الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هديا ودَلًّا نَلْقاه، فنأخذ عنه، ونسمع منه، قال: كان أقرب الناس هديا ودلا وسَمْتًا برسول الله صلى الله عليه وسلم ابن مسعود، لقد علم المحفوظون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن ابن أم عبد من أقربهم إلى الله زلفى. أخرجه الترمذي بسند صحيح. وأخرج من طريق الحارث، عن علي رفعه:"لو كنت مُؤَمِّرًا أحدًا بغير مشورة لأمرت ابن أم عبد"(1). ومن أخباره بعد النبي صلى الله عليه وسلم أنه شهد فتوح الشام، وسَيَّره عمر إلى الكوفة؛ ليعلمهم أمور دينهم، وبعث عمارا أميرًا، وقال: إنهما من النجباء، من أصحاب محمد، فاقتدوا بهما، ثم أَمّره عثمان على الكوفة، ثم عزله، فأمره بالرجوع إلى المدينة. وأخرج ابن سعد من طريق الأعمش قال: قال زيد بن وهب: لما بَعَث عثمان إلى ابن مسعود يأمره بالقدوم إلى المدينة، اجتمع الناس، فقالوا: أقم ونحن نمنعك أن يصل إليك شيء تكرهه، فقال: إن له عليّ حقَّ الطاعة، ولا أحب أن أكون أول من فتح باب الفتن. وقال علي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَرِجْلُ عبد الله أثقل في الميزان من أحد". أخرجه أحمد بسند حسن. ومن طريق تميم بن حرام: جالست أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما رأيت أحدا أزهد في الدنيا، ولا أرغب في الآخرة، ولا أحب إليّ أن أكون في صلاحه من ابن مسعود. وأخرج البغوي من طريق سيّار، عن أبي وائل أن ابن مسعود رأى رجلا قد أسبل إزاره، فقال: ارفع إزارك، فقال: وأنت يا ابن مسعود، فارفع إزارك، فقال: إني لست مثلك، إن بساقي حُمُوشة، وأنا آدم الناس، فبلغ ذلك عمر، فضرب الرجل، ويقول: أترد على ابن مسعود. أخرج له الجماعة. وله في "صحيح مسلم"(167) حديثًا (2). والله تعالى أعلم.
و
شرح الأثر
واضحٌ؛ حيث تقدّم مرارًا. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
قال المصنف رَحِمَهُ اللهُ تعالى بالسند المتصل إليه أول الكتاب:
12 -
(وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ، يَقُولُ: لَا يَكُونُ الرَّجُلُ إِمَامًا يُقْتَدَى بِهِ، حَتَّى يُمْسِكَ عَنْ بَعْضِ مَا سَمِعَ).
شرح الأثر:
(وحدّثنا) الواو عاطفة على حدّثنا الماضي (محمد بن المثنّى) أبو موسى العنزيّ (قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ، يَقُولُ: لَا يَكُونُ الرَّجُلُ إِمَامًا يُقْتَدَى بِهِ) بالبناء
(1) إسناده ضعيف؛ لضعف الحارث الأعور.
(2)
هذا ما في برنامج الحديث (صخر). وقال ابن الجوزيّ في "المجتبى": روى (848) حديثًا، أخرج له في "الصحيحين"(120) حديثًا المتفق عليه (64)، وانفرد البخاريّ بـ (21)، ومسلم بـ (35) حديثًا.
للمفعول، والجملة صفة "إمامًا"(حَتَّى يُمْسِكَ) بضم أوله، وكسر ثالثه، من الإمساك، وهو كناية عن الترك (عَنْ بَعْضِ مَا سَمِعَ) أي عن التحديث ببعض ما سمع، والمراد بالبعض هو الذي يكون كذبًا، أو يُشكّ في كونه كذبًا. والمعنى أن مما ينبغي للشخص الذي يستحقّ أن يكون قدوة للناس أن لا يُحدّث إلا بما يتيقّن أنه صدقٌ، ويترك ما لا يتيقّن صدقه؛ لأن ذلك أدعى لاستجابة الناس له، وإقبالهم عليه، واستفادتهم منه. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
قال المصنّف رَحِمَهُ اللهُ تعالى بالسند المتصل إليه أول الكتاب:
13 -
(حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُقَدَّمٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، قَالَ: سَأَلَنِي إِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: إِنِّي أَرَاكَ قَدْ كَلِفْتَ بِعِلْمِ الْقُرْآنِ، فَاقْرَأْ عَلَيَّ سُورَةً، وَفَسِّرْ، حَتَّى أَنْظُرَ فِيمَا عَلِمْتَ، قَالَ: فَفَعَلْتُ، فَقَالَ لِيَ: احْفَظْ عَلَيَّ مَا أَقُولُ لَكَ: إِيَّاكَ وَالشَّنَاعَةَ فِي الْحَدِيثِ، فَإِنَّهُ قَلَّمَا حَمَلَهَا أَحَدٌ إِلَّا ذَلَّ فِي نَفْسِهِ، وَكُذِّبَ فِي حَدِيثِهِ).
