الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن أبيه، قال: نَفَّلَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم نَفَلًا سوى نصيبنا من الخمس، فأصابني شارف -والشارف المسن الكبير- ثم أردفه بقوله: حدثنا هناد بن السري، ثنا ابن المبارك رحمه الله قال: وحدثني حرملة بن يحيى، أنا ابن وهب، كلاهما عن يونس، عن ابن شهاب، قال: بلغني عن ابن عمر، قال: نَفَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية، بنحو حديث ابن رجاء، يعني عن يونس.
قلت: وهذا الحديث قد أورده مسلم من حديث عبد الله بن رجاء الْغُدَاني، عن يونس، عن الزهري بإسناده المتصل الذي ذكرناه أَوّلًا، ثم أورد بعده حديث ابن المبارك، وابن وهب، كلاهما عن يونس، بإسناده المقطوع، وإنما أراد بذلك -والله أعلم- أن ينبه على الاختلاف فيه على يونس، كما فعل في عدة أحاديث، تشبه هذا الحديث، وقد تقدم بعضها. وعبد الله بن رجاء الذي وصله ثقة صدوق، عند أهل النقل، إلا أن عمرو بن علي الفلاس نسبه إلى كثرة الغلط، وعبد الله بن المبارك، وابن وهب مقدمان عليه في الحفظ عندهم، ولهذا جعل الدارقطني القول قولهما في إسناد هذا الحديث، وقال: لو كان الزهري سمعه من سالم لم يَكْنِ عن اسمه، والله عز وجل أعلم.
قلت: والعذر لمسلم رحمه الله في ذلك، أنه إنما أورده هكذا في الشواهد، وإلا فقد أورد في أول الباب الحديث المتفق على صحته في هذا المعنى، وهو حديث نافع، عن ابن عمر، قال: "بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية، وأنا فيهم قِبَلَ نَجْدٍ (1)
…
" الحديث. ووقع في بعض طرقه أيضًا في كتاب مسلم عن ابن عون، قال: كتبت إلى نافع أسأله عن النفل، فكتب إليّ أن ابن عمر كان في سرية
…
الحديث، وسنذكره فيما بعدُ مع الأحاديث التي وقعت في كتاب مسلم بالمكاتبة، دون السماع، وننبه على اختلاف العلماء فيها، إن شاء الله عز وجل (2).
(23) - الحديث العاشر:
قال مسلم رحمه الله في "كتاب الجهاد"(3) أيضًا حدثنا محمد بن المثنى، وابن بشار، واللفظ لابن المثنى قالا: ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، أنه سمع البراء رضