الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللذين احتج بهما الألباني، وهما طريق معاذ بن معاذ، وعبد الرحمن بن مهديّ ليس فيهما ذكر "أبي هريرة"، بل الحديث مرسلٌ، فما قاله أبو داود رحمهُ اللهُ تعالى من تفرّد عليّ بن حفص بالوصل هو الحقّ، وهو أيضًا مقتضى كلام الحاكم المذكور آنفًا. فتبصّر بالإنصاف، ولا تتهوَّر بالاعتساف. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الثالثة): في فوائده:
(منها): الزجر عن التحديث بكّل ما سمع الإنسان، فإنه يسمع الصدق والكذب، فإذا حدّث بكل ما سمع، فقد كذب؛ لإخباره بما لم يكن. (ومنها): أن التوقّي، والتحفّظ عن التكلّم بكلّ ما عند الإنسان من علامة الصالحين المطيعين. (ومنها): أن الورع يكون من القول كما يكون من الفعل، بل هو أشدّ؛ لما أخرجه أحمد، والترمذيّ، واللفظ له، وابن ماجه، من حديث معاذ رضي الله عنه الطويل، مرفوعًا، وفيه:"ألا أخبرك بِمِلاك ذلك كله؟ " قلت: بلى يا نبي الله، فأخذ بلسانه، قال:"كف عليك هذا"، فقلت: يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: "ثَكِلتك أمك يا معاذ، وهل يَكُبُّ الناسَ في النار على وجوههم"، أو "على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم". قال الترمذي: حديث حسن صحيح. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
قال المصنف رحمهُ اللهُ تعالى بالسند المتصل إليه أول الكتاب:
8 -
(وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثنَا عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِ ذَلِكَ).
رجال هذا الإسناد: ستة:
1 -
(أبو بكر بن أبي شيبة) هو عبد الله بن محمد، تقدّم في 1/ 2.
2 -
(عليّ بن حفص) أبو الحسن المدائنيّ، نزيل بغداد.
رَوَى عن حريز بن عثمان، وعكرمة بن عمار، وإبراهيم بن عبد الله بن الحارث ابن حاطب الجمحي، والثوري، وشعبة، وورقاء بن عمر، ومحمد بن طلحة بن مصرف، وسليمان بن المغيرة، وأبي معشر المدني، وغيرهم.
ورَوَى عنه أحمد، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأبو خيثمة، ومحمد بن الحسين بن إشكاب، ومحمد بن عبد الله بن أبي الثلج، وحجاج بن الشاعر، ومحمد بن عبيد الله ابن المنادي، ومحمد بن إسحاق الصاغاني، ومحمد ابن إسماعيل ابن علية، وآخرون.
قال الْمَرُّوذي، عن أحمد: علي بن حفص أحب إلي من شبابة. وقال ابن المنادي: ثنا علي أبو بكر بن حفص، وكان أحمد يحبه حبا شديدا. وقال ابن الجنيد عن ابن معين: شبابة، وعلي بن حفص ثقتان. وقال عثمان بن سعيد، عن ابن معين: ليس به بأس، وكذا قال النسائي. وقال ابن المديني، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأبو
داود: ثقة. وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه؟ فقال: صالح الحديث، يكتب حديثه، ولا يحتج به.
وقال في "التقريب": صدوقٌ من التاسعة.
تفرّد به المصنّف، وأبو داود، والترمذيّ، والنسائيّ، وله في هذا الكتاب ثلاثة أحاديث، هذا، و (983) حديث: "ما يَنقم ابن جميل إلا أنه كان فقيرًا
…
" الحديث، و (2247) حديث. "لا يقولنّ أحدكم الكرم
…
" الحديث.
3 -
(أبو هريرة) الصحابيّ الشهير رضي الله عنه تقدّم في 1/ 4 والباقون تقدّموا في السند الماضي.