رجال هذا الأثر أربعة:
1 -
(يَحْيَى بْنُ يَحْيَى) التميميّ، أبو زكريّا النيسابوريّ الحافظ الحجة، تقدّم في 1/ 9.
2 -
(عُمَرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُقَدَّمٍ) هو عمر بن عليّ بن عطاء بن مقدّم -بوزن محمد- المقدّميّ، أخو أبي بكر المقدّميّ، أبو حفص البصريّ، واسطيّ الأصل، مولى ثقيف. قال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي ذكره فأثنى عليه خيرا، وقال: كان يدلس. وقال ابن معين: كان يدلس، وما كان به بأس، حسن الهيئة، وأصله واسطي نزل البصرة، لم أكتب عنه شيئا. وقال ابن سعد: كان ثقة، وكان يدلس تدليسا شديدا، يقول: سمعت، وحدثنا، ثم يسكت، فيقول: هشام بن عروة، والأعمش، وقال: كان رجلا صالحا، ولم يكونوا ينقمون عليه غير التدليس، وأما غير ذلك فلا، ولم أكن أَقْبَل منه حتى يقول: حدثنا. وقال أبو حاتم: محله الصدق، ولولا تدليسه لحكمنا له إذا جاء بزيادة، غير أنا نخاف أن يكون أخذه عن غير ثقة. وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به. قال ابنه عاصم: مات سنة تسعين ومائة في جمادى الأولى، وفيها أرخه البخاري. وقال أبو موسى مات سنة (92). وقال أبو زيد عمر بن شبة: كان مدلسا، وكان مع تدليسه أنبل الناس. وفي "الميزان" عن أحمد: عمرُ بنُ علي صالح عفيف مسلم عاقل، كان به من العقل أمر عجيب جدا، جاء إلى معاذ بن معاذ، فأَدَّى إليه مائتي ألف. وذكره ابن حبان في "الثقات"، وحكى القولين في وفاته. وقال الساجي: صدوق ثقة،
كان يدلس. ونقل ابن خلفون توثيقه عن العجلي. وقال في "التقريب": ثقة، وكان يدلّس تدليسًا شديدًا، من الثامنة.
أخرج له الجماعة، وله في "صحيح مسلم" هذا الأثر، وحديث رقم (4828) حديث عبد الله بن عمرو: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا
…
" الحديث.
3 -
(سفيان بن حسين) بن الحسن، أبي محمد، أو أبي الحسن الواسطيّ.
قال ابن أبي خيثمة عن يحيى: ثقة في غير الزهري، لا يدفع، وحديثه عن الزهري ليس بذاك، إنما سمع منه بالموسم. وقال الدُّوري عن ابن معين نحوا منه. وقال الْمَرُّوذي عن أحمد: ليس بذاك في حديثه عن الزهري. وقال يعقوب بن شيبة: صدوق ثقة، وفي حديثه ضُعْف. وقال النسائي: ليس به بأس إلا في الزهري. وقال عثمان بن أبي شيبة: كان ثقة إلا أنه كان مضطربا في الحديث قليلا. وقال العجلي: ثقة. وقال ابن سعد: ثقة يخطىء في حديثه كثيرا. وقال ابن عدي: هو في غير الزهري صالح، وفي الزهري يَرِوي أشياء خالف الناس. وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: أما روايته عن الزهري، فإن فيها تخاليط يجب أن يُجانَب، وهو ثقة في غير الزهري، مات في ولاية هارون، وقال في "الضعفاء" يروي عن الزهري المقلوبات، وذلك أن صحيفة الزهري اختلطت عليه. وقال أبو داود عن أحمد: هو أحب إلي من صالح بن أبي الأخضر، قال أبو داود: وليس هو من كبار أصحاب الزهري. وقال أبو حاتم: صالح الحديث، يُكتَب حديثه، ولا يحتج به، مثل ابن إسحاق، وهو أحب إلي من سليمان بن كثير. وقال النسائي في "التمييز": ليس به بأس إلا في الزهري، فإنه ليس بالقوي فيه. وقال البزار: واسطي ثقة. وقال ابن عدي: قال أبو يعلى: قلت لابن معين عن حديث سفيان بن حسين، عن الزهري في الصدقات، فقال: لم يتابعه عليه أحد ليس يصح. وقال أبو داود عن ابن معين: ليس بالحافظ.
وقال في "التقريب": ثقة في غير الزهريّ باتّفاقهم، من السابعة، مات بالريّ مع المهديّ، وقيل: في أول خلافة الرشيد.
علّق له البخاريّ، وأخرج له مسلم هنا في "المقدّمة"، والأربعة.
4 -
(إياس بن معاوية) بن قُرّة بن إياس المزنيّ، أبو واثلة البصريّ قاضيها، ولجده صحبة، المعروف بالذكاء (1)،
(1) قد طوّل الحافظ أبو الحجاج المزيّ رحمه الله تعالى في "تهذيب الكمال" في ترجمته، وأطال من ذكر الأمثلة على ذكائه، فراجعه في 3/ 407 - 440.