الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ودخل مصر، فسمع من أحمد بن عبد الرحمن الوهبيّ، وعمرو بن سوّاد، وعيسى ابن حماد زُغْبَة، ومحمد بن رُمح بن المهاجر.
ودخل الشام، على ما قاله ابن عساكر في "تاريخ دمشق"، قال: وسمع من محمد ابن خالد السكسكيّ، لكن الذهبيّ، ينكر ذلك، ويقول: والظاهر أنه لقيه في الموسم، فلم يكن ليدخل الشام، فلا يسمع إلا من شيخ واحد. وقال أيضًا في ترجمة هشام بن عمار: ولم يلقه مسلم، ولا ارتحل إلى الشام، ووهمَ من زعم أنه دخل دمشق (1).
والحاصل أن الإمام مسلمًا رحمهُ الله تعالى كثير الرحلة، فقد طوّف كثيرًا من البلدان: مثل الريّ، والعراق، ومصر، والحجاز (مكة، والمدينة)، ودمشق على ما قاله ابن عساكر. والله تعالى أعلم.
عقيدته:
وأما عقيدته: فكان رحمهُ الله تعالى على عقيدة أهل الحديث، مثل الأئمة: أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، والبخاريّ، وأبي زرعة، وغيرهم، وقد ذكر أبو عثمان الصابونيّ النيسابوريّ المتوفّى سنة (449) عقيدة السلف أصحاب الحديث، وذكر فيها علامات أهل السنّة، وإحدى علاماتهم حبهم لأئمة السنّة، وعلمائها، وأنصارها، وأوليائها، ونقل عن قتيبة بن سعيد أسماء جماعة من هؤلاء العلماء، وأن حبهم علامة لأهل السنّة، ثم قال: وأنا أُلحق بهؤلاء الذين ذكرهم قتيبة رحمهُ الله تعالى أن من أحبهم، فهو صاحب سنة من أئمة الحديث الذين بهم يقتدون، وبهديهم يهتدون، ومن جملتهم وشيعتهم أنفسَهُم يَعُدُّون، وذكر من بينهم الإمام مسلم بن الحجاج (2). والله تعالى أعلم.
مذهبه في الفروع:
اعلم: أنه قد اضطربت أقوال المتأخّرين في شأن مذهبه، وتناقضوا فيه، فمن قائل: إنه شافعيّ، ومن قائل: إنه حنبليّ، ومن قائل غير ذلك، كما اختلفوا في مذهب البخاريّ، وسائر أصحاب الكتب الستة، وغيرهم.
وهذا بناء منهم على ما تخيّلوه من أن أيّ أحد لا بدّ أن ينتسب إلى مذهب أحد الأئمة الأربعة، وإن كان من أكابر المحدّثين، وهذا مما ابتُلي به المسلمون في الأعصار المتأخّرة من الإعتقادات الفاسدة، والإتجاهات الكاسدة، فلقد عاش الناس في عافية
(1)"سير أعلام النبلاء" 11/ 422. و 12/ 562.
(2)
راجع "عقيدة السلف أصحاب الحديث" 67 - 69.
من هذا البلاء دهرًا طويلًا من الزمن حينما كانوا يُطبِّقون قوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء: 7]، فلا يُعرف أحد منهم أنه يقال له: بكري، ولا عمريّ، ولا عثمانيّ، ولا علوي، ولا غير ذلك، نسبة إلى مذهب أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، وغيرهم من أكابر الصحابة رضي الله عنهم، والتابعين، حتى جاء أهل العصر المتأخّر ممن بعد الأئمة الأربعة، فانتسبوا إليهم، مع أنهم حذّروهم من تقليدهم، وأمروهم باتباع الأدلة، ثم آل الأمر إلى أن لا يروا جواز تقليد غيرهم إلا في حال الضرورة، فقد قال أحدهم، وبئسما قال:
وَجَائِزٌ تَقْلِيدُ غَيْرِ الأَرْبَعَهْ
…
لِذِي ضَرُورَةٍ وَفِي هَذَا سَعَهْ
بل قال صاحب "مراقي السعود"، وبئسما قال:
وَالْمُجْمَعُ الْيَوْمَ عَلَيْهِ ألأَرْبَعَهْ
…
وَقَفْوُ غَيْرِهَا الْجَمِيعُ مَنَعَهْ
فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله، والله المستعان على من خالف مذهب خيار الأمة، وللبحث مجالٌ آخر.
ولنرجع إلى المقصود:
اعلم: أن الإمام مسلمًا رحمهُ الله تعالى إمام مجتهد، يدور مع النصوص، فما تخيّله المقلدون من أنه على مذهب فلان، فلما رأوه يوافق رأي ذلك الإمام في بعض المسائل لاتفاق الأدلة، أو لكونه أخذ عنه، أو عمن أخذ عنه، فإن كان هذا مسوّغًا للتقليد، فلنقل: إن الشافعيّ مالكيّ حيث أخذ عنه، وأحمد شافعيّ؛ لأنه أخذ عنه، وهلمّ جرّا، وهؤلاء المدّعون لا يقولون بهذا، بل يتبرؤن منه.
وهذا كلّه يفنّده مخالفته لذلك الإمام في مسائل أخرى، ومعلوم أن المقلّد لا يخالف إمامه أبدًا.
والحقّ أنه على مذهب أهل الحديث، ليس مقلّدًا لأحد، بل هو كالشافعي، وأحمد، وغيره من فقهاء المحدّثين، ولقد أجاد أبو عبد الله الحاكم رحمهُ الله تعالى حيث ذكره ضمن فقهاء المحدّثين، وأفرده بترجمة كباقي الأئمة، كالزهريّ، والأوزاعيّ، وابن عيينة، وابن المبارك، ويحيى القطان، وابن مهديّ، وأحمد بن حنبل، وابن المدينيّ، وغيرهم. وذكر قبل تراجمهم المقصود بفقه الحديث، فقال في (النوع الموفّي العشرين):"معرفة فقه الحديث" إذ هو ثمرة هذه العلوم، وبه قوام الشريعة، فأما فقهاء الإسلام، أصحاب القياس والرأي، والإستنباط، والجدل، والنظر، فمعروفون في كلّ عصر، وأهل كل بلد، ونحن ذاكرون بمشيئة الله في هذا الموضع فقه الحديث عن أهله؛