الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خمسين، ونقل الخطيب الإجماع من أهل العلم على ذلك، وفيها في شعبان أرخه ابن حبان. وقال ابن عبد البر: مات سنة إحدى وخمسين.
أخرج له الجماعة، وله (136) حديثًا، اتّفق الشيخان على تسعة منها، وانفرد البخاريّ بحديث، ومسلم بحديثين (1). والله تعالى أعلم.
لطائف هذا الإسناد:
(منها): أنه من سداسيات المصنف رحمه اللهُ تعالى. (ومنها): أن رجاله كلهم رجال الجماعة، غير ميمون، فما أخرج له البخاري في "الصحيح"، وأخرج له مسلم في هذا الباب فقط. (ومنها): أنه مسلسل بالكوفيين، غير شعبة، فواسطيّ، ثم بصريّ. (ومنها): أن فيه رواية تابعي عن تابعيّ، قال النووي رحمه اللهُ تعالى: وهذا كثير، وقد يروي ثلاثة تابعيّون بعضهم عن بعض، وهو أيضًا كثير، لكنه دون الأول، وقد يووي أربعة تابعيون بعضهم عن بعض، وهذا قليل جدّا، وكذلك وقع مثل هذا في الصحابة رضي الله عنهم، صحابي عن صحابي كثير، وثلاثة صحابة بعضهم عن بعض، وأربعة بعضهم عن بعض، وهو قليل جدّا، وقد جمعت أنا الرباعيات من الصحابة والتابعين في أول شرح "صحيح البخاري" بأسانيدها، وجمل من طُرفها. انتهى كلام النوويّ (2). والله تعالى أعلم.
وقد بيّن السيوطي رحمه اللهُ تعالى أمثلة هذا النوع في كتابه "تدريب الراوي" 2/ 386، حيث قال:
النوع (السادس والسابع والسبعون): رواية الصحابة بعضهم عن بعض، والتابعين بعضهم عن بعض، هذان ذكرهما البلقيني في "محاسن الاصطلاح"، وقال: إنهما مهمان؛ لأن الغالب رواية التابعين عن الصحابة، ورواية أتباع التابعين عن التابعين، فيحتاج إلى التنبيه على ما يخالف الغالب، قال: ومن أمثلة الأول حديث اجتمع فيه أربعة صحابة، وهو حديث الزهري، عن السائب بن يزيد، عن حويطب بن عبد العزى، عن عبد الله ين السعدي، عن عمر بن الخطاب، مرفوعا:"ما جاءك الله به من هذا المال عن غير إشراف، ولا سائل فخذه، وما لا فلا تتبعه نفسك". وحديث خالد بن معدان، عن كثير بن مرة، عن نعيم بن هبار، عن المقداد بن معدي كرب، عن أبي أيوب، عن عوف بن مالك، قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مرعوب، متغير اللون، فقال:"أطيعوني ما دمت فيكم، وعليكم بكتاب الله، فأحلوا حلاله، وحرموا حرامه". وحديث اجتمع فيه
(1) هكذا في "الخلاصة"، والذي في برنامج الحديث (صخر) أن في "صحيح مسلم"(31) حديثًا، والظاهر أن هذا مع المكرّرات، فلا تنافي بين العددين، والله تعالى أعلم.
(2)
"شرح النوويّ على صحيح مسلم" 1/ 63.
أربع من نساء الصحابة، اثنتان من أمهات المؤمنين، وربيبتان للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو ما رواه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، من طريق ابن عيينة، عن الزهري، عن عروة، عن زينب بنت أم سلمة، عن حبيبة بنت أم حبيبة، عن أمها أم حبيبة، عن زينب بنت جحش، قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما، محمرا وجهه، وهو يقول:"لا إله إلا الله - ثلاث مرات- ويل للعرب من شر قد اقترب، فُتح اليوم من رَدْمِ يأجوج ومأجوج مثل هذه، وعقد عشرا"، قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال:"نعم إذا كثر الخبث". وقد أفرد بعضهم هذه الأحاديث الثلاثة في جزء.
قال السيوطي: وقع في بعض الأجزاء حديثٌ اجتمع فيه خمسة من الصحابة، ثم أخرج بسنده عن سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن عثمان بن عفان، عن عمر بن الخطاب، عن أبي بكر الصديق، عن بلال، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الموت كفارة لكل مسلم". انتهى كلام السيوطيّ ببعض اختصار
وقال في "ألفية الحديث" مشيرًا إلى هذا:
وَفِي الصِّحَابِ أَرْبَعٌ فِي سَنَدِ
…
وَخَمْسَةٌ وَبَعْدَهَا لَمْ يُوجَدِ
وعلّق العلامة أحمد محمد شاكر رحمه اللهُ تعالى فيما كتبه على "ألفية المصطلح" للسيوطي على الحديث المذكور أخيرًا: ما نصّه: هكذا نقله الناظم في "التدريب" عن بعض الأجزاء، ورواه بإسناده هو، ولم يتكلّم على إسناده من صحّة، أو ضعف، وقد نقل المتن في "الجامع الصغير"، ورمز له بأنه رواه أبو نعيم في "الحلية"، والبيهقي في "الشعب" من حديث أنس، وأطال القول فيه في "اللآلىء المصنوعة" 2/ 221 - 222 وكل طرقه التي ذكرها من حديث أنس، ولم يذكر أنه جاء من رواية بلال، وكذلك نسبه العجلوني في "كشف الخفا" 2/ 289 للبيهقي والقضاعي، ولم أجد له إسنادًا عن بلال إلا الذي رواه به الناظم، وهو إسناد يحتاج إلى نظر كثير. انتهى كلام أحمد شاكر رحمه اللهُ تعالى.