وقوله: "بمثل ذلك" الإشارة إلى الحديث السابق، يعني أن رواية عليّ بن حفص مثل رواية معاذ وعبد الرحمن بن مهديّ، وقد تقدّم في المسائل المذكورة في شرح حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن "مثل" تقال إذا اتّحد لفظه، بخلاف "نحو"، فإنها تقال إذا كان بمعناه، وتقدّم الخلاف أيضًا في كيفيّة الرواية لمن سمع هكذا، فراجعه تستفد. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
قال المصنف رَحِمَهُ اللهُ تعالى بالسند المتصل إليه أول الكتاب:
9 -
(وحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيّ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْن الْخَطَّاب رضي الله عنه: "بِحَسْب الْمَرْءِ مِنَ الْكَذِبِ أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ").
رجال هذا الإسناد: خمسة:
1 -
(يحيى بن يحيى) بُكير بن عبد الرحمن بن يحيى بن حماد التميميّ الحنظلي، أبو زكريّا النيسابوريّ، الحافظ أحد الأعلام.
رَوَى عن مالك، وسليمان بن بلال، والحمادين، وحميد بن عبد الرحمن الرُّؤَاسي، وأبي الأحوص، وأبي قُدامة الحارث بن عبيد، وجرير بن عبد الحميد، وإسماعيل بن جعفر، وإسماعيل بن عياش، وحفص بن غياث، ومعاوية بن عمار الذُهني، ومعاوية بن سلام الحبشي، ومحمد بن مسلم الطائفي، ويوسف بن يعقوب الماجشون، وأبي بكر بن شعيب بن الحبحاب، وإبراهيم بن سعد، وداود بن عبد الرحمن العطار، وعبد الله بن نمير، وعبد الرحمن بن أبي الزناد، وعبيد الله بن إياد بن لَقِيط، والليث بن سعد، وابن فضيل، وخلق كثير.
ورَوَى عنه البخاري، ومسلم، ورَوَى الترمذي عن مسلم عنه، ورَوَى النسائي عن عبيد الله بن فَضَالة، ومحمد بن يحيى الذُّهْلي عنه، وأبو الأزهر أحمد بن الأزهر،
وإسحاق بن راهويه، وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، وأحمد بن يوسف السُّلَمِي، وأحمد بن سلمة النيسابوري، والفضل بن يعقوب الرُّخَامي، ومحمد بن أسلم الطوسي، وأبو أحمد الفراء، ويعقوب بن سفيان، ويحيى بن محمد بن يحيى الذهلي، وآخرون.
قال صالح بن أحمد بن حنبل عن أبيه: ما أخرجت خراسان بعد ابن المبارك مثله. وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: كان ثقة وزيادة، وأثنى عليه خيرًا. وقال أبو داود عن أحمد: خرج من خراسان رجلان: ابن المبارك، ويحيى بن يحيى. وقال إسحاق بن راهويه: ما رأيت مثله، ولا رأى مثل نفسه، قال: وهو أثبت من عبد الرحمن بن مهدي، قال: ومات يوم مات، وهو إمام لأهل الدنيا. وقال الحسن بن سفيان: كنا إذا رأينا رواية ليحيى بن يحيى، عن يزيد بن زُريع، قلنا: ريحانة أهل خراسان، عن ريحانة أهل العراق. وقال محمد بن أسلم الطوسي: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، فقلت: عمن أكتب؟ قال: عن يحيى بن يحيى. وقال العباس بن مصعب: يحيى ابن يحيى أصله من مرو، وهو من بني تميم من أنفسهم، وكان ثقة، يرجع إلى زهد وصلاح. وقال أحمد بن سيار: يحيى بن يحيى من موالي بني مِنْقَر، وكان ثقة في الحديث، حسن الوجه، طويل اللحية، وكان خيرًا، فاضلًا صائنًا لنفسه. وقال النسائي: ثقة ثبت، وقال مرة أخرى: ثقة مأمون. مات في آخر صفر سنة ست وعشرين ومائتين. وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: أوصى بثياب بدنه لأحمد بن حنبل، وكان من سادات أهل زمانه علمًا ودينًا وفضلًا ونسكًا وإتقانًا. وقال الحاكم: قرأت بخط أبي عمرو المستملي، سمعت أبا الطيب المكفوف يقول: وُلد يحيى بن يحيى سنة اثنتين وأربعين ومائة، قال: وسألت أبا أحمد الفراء عن وفاته؟ فقال: ليلة الأربعاء غرة ربيع الأول. قال الحاكم: وكل من خالف هذا القول يخطئ، والمكتوب على اللوح في قبره خطأ، قرأت في اللوح أنه مات سنة أربع وعشرين ومائتين، وقال محمد بن موسى الباشاني: مات سنة خمس، وكلا القولين خطأ. وقال الفراء: أخبرني زكريا بن يحيى ابن يحيى قال: أوصى أبي بثياب بدنه لأحمد بن حنبل، فأتيته بها، فقال: ليس هذا من لباسي، ثم أخذ ثوبا واحدا منه، ورَدّ الباقي.
