الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
روى عن مالك. وقال حاتم بن الليث الجوهري عن خالد بن خداش: قرئ على ابن وهب كتاب أهوال يوم القيامة -يعني من تصنيفه- فَخَرّ مغشيا عليه، فلم يتكلم بكلمة حتى مات بعد أيام. قال، فنُرَى -والله أعلم- أنه انصدع قلبه، فمات بمصر سنة سبع وتسعين ومائة. وقال ابن يونس: حدثني أبي عن جدي، قال: سمعت ابن وهب يقول: وُلِدت سنة (125)، وطلبت العلم وأنا ابن (17) سنة. وقال ابن يونس: وتوفي يوم الأحد لأربع بقين من شعبان.
وقال في "التقريب": فقيه حافظ ثقة عابد، من التاسعة.
أخرج له الجماعة، وله في هذا الكتاب (544) حديثًا.
3 -
(مالك) بن أنس، أبو عبد الله الإمام الفقيه الحجة الثبت، إمام دار الهجر، المتوفّى سنة 179 هـ من السابعة، تقدّمت ترجمته عند قول المصنّف:"ممن ذم الرواية عنهم أئمة الحديث الخ". والله تعالى أعلم.
شرح الأثر:
عن ابن وهب رَحِمَهُ اللهُ تعالى، أنه قال:(قَالَ لِي مَالِكٌ) بن أنس (اعْلَمْ) بهمزة الوصل، فعل أمر من علم (أَنَّهُ) الضمير للشأن، وهو ضمير تفسّرة جملة بعده، وهي قوله (لَيْسَ يَسْلَمُ) بفتع أوله وثالثه، من باب علم (رَجُلٌ) بالرفع على الفعليّة، وقوله (حَدَّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ) جملة في محلّ جرّ صفة لرجل.
والمعنى أنه لا توجد السلامة من معرّة الكذب من يحدّث بكلّ ما سمعه من الوقائع والأمور؛ لأن كلّ ما سمعه فيه الصدق والكذب، والحقّ والباطل، فإذا حدّث به كان واقعًا لا محالة في الكذب (وَلَا يَكُونُ إِمَامًا) بالكسر: أي خليفة، أو عالمًا يُقتدى به، مؤتمّا به في الصلاة، قال الفيّوميّ: الإمام: الخليفة، والإمام: العالم المقتدى به، والإمام من يُؤتمّ به في الصلاة، يُطلق على الذكر والأنثى. قال بعضهم: وربّما أُنّث إمام الصلاة بالهاء، فقيل: امرأة إمامة. وقال بعضهم: الهاء فيها خطأ، والصواب حذفها؛ لأن الإمام اسم، لا صفة. ويقرُب من هذا ما حكاه ابن السّكّيت في "كتاب المقصور والممدود": تقول العرب: عاملنا امرأة، وأميرنا امرأة، وفلانة وصيّ فلان، وفلانة وكيل فلان. قال: وإنما ذُكِّر لأنه إنما يكون في الرجال أكثر مما يكون في النساء، فلما احتاجوا إليه في النساء أجروه على الأكثر في موضعه، وأنت قائل: مؤذّن بني فلان امرأة، وفلانة شاهد بكذا؛ لأن هذا يكثر في الرجال، ويَقِلّ في النساء. وقال تعالى:{إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35) نَذِيرًا لِلْبَشَرِ} [المدثّر: 35 - 36]، فذكّر {نَذِيرًا} ، وهو لإحدى، ثم قال: وليس بخطإ أن تقول: وصيّة، ووكيلة بالتأنيث؛ لأنها صفة المرأة إذا كان لها
فيه حظّ، وعلى هذا فلا يمتنع أن يقال: امرأة إمامة؛ لأن في الإمام معنى الصفة. وجمع "الإمام" أئمة، والأصلُ أأمِمَة، وزانُ أمثلة، فأدغمت الميم في الميم بعد نقل حركتها إلى الهمزة. فمن القرّاء من يُبقي الهمزة محقّقةً على الأصل. ومنهم من يُسهّلها على القياس بين بين. وبعض النحاة يُبدلها ياء؛ للتخفيف. وبعضهم يَعُدُّه لحنًا، ويقول: لا وجه له في القياس. انتهى كلام الفيّوميّ (1). وقوله (أَبَدًا) متعلّق بـ "يكون". وقوله (وَهُوَ يُحَدِّثُ بِكُلِّ مَا سَمِعَ) جملة في محلّ نصب على الحال، كما سبق نظيره قبله.
