الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَكِنَّ ذَاكَ أَصَحُّ فَاعْلَمْ يَا فَتَى
…
عِنْدَ الْجَمِيعِ سِوَى شُذُوذٍ مُفْرَدِ
وَهُمَا الْكِتَابَانِ اللَّذَانِ تُلُقِّيَا
…
بِقَبُولِ أَتْبَاعِ النَّبِيِّ الأَمْجَدِ
وَهُمَا أَصَحُّ الْكُتْبِ بَعْدَ كِتَابِنَا
…
قَدْ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ لِلْمُهْتَدِي
فَعَلَيْكَ يَا ذَا اللُّبِّ أَنْ تَقْرَأَهُمَا
…
لِتَنَالَ مِنْ هَدْيِ الرَّسُولِ الأَوْحَدِ
فَسَقَى الإِلَهُ بِفَضْلِهِ قَبْرَيْهِمَا
…
صَوْبَ الرِّضَا وَحَبَاهُمَا بِالسُّودَدِ
وَكَذَا حَبَا أَهْلَ الْحَدِيثِ وَمَنْ بِهِمْ
…
فِي سَائِرِ الآفَاقِ حَقًّا يَقْتَدِي
[تنبيه]: قال الشيخ أبو عمرو رحمه الله تعالى: قرأت على الشيخة الصالحة، أم المؤيد، ابنة عبد الرحمن بن الحسن النيسابورية بها، عن الإمام أبي عبد الله محمد بن الفضل الصاعدي وغيره، عن الإمام أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي الحافظ وغيره، قالوا: أخبرنا الحاكم أبو عبد الله، محمد بن عبد الله الحافظ، قال: سمعت عمر بن أحمد الزاهد، قال: سمعت الثقة من أصحابنا يقول: رأيت فيما يرى النائم، كأن أبا علي الزَّغُوري يمشي في شارع الْحِيرة، ويبكي وبيده جزء من كتاب مسلم، فقلت له: ما فعل الله بك؟ فقال: نجوت بهذا، وأشار إلى ذلك الجزء.
قال: أبو علي هذا، هو محمد بن عبد العزيز الزَّغُوري -بفتح الزاي، وضم الغين المعجمة، وبعدها واو ساكنة، ثم راء مهملة- وكانت له عناية بـ "صحيح مسلم"، والتخريج عليه، وشارع الْحِيرة هو بنيسابور، نفعنا الله الكريم بالدأب كما نفعه، آمين. انتهى (1). والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
المسألة الثانية: في بيان شروط الإمام مسلم رحمه الله تعالى في "صحيحه
"
قال الشيخ أبو عمرو رحمه الله تعالى: شرط مسلم في "صحيحه" أن يكون الحديث متصل الإسناد، بنقل الثقة عن الثقة، من أوله إلى منتهاه، سالما من الشذوذ، ومن العلة. وهذا هو حد الحديث الصحيح في نفس الأمر.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: إدخال السلامة من الشذوذ في حدّ الصحيح محلّ نظر؛ لأمور:
أولها: أنه ليس للإمام مسلم نص بذلك، بل لم يُرْوَ عن أحد من أئمّة الحديث المتقدمين أنه اشترط لصحّة الحديث نفي الشذوذ المعبّر عنه بالمخالفة، وإنما الموجود من تصرّفاتهم تقديم بعض ذلك على بعضٍ في الأصحّية.
ثانيها: أنه إذا كان الإسناد متّصلًا، وكان رواته كلّهم عدولًا ضابطين، فقد انتفت
(1)"صيانة صحيح مسلم" ص 70 - 71.
عنه العلل الظاهرة، ثم إذا زاد على هذا كونه غير مُعَلٍّ، فما المانع من الحكم بصحّته؟ فمجرّد مخالفة أحد رواته لمن هو أوثق منه، أو أكثر عددًا، لا يستلزم الضعف، بل يكون من باب صحيحٍ، وأصحّ.
ثالثها: أن عمل الشيخين في "صحيحيهما" على خلاف ذلك، فقد أخرجا ما وقع فيه مخالفة بعض الرواة لمن هو أرجح منه:
(فمن ذلك): أنّهما أخرجا قصّة جمل جابر رضي الله عنه من طرقٍ، وفيها اختلافٌ كثيرٌ في مقدار الثمن، وفي اشتراط ركوبه، وقد رجّح البخاريّ الطرق التي فيها الإشتراط على غيرها، مع تخريج الأمرين، ورجّح أيضًا كون الثمن أوقيّةً، مع تخريجه ما يُخالف ذلك.
(ومن ذلك): أنّ مسلمًا أخرج حديث مالك، عن الزهريّ، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها في الإضطجاع قبل ركعتي الفجر، وقد خالفه عامّة أصحاب الزهريّ، كمعمرٍ، ويونس، وعمرو بن الحارث، والأوزاعيّ، وابن أبي ذئب، وشعيب، وغيرهم، عن الزهريّ، فذكروا الإضطجاع بعد ركعتي الفجر، قبل صلاة الصبح، ورجّح جمعٌ من الحفّاظ روايتهم على رواية مالكٍ، ومع ذلك، فلم يتأخّر أصحاب الصحيح عن إخراج حديث مالك في كتبهم. وأمثلة ذلك كثيرة.