وطول الحاكم ترجمته في "تاريخه"، وقسم الرواة عنه إلى خمس طبقات، ومن آخرهم داود بن الحسين البيهقي، وإبراهيم بن علي الذهلي، ورَوَى فيها عن أحمد بن حنبل قال: ما رأى يحيى بن يحيى مثل نفسه، وقيل له: كان إماما؟ قال: نعم، ولو كانت عندي نفقة لرحلت إليه. وعن الأثرم قال: ذكر أبو عبد الله يحيى بن يحيى، فقال: بخ بخ بخ، ثم ذكر قتيبة، فأثنى عليه، ثم قال: إلا أن يحيى شيء آخر، وقَدَّمه عليه. وقال الفراء: قال أحمد: قراءة يحيى بن يحيى على مالك أحب إلي من سماع
غيره. وقال يحيى بن محمد بن يحيى: كان أبي يرجع في كل المشكلات إلى يحيى بن يحيى، ويقول: هو إمام فيما بيني وبين الله تعالى، قال يحيى: وما رأيت مُحَدّثا أورع منه، ولا أحسن بيانا. وقال الحسين بن منصور: سمعت عبد الله بن طاهر يقول: شَكُّ يحيى بن يحيى عندنا بَيِّنٌ. وقال أبو أحمد الفراء: سمعت يحيى بن يحيى، وكان إمامًا وقدوةً ونورًا وضوءًا للإسلام. وقال إبراهيم بن أبي طالب: قرأ عليه إسحاق بن إبراهيم عن مشايخه أحاديث، ثم انتهى إلى حديث يحيى بن يحيى، فقال: ثنا يحيى بن يحيى، وهو من أوثق من أُحَدِّثكم اليوم عنه، وقال: سمعت الذهلي يقول: لو شئت لقلت: هو أَبْيَنُ المحدثين في الصدق، وكان ثبتًا. وقال أبو أحمد الفراء: سمعت عامة مشايخنا يقولون: لو أن رجلا جاء إلى يحيى بن يحيى عامدًا، ليتعلم من شمائله، كان ينبغي له أن يفعل. وقال المستملي: قال قتيبة بن سعيد: يحيى بن يحيى رجل صالح، إمام من أئمة المسلمين. وقال محمد بن نصر المروزي، وقيل له: من أدركت من المشايخ على سنن النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال له: ما أدركت أحدًا إلا أن يكون يحيى بن يحيى. وقال بشر بن الحكم النيسابوري: حَزَرْنا في جنازة يحيى بن يحيى مائة ألف إنسان. وقال الحاكم: سمعت أبا علي النيسابوري يقول: كنت في غم شديد، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، كأنه يقول لي: سِرْ إلى قبر يحيى بن يحيى، واستغفر، وسل تقض حاجتك، فأصبحت، ففعلت ذلك، فقضيت حاجتي (1).
