الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن عيينة، وزمعة. وقال الآجريّ، عن أبي داود، عن أحمد بن يونس، عن فُضيل بن عياض: كان ليثٌ أعلم أهل الكوفة بالمناسك. قال أبو داود: وسألت يحيى عن ليث، فقال: لا بأس به، قال وعامّة شيوخه لا يُعرفون. وقال ابن عديّ: له أحاديث صالحة، وقد روى عنه شعبة، والثوريّ، ومع الضعف الذي فيه يُكتب حديثه. وقال الْبَرْقانيّ: سألت الدارقطنيّ عنه، فقال: صاحب سنّة يُخرَّج حديثه، ثم قال: إنما أنكروا عليه الجمع بين عطاء، وطاووس، ومجاهد حسب. وقال ابن سعد: كان رجلًا صالحًا عابدًا، وكان ضعيفًا في الحديث، يقال: كان يسأل عطاء، وطاووسًا، ومجاهدًا عن الشيء، فيختلفون فيه، فيروي أنهم اتفقوا من غير تَعمّد. وقال ابن حبان: اختلط في آخر عمره، فكان يقلب الأسانيد، ويرفع المراسيل، ويأتي عن الثقات بما ليس من حديثهم، تركه القطان، وابن مهدي، وابن معين، وأحمد كذا قال. وقال الترمذيّ في "العلل الكبير": قال محمد: كان أحمد يقول: ليثٌ لا يُفرح بحديثه، قال محمد: وليث صدوق يَهِم. وقال الحاكم أبو أحمد: ليس بالقويّ عندهم. وقال الحاكم أبو عبد الله: مُجمَعٌ على سوء حفظه. وقال الجوزجانيّ: يُضعَّف حديثه. وقال البزّار: كان أحد العبّاد، إلا أنه أصابه اختلاط فاضطرب حديثه، وإنما تكلّم فيه أهل العلم بهذا، وإلا فلا نعلم أحداً ترك حديثه. وقال يعقوب بن شيبة: هو صدوقٌ، ضعيفُ الحديث. وقال ابن شاهين في "الثقات": قال عثمان بن أبي شيبة: ليث صدوق، ولكنه ليس بحجّة. قال الحضرميّ: مات سنة (138) وقال ابن منجويه: مات سنة (143) وقال البخاريّ: قال عبد الله بن أبي الأسود: مات ليث بعد الأربعين سنة إحدى، أو اثنتين.
وقال في "التقريب": صدوقٌ اختلط أخيرًا، ولم يتميّز حديثه فتُرِك، من الطبقة السادسة. انتهى.
علّق عنه البخاري، وأخرج له مسلم، والأربعة، وله عند المصنّف في هذا الكتاب حديث واحد متابعة، حديث البراء رضي الله عنه: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع، ونهانا عن سبع
…
" الحديث. والله تعالى أعلم.
الشرح التفصيليّ لهذه الفقرة:
قوله: (فإذا نحن تقصّينا) بالقاف، والصاد المهملة، من التقصّي -بفتحتين-، وقصصتُ الأثر: تتبّعته. أفاده الفيّوميّ.
والمراد به هنا استيفاء أخبار المصنف الأول.
قال النوويّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: معناه أتينا بها كلّها، يقال اقتصَّ الحديثَ، وقصَّه، وقصّ الرؤيا: أتى بذلك الشيء بكماله.
وقد تقدّم عند شرح قوله: "فنقسمها على ثلاثة أقسام من الناس .. إلخ" بيان الاختلاف في المراد به، هل وفَى به في هذا الكتاب، كما هو رأي القاضي عياض، وتابعه ابن الصلاح، والنوويّ، وهو الصواب، أم اخترمته المنيّة، دون إتمامه، كما هو رأي الحاكم، وتبعه البيهقيّ. والله أعلم.
(أخبار هذا الصنف من الناس) بنصب "أخبارَ" على المفعوليّة لـ "تقصينا" و"من الناس" بيان لاسم الإشارة، واسم الإشارة يعود إلى الناقلين الذين هم أهل استقامة، وإتقان لما رووه (أتبعناها) بقطع الهمزة من الإتباع رباعيًّا، يقال: تبع زيدٌ عمرًا، من باب تَعِبَ: مَشَى خَلْفَهُ، أو مَرّ به، فمضى معه. وأتبعتُ زيدًا عمرًا بالألف: جعلتُهُ تابعًا له. أفاده الفيّوميّ.
(أخبارًا) مفعول به لـ "أتبعنا" وجملة قوله (يقع) في محلّ نصب صفة لـ "أخبارًا"(في أسانيدها) أي في أسانيد تلك الأخبار (بعضُ) بالرفع على الفاعليّة لـ "يقع"، وهو مضاف إلى قوله، (من ليس بالموصول) الباء زائدة في خبر "ليس"، كما قال في "الخلاصة":
وَبَعْدَ "مَا" و "لَيْسَ" جَرَّ الْبَا الْخَبَرْ
…
وَبَعْدَ "لَا" وَنَفْي "كَانَ" قَدْ يُجَرّ
(بالحفظ) متعلّقٌ بـ "الموصوف" وقوله (والإتقان) عطفَ تفسير لـ "الحفظ"(كالصنف المقدّم قبلهم) أي وهم الذين وُصِفوا بالاستقامة في الرواية، وإتقان ما نقلوه.
وحاصل ما أشار إليه رَحِمَهُ اللهُ تعالى أنه بعد أن ينتهي من إيراد أخبار الصنف الأول، وهم البالغون في الحفظ الدرجة العليا، يأتي بأخبار من ليس مثلهم في الحفظ والإتقان.
(على أنهم)"على" هنا للاستدراك والإضراب، كقولك: فلان لا يدخل الجنّةَ لسوء صَنِيعه، على أنه لا ييأس من رحمة الله تعالى، وقولِهِ [من الطويل]:
فَوَاللهِ لَا أَنْسَى قَتِيلَا رُزِئْتُهُ
…
بِجَانِب قَوْسِي مَا بَقِيتُ عَلَى الأَرْضِ
عَلَى أَنَّهَا تَعْفُو الْكُلُومُ وَإِنَّمَا
…
تُوَكَّلُ بِالأَدْنَى وَإِنْ جَلَّ مَا يَمْضِي
أي على أن العادة نسيان المصائب البعيدة العهد. وقولِهِ [من الطويل أيضًا]:
بِكُلٍّ تَدَوَيْنا فَلَمْ يَشْفِ مَا بِنَا
…
عَلَى أَنَّ قُرْبَ الدَّارِ خَيْرٌ مِنَ الْبُعْدِ
ثم قال:
عَلَى أَنَّ قُرْبَ الدَّارِ لَيْسَ بِنَافِعٍ
…
إِذَا كَانَ مَنْ تَهْوَاهُ لَيْسَ بِذِي وُدٍ
أبطل بـ "على" الأولى عموم قوله: "لم يَشْفِ ما بنا" فقال: بلى إن فيه شفاءً مّا، ثم أبطل بالثانية قوله:"على أن قرب الدار خيرٌ من البعد".
وتَتَعَلَّقُ "على""هذه بما قبلها عند من يقول به، كتعلّق "حاشا" بما قبلها عند من قال به، لأنَّها أوصلت معناه إلى ما بعدها، على وجه الإضراب والإخراج، أو هي خبر لمبتدإ محذوف، أي والتحقيق على كذا، وهذا الوجه اختاره ابن الحاجب، قال: ودلّ على ذلك أن الجملة الأولى وقعت على غير التحقيق، ثم جيء بما هو التحقيق فيها. ذكر هذا كلّه ابنُ هشام الأنصاريّ في "مغنيه" (1).
فيكون المعنى هنا: لكن هؤلاء وإن كانوا ليسوا مثل الصنف الأول في الحفظ والإتقان، يشاركون في أوصاف هي سببٌ لقبول رواياتهم، كوصفهم بالصدق، والستر.
(وإن كانوا فيما وصفنا) أي من الاستقامة في الحديث، والإتقان لمرويّاتهم (دونهم) أي أقلّ درجةً منهم. يعني أنهم أقلّ حفظًا، وإتقانًا، وهذا يدلّ على أن لهم حفظًا وإتقانًا، وإن لم يكن مثل الأولين.
[فائدة]: قال بعض النحويين: لـ "دون" تسعة معان: تكون بمعنى "قبلُ"، وبمعنى "أَمَام"، وبمعنى "وراء"، وبمعنى "تحت"، وبمعنى "فوق"، وبمعنى الساقط من الناس، وغيرهم، وبمعنى "الشريف"(2) وبمعنى الأمر، وبمعنى الوعيد، وبمعنى الإغراء.