والمعنى: أنه لا يستحقّ الرجل الإمامة للناس، سواء كان الإمامة الكبرى، وهي الخلافة، أم الصغرى، وهي إمامة الصلاة، ونحوها إذا كان يحدّث الناس بكل ما سمعه؛ إذ التحديث بكلّ ذلك لا يخلو من الكذب بشهادة الحديث المتقدّم، وفيه مباعدة عن مسلك الحزم والاحتياط، وتجافٍ عن مراعاة المصالح المطلوبة شرعًا وعقلًا، فلا يكون صاحبه لائقًا بمنصب الإمامة، ولا يستأهل لها. والله تعالى أعلم.
وقال النوويّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: معناه: أنه إذا حدّث بكلّ ما سمع كثُر الخطأ في روايته، فتُرك الاعتماد عليه، والأخذ عنه. انتهى (2).
وقال القرطبيّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: "ولا يكون إمامأ أبدًا": أي إذا وجد الكذب في روايته لم يُوثق بحديثه، وكان ذلك جرحةً فيه، فلا يصلح ليقتدي به أحد، ولو كان عالمًا، فلو بيّن الصحيح من السقيم، والصادق من الكاذب، سلم من ذلك، وتَفَصَّى عن عهدة ما يجب عليه من النصيحة الدينية. انتهى (3).
[تنبيه]: هذا الأثر من أفراد المصنّف رَحِمَهُ اللهُ تعالى، أخرجه هنا بهذا السند فقط. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
قال المصنّف رَحِمَهُ اللهُ تعالى بالسند المذكور في أول الكتاب إليه:
11 -
(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: بِحَسْبِ الْمَرْءِ مِنَ الْكَذِبِ أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ).
رجال هذا الإسناد: ستة:
1 -
(مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى) أبو موسى العنزيّ البصريّ، تقدّم في 1/ 3.
(1)"المصباح المنير" 1/ 23 - 24.
(2)
"شرح مسلم" 1/ 75.
(3)
"المفهم" 1/ 117.
2 -
(عَبْدُ الرَّحْمَنِ) بن مهديّ البصريّ الإمام الحجة، تقدّمت ترجمته عند ذكر أئمة الجرح والتعديل.
3 -
(سُفْيَانُ) بن سعيد الثوريّ، تقدّمت ترجمته في 1/ 1.
4 -
(أبو إِسْحَاقَ) عمرو بن عبد الله بن عُبيد، ويقال: علي، ويقال: ابن أبي شعيرة، أبو إسحاق السبيعي الكوفي، والسَّبِيع من همدان، وُلد لسنتين بقِيَتَا من خلافة عثمان، قاله شريك عنه.
رَوَى عن علي بن أبي طالب، والمغيرة بن شعبة، وقد رآهما، وقيل: لم يسمع منهما، وعن سليمان بن صُرَد، وزيد بن أرقم، والبراء بن عازب، وجابر بن سمرة، وحارثة بن وهب الخزاعي، وحُبيش بن جُنادة، وذي الْجَوْشَن، وعبد الله بن يزيد الْخَطْمي، وعدي بن حاتم، وعمرو بن الحارث بن أبي ضرار، والنعمان بن بشير، وأبي جُحَيفة السُّوائي، والأسود بن يزيد النخعي، وأخيه عبد الرحمن بن يزيد، وابنه عبد الرحمن بن الأسود، والأغر أبي مسلم، وأبي الأحوص الجشمي، وغيرهم.
ورَوَى عنه ابنه يونس، وابن ابنه إسرائيل بن يونس، وابن ابنه الآخر يوسف بن إسحاق، وقتادة، وسليمان التيمي، وإسماعيل بن أبي خالد، والأعمش، وفطر بن خليفه، وشعبة، ومسعر، والثوري، وهو أثبت الناس فيه، وغيرهم.