ومنها: قوله -بعد ذكر إسناديه إلى الصحابيين-: قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، ففيه تقديم المتن على الإسناد، وهو جائز، قال في "التقريب"، وشرحه "التدريب":
إذا قدّم الراوي المتن على الإسناد، كقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، ثم يذكر الإسناد بعده، أو قدّم بعض المتن، وأخّر الإسناد، كرَوَى نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم كذا، ثم يقول: أخبرنا به فلان، عن فلان حتّى يتّصل بما قدّمه صحّ، وكان مُتّصلًا، فلو أراد من سمعه هكذا تقديمَ جميع الإسناد، بأن يبدأ به أوّلًا، ثم يذكر المتن، فجوّزه بعض أهل الحديث من المتقدّمين، قال النوويّ رحمه اللهُ تعالى في "الإرشاد":
وهو الصحيح. وقال ابن الصلاح رحمه الله تعالى: ينبغي أن يكون فيه خلاف، كالخلاف في تقديم بعض المتن على بعض، فإن الخطيب حكى فيه المنع؛ بناء على منع الرواية بالمعنى، والجوازَ بناء على جوازها. وتعقّبه البلقينيّ، فقال: هذا التخريج ممنوع، والفرق أن تقديم بعض الألفاظ على بعض يؤدّي إلى الإخلال بالمقصود في العطف، وعود الضمير، ونحو ذلك، بخلاف تقديم السند كله، أو بعضه، فلذلك جاز فيه، ولم يتخرّج على الخلاف. انتهى ببعض تصرّف (1).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: تعقُّبُ البلقينيّ رحمه اللهُ تعالى هذا وجيه. والله تعالى أعلم.
[تنبيه]: نقل في "التدريب" عن الحافظ رحمه الله تعالى أنه قال: تقديم الحديث على السند يقع لابن خزيمة رحمه الله تعالى إذا كان في السند من فيه مقال، فيبتدىء به، ثم بعد الفراغ يذكر السند، وقد صرّح ابن خزيمة بأن من رواه على غير ذلك الوجه لا يكون في حلّ منه، فحينئذ ينبغي أن يُمنع هذا، ولو جوّزنا الرواية بالمعنى. انتهى (2).
وإلى ما ذُكر أشار السيوطيّ رحمه اللهُ تعالى في "ألفية الحديث"، فقال:
وَسَابِقٌ بِالْمَتْنِ أَوْ بَعْضِ سَنَدْ
…
ثُمَّ يُتِمُّهُ أَجِزْ فَإِنْ يُرَدْ
حِينَئِذٍ تَقْدِيمُ كُلِّهِ رَجَحْ
…
جَوَازُهُ كَبَعْضِ مَتْنٍ فِي الأَصَحّ
وَابْنُ خُزَيْمَةَ يُؤَخِّرُ (3) السَّنَدْ
…
حَيْثُ مَقَالٌ فَاتَّبِعْ وَلَا تَعَدّ
والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
2 -
(بَابٌ فِي التَّحْذِيرِ مِنَ الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم)
قال المصنف رحمه اللهُ تعالى بالسند المتصل إليه في أول الكتاب:
2 -
(وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيِّ ابْنِ حِرَاشٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيًّا رضي الله عنه يَخْطُبُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَكْذِبُوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ يَكْذِبْ عَلَيَّ يَلِجِ النَّارَ").
(1) راجع "تقريب النووي" مع "تدريب الراوي" 2/ 118 تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف.
(2)
راجع "التدريب" 2/ 119.
(3)
وقع في نسخ "الألفيّة": "يقدّم السند"، وهو غلطٌ، والصواب:"يؤخّر السند"، فتنبّه.
رجال هذا الإسناد: ثمانية:
1 -
(أبو بكر بن أبي شيبة) واسمه عبد الله بن محمد، تقدّمت ترجمته في السند الماضي.
2 -
(محمد بن المثنّى) بن عُبيد بن قيس بن دينار الْعَنَزِيّ -بفتح النون والزاي- أبو موسى الحافظ الثقة الثبتٌ البصريّ المعروف بالزَّمِن، مشهور بكنيته، وباسمه، وكان هو وبُنْدار فَرَسي رِهان، وماتا في سنة واحدة.
