما الكذب عليه، فإن كان ذلك الكاذب مستحلًّا لذلك، فهو كافر، وإن كان غير مستحلّ، فهو مرتكب كبيرة، وهل يَكفُرُ أم لا؟ اختُلف فيه. انتهى كلام القرطبيّ رحمهُ اللهُ تعالى. انتهى (1). وقد سبق
(1)"المفهم" 1/ 115.
تحقيق هذا البحث مستوفىً في المسائل المذكورة في شرح حديث عليّ رضي الله عنه الماضي. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
[تنبيه]: حديث أنس بن مالك رضي الله عنه هذا أخرجه المصنّف بالإسناد المذكور هنا فقط، وأخرجه (البخاريّ) في "العلم" 108 و (الترمذيّ) في "العلم" 2661 و (ابن ماجه) في "المقدّمة" 32 و (أحمد) في "مسند البصريين" 19701 و 19649 و 19704. وقد تقدّم ذكر فوائد الحديث في شرح حديث عليّ رضي الله عنه الماضي، فلا تَنسَ نصيبك منها. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
قال المصنف رحمهُ اللهُ تعالى بالسند المتصل إليه أول الكتاب:
4 -
(وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْغُبَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ").
رجال هذا الإسناد: خمسة:
1 -
(مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْغُبَرِيُّ (1)) بن حِسَاب (2) البصريّ الثقة.
رَوَى عن حماد بن زيد، وأبي عوانة، وجعفر بن سليمان الضبعي، ومعاوية بن عبد الكريم، وإسماعيل ابن علية، ومحمد بن ثور الصنعاني، وعبد الوارث بن سعيد، وأبي بكر بن عبد الله بن قيس البكري، وسليم بن أخضر، وغيرهم.
ورَوَى عنه مسلم، وأبو داود، وروى النسائي عن زكريا بن يحيى السجزي عنه، وأبو زرعة، وأبو حاتم، والحسن بن أحمد بن حبيب الكرماني، وبَقِيّ بن مَخْلَد، وعبد الله بن أحمد، وعمران بن موسى بن مُجاشع، وجعفر الفريابي، وزكرياء الساجي، ويحيى بن محمد بن البختري، والحسن بن سفيان، وأبو يعلى، وآخرون.
قال أبو حاتم: صدوق. وقال الآجري عن أبي داود: ابن حساب فوق الزبيري - يعني عبد الله بن محمد بن المسور الزبيري- بكثير ابن حساب عندي حجة. وقال النسائي: ثقة. وقال مسلمة ثقة. قال محمد بن عبد الله الحضرمي: مات سنة ثمان وثلاثين ومائتين. روى عنه المصنّف، وأبو داود، والنسائيّ. وفي "الزهرة" روى عنه
(1)"الغبريّ" بضم الغين المعجمة، وتخفيف الموحّدة المفتوحة-: نسبة إلى بني غُبَر، وهو غبر بن غَنْم ابن حُبيب بن كعب بن يشكر بن بكر بن وائل بن ربيعة. قاله في "الأنساب" 4/ 280 - 281.
(2)
بكسر الحاء المهملة، وتخفيف السين المهملة.
مسلم عشرين حديثا (1). وجعله في "التقريب" من الطبقة العاشرة. والله تعالى أعلم.
2 -
(أَبُو عَوَانَةَ) الوضاح بن عبد الله اليشكري، مولى يزيد بن عطاء الواسطي البزاز، كان من سبي جُرجان، مشهور بكنيته.
رَأَى الحسن، وابن سيرين، وسمع من معاوية بن قرة حديثا واحدا، ورَوَى عن أشعث بن أبي الشعثاء، والأسود بن قيس، وقتادة، وأبي بشر، وحصين بن عبد الرحمن، وبيان بن بشر، وخلق كثير.
ورَوَى عنه شعبة، ومات قبله، وابن علية، وأبو داود، وأبو الوليد الطيالسيان، والفضل بن مساور صهره، وعبد الرحمن بن مهدي، وأبو هشام المخزومي، وعفان، ويحيى بن حماد، وأبو سلمة بن إسماعيل، ومحمد بن عبيد بن حساب، ومحمد بن محبوب، ومحمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، والهيثم بن سهل التستري، وهو آخر من روى عنه، وآخرون.