فأما "دون" بمعنى "قبل" فكقولك: دون النهر قتالٌ، ودون قتل الأسد أهوالٌ، أي قبل أن تَصِل إلى ذلك، والوعيد كقولك: دونك صِرَاعي، ودونك فَتَمَرَّسْ بي، وفي الأمر: دونك الدرهم، أي خذه، وفي الإغراء: دونك زيدًا في حفظه، وبمعنى "تحت"، كقولك: دون قدمك خَدُّ عدوّك، أي تحت قدمك، وبمعنى "فوق" كقولك: إن فلانًا لشريفٌ، فيُجيب آخر فيقول: ودون ذلك، أي فوق ذلك.
وقال الفراء: "دون" تكون بمعنى "على"، وتكون بمعنى "علَّ"، وتكون بمعنى "بعد"، وتكون بمعنى "عند"، وتكون إغراءً، وتكون بمعنى أقلّ من ذا، وأنقص من ذا. ذكر هذا كلّه ابنُ منظور في "لسان العرب"(3).
وقد نظمت هذه المعاني، فقلت [من الرجز]:
لِدُونَ تِسْعَةٌ مِنَ الْمَعَانِي
…
قَبْلُ وفَوْقُ تَحْتُ خُذْ بَيَانِي
أَمَامُ والسَّاقِطُ وَالإِغْرَاءُ
…
وَالأَمْرُ وَالْوَعِيدُ زِدْ وَرَاءُ
وَعَلَّ عِنْدَ وَبِمَعْنَى بَعْدُ
…
فَاحْفَظْ فَحِفْظُ الْعِلْمِ نِعْمَ الْسَّعْدُ
(1)"مغني اللبيب" 1/ 145.
(2)
هذا لم يذكر له مثالًا، ولعله اكتفى عنه بمثال "فوق" لأن الظاهر أنه بمعناه، وأيضًا فإن المعاني عليه تكون عشرة، لا تسعة، فلذا تركته في النظم، فتنبه. والله أعلم.
(3)
"لسان العرب" في مادة "دون" 13/ 165 - 166.
(فإنّ اسم السَّتْر) بفتح السين، مصدر سترت الشيء أَستُرُهُ سَتْرًا. ويوجد في أكثر الروايات والأصول مضبوطًا بكسر السين، ويمكن -كما قال النوويّ- تصحيح هذا على أن السِّتْر يكون بمعنى المستور، كالذِّبْحِ بمعنى المذبوح، ونظائره (1).
والإضافة فيه من إضافة العامّ للخاصّ، كشجر أراك، وعلم الفقه (والصدق) بكسر، فسكون، مصدر صَدَق من باب نصر: خلاف كَذَبَ، فهو صادقٌ، وصَدُوقٌ مبالغة. قاله الفيّوميّ (وتعاطي العلم) أي اكتسابه، وأخذه عن أهله، يقال: فلانٌ يتعاطى كذا: إذا أقدم عليه، وفَعَلَهُ. قاله الفيّوميّ. وقال ابن منظور: والتعاطي: التناولُ، والْجَرَاءةُ على الشيء، من عَطَا الشيء يعطوهُ: إذا أخذه، وتناوله. وقال أيضًا: وتعاطى الشيء تناوله، وتعاطَوُا الشيءَ: تناوله بعضهم من بعض، وتنازعوه. انتهى.
والإضافة هنا من إضافة المصدر إلى مفعوله، بعد حذف فاعله: أي وتناولهم العلم.
(يَشْمَلُهم) أي يعمهم، وهو بفتح على اللغة الفصيحة، ويجوز ضمّها في لغة، يقال: شَمِلَهم الأمر بكسر الميم يَشْمَلُهم بفتحها، هذه هي اللغة المشهورة، وحكى أبو عمرو الزاهد عن ابن الأعرابي أيضًا شَمَلَهم بالفتح يَشْمُلُهُم بالضم.
وحاصل ما أشار إليه المصنّف رَحِمَهُ اللهُ تعالى في هذا الكلام أن أهل هذا القسم، وإن لم يبلغوا في الاستقامة، والإتقان درجة أهل القسم الأول، بل يكونون أقلّ منهم في ذلك، غير أنهم موصوفون بكونهم مستورين في أحوالهم، صادقين في لهجتهم، مشهورين بطلب العلم، ومجالسة العلماء، والأخذ عنهم، والكتابة منهم، فلهم عناية بهذا العلم، فيستحقّون أن يؤخذ عنهم، ويُخَرَّجَ لهم ما يوافقون فيه الصنف الأول.