رَوَى عن عبد الله بن إدريس، وأبي معاوية، وخالد بن الحارث، ويزيد بن زريع، وحسين بن حسن البصري، ومعتمر، وحفص بن غياث، وإسحاق بن يوسف الأزرق، وخلق كثير.
ورَوَى عنه الجماعة، وروى النسائي أيضا عن زكريا السجزي عنه، وأبو زرعة، وأبو حالم، والذُّهلي وبَقِيّ بن مَخْلَد، وزكرياء الساجي، وغيرهم.
قال عبد الله بن أحمد عن ابن معين: ثقة، وقال أبو سعد الهروي: سألت الذهلي عنه؟ فقال: حجة. وقال صالح بن محمد: صدوق اللَّهجَة، وكان في عقله شيء، وكنت أقدمه على بندار. وقال أبو حاتم: صالح الحديث صدوق. وقال أبو عروبة: ما رأيت بالبصرة أثبت من أبي موسى، ويحيى بن حكيم. وقال النسائي: لا بأس به، كان يغير في كتابه. وقال أبو الحسين السمناني: كان أهل البصرة يقدمون أبا موسى على بندار، وكان الغرباء يقدمون بندارا. وقال ابن عقدة: سمعت ابن خِرَاش يقول: ثنا محمد بن المثنى، وكان من الأثبات. وقال الذهلي: حجة. وقال السلمي عن الدارقطني: كان أحد الثقات، وقدّمه على بندار، قال: وقد سئل عمرو بن علي عنهما؟ فقال ثقتان، يُقبل منهما كل شيء إلا ما تكلم به أحدهما في الآخر. قال: وكان في أبي موسى سلامة. وقال مسلمة: ثقة مشهور من الحفاظ. وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: كان صاحب كتاب، لا يقرأ إلا من كتابه. وقال الخطيب: كان ثقة ثبتا احتج سائر الأئمة بحديثه، وُلد سنة سبع وستين ومائة، ومات سنة اثنتين وخمسين ومائتين في ذي القعدة، ويقال: مات سنة إحدى وخمسين، ويقال: سنة خمسين. روى عنه الجماعة. وفي "الزهرة": رَوَى عنه البخاريّ مائة حديث وثلاثة أحاديث، ومسلم سبعمائة واثنتين وسبعين حديثا (1).
(1) والذي سُجّل في برنامج الحديث "صخر" أن له في "صحيح مسلم"(720) حديثًا، والذي يميل إليه القلب أن الذي في البرنامج أقرب إلى الصواب. والله تعالى أعلم.
وجعله في "التقريب" من الطبقة العاشرة.
3 -
(ابن بشّار) هو محمد بن بشّار بن عثمان بن داود بن كيسان الْعَبْديّ، أبو بكر الحافظ الثقة الثبت البصريّ، بُنْدار.
رَوَى عن عبد الوهاب الثقفي، وغندر، وروح بن عُبَادة، وحَرَمي بن عُمارة، وابن أبي عدي، ومعاذ بن هشام، ويحيى القطان، وابن مهدي، وأبي داود الطيالسي، ويزيد ابن زريع، ويزيد بن هارون، وخلق كثير.
ورَوَى عنه الجماعة، وروى النسائي عن أبي بكر المروزي، وزكرياء السجزي عنه، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وبَقِيّ بن مَخْلَد، وعبد الله بن أحمد، وابن ناجية، وإبراهيم الحربي، وابن أبي الدنيا، وزكرياء الساجي، وأبو خليفة، وابن خزيمة، والسراج، والقاسم بن زكريا المطرز، ومحمد بن المسيب الأرغياني، وابن صاعد، والبغوي، وآخرون.
قال ابن خزيمة: سمعت بندارا يقول: اختلف إِلَيَّ يحيى بن سعيد القطان أكثر من عشرين سنة، قال بندار: لو عاش يحيى بعد تلك المدة لكنت أسمع منه شيئا كثيرا. وقال الآجري عن أبي داود: كتبت عن بندار نحوا من خمسين ألف حديث، وكتبت عن أبي موسى شيئا، ولولا سلامة في بندار ترك حديثه. وقال إسحاق بن إبراهيم الفزاري: كنا عند بندار، فقال في حديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رجل يَسخَر منه: أعيذك بالله ما أفصحك؟ فقال: كنا إذا خرجنا من عند رَوْح دخلنا إلى أبي عُبيدة، فقال: قد بان ذلك عليك. وقال عبد الله بن محمد بن سيار: سمعت عمرو بن علي يحلف أن بندارا يكذب فيما يروي عن يحيى، قال ابن سيار: بُنْدار وأبو موسى ثقتان، وأبو موسى أصح؛ لأنه كان لا يقرأ إلا من كتبه، وبندار يقرأ من كل كتاب. وقال عبد الله بن علي بن المديني: سمعت أبي وسألته عن حديث رواه بندار عن ابن مهدي، عن أبي بكر بن عياش، عن عاصم، عن زِرّ، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"تسحروا، فإن في السحور بركة"، فقال: هذا كذب، وأنكره أشد الإنكار، وقال: حدثني أبو داود موقوفا. وقال عبد الله بن الدورقي: كنا عند ابن معين، وجرى ذكر بندار، فرأيت يحيى لا يعبأ به، ويستضعفه، قال: ورأيت القواريري لا يرضاه، وقال: كان صاحب حمام، قال الأزدي: وبندار قد كتب عنه الناس، وقبلوه، وليس قول يحيى والقواريري مما يجرحه، وما رأيت أحدا ذكره إلا بخير وصدق. وقال الْبَرْقَاني: سمعت عبد الله بن محمد بن جعفر البوشنجي يقول: ثنا محمد
ابن إسحاق بن خزيمة، ثنا الإمام محمد بن بشار بندار. وقال العجلي: بصري ثقة كثير الحديث، وكان حائكا. وقال أبو حاتم: صدوق. وقال النسائي: صالح لا بأس به. وقال عبد الله بن محمد بن يونس السِّمْنَاني: كان أهل البصرة يقدمون أبا موسى على بندار، وكان الغرباء يقدمون بندارا. وقال محمد بن المسيب: سمعته يقول: كتب عني خمسة قرون، وسألوني الحديث، وأنا ابن ثماني عشرة سنة، وقال أيضا: لما مات بندار جاء رجل إلى أبي موسى، فقال: البشرى مات بندار، فقال: جئت تبشرني بموته؟ ، عليّ ثلاثون حجة إن حَدَّثت أبدًا، فبقي بعده تسعين يوما، ولم يحدث بحديث. وقال ابن خزيمة في "التوحيد": ثنا إمام أهل زمانه محمد بن بشار. وقال البخاري في "صحيحه": كتب إلي بندار، فذكر حديثا مسندا، ولولا شدة وثوقه ما حدث عنه بالمكاتبة، مع أنه في الطبقة الرابعة من شيوخه، إلا أنه كان مكثرا، فيوجد عنده ما ليس عند غيره. وقال مسلمة بن قاسم: أنا عنه ابن الْمَهْراني، وكان ثقة مشهورا. وقال الدارقطنيّ: من الحفاظ الأثبات. وقال الذهبي: لم يرحل، ففاته كبار، واقتنع بعلماء البصرة، أرجو أنه لا بأس به.
قال السراج: سمعت أبا سيار يقول: سمعت بندارا يقول: وُلدت في السنة التي مات فيها حماد بن سلمة، ومات حماد سنة (167). وقال البخاري وغير واحد: مات في رجب سنة اثنتين وخمسين ومائتين. وقال ابن حبان في "الثقات": كان يحفظ حديثه، ويقرأه من حفظه. روى عنه الجماعة. وفي الزهرة روى عنه البخاري مائتي حديث وخمسة أحاديث ومسلم أربعمائة وستين (1).
وجعله في "التقريب" من الطبقة العاشرة.
4 -
(غُنْدّر) هو محمد بن جعفر الآتي في السند الثاني -بضمّ الغين المعجمة، وسكون النون، وفتح الدال، وحكي ضمها، آخره راء- الهذلي مولاهم، أبو عبد الله، وقيل: أبو بكر البصري، صاحب الكرابيس.
رَوَى عن شعبة فأكثر، وجالسه نحوا من عشرين سنة، وكان رَبِيبه، وعبد الله بن سعيد بن أبي هند، وعوف الأعرابي، ومعمر بن راشد، وسعيد بن أبي عروبة، وحسين المعلم، وابن جريج، وهشام بن حسان، وعثمان بن غياث، والثوري، وابن عيينة.
ورَوَى عنه أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، وأبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة، وقتيبة، وإبراهيم بن محمد بن عرعرة، وأبو
(1) والذي سُجّل في برنامج (صخر) أن له في "صحيح مسلم"(380) حديثًا، ولعل هذا يكون أقرب إلى الصواب. والله تعالى أعلم.
بكر بن خلاد، ويعقوب الدورقي، وأبو بكر بن نافع العبدي، وآخرون.