قال أبو حاتم: سمعت هشام بن عبيد الله الرازي يقول: سألت ابن المبارك من أروى الناس، أو أحسن الناس حديثا عن مغيرة؟ ، فقال: أبو عوانة. وقال أحمد بن سنان: سمعت ابن مهدي يقول: كتاب أبي عوانة أثبت من حفظ هشيم. وقال مسدد: سمعت يحيى القطان يقول: ما أشبه حديثه بحديثهما -يعني أبا عوانة وشعبة وسفيان- وقال عفان: كان أبو عوانة صحيح الكتاب، كثير الْعَجْم والنَّقْط، وكان ثبتا، وأبو عوانة في جميع حاله أصح حديثا عندنا من شعبة. وقال أبو طالب عن أحمد: إذا حدث أبو عوانة من كتابه فهو أثبت، وإذا حدث من غير كتابه ربما وهم. وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين: أبو عوانة جائز الحديث، وحديث يزيد بن عطاء ضعيف، ثَبَتَ حديث أبي عوانة، وسقط مولاه يزيد بن عطاء. وقال أبو زرعة: ثقة إذا حدث من كتابه. وقال أبو حاتم: كتبه صحيحة، وإذا حدث من حفظه غلط كثيرا، وهو صدوق ثقة، وهو أحب إلي من أبي الأحوص، ومن جرير، وهو أحفظ من حماد بن سلمة. وقال ابن عدي: كان مولاه قد فَوّض إليه التجارة، فجاءه سائل، فقال له: أعطني درهمين لأنفعك، فأعطاه، فدار السائل على رؤساء البصرة، فقال: بَكِّروا على يزيد بن عطاء، فقد أعتق أبا عوانة، فاجتمع إليه الناس، فَأَنِفَ من أن ينكر حديثه، وأعتقه حقيقة. قال: وقال أحمد ويحيى: ما أشبه حديث أبي عوانة بحديث الثوري وشعبة، قال: وكان أمينا ثقة، وكان أبو عوانة مع ثقته وأمانته، يَفزَع من شعبة، فأخطأ شعبة في اسم خالد بن علقمة،
(1) هكذا نقله في "تهذيب التهذيب"، والذي في برنامج الحديث (صخر) أن مسلمًا روى له في هذا الكتاب ثمانية عشر حديثًا، ولعل الاختلاف لاختلاف النسخ، أو بحسب التكرار. والله تعالى أعلم.
فقال: مالك بن عرفطة، وتابعه أبو عوانة على خطئه -يعني بعد أن كان رواه على الصواب-. وقال محمد بن محبوب: مات في ربيع الأول سنة ست وسبعين ومائة، وفيها أَرّخه يعقوب بن سفيان، وقال غيره: مات سنة خمس وسبعين، وهو قول ابن المديني.
وحكى ابن حبان قصة عتقه على صفة أخرى، فقال: كان يزيد بن عطاء حاجًا، ومعه أبو عوانة، فجاء سائل إلى يزيد، فسأله فلم يعطه شيئا، فلحقه أبو عوانة، فأعطاه دينارا، فلما أصبحوا، وأرادوا الدفع من المزدلفة، وقف السائل على طريق الناس، فكلما رأى رفقة، قال: يا أيها الناس اشكروا يزيد بن عطاء، فإنه تقرب إلى الله تعالى اليوم بعتق أبي عوانة، فجعل الناس يمرون فوجا بعد فوج إلى يزيد، يشكرون له ذلك، وهو ينكر، فلما كثروا عليه، قال: من يستطيع رد هؤلاء، اذهب فأنت حر. وحكاها أسلم بن سهل في "تاريخ واسط" على صفة أخرى: إن أبا عوانة كان صديق قاصّ، وكان يُحسن إليه، فأراد أن يكافئه، فكان لا يجلس مجلسا إلا قال: ادعو الله تعالى ليزيد بن عطاء، فإنه قد أعتق أبا عوانة. وقال ابن سعد: كان ثقة صدوقا، ووهيب أحفظ منه. وقال موسى بن إسماعيل: قال أبو عوانة: كل شيء قد حدثتك، فقد سمعتُهُ. وقال العجلي: أبو عوانة بصري ثقة. وقال ابن شاهين في "الثقات": قال شعبة: إن حدثكم أبو عوانة عن أبي هريرة، فصدقوه. وقال أبو قدامة: قال ابن مهدي: أبو عوانة وهشيم كهَمّام وسعيد، إذا كان الكتاب فكتاب أبي عوانة وهمام، وإذا كان الحفظ فحفظ هشيم وسعيد. وقال تمتام عن ابن معين: كان أبو عوانة يقرأ ولا يكتب. وقال الدُّوري: سمعت ابن معين، وذكر أبا عوانة وزهير بن معاوية، فقدم أبا عوانة. وقال ابن المديني: كان أبو عوانة في قتادة ضعيفا؛ لأنه كان قد ذهب كتابه، وكان أحفظ من سعيد، وقد أغرب في أحاديث. وقال: قال يعقوب بن شيبة: ثَبْتٌ، صالح الحفظ، صحيح الكتاب. وقال ابن خراش: صدوق في الحديث. وقال ابن عبد البر: أجمعوا على أنه ثقة ثبت حجة فيما حدث من كتابه، وقال: إذا حدث من حفظه ربّما غَلِط.