ثم ضرب مثالًا لهذا الصنف، بذكر بعضهم فقال:
(كعطاء بن السائب) والجار والمجرور خبر لمبتدإ محذوف، أي مثالهم كعطاء بن السائب (ويزيد بن أبي زياد، وليث بن أبي سليم، وأضرابهم) أي أشباههم، قال النوويّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: وهو جمع ضَرْب، قال أهل اللغة: الضَّرِيبُ على وزن الكريم، والضَّرْبُ -بفتح الضاد المعجمة، والراء-: عبارة عن الشَّكْل، والْمِثْل، وجمع الضرب أَضْرَاب، وجمع الضَّرِيب ضُرَباء، ككُرَمَاء. وأما إنكار القاضي عياض على مسلم قوله:"وأضرابهم"، وقوله: إنّ صوابه ضُرَبائهم، فليس بصحيح، فإنه حمل قول مسلم:"وأضرابهم" على أنه جمع ضَرِيب -بالياء-، وليس ذلك جمع ضَرِيب، بل جمع ضَرْبٍ
(1)"شرح مسلم" 1/ 51.
بحذفها، كما سبق فتنبّه. انتهى كلام النوويّ (1).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الذي في كتب اللغة أن الضرب بفتح، فسكون يُجمع على ضُروب، ولم يذكر فيها جمعه على أضراب، قال في "القاموس" و"شرحه": الضَّرْب بالفتح، ورَوَى الزمخشريّ بالكسر أيضًا، كالطِّحْن: هو المثل. قاله ابن سِيدَهْ، وجمعه ضُرُوب. انتهى (2). وقال في "اللسان": الضَّرْبُ: المثلُ والشبيهُ، وجمعه ضُرُوبٌ، وهو الضَّرِيبُ، وجمعه ضُرَبَاء. انتهى (3).
وعلى هذا فاعتراض النوويّ على القاضي عياض مما لا وجه له. فتبصّر.
والحاصل أن الضرب بفتح، فسكون لا يُجمع على أضراب، وإنما يُجمع على ضُرُوب، فكان الأولى للمصنّف أن يقول بـ "ضُرُوبهم" جمع ضَرْب، كفَلْسٍ وفُلُوس، أو بـ "ضُرَبائهم" جمع ضَرَيب، ككريم وكُرَمَاء، بدل أضرابهم. والله تعالى أعلم.
(من حُمّال الآثار) بيان لـ "أضرابهم"، فهو متعلّق بحال مقدّر، أي حال كونهم كائنين من حمال الآثار. و "الحُمّال" جمع حامل، و "الآثار" جمع "أَثَر" بفتحتين، وهي الأخبار كما بيّنه بما عطفه عليه بقوله (ونقّال الأخبار) جمع ناقل، والمراد هنا ما يعُمّ الأحاديث المرفوعة، والآثار الموقوفة، والمقطوعة.
(فهم) أي المذكورون، من عطاء، ويزيد، وليث (وإن كانوا بما وصفنا) متعلِّق بـ "معروفين"(من العلم) بيان لـ "ما "(والستر) تقدّم أنه بالفتح، ويجوز كسره: أي بكونهم مستورين (عند أهل العلم) متعلّقٌ بقوله (معروفين) خبر "كانوا".
فقوله: "فهم" مبتدأ أوّل، وجملة "وإن كانوا إلخ" في محل نصب على الحال، وقوله (فغيرهم) مبتدأٌ ثانٍ، خبره جملة "يَفضُلُونهم"، والجملة خبر المبتدإ الأول، ودخول الفاء في الخبر في مثل هذا نادرٌ.
وقوله: (من أقرانهم) متعلّقٌ بحال محذوف، أي حال كونهمٍ من أقران المذكورين، من عطاء إلخ (ممن عندهم ما ذكرنا) متعلّقٌ بحال مقدّر أيضًا، أي حال كونهم من الرواة الذين ثبت لديهم ما تقدّم ذكره، وهو ما بينه بقوله (من الإتقان، والاستقامة في الرواية) وقوله (يَفضُلونهم) أي يزيدون عليهم بضمّ الضاد المعجمة، وكسرها -من بابي قتل، وتَعِبَ، وفَضِلَ -بالكسر- يَفْضُلُ -بالضمّ- لغة ليست
(1)"شرح مسلم" 1/ 52.