قال الميموني عن أحمد: غندر أسن من يحيى بن سعيد، سمعته يقول: لزمت شعبة عشرين سنة، لم أكتب من أحد غيره شيئا، وكنت إذا كتبت عنه عرضته عليه. قال أحمد: أحسبه من بلادته كان يفعل هذا. وقال عبد الخالق بن منصور عن ابن معين: كان من أصح الناس كتابا، وأراد بعضهم أن يخطئه فلم يقدر، وكان يصوم منذ خمسين سنة يوما ويوما لا. قال ابن المديني: هو أحب إليّ من عبد الرحمن في شعبة. وقال ابن مهدي: كنا نستفيد من كتب غندر في شعبة. وكان وكيع يسميه الصحيح الكتاب. وقال أبو حاتم عن محمد بن أبان البلخي: قال ابن مهدي: غندر أثبت في شعبة مني. وقال ابن المبارك: إذا اختلف الناس في حديث شعبة، فكتاب غندر حَكَمٌ بينهم. وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن غندر؟ فقال: كان صدوقا، وكان مُؤَدِّيًا، وفي حديث شعبة ثقة. وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: كان من خيار عباد الله، ومن أصحهم كتابا على غفلة فيه. وقال الْعَيْشِيّ: إنما سماه غندرا ابنُ جريج، كان يُكثر الشَّغَبَ عليه، قال: وأهل الحجاز يسمون المشغب غندرا. وقال أبو بكر الأنباري: ثنا محمد ابن المرزبان، ثنا عباس بن محمد، ثنا يحيى بن معين، قال: اشترى غندر سمكا، وقال لأهله: أَصْلِحُوه ونام، فأكلوا السمك، ولَطَّخوا يده، فلما انتبه قال: هاتوا السمك، فقالوا: قد أكلت، قال: لا، قالوا: فَشُمَّ يدك، ففعل، فقال: صدقتم، ولكني ما شبعت. وحكى الذهبي في "الميزان" عنه أنه أنكر حكاية السمك، وقال: أما كان يدلُّني بطني. وقال عمرو بن العباس: كتبت عن غندر حديثه كله، إلا حديثه عن ابن أبي عروبة، فإن عبد الرحمن نهاني أن أكتب عنه حديث سعيد، وقال: إن غندرا سمع منه بعد الاختلاط. وقال ابن المديني: كنت إذا ذكرت غندرا ليحيى بن سعيد عَوَّج فمه، كأنه يضعفه. وقال المستملي: محمد بن جعفر غندر كنيته أبو بكر بصري ثقة. وقال محمد بن يزيد: كان فقيه البدن، وكان ينظر في فقه زُفَر. وذكره الخطيب في الرواة عن مالك. وقال العجلي: بصري ثقة، وكان من أثبت الناس في حديث شعبة. قال الحافظ: وروينا في "المجالسة" عن ابن معين: قال: قَدِمْنا على غندر، فقال: لا أحدّثكم حتى تمشوا خلفي، فيراكم أهل السوق، فيكرموني.
قال أبو داود، وابن حبان: مات في ذي القعدة سنة ثلاث وتسعين ومائة، وقال ابن سعد: مات سنة (94) وقال: كان ثقة إن شاء الله. وقال البخاري: حدثني محمد ابن المثنى، قال: مات غندر سنة (92). أخرج له الجماعة، وله في هذا الكتاب (414) حديثًا. وجعله في "التقريب" من الطبقة التاسعة.
5 -
(شعبة) بن الحجّاج المذكور قريبًا.
6 -
(منصور) بن المعتمر تقدّمت ترجمته (1).
7 -
(ربعي (2) بن حراش (3)) بن جَحْش بن عمرو بن عبد الله بن بِجَاد العبسيُّ أبو مريم الكوفيّ، قدم الشام، وسمع خطبة عمر بالجابِيَة.
رَوَى عن عمر، وعلي، وابن مسعود، وأبي موسى، وعمران بن حصين، وحذيفة ابن اليمان، وطارق المحاربي، وأبي اليسر كعب بن عُمَر السلمي، وأبي مسعود، وخَرَشَة بن الْحُرّ، وعمرو بن ميمون، وغيرهم، ورَوَى عن أبي ذر، والصحيح أن بينهما زيد بن ظَبْيان. ورَوَى عنه عبد الملك بن عُمير، وأبو مالك الأشجعي، والشعبي، ونعيم ابن أبي هند، ومنصور بن المعتمر، وعمرو بن هَرِم، وهلال مولاه، وحصين بن عبد الرحمن، وغيرهم. قال ابن المديني: بنو حِرَاش ثلاثة: رِبعي، وربيع، ومسعود، ولم يُرْوَ عن مسعود شيء، سوى كلامه بعد الموت (4). وقال العجلي: تابعي ثقة، من خيار الناس، لم يَكْذِب كَذْبة قط.
وقال الأصمعي: أَتَى رجل الحجاج، فقال: إن ربعي بن حراش زعموا لا يكذب، وقد قدم ولداه عاصيين، قال: فبعث إليه الحجاج، فقال: ما فعل ابناك؟ قال: هما في البيت والله المستعان، فقال له الحجاج بن يوسف: هما لك، وأعجبه صدقه.
وقال منصور بن المعتمر: سُعي إلى الحجاج بأنك ضربت البعث على ابني ربعي فعصيا، فبعث إليه، فإذا هو شيخ مُنْحَنٍ، فقال: ما فعل ابناك؟ قال: هما في البيت، قال: فحمله وكساه، وأوصى به خيرا.
وعن الحارث الغنوي قال: آلى ربعي بن حراش أن لا تَفْتَرّ أسنانه ضاحكا حتى يعلم أين مصيره؟ قال الحارث: فأخبر الذي غسله أنه لم يزل متبسما على سريره، ونحن نغسله حتى فرغنا منه رحمة الله عليه.
(1) تقدّمت عند قوله: "ألا ترى أنك إذا وازنت هؤلاء الثلاثة الذين سميناهم عطاء، ويزيد، وليثًا بمنصور ابن المعتمر الخ.
(2)
بكسر الراء، وسكون الموحّدة.
(3)
بكسر الحاء المهملة، وتخفيف الراء، آخره شين معجمة.
(4)
وذكر النوويّ رحمه الله تعالى في "شرحه" 1/ 66: ما نصّه: وربعيّ تابعيّ كبير جليل لم يكذب قطّ، وحلف أنه لا يضحك حتى يَعلم أين مصيره، فما ضحِك إلا بعد موته، وكذلك حلف أخوه ربيع أن لا يضحك حتى يعلم أفي الجنة هو أو في النار، قال غاسله: فلم يزل متبسّمًا على سريره، ونحن نغسله حتى فرغنا. انتهى. وقد ذكر القصّة أيضًا الذهبيّ.
والظاهر أن حلفهما أن لا يضحكا إن صحّ عنهما فيُحمل على الضحك المستغرق المذموم شرعًا، وإلا فكان صلى الله عليه وسلم يضحك تبسّمًا، "وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم"، لكنا نحسن الظنّ بهما، فنحمله على ما ذكرناه، والله تعالى أعلم.
وأخرج أبو نعيم في "الحلية" عن عبيدة، عن عبد الملك بن عمير، عن ربعي، قال: كنا أربعة إخوة، فكان الربيع أكثرنا صلاة وصياما في الهواجر، وإنه توفي، فبينا نحن حوله، قد بعثنا من يبتاع له كفنا، إذ كشف الثوب عن وجهه، فقال: السلام عليكم، فقال القوم: عليكم السلام يا أخا عيسى، أبعد الموت؟ قال: نعم إني لقيت ربي بعدكم، فلقيت ربا غير غضبان، واستقبلني بروح وريحان وإستبرق، ألا وإن أبا القاسم ينتظر الصلاة علي، فعجّلوني، ثم كان بمنزلة حصاة رُمي بها في طست، فنُمي الحديث إلى عائشة رضي الله عنها، فقالت: أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يتكلم رجل من أمتي بعد الموت"(1).
قال أبو نعيم: ورواه عن عبد الملك زيد بن أبي أنيسة، وإسماعيل بن أبي خالد، والثوري، وابن عيينة، وما رفعه سوى عَبِيدة. وأخرج أبو نعيم أيضًا عن عاصم بن عليّ، عن المسعوديّ، عن عبد الملكَ بن عمير، عن ربعيّ، قال: مات أخ لنا، فسجيناه، فذهبت في التماس كفنه، فرجعت، وقد كشف الثوب، وهو يقول
…
فذكر نحوه، وفيه
…
"وعدت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يذهب حتى أُدركه، قال: فما شبهت خروج نفسه إلا كحصاة ألقيت في ماء فرسبت، فذكر ذلك لعائشة رضي الله عنها، فقالت: قد كنا نتحدث أن رجلا من هذه الأمة يتكلم بعد الموت (2).
وقال أبو نعيم وغير واحد: مات في خلافة عمر بن عبد العزيز. وقال أبو عبيد: مات سنة مائة. وقال ابن نمير: سنة (101). وقال ابن معين وغيره: سنة (104). وقال ابن سعد: توفي بعد الجماجم في ولاية الحجاج بن يوسف، وليس له عقب، وكان ثقة، وله أحاديث صالحة. وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: كان من عباد أهل الكوفة. وقال الآجري: قلت لأبي داود: سمع ربعي من عمر؟ فقال: نعم. وقال اللالكائي: مجمع على ثقته. وقال الدُّوري: سئل ابن معين: سمع ربعي من أبي اليسر؟ فقال: لا أدري. وقال حجاج: قلت لشعبة: أدرك ربعي عليا؟ قال: نعم. وقال ابن عساكر في "الأطراف": لم يسمع من أبي ذر. انتهى. قال الحافظ: وإذا ثبت سماعه من عمر، فلا يمتنع سماعه من أبي ذر. انتهى (3).
وقال في "التقريب": مخضرم ثقة عابد، من الطبقة الثانية.
(1) الخبر في "الحلية" 4/ 367 وذكره ابن عبد البرّ في "الاستيعاب" في ترجمة زيد بن خارجة (844) ورجال إسناده ثقات، لكن ليس فيه المرفوع، وهو الأصحّ، فقد رواه عن عبد الملك غير واحد، فما رفعه.
(2)
نقل هذه الحكاية الذهبيّ في "سير أعلام النبلاء" 4/ 361 - 362.