وجعله قال في "التقريب" من الطبقة السابعة.
أخرج له الجماعة. وله في هذا الكتاب (103) أحاديث.
3 -
(أبو حَصِين) -بفتح، فكسر، مكبّرًا- عثمان بن عاصم بن حَصِين ويقال: يزيد بن كثير بن زيد بن مرة الأسدي الكوفي.
رَوَى عن جابر بن سمرة، وابن الزبير، وابن عباس، وأنس، وزيد بن أرقم، وأبي
سعيد الخدري، والأسود بن هلال، وأبي عبد الرحمن السُّلَمِيّ، وأبي وائل، وسُوَيد بن غَفَلَة، وأبي صالح السمان، وجماعة.
ورَوَى عنه شعبة، والثوري، وزائدة، وإسرائيل، وقيس بن الربيع، ومالك بن مغول، ومِسْعَر، وإبراهيم بن طهمان، وشريك، وأبو بكر بن عياش، وأبو عوانة، وأبو الأحوص، وابن عيينة، وآخرون.
ذكره ابن سعد في الطبقة الرابعة، وقال: هو من بني جُشَم بن الحارث بن سعد ابن ثعلبة بن دودان، وعداده في بني كثير بن زيد بن مرة بن الحارث. وقال أحمد بن سنان عن عبد الرحمن بن مهدي: أربعة من أهل الكوفة لا يُختَلَف في حديثهم، فمن اختَلَفَ عليهم، فهو مُخطىء، منهم أبو حصين، وعَدَّه ابنُ مهدي أيضا في اثبات أهل الكوفة. وقال أحمد: كان صحيح الحديث، قيل له: أيما أصح حديثا هو، أو أبو إسحاق؟ قال: أبو حصين أصح حديثا بقِلّة حديثه، وكذا منصور أصح حديثا من الأعمش بقلة حديثه. وقال العجليّ: كانَ شيخا عاليا، وكان صاحب سنة. وقال في موضع آخر: كوفي ثقة، وكان عثمانيا، رجلا صالحا. وقال في موضع: كان ثقة ثبتا في الحديث، وهو أعلى سِنّا من الأعمش، وكان عثمانيا، وكان الذي بينه وبين الأعمش متباعدا. وقال ابن معين، وأبو حاتم، ويعقوب بن شيبة، والنسائي، وابن خراش: ثقة. وقال يعقوب بن سفيان: ثنا أبو نعيم، ثنا سفيان، عن أبي حَصِين أسدي شريف، ثقة ثقة، كوفيّ. وقال ابن المديني: أصحاب الشعبي أبو حصين، ثم إسماعيل -يعني ابن أبي خالد- فذكر جماعة. وقال أبو بكر بن عياش: دخلت على أبي حَصِين، وهو مُختَفٍ من بني أمية، فقال: إن هؤلاء يريدوني عن ديني، والله لا أعطيهم إياه أبدًا. وقال مالك بن مغول: قيل للشعبي: يا عالمُ، قال: ما أنا بعالم، ولا أَخْلُفُ عالمًا، وأن أبا حَصِين لَرَجُلٌ صالح. وقال الحسن بن عياش، عن الأعمش: كان إبراهيم يقول: دعني من أبي حَصِين، فما هو بأحب الناس إليّ. وقال أبو معاوية عن الأعمش: كان أبو حَصِين يسمع مني، ثم يذهب، فيرويه. وقال ابن عيينة: كان أبو حصين، إذا سُئِل عن مسألة، قال: ليس لي بها عِلْمٌ، والله أعلم. وقال أبو شهاب: سمعت أبا حصين يقول: إن أحدهم لَيُفتي في المسألة، ولو وردت على عمر لجمع لها أهل بدر. وقال العسكري: كان يقرأ على أبي حصين في مسجد الكوفة خمسين سنة. قال ابن معين، وخليفة: مات سنة (127). وقال ابن معين في رواية أخرى: مات سنة (32). وقال الواقدي، وجماعة: مات سنة (28). وقال غيره: سنة (9). وذكره ابن حبان في "الثقات" في أتباع التابعين، وقال: مات سنة (28) وقد قيل: سنة (7) فروايته عن الصحابة عند ابن حبان مرسلة، قال الحافظ: وهو الذي يظهر لي. وقال ابن عبد
البر: أجمعوا على أنه ثقة حافظ. وقال يحيى بن آدم: سمعت أبا حصين: يَذكُر أن بينه وبين عاصم بن أبي النجود في السن سنة واحدة.