رابعها: أن اشتراط انتفائه ينافي ما تقرّر عند المحدّثين، من قبول زيادة الثقة، سواء من قبلها مطلقًا، كابن حبّان، والحاكم، وجماعة من الفقهاء، والأصوليين، وعليه جرى النوويّ في "مصنّفاته"، كما ذكر ذلك الحافظ في "نكته" 2/ 687 - 688 - أو من قبلها بشرط عدم المنافاة لرواية الأرجح، وهذا هو الصحيح الذي عليه جمهور المحدّثين، كما اختاره الحافظ في "نخبته".
ولا يقال: يلزم على هذا أن يُسمّى الحديث صحيحًا، ولا يُعمل به؛ لأنا نقول: لا مانع من ذلك؛ إذ ليس كلّ حديث صحيح يُعمل به، بدليل المنسوخ.
والحاصل أن الصواب عدم إدخال انتفاء الشذوذ في حدّ الصحيح، وتمام البحث في هذا في شرحي الكبير على "ألفية السيوطيّ" في الحديث. والله تعالى أعلم بالصواب.
قال أبو عمرو: فكل حديث اجتمعت فيه هذه الأوصاف، فلا خلاف بين أهل الحديث في صحته، وما اختلفوا في صحته من الأحاديث، فقد يكون سبب اختلافهم انتفاءَ وصف من هذه الأوصاف، بينهم خلافٌ في اشتراطه، كما إذا كان بعض رواة الحديث مستورًا، أو كما إذا كان الحديث مرسلًا. وقد يكون سبب اختلافهم في صحته
اختلافهم في أنه هل اجتمعت فيه هذه الأوصاف، أو انتفى بعضها، وهذا هو الأغلب في ذلك، وذلك كما إذا كان الحديث في رواته من اختلف في ثقته، وكونه من شرط الصحيح، فإذا كان الحديث قد تداولته الثقات، غير أن في رجاله أبا الزبير المكي مثلًا، أو سهيل بن أبي صالح، أو العلاء بن عبد الرحمن، أو حماد بن سلمة، قالوا فيه: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، وليس بصحيح على شرط البخاري؛ لكون هؤلاء عند مسلم ممن اجتمعت فيهم الأوصاف المعتبرة، ولم يثبت عند البخاري ذلك فيهم. وكذا حال البخاري فيما خرجه من حديث عكرمة، مولى ابن عباس، وإسحاق بن محمد الْفَرْوِيّ، وعمرو بن مرزوق، وغيرهم، ممن احتج بهم البخاري، ولم يحتج بهم مسلم.
وقال الحاكم أبو عبد الله الحافظ، في كتابه "المدخل إلى معرفة المستدرك" عددُ من أخرج لهم البخاري في "الجامع الصحيح"، ولم يخرج لهم مسلم أربعمائة وأربعة وثلاثون شيخًا، وعدد من احتج بهم مسلم في "المسند الصحيح"، ولم يحتج بهم البخاري في "الجامع الصحيح" ستمائة وخمسة وعشرون شيخًا.
وأما قول مسلم رحمه الله تعالى في باب صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، من "صحيحه": ليس كل شيء عندي صحيح وضعته هاهنا -يعني في كتابه "الصحيح"، وإنما وضعت هاهنا ما أجمعوا عليه.
فمشكل جِدًّا، فإنه قد وضع فيه أحاديث، قد اختلفوا في صحتها؛ لكونها من حديث من ذكرناه، ومن لم نذكره، ممن اختلفوا في صحة حديثه، ولم يجمعوا عليه.
وقد أجاب عنه الشيخ أبو عمرو بجوابين:
[أحدهما]: ما ذكره في كتاب "معرفة علوم الحديث"، وهو أنه أراد بهذا الكلام -والله أعلم- أنه لم يضع في كتابه إلا الأحاديث التي وُجد عنده فيها شرائط المجمع عليه، وإن لم يظهر اجتماعها في بعضها عند بعضهم.
[والثاني]: أنه أراد أنه ما وَضَع فيه ما اختلفت الثقات فيه في نفس الحديث متنا، أو إسنادًا، ولم يرد ما كان اختلافهم إنما هو في توثيق بعض رواته، وهذا هو الظاهر من كلامه، فإنه ذكر ذلك لَمّا سئل عن حديث أبي هريرة رضي الله عنه:"وإذا قرأ فأنصتوا"، هل هو صحيح؟ فقال: هو عندي صحيح. فقيل له: لم لم تضعه هاهنا؟ فأجاب بالكلام المذكور، ومع هذا قد اشتمل كتابه على أحاديث اختلفوا في إسنادها أو متنها؛ لصحتها عنده، وفي ذلك ذهول منه -رحمنا الله وإياه- عن هذا الشرط، أو