(3)
راجع "تهذيب التهذيب" 1/ 588 - 589 طبع مؤسسة الرسالة.
أخرج له الجماعة، وله في هذا الكتاب (17) حديثًا.
8 -
(عليّ) بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي أبو الحسن، أول الناس إسلاما في قول كثير من أهل العلم، وُلد قبل البعثة بعشر سنين على الصحيح، فرُبِّي في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يفارقه، وشهد معه المشاهد إلا غزوة تبوك، فقال له بسبب تأخيره له بالمدينة:"ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى". وزوجه بنته فاطمة، وكان اللواء بيده في أكثر المشاهد، ولما آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه قال له: أنت أخي، ومناقبه كثيرة، حتى قال الإمام أحمد: لم يُنقل لأحد من الصحابة ما نُقل لعلي، وقال غيره: وكان سبب ذلك بُغض بني أمية له، فكان كل من كان عنده علم من شيء من مناقبه من الصحابة يثبته، وكلما أرادوا إخماده، وهدّدوا مَنْ حدّث بمناقبه، لا يزداد إلا انتشارا، وقد وَلَّد له الرافضة مناقب موضوعة، هو غنيّ عنها، وتتبع النسائي ما خُصّ به من دون الصحابة، فجمع من ذلك شيئا كثيرا، بأسانيد أكثرها جياد، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا، وروى عنه من الصحابة ولداه الحسن والحسين، وابن مسعود، وأبو موسى، وابن عباس، وأبو رافع، وابن عمر، وأبو سعيد، وصهيب، وزيد بن أرقم، وجرير، وأبو أمامة، وأبو جحيفة، والبراء ابن عازب، وأبو الطفيل، وآخرون.
ومن التابعين من المخضرمين، أو من له رؤية: عبد الله بن شداد بن الهاد، وطارق بن شهاب، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وعبد الله بن الحارث بن نوفل، ومسعود بن الحكم، ومروان بن الحكم، وآخرون.
ومن بقية التابعين عدد كثير، من أجلهم أولاده: محمد، وعمر، والعباس، وكان قد اشتهر بالفروسية والشجاعة والإقدام.
حتى قال فيه أَسِيد بن أبي إياس بن زُنيمِ الكناني قبل أن يُسلِم يُحَرِّض عليه قريشا، ويُعَيِّرهم به، وكان أحد الشُّورى الذين نصَّ عليهم عمر، فعرضها عليه عبد الرحمن بن عوف، وشرط عليه شروطا امتنع من بعضها، فعدل عنه إلى عثمان، فقبلها فولاه، وسَلَّم علي، وبايع عثمان، ولم يزل بعد النبي صلى الله عليه وسلم متصديا لنشر العلم والْفُتيا، فلما قُتل عثمان بايعه الناس، ثم كان من قيام جماعة من الصحابة منهم: طلحة، والزبير، وعائشة رضي الله عنها في طلب دم عثمان، فكان من وقعة الجمل ما اشتهر، ثم قام معاوية في أهل الشام، وكان أميرها لعثمان، ولعمر من قبله، فدعا إلى الطلب بدم عثمان، فكان من وقعة صفين ما كان، وكان رأى علي أنهم يدخلون في الطاعة، ثم يقوم ولي دم عثمان، فيدعي به عنده، ثم يعمل معه ما يوجبه حكم الشريعة المطهرة، وكان من خالفه يقول له: تتبعهم، واقتلهم، فيرى أن القصاص بغير دعوى، ولا إقامة
بينة لا يتجه، وكل من الفريقين مجتهد، وكان من الصحابة فريق لم يدخلوا في شيء من القتال، وظهر بقتل عمار أن الصواب كان مع علي، واتفق على ذلك أهل السنة بعد اختلاف كان في القديم -ولله الحمد-.
ومن خصائص علي رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر: "لأدفعن الراية غدا إلى رجل يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه"، فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم، غدوا كلهم يرجو أن يعطاها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أين علي بن أبي طالب؟ "، فقالوا: هو يشتكي عينيه، فأتى به، فبصق في عينيه، فدعا له فبرأ، فأعطاه الراية. أخرجاه في "الصحيحين" من حديث سهل بن سعد، ومن حديث سلمة بن الأكوع نحوه باختصار، وفيه:"يفتح الله على يديه". وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند مسلم نحوه، وفيه: فقال عمر: "ما أحببت الإمارة إلا ذلك اليوم". وفي حديث بُرَيَدَة عند أحمد نحو حديث سهل، وفيه زيادة في أوله وفي آخره قصة مرحب، وقتل علي له، فضربه على هامته ضربة، حتى عض السيف منه بيضة رأسه، وسمع أهل العسكر صوت ضربته، فما قام آخر الناس حتى فتح الله لهم. وفي "المسند" لعبد الله بن أحمد بن حنبل من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دفع الراية لعلي رضي الله عنه يوم خيبر أسرع، فجعلوا يقولون له: ارفُق حتى انتهى إلى الحصن، فاجتذب بابه، فألقاه على الأرض، ثم اجتمع عليه سبعون رجلا حتى أعادوه، وفي سنده حرام بن عثمان متروك. وجاءت قصة الباب من حديث أبي رافع، لكن ذكر دون هذا العدد. وأخرج أحمد والنسائي من طريق عمرو بن ميمون: إني لجالس عند ابن عباس إذ أتاه سبعة رهط، فذكر قصة فيها قد جاء ينفض ثوبه، فقال: وقعوا في رجل له عِزّ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"لأبعثن رجلا لا يُخزيه الله، يحب الله ورسوله"، فجاء وهو أرمد، فبزق في عينيه، ثم هَزّ الراية ثلاثا فأعطاه، فجاء بصفية بنت حيي، وبعثه يقرأ براءة على قريش، وقال:"لا يذهب إلا رجل مني وأنا منه"، وقال لبني عمه:"أيكم يواليني في الدنيا والآخرة؟ " فأبوا، فقال علي: أنا، فقال:"إنه وليي في الدنيا والآخرة". وأخذ رداءه، فوضعه على علي وفاطمة وحسن وحسين، وقال:{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} الآية [الأحزاب: 33] ولبس ثوبه ونام مكانه، وكان المشركون قصدوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أصبحوا رأوه، فقالوا: أين صاحبك؟ . وقال له في غزوة تبوك: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنك لست بنبي"، متّفقٌ عليه. وقال له:"أنت ولي كل مؤمن من بعدي"(1). وسد الأبواب إلا باب علي (2)، فيدخل المسجد جنبا،
(1) حديث صحيح أخرجه أحمد في "المسند" برقم (19081)، والترمذيّ برقم (3978).
(2)
حديث سد أبواب المسجد إلا باب عليّ رضي الله عنه رواه أحمد في "مسنده" برقم (4566) بسند صحيح.
وهو طريقه، ليس له طريق غيره، وقال:"من كنت مولاه فعليّ مولاه"(1)، وأخبر الله أنه رضي عن أصحاب الشجرة، فهل حدثنا أنه سَخِط عليهم بعد. وقال صلى الله عليه وسلم:"يا عمر ما يدريك أن الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم"، متّفق عليه. وقال يحيى بن سعيد الأنصاري، عن سعيد بن المسيب: كان عمر يتعوذ من معضلة ليس لها أبو حسن. وقال سعيد بن جبير: كان ابن عباس يقول: إذا جاءنا الثبت عن علي لم نعدل به. وقال وهب بن عبد الله، عن أبي الطفيل: كان علي يقول: سلوني سلوني، وسلوني عن كتاب الله تعالى، فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم أنزلت بليل أو نهار. وأخرج الترمذي بسند قوي، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، قال: أمر معاوية سعدا، فقال له: ما يمنعك أن تسب أبا تراب؟ فقال: ما ذكرت ثلاثا قالهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من أن يكون لي حمر النعم، فلن أسبّه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، وقد خَلّفه في بعض المغازي، فقال له علي: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، تُخَلّفني مع النساء والصبيان؟ فقال له:"أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبوة بعدي"، وسمعته يقول يوم خيبر:"لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله"، فتطاولنا لها، فقال:"ادعوا لي عليا"، فأتاه وبه رَمَدٌ، فبصق في عينيه، ودفع الراية إليه، ففتح الله عليه، وأنزلت هذه الآية:{فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ} [آل عمران: 61]، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا، فقال:"اللهم هولاء أهلي". وأخرج أيضا، وأصله في مسلم، عن علي قال: لقد عَهِدَ إليّ النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق". وأخرج الترمذي بإسناد قوي، عن عمران بن حصين، في قصة قال فيها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تريدون من علي، إن عليا مني وأنا من علي، وهو ولي كل مؤمن بعدي". وفي مسند أحمد بسند جيد عن علي، قال: قيل: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم من تؤمر بعدك؟ قال: "إن تؤمروا أبا بكر تجدوه أمينا زاهدا في الدنيا، راغبا في الآخرة، وإن تؤمروا عمر تجدوه قويا أمينا، لا يخاف في الله لومه لائم، وإن تؤمروا عليا، وما أراكم فاعلين تجدوه هاديا مهديا، يأخذ بكم الطريق المستقيم".
وكان قتل علي في ليلة السابع عشر من شهر رمضان، سنة أربعين من الهجرة، ومدة خلافته خمس سنين إلا ثلاثة أشهر ونصف شهر؛ لأنه بويع بعد قتل عثمان في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين، وكانت وقعة الجمل في جمادى سنة ست وثلاثين، ووقعة صفين في سنة سبع وثلاثين، ووقعة النهروان مع الخوارج في سنة ثمان وثلاثين، ثم
(1) حديث صحيح أخرجه الترمذيّ في "المناقب" برقم (3979). وانظر "السلسلة الصحيحة" للألبانيّ برقم (1750).