وقال في "التقريب": تقة ثبت سنّيّ، وربّما دلّس من الطبقة الرابعة.
أخرج له الجماعة، وله في هذا الكتاب سبعة أحاديث فقط.
4 -
(أبو صالح) ذكوان السمان الزيات المدني مولى جُويرية بنت الأحمس الْغَطَفَاني، شهد الدار زمن عثمان، وسأل سعد بن أبي وقاص مسألة في الزكاة، وروى عنه، وعن أبي هريرة، وأبي الدرداء، وأبي سعيد الخدري، وعَقِيل بن أبي طالب، وجابر، وابن عمر، وابن عباس، ومعاوية، وعائشة، وأم حبيبة، وأم سلمة، وغيرهم، وأرسل عن أبي بكر.
ورَوَى عنه أولاده: سهيل، وصالح، وعبد الله، وعطاء بن أبي رباح، وعبد الله ابن دينار، ورجاء بن حيوة، وزيد بن أسلم، والأعمش، وأبو حازم سلمة بن دينار، وسمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن، والحكم بن عتيبة، وعاصم بن بهدلة، وعبد العزيز بن رُفيع، وعمرو بن دينار، والزهري، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وآخرون.
قال عبد الله بن أحمد، عن أبيه: ثقة ثقة، من أجل الناس وأوثقهم. وقال حفص ابن غياث عن الأعمش: كان أبو صالح مؤذنا، فأبطأ الإمام، فأَمَّنا، فكان لا يكاد يجيزها من الرقة والبكاء. وقال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: ثقة صالح الحديث، يُحتج بحديثه. وقال أبو زرعة: ثقة مستقيم الحديث. وقال ابن سعد: كان ثقة، كثير الحديث، وكان يَقْدَم الكوفة يَجْلُب الزيت، فينزل في بني أسد. وقال أبو داود: سألت ابن معين: من كان الثبتُ في أبي هريرة؟ فقال: ابن المسيب، وأبو صالح، وابن سيرين، والمقبري، والأعرج، وأبو رافع. وقال الساجي: ثقة صدوق. وقال الحربي: كان من الثقات. وذكره ابن حبان في "الثقات". وقال العجلي: ثقة. وقال أبو زرعة: لم يلق أبا ذَرّ. قال يحيى بن بكير وغير واحد: مات سنة (101).
وقال في "التقريب": ثقة ثبتٌ من الثالثة.
أخرج له الجماعة، وله في هذا الكتاب (196) حديثًا.
5 -
(أبو هريرة) بن عامر بن عبد ذي الشَّرَى بن طريف بن عتاب بن أبي صعب ابن منبه بن سعد بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس بن عدنان بن عبد الله بن زهران بن كعب الدوسي، هكذا سماه، ونسبه ابن الكَلبي، ومن تبعه، وقواه أبو أحمد الدمياطي.
قال النووي في مواضع من كتبه: اسم أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر على الأصح من ثلاثين قولا. وقال القطب الحلبي: اجتمع في اسمه واسم أبيه أربعة وأربعون قولا، مذكورة في "الكنى" للحاكم، وفي "الاستيعاب"، وفي "تاريخ ابن عساكر".
قال ابن أبي داود كنت أجمع سند أبي هريرة، فرأيته في النوم، وأنا بأصبهان، فقال لي: أنا أول صاحب حديث في الدنيا.