قال عبد الله بن أحمد: قلت لأبي: أيما أحب إليك أبو إسحاق، أو السدي؟ فقال: أبو إسحاق ثقة، ولكن هؤلاء الذين حملوا عنه بآخره. وقال ابن معين، والنسائي: ثقة. وقال ابن المديني: أحصينا مشيخته نحوا من ثلاثمائة شيخ، وقال مرة: أربعمائة. وقد روى عن سبعين، أو ثمانين لم يرو عنهم غيره. وقال العجلي: كوفي تابعي ثقة، والشعبي أكبر منه بسنتين. وقال أبو حاتم: ثقة، وهو أحفظ من أبي إسحاق الشيباني، وشبه الزهري في كثرة الرواية، واتساعه في الرجال، وقال له رجل: إن شعبة يقول: إنك لم تسمع من علقمة، قال: صدق. وقال أبو داود الطيالسي: قال رجل لشعبة: سمع أبو إسحاق من مجاهد؟ قال: ما كان يصنع بمجاهد، كان هو أحسن حديثا من مجاهد، ومن الحسن، وابن سيرين. وقال الحميدي عن سفيان: مات سنة ست وعشرين ومائة. وقال أحمد عن يحيى بن سعيد: مات سنة سبع. وكذا قال غير واحد. وقال أبو نعيم: مات سنة (8). وقال عمرو بن علي: مات سنة (29). وقال أبو بكر بن أبي شيبة: مات وهو ابن (96). وقال ابن سعد: أنا أحمد بن يونس، ثنا زهير، ثنا أبو إسحاق، أنه صلى خلف عليّ الجمعة، قال: فصلاها بالهاجرة، بعدما زالت الشمس. وعن أبي بكر بن عياش قال: مات أبو إسحاق، وهو ابن مائة سنة أو
نحوها. وقال ابن حبان في كتاب "الثقات": كان مدلسا، وُلد سنة (29) ويقال: سنة (32). وكذا ذكره في المدلسين حسين الكرابيسي، وأبو جعفر الطبري.
وقال في "التقريب": مكثرٌ ثقة عابد، من الثالثة، اختلط بآخره.
أخرج له الجماعة، وله في "صحيح مسلم"(79) حديثًا.
5 -
(أبو الْأَحْوَصِ) عوف بن مالك بن نَضْلَةَ الجشمي، أبو الأحوص الكوفي، من بني جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن.
رَوَى عن أبيه، وله صحبة، وعن علي، وقيل: إنه لم يسمع منه، وابن مسعود، وأبي مسعود الأنصاري، وأبي موسى الأشعري، وأبي هريرة، وعروة بن المغيرة بن شعبة، ومسروق بن الأجدع، ومسلم بن يزيد، وغيرهم.
ورَوَى عنه ابن أخيه أبو الزَّعْراء الْجُشَمي، وأبو إسحاق السبيعي، ومالك بن الحارث السلمي، وعبد الله بن مرة، وغيرهم.
قال إسحاق بن منصور عن ابن معين: ثقة. وذكره ابن حبان في "الثقات". وقال غيره: قتلته الخوارج أيام الحجاج بن يوسف. وقال ابن سعد: روى عن حذيفة، وزيد ابن صوحان، قال: وكان ثقة، له أحاديث، أنا عفان، أنا حماد بن زيد، أنا عاصم قال: كنا نأتي أبا عبد الرحمن السُّلَمِيّ، فكان يقول لنا: لا تجالسوا القصاص غير أبي الأحوص. وقال النسائي في "الكنى": كوفي ثقة، أنا أحمد بن سليمان، ثنا يحيى بن آدم، ثنا أبو بكر بن عياش: سمعت أبا إسحاق يقول: خرج أبو الأحوص إلى الخوارج فقاتلهم فقتلوه. وذكر الخطيب في "تاريخه" أنه شهد مع علي قتال الخوارج بالنهروان، قال الحافظ: فإن ثبت ذلك فلا يدفع سماعه منه.
وقال في "التقريب": مشهور بكنيته، ثقة من الثالثة.
أخرج له البخاريّ في "الأدب المفرد"، والباقون، وله في صحيح مسلم (13) حديثًا.