(2)
"القاموس" مع شرحه "التاج" 1/ 347.
(3)
"لسان العرب" 1/ 548.
بالأصل، ولكنّها على تداخل اللغتين، ونظيره في السالم نَعِمَ يَنْعُمُ، ونَكِلَ يَنْكُلُ، وفي المعتلّ دِمْتَ تَدُومُ، ومِتَّ تمُوت.
(في الحال) أي في صفاتهم، قال الفيوميّ: الحالُ صفة الشيء، يُذكّر، ويؤنّث، فيقال: حالٌ حسنٌ، وحالٌ حسنةٌ، وقد يؤنّث بالهاء، فيقال: حالة. انتهى.
(والمرتبةِ) أي المنزلة والمكانة. قال ابن منظور: المَرْتَبةُ: المَنْزِلةُ الرَّفِيعةُ، وهي مَفْعلة من رَتَبَ: إِذا انْتَصَبَ قائمًا، جَمْعُها المَراتِبُ. قال الأصمعيّ: والمَرْتبةُ: المَرْقَبةُ، وهي أَعْلَى الجَبَل. وقال الخليل: المَراتِبُ في الجَبَل والصَّحاري: هي الأَعْلامُ التي تُرَتَّبُ فيها العُيُونُ، والرُّقَباءُ. انتهى (1).
(لأن هذا) الإشارة إلى ما ذُكر من الإتقان والاستقامة (عند أهل العلم درجة رَفِيعة) فَعيلة، بمعنى مفعولة: أي مرفوعة، وفعله من باب رَفُع بفتح، فضمّ، يقال: رَفُعَ الرجلُ في حَسَبه، ونَسَبه، فهو رفيعٌ، مثلُ شَرُفَ، فهو شَرِيفٌ. قاله الفيّوميّ. (وخَصْلَةٌ) بفتح الخاء المعجمة، وسكون الصاد المهملة. قال ابن منظور: الخَصْلة: الفَضِيلة، والرَّذِيلة تكون في الإِنسان، وقد غلب على الفضيلة، وجمعها خِصَال. والخَصْلة: الخَلَّة. وقال الليث: الخَصْلة حالات الأُمور، تقول: في فلان خَصْلة حَسَنةٌ، وخَصْلة قبيحةٌ، وخِصال وخَصَلات كَريمة. وفي الحديث:"فمن كانت فيه خَصْلةٌ من النفاق" أَي شُعْبةٌ من شُعَبِ النفاق، وجزءٌ منه. أَو حالةٌ من حالاته (2).
ولَمّا كانت الخصلة تطلق على الحسنة والقبيحة بيّن المراد بها هنا بقوله (سَنِيّةٌ) فَعِيلة بمعنى مفعوله، من السنّاء بالمدّ: وهي الرِّفْعَة، ويحتمل أن يكون من السَّني بالقصر: وهو الضَّوْءُ، والمعنى متقارب قال ابن منظور: السَّناءُ من المجد، والشرف ممدود، والسَّنا بالقصر الضَّوْءُ، وفي التنزيل العزيز:{يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ} [النور: 43]. قال: سَنا البرْقُ سطَع، وسَنَا إِلى مَعالي الأُمُورِ سَناءً: ارتفع، وسَنُوَ في حَسَبه سَناءً، فهو سَنِيٌّ: ارتفع، قال: السَّنِيُّ الرَّفيعُ. انتهى (3). والله تعالى أعلم.
ثم ذكر أمثلة من القسم الأول -وإن انتُقِد عليه في ترتيبهم في الذكر، كما سنبيّنه مع الجواب عنه في المسألة الأولى، إن شاء الله تعالى- فقال:
(أَلَا تَرَى أَنَّكَ إِذَا وَازَنْتَ هَوُلَاءِ الثَّلَاثَةَ الَّذِينَ سَمَّيْنَاهُمْ عَطَاءً، وَيَزِيدَ، وَلَيْثًا
(1) انظر "لسان العرب" في مادة رتب 1/ 410.
(2)
"لسان العرب" في مادة خصل 11/ 206.
(3)
"لسان العرب" باختصار 14/ 403.