وقد أجمع أهل الحديث على أنه أكثر الصحابة حديثا، وذكر أبو محمد بن حزم أن مسند بقي بن مخلد احتوى من حديث أبي هريرة على خمسة آلاف وثلاثمائة حديث وكسر، قال البخاري: روى عنه نحو الثمانمائة من أهل العلم، وكان أحفظ من روى الحديث في عصره، قال وكيع في نسخته: حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، قال: كان أبو هريرة أحفظ أصحاب محمد، وأخرجه البغوي من رواية أبي بكر بن عياش، عن الأعمش بلفظ: ما كان أفضلهم، ولكنه كان أحفظ، وأخرج ابن أبي خيثمة، من طريق سعيد بن أبي الحسن، قال: لم يكن أحد من الصحابة أكثر حديثا من أبي هريرة، وقال الربيع: قال الشافعي: أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره، وقال أبو الزُّعَيزِعَة، كاتب مروان: أرسل مروان إلى أبي هريرة، فجعل يحدثه، وكان أجلسني خلف السرير، أكتب ما يحدث به حتى إذا كان في رأس الحول، أرسل إليه فسأله، وأمرني أن أنظر، فما غَيّر حرفا عن حرف. وفي "صحيح البخاري" من طريق وهب بن منبه، عن أخيه همام، عن أبي هريرة، قال: لم يكن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر حديثا مني، إلا عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب، ولا أكتب. وقال الحاكم، أبو أحمد -بعد أن حكى الاختلاف في اسمه ببعض ما تقدم- كان من أحفظ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وألزمهم له صحبة، على شبع بطنه، فكانت يده مع يده، يدور معه حيث دار، إلى أن مات، ولذلك كثر حديثه. وقد أخرج البخاري في "الصحيح" من طريق سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: "لقد ظننت ألا يسألني عن هذا الحديث أحد أوّل منك لما رأيت من حرصك على الحديث". وأخرج أحمد من حديث أبي بن كعب: أن أبا هريرة كان جريئا على أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء، لا يسأله عنها غيره. وقال أبو نعيم: كان أحفظ الصحابة لأخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعا له بأن يحببه إلى المؤمنين، وكان إسلامه بين الحديبية وخيبر، قدم المدينة مهاجرًا وسكن الصُّفّة. وأخرجه البغوي بسند حسن عن الوليد بن رباح، عن أبي هريرة. وقال أبو هلال عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، قال: لقد رأيتني أُصرَع بين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحجرة عائشة رضي الله عنها، فيقال: مجنون، وما بي جنون، زاد يزيد
ابن إبراهيم، عن محمد عنه: وما بي إلا الجوع، ولهذا الحديث طرق في "الصحيح"، وغيره، وفيها سؤال أبي بكر، ثم عمر عن آية، وقال: لعل أن يسبقني، فيفتح علي الآية، ولا يفعل. وقال داود بن عبد الله، عن حميد الحميري: صحبت رجلا صحب النبي صلى الله عليه وسلم أربع سنين، كما صحبه أبو هريرة. وقال ابن عيينة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم: نزل علينا أبو هريرة بالكوفة، واجتمعت أحمس، فجاؤوا ليسلموا عليه، فقال: مرحبا، صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين، لم أكن أحرص على أن أعي الحديث مني فيهن. وقال البخاري: حدثنا أبو نعيم، حدثنا عمر بن ذر، حدثنا مجاهد، عن أبي هريرة قال: والله الذي لا إله إلا هو، إن كنت لأعتمد على الأرض بكبدي من الجوع، وأشد الحجر على بطني، فذكر قصة القدح واللبن. وقال أحمد: حدثنا عبد الرحمن هو ابن مهدي، حدثنا عكرمة بن عمار، حدثني أبو كثير، حدثني أبو هريرة، قال: أما والله ما خلق الله مؤمنا يسمع بي، ولا يراني إلا أحبني، قال: وما علمك بذلك يا أبا هريرة؟ قال: إن أمي كانت مشركة، وإني كنت أدعوها إلى الإسلام، وكانت تأبى عليّ، فدعوتها يوما، فأسمعتني في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكره، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أبكي، فذكرت له، فقال:"اللهم اهد أم أبي هريرة"، فخرجت عدوا، فإذا بالباب مجاف، وسمعت حصحصة الماء، ثم فتحت الباب، فقالت: أشهد إن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرجعت وأنا أبكي من الفرح، فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن يحببني وأمي إلى المؤمنين، فدعا. وقال الجريري عن أبي بصرة (1)، عن رجل من الطفاوة، قال: نزلت على أبي هريرة، قال: ولم أدرك من الصحابة رجلا أشد تشميرا، ولا أقوم على ضيف منه. وقال عمرو بن علي الفلاس: كان مقدمه عام خيبر، وكانت في المحرم سنة سبع، وفي "الصحيح" عن الأعرج قال: قال أبو هريرة: إنكم تزعمون أن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله الموعد، إني كنت امرأ مسكينا، أصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني، وكان المهاجرون يشغلهم الصفق بالأسواق، وكانت الأنصار يشغلهم القيام على أموالهم، فحضرت من النبي صلى الله عليه وسلم مجلسا، فقال:"من يبسط رداءه حتى أقضي مقالتي، ثم يقبضه إليه، فلن ينسى شيئا سمعه مني"، فبسطت بردة علي حتى قضى حديثه، ثم قبضتها إلي، فوالذي نفسي بيده ما نسيت شيئا سمعته منه بعد. وأخرجه أحمد، والبخاري، ومسلم، والنسائي من طريق الزهري، عن الأعرج، ومن طريق الزهري أيضا عن سعيد بن المسيب، وأبي سلمة، عن أبي هريرة، يزيد بعضهم على بعض. وأخرجه البخاري وغيره، من طريق سعيد المقبري عنه مختصرا: قلت: يا رسول
(1) هكذا نسخة "الإصابة"، وأخشى أن يكون مصحّفًا من "أبي نضرة" بالنون والضاد، فليُحرّر.