وقال في "التقريب": ثقة ثبتٌ إمامٌ، من العاشرة.
أخرج له الجماعة، إلا أبا داود، وابن ماجه، وله في هذا الكتاب (692) حديثًا.
2 -
(هشيم) -بالتصغير- ابن بَشير -بالفتح بوزن عَظِيم- ابن القاسم بن دينار السلميّ، أبو معاوية بن أبي خازم -بمعجمتين- الواسطيّ، قيل: إنه بخاري الأصل الحافظ.
رَوَى عن أبيه، وخاله القاسم بن مِهْران، وعبد الملك بن عُمير، ويعلى بن عطاء، وعبد العزيز بن صهيب، وسليمان التيمي، وإسماعيل بن أبي خالد، وعمرو بن دينار، وعبيد الله بن أبي بكر بن أنس، وعاصم الأحول، وحصين بن عبد الرحمن، وحميد الطويل، وسيار أبي الحكم، وخالد الحذاء، والأعمش، وخلق كثير.
(1) هذا ليس فيه أنه توسل بالقبر، ولا دعا صاحبه، وإنما هو مجرّد استغفار للميت، ولنفسه، ثم سؤال الله تعالى أن يقضي حاجته، ومثل هذا لا يتنافى مع الزيارة المشروعة، وأيضًا إن هذا من الرؤيا المناميّة التي لا يتعلّق بها تشريعٌ جديد، فإذا كان فيه ما يُنافي الشرع، وجب تركه، وعدم الالتفات إليه؛ لأن الشرع مكتمل لا يحتاج إلى تشريع مناميّ، فليُتنبّه.
ورَوَى عنه مالك بن أنس، وشعبة، والثوري، وهم أكبر منه، وابنه سعيد بن هشيم، وابن المبارك، ووكيع، ويزيد بن هارون، ومُعَلَّى بن منصور، وإسماعيل بن سالم الصائغ، وإسحاق، ومحمد ابنا عيسى بن الطباع، ويحيى بن يحيى، وسعيد بن سليمان الواسطي، وسريج بن يونس، وسعيد بن منصور، وعلي بن المديني، وابنا أبي شيبة، وأحمد بن حنبل، وعمرو بن عوف، وآخرون.
قال الفضل بن زياد: سألت أحمد أين كَتَبَ هشيم عن الزهري؟ قال: بمكة. وقال عمرو بن عون عن هشيم: سمعت من الزهري نحوًا من مائة حديث، فلم أكتبها. وقال الحسين بن محمد بن فهم: أخبرني الهروي أن هشيما كَتَبَ عن الزهري صحيفة بمكة، فجاءت الريح، فحملت الصحيفة، فطرحتها، فلم يجدوها، وحفظ هُشيم منها تسعة. وقال أبو القاسم البغوي عن يحيى بن أيوب المقابري: سمعت أبا عبيدة الحداد يقول: قدم علينا هشيم البصرة، فذكرنا لشعبة، فقال: إن حدثكم عن ابن عباس وابن عمر، فصدّقوه. وقال علي بن معبد الرَّقّيّ: جاء رجل من أهل العراق، فذاكر مالكا بحديث، فقال: وهل بالعراق أحد يُحسن الحديث إلا ذاك الواسطي -يعني هشيما-. وقال عمرو بن عوف: سمعت حماد بن زيد يقول: ما رأيت في المحدثين أنبل من هشيم. وقال إسحاق الزيادي: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، فقال: اسمعوا من هشيم، فنعم الرجل هشيم. وقال محمد بن عيسى بن الطباع: قال عبد الرحمن بن مهدي: كان هشيم أحفظ للحديث من سفيان الثوري، قال: وسمعت وكيعا يقول: نَحُّوا عنّي هشيما، وهاتوا من شئتم -يعني في المذاكرة-. وقال الحارث بن سُرَيج البقال: سمعت يحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي يقولان: هشيم في حصين أثبت من سفيان وشعبة. وفي رواية عن ابن مهدي: هشيم أثبت منهما، إلا أن يجتمعا. وقال أبو داود: قال أحمد: ليس أحد أصح حديثا عن حصين من هشيم. وقال علي بن حجر: هشيم في أبي بشر مثل ابن عيينة في الزهري. وقال عنبسة بن سعد الرازي عن ابن المبارك: مَنْ غَيَّرَ الدهرُ حفظه، فلم يغير حفظ هشيم. وقال أحمد بن سنان عن ابن مهدي: حفظ هشيم أثبت عندي من حفظ أبي عوانة، وكتاب أبي عوانة أثبت من حفظ هشيم. وقال عمار: إذا اختلف أبو عوانة وهشيم، فالقول قول هشيم، لم يُعَدَّ عليه خطأٌ. وقال العجليّ: هُشيم واسطي ثقة، وكان يدلس. وقال ابن أبي حاتم: سئل أبي عن هشيم ويزيد بن هارون؟ فقال: هشيم أحفظهما، قال: وسألت أبي عن هشيم؟ فقال: ثقة، وهو أحفظ من أبي عوانة، قال: وسئل أبو زرعة عن هشيم وجرير؟ فقال: هشيم أحفظ. وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، ثبتا يدلس كثيرا، فما قال في حديثه: أنا فهو حجة، وما لم يَقُل فليس بشيء. وقال ابن إسحاق الجلّاب عن إبراهيم
الحربي: كان حفاظ الحديث أربعة: هشيم شيخهم، يحفظ هذه الأحاديث المقاطيع -يعني المقطوعة- حفظا عَجَبًا. وقال الحربي: كان يحدث بالمعنى. وقال محمد بن حاتم المؤدب. قيل لهشيم: كم تحفظ؟ قال: كنت أحفظ في اليوم مائة، ولو سُئلتُ عنها بعد شهر لأجبت. وقال يزيد بن هارون: ما رأيت أحفظ من هشيم إلا الثوري. وقال عثمان بن أبي شيبة: ما رأيت يزيد يثني على أحد ما يثني على هشيم. وقال عبد الله بن أحمد: قلت لأبي: من أروى الناس عن يونس؟ فقال: هشيم، وكان بعض الناس يقول: وهيب، فبلغني عن هشيم أنه قال: كان وهيب يحضر مسألتي عند يونس، قال أحمد: وكان هشيم كثير التسبيح، ولازمته أربعا أو خمسا، ما سألته عن شيء هيبة له إلا مرتين. وقال الحسين بن الحسن الروميّ: ما رأيت أحدا أكثر ذكر الله عز وجل من هشيم. قال معروف الكرخي: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، وهو يقول لهشيم: يا هشيم جزاك الله تعالى عن أمتي خيرًا. وقال أبو حاتم: لا يُسأل عن هشيم في صلاحه وصدقه وأمانته. وقال عبد الرزاق عن ابن المبارك: قلت لهشيم: لم تُدَلِّس وأنت كثير الحديث؟ فقال: كبيراك قد دلسا، الأعمش وسفيان. وذكر الحاكم أن أصحاب هشيم اتفقوا على أن لا يأخذوا عنه تدليسا، فَفَطِنَ لذلك، فجعل يقول في كل حديث يذكره: ثنا حصين ومغيرة، فلما فرغ قال: هل دلست لكم اليوم؟ قالوا: لا، قال: لم أسمع من مغيرة مما ذكرت حرفا، إنما قلت حدثني حصين، وهو مسموع لي، وأما مغيرة فغير مسموع لي. وقال الخليليّ: حافظ متقن، تغير بآخر موته، أقل الرواية عن الزهري، ضاعت صحيفته، وقيل: إنه ذاكر شعبة بحديث الزهري، ولم يكن شعبة كتب عن الزهري، فأخذ شعبة الصحيفة، فألقاها في دجلة، فكان هشيم يروي عن الزهري من حفظه، وكان يدلس. وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: كان مدلسا. وقال أبو داود. قيل ليحيى بن معين في تساهل هشيم، فقال: ما أدراه ما يخرج من رأسه. قال: وبلغني عن أحمد قال: كان ابن علية أعلم بالفقه من هشيم. وقال نصر بن حماد: سألت هشيما متى ولدت؟ قال: في سنة أربع ومائة. وقال ابن سعد: أخبرني ابنه سعيد أنه وُلد في سنة خمس، وقال ابن سعد: ومات في شعبان سنة ثلاث وثمانين ومائة، وفيها أرخه غير واحد.