6 -
(عَبْدُ اللَّهِ) بن مسعود بن غافل -بمعجمة، وفاء- ابن حبيب بن شَمْخ بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس ابن مضر بن نزار الْهُذَلي، أبو عبد الرحمن، حَلِيف بني زهرة، وكان أبوه حالف عبد الحارث بن زهرة. أمه أم عبد الله بنت عبد وَدّ بن سواءة، أسلمت، وصحبت. أحد السابقين الأولين، أسلم قديمًا، وهاجر الهجرتين.، وشهد بدرًا والمشاهد بعدها، ولازم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان صاحب نعليه، وحَدّث عن النبي صلى الله عليه وسلم بالكثير، وعن عمر، وسعد بن
معاذ، وروى عنه ابناه: عبد الرحمن، وأبو عبيدة، وابن أخيه عبد الله بن عتبة، وامرأته زينب الثقفية، ومن الصحابة: العبادلة، وأبو موسى، وأبو رافع، وأبو شُرَيح، وأبو سعيد، وجابر، وأنس، وأبو جُحَيفة، وأبو أمامة، وأبو الطفيل، ومن التابعين: علقمة، والأسود، ومسروق، والربيع بن خثيم، وشريح القاضي، وأبو وائل، وزيد بن وهب، وزِرّ بن حُبيش، وأبو عمرو الشيباني، وعَبِيدة بن عمرو السلماني، وعمرو بن ميمون، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وأبو عثمان النَّهْدي، والحارث بن سُويد، ورِبْعي بن حِرَاش، وآخرون.
وآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين الزبير، وبعد الهجرة بينه وبين سعد بن معاذ، وقال له في أول الإسلام:"إنك لغلام مُعَلَّم". وأخرج البغوي من طريق القاسم بن عبد الرحمن ابن عبد الله بن مسعود، عن أبيه، قال: قال عبد الله: لقد رأيتني سادس ستة، وما على الأرض مسلم غيرنا. وبسند صحيح عن ابن عباس قال: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أنس وابن مسعود. وقال أبو نعيم: كان سادس من أسلم، وكان يقول: أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة. أخرجه البخاري. وهو أول من جهر بالقرآن بمكة. ذكره ابن إسحاق عن يحيى بن عروة، عن أبيه (1). وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"من سَرَّه أن يقرأ القرآن غَضّا، كما نزل، فليقرأ على قراءة ابن أم عبد"(2). وكان يلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحمل نعليه. وقال علقمة: قال لي أبو الدرداء: أليس فيكم صاحب النعلين والسواك والوساد -يعني عبد الله-. وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذنُكَ عَلَيَّ أن ترفع الحجاب، وتسمع سوادي حتى أنهاك". أخرجهما أصحاب الصحيح، وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تمسكوا بعهد ابن أم عبد". أخرجه الترمذي في أثناء حديث (3). وأخرج الترمذي أيضا من طريق الأسود بن يزيد، عن أبي موسى قال: قدمت أنا وأخي من اليمن، وما نرى ابن مسعود إلا أنه رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم؛ لما نرى من دخوله ودخول أمه على النبي صلى الله عليه وسلم. وعند البخاري في "التاريخ" بسند صحيح عن حُريث ابن ظُهير: جاء نعي عبد الله بن مسعود إلى أبي الدرداء، فقال: ما ترك بعده مثله. وقال البخاري: مات قبل قتل عثمان. وقال أبو نعيم وغيره: مات بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين. وقيل: مات سنة ثلاث. وقيل: مات بالكوفة، والأول أثبت. وعن عبد الرحمن بن يزيد النخعي: قال أتينا حذيفة، فقلنا: حدثنا بأقرب الناس من رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) أخرجه ابن هشام في "السيرة" 1/ 314 مطولًا، ورجاله ثقات.
(2)
حديث صحيح، أخرجه أحمد في "مسنده" 1/ 7 - 36 والبيهقيّ في "الكبرى" 1/ 452.
(3)
أخرجه أحمد 5/ 385 والترمذيّ رقم 3810 والحاكم 3/ 75 وصححه، ووافقه الذهبيّ.