الله صلى الله عليه وسلم إني لأسمع منك حديثا كثيرا أنساه، فقال:"ابسط رداءك"، فبسطته، ثم قال:"ضمه إلى صدرك"، فضممته، فما أنسيت حديثا بعد. وأخرج أبو يعلى من طريق الوليد بن جميع، عن أبي الطفيل، عن أبي هريرة قال: شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سوء الحفظ، فقال:"افتح كساءك"، فذكر نحوه. وأخرج أبو نعيم من طريق عبد الله بن أبي يحيى، عن سعيد بن أبي هند، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"ألا تسألني عن هذه الغنائم؟ " قلت: أسألك أن تعلمني مما علمك الله، قال: فنزع نمرة على ظهري، ووسطها بيني وبينه، فحدثني حتى إذا استوعبت حديثه، قال:"اجمعها، فصُرها إليك"، فأصبحت لا أسقط حرفا مما حدثني، وقد تقدمت طرق هذا الحديث الصحيحة، وله طرق أخرى، منها عند أبي يعلى من طريق يونس بن عبيد، عن الحسن، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من يأخذ مني كلمة، أو كلمتين، أو ثلاثا، فيصرهن في ثوبه، فيتعلمهن، ويعلمهن؟ " قال: فنشرت ثوبي، وهو يحدث، ثم ضممته، فأرجو ألا أكون نسيت حديثا مما قال. وأخرجه أحمد من طريق المبارك بن فضالة، عن الحسن نحوه، وفيه: فقلت: أنا، فقال:"ابسط ثوبك"، وفي آخره: فأرجو ألا أكون نسيت حديثا سمعته منه بعد ذلك. وأخرج ابن عساكر من طريق شعبة، عن سماك بن حرب، عن أبي الربيع، عن أبي هريرة: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم، فبسطت ثوبي، ثم جمعته، فما نسيت شيئا بعد هذا، مختصر مما قبله.
قال أبو سليمان بن زَبْر في "تاريخه": عاش أبو هريرة ثمانيا وسبعين سنة. وكانت وفاته بقصره بالعقيق، فحمل إلى المدينة، قال هشام بن عروة، وخليفة، وجماعة: توفي أبو هريرة سنة سبع وخمسين، وقال الهيثم بن عدي، وأبو معشر، وضمرة بن ربيعة، مات سنة ثمان وخمسين، وقال الواقدي، وأبو عبيد، وغيرهما: مات سنة تسع وخمسين، وزاد الواقدي: وصلى على عائشة رضي الله عنها في رمضان سنة ثمان، وعلى أم سلمة في شوال سنة تسع، ثم توفي بعد ذلك.
قال الحافظ: وهذا الذي قاله في أم سلمة وَهَلٌ منه، وإن تابعه عليه جماعة، فقد ثبت في "الصحيح" ما يدل على أن أم سلمة عاشت إلى خلافة يزيد بن معاوية، والمعتمد في وفاة أبي هريرة قول هشام بن عروة، وقد تردد البخاري فيه، فقال: مات سنة سبع وخمسين (1). أخرج له الجماعة. وله في هذا الكتاب (1009) ألف وتسعة أحاديث. والله تعالى أعلم.
(1) راجع "الإصابة" 12/ 63 - 79 و"تهذيب الكمال" 34/ 366 - 379، و"سير أعلام النبلاء" 2/ 578 - 632 و"تهذيب التهذيب" 4/ 601 - 603.