وقال في "التقريب": ثقة ثبتٌ، كثير التدليس والإرسال الخفيّ، من السابعة.
أخرج له الجماعة، وله في "صحيح مسلم"(87) حديثًا.
3 -
(سليمان التيمي) بن طرخان، أبو المعتمر البصريّ، ولم يكن من بني تيم، وإنما نزل فيهم، فنُسب إليهم.
رَوَى عن أنس بن مالك رضي الله عنه، وطاووس، وأبي إسحاق السبيعي، وأبي عثمان
النهدي، وأبي نضرة العبدي، وأبي عثمان، وليس بالنهدي، ونعيم بن أبي هند، وأبي السليل ضُرَيب بن نُقَير، وأبي المنهال سيار بن سلامة، والحسن البصري، وثابت البناني، وأبي مِجْلَز، وأبي بكر بن أبي أنس بن مالك رضي الله عنه، وبكر بن عبد الله المزني، وخالد الأشج، والأعمش، وهو من أقرانه، وغيرهم.
وروى عنه ابنه معتمر، وشعبة، والسفيانان، وزائدة، وزهير، وحماد بن سلمة، وابن علية، وابن المبارك، وعبد الوارث بن سعيد، وإبراهيم بن سعد، وجرير، وحفص ابن غياث، وسُليم بن أخضر، وأبو زبيد عبثر بن القاسم، وعيسى بن يونس، وابن أبي عدي، ومعاذ بن معاذ، وهشيم، والقطان، ويزيد بن هارون، ويوسف بن يعقوب الضبعي، ومروان بن معاوية، ومحمد بن عبد الله الأنصاري، وأبو عاصم النبيل، وغيرهم.
قال الربيع بن يحيى عن سعيد: ما رأيت أحدا أصدق من سليمان التيمي. وقال أبو بحر البكراوي عن شعبة: شَكُّ ابن عون، وسليمان التيمي يقين. وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: ثقة، وهو في أبي عثمان أحب إلي من عاصم الأحول. وقال ابن معين، والنسائي: ثقة. وقال العجلي: تابعي ثقة، وكان من خيار أهل البصرة. وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وكان من العباد المجتهدين، وكان يصلي الليل كله بوضوء عشاء الآخرة، وكان مائلا إلى علي بن أبي طالب. وقال الثوري: حفاظ البصرة ثلاثة، فذكره فيهم، وكذا ذكره فيهم ابن علية. وقال ابن المديني عن يحيى: ما جلست إلى رجل أخوف لله منه. وقال محمد بن علي الوراق عن أحمد بن حنبل: كان يحيى بن سعيد يثني على التيمي، وكان عنده عن أنس أربعة عشر حديثا، ولم يكن يذكر أخباره، قال: ورأى أن أصل التيمي كان قد ضاع. وقال ابن أبي حاتم: سئل أبي سليمان أحب إليك في أبي عثمان، أو عاصم؟ قال: سليمان. قال سليمان التيمي: أتوني بصحيفة جابر، فلم أروها، فراحوا بها إلى الحسن فرواها، وراحوا بها إلى قتادة فرواها، حكاه القطان عنه. وقال ابن حبان في "الثقات": كان من عباد أهل البصرة وصالحيهم، ثقة وإتقانا وحفظا وسنة. قال يحيى بن معين: كان يدلس. وفي "تاريخ البخاري" عن يحيى بن سعيد: ما روى عن الحسن، وابن سيرين صالح، إذا قال: سمعت، أو حدثنا. وقال يحيى بن سعيد: مرسلاته شِبْهُ لا شيء. وقال ابن المبارك في "تاريخه": التيمي، وابن عُلَيّة مشائخ أهل البصرة لم يسمعوا من أبي العالية. وقال ابن أبي حاتم في "المراسيل" عن أبي زرعة: لم يسمع عن عكرمة. قال: وقال أبي: لا أعلمه سمع من سعيد بن المسيب. وقال أبو غسان النهدي: لم يسمع من نافع، ولا من عطاء. وقال ابن سعد: تُوُفّي بالبصرة في ذي القعدة سنة
ثلاث وأربعين ومائة. وقال ابنه معتمر: مات وهو ابن (97) سنة.
وقال في "التقريب": ثقة عابد، من الرابعة.
أخرج له الجماعة، وله في "صحيح مسلم"(69) حديثًا.
4 -
(أبو عثمان النهدي) -بفتح النون، وسكون الواو- هو عبد الرحمن بن ملّ -بميم مثلّثة، ولام مشدّدة- ابن عمرو بن عدي بن وهب بن ربيعة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن رفاعة بن مالك بن نَهْد مشهور بكنيته، سكن الكوفة، ثم البصرة، وأدرك الجاهلية، وأسلم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصَدَّق إليه، ولم يلقه.
رَوَى عن عمر، وعلي، وسعد، وسعيد، وطلحة، وابن مسعود، وحذيفة، وأبي ذر، وأُبَيّ بن كعب، وأسامة بن زيد، وبلال، وحنظلة الكاتب، وزهير بن عمرو، وزيد ابن أرقم، وعمرو بن العاص، وأبي بكرة، وابن عباس، وابن عمر، وابن عمرو بن العاص، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وأبي برزة الأسلمي، وأبي هريرة، وأبي سعيد، وأبي موسى الأشعري، وعائشة، وأم سلمة، وغيرهم.
ورَوَى عنه ثابت البناني، وقتادة، وعاصم الأحول، وسليمان التيمي، وأبو التياح، وعوف الأعرابي، وخالد الحذاء، وأيوب السختياني، وحميد الطويل، وأبو تميمة الْهُجَيمي، وعباس الجريري، وأبو نَعَامة عبد ربه السعدي، وعثمان بن غياث، وعلي بن زيد بن جُدْعان، وجماعة.
قال ابن المديني: هاجر إلى المدينة بعد موت أبي بكر، ووافق استخلاف عمر، فسمع منه، ولم يسمع من أبي ذرّ، وقال: أدرك النبي صلى الله عليه وسلم. وقال عبد القاهر بن السري عن أبيه عن جده: كان أبو عثمان من قضاعة، وأدرك النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يره، وسكن الكوفة، فلما قُتل الحسين تحوّل إلى البصرة، وحج ستين ما بين حجة وعمرة، وكان يقول: أتت عليّ مائة وثلاثون سنة، وما مني شيء إلا وقد أنكرته، خلا أَمَلِي. وقال معتمر بن سليمان التيمي عن أبيه: إني لأحسب أن أبا عثمان كان لا يصيب ذنبًا، كان ليله قائما، ونهاره صائمًا. وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: كان ثقة، وكان عَرِيف قومه. وقال أبو زرعة، والنسائي، وابن خِرَاش: ثقة.
قال عمرو بن علي وغيره: مات سنة خمس وتسعين، وهو ابن ثلاثين ومائة. وقال ابن معين وغيره: مات سنة (100). وقال خليفة مات بعد سنة مائة، ويقال: بعد سنة (95). وقال هشيم: بلغني أن أبا عثمان توفي، وهو ابن أربعين ومائة. وهو معدود فيمن عاش في الجاهلية ستين سنة، وفي الإسلام أكثر من ذلك. وقال ابن سعد: كان ثقة، وتوفي أول قدوم الحجاج للعراق، وكذا أرّخه القرّاب، وزاد سنة (75). قال ابن
حبان في "الثقات": مات سنة (100). وقال الآجري عن أبي داود: أكبر تابعي أهل الكوفة أبو عثمان.
وقال في "التقريب": مخضرم ثقة ثبتٌ عابد، من كبار الثانية.
أخرج له الجماعة، وله في "صحيح مسلم"(37) حديثًا.
5 -
(عمر بن الخطاب) بن نفيل بن عبد العزي بن رِيَاح -بالتحتانية- ابن عبد الله ابن قرط بن رزاح -بمهملة، ومعجمة، وآخره مهملة- ابن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي العدوي، أبو حفص، أمير المؤمنين، وأمه حَنْتَمَة بنت هاشم بن المغيرة المخزومية، كذا قال ابن الزبير. وروى أبو نعيم من طريق ابن إسحاق أنها بنت هشام، أخت أبي جهل. جاء عنه أنه وُلد بعد الفجار الأعظم بأربع سنين، وذلك قبل المبعث النبوي بثلاثين سنة، وقيل بدون. وذكر خليفة بسند له أنه وُلد بعد الفيل بثلاث عشرة سنة. وكان إليه السفارة في الجاهلية. وكان عند المبعث شديدًا على المسلمين، ثم أسلم فكان إسلامه فتحا على المسلمين، وفرجا لهم من الضيق. قال عبد الله بن مسعود: وما عبدنا الله جهرة حتى أسلم عمر. وأخرج ابن أبي الدنيا بسند صحيح، عن أبي رجاء العطاردي، قال: كان عمر طويلًا، جسيمًا، أصلع، أشعر، شديد الحمرة، كثير السَّبَلَة (1) في أطرافها صهوبة، وفي عارضيه خِفَّة. وروى يعقوب بن سفيان في "تاريخه" بسند جيد إلى زِرّ بن حُبَيش قال: رأيت عمر أعسر أصلع آدم، قد فَرِعَ الناسَ، كأنه على دابة، قال: فذكرت هذه القصة لبعض ولد عمر، فقال: سمعنا أشياخنا يذكرون أن عمر كان أبيض، فلما كان عام الرَّمَادة، وهي سنة المجاعة، ترك أكل اللحم والسمن، وأدمن أكل الزيت حتى تغير لونه، وكان قد احمرّ، فشحب لونه. وروى الدينوري في "المجالسة" عن الأصمعي، عن شعبة، عن سماك: كان عمر أَرْوَح، كأنه راكب، والناس يمشون. قال: والأروح الذي يتدانى عقباه إذا مشى. وأخرج ابن سعد بسند جيد من طريق سماك بن حرب، أخبرني هلال بن عبد الله قال: رأيت عمر جسيمًا، كأنه من رجال بني سدوس. وبسند فيه الواقدي: كان عمر يأخذ أذنه اليسرى بيده اليمنى، ويجمع جراميزه (2) ويَثِبُ على فرسه، فكأنما خُلق على ظهره. وأخرج يونس بن بُكير في زيادات المغازي، عن أبي عمر الجزار، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم أعز الإسلام بأبي جهل بن هشام، أو بعمر بن الخطاب"، فأصبح عمر، فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخرج أبو يعلى من طريق أبي
(1) السَّبَلَة بالتحريك: الشارب، جمعه سِبال.
(2)
يقال: ضمّ فلان إليه جراميزه: إذا رفع ما انتشر من ثيابه، ثم مضى. انتهى "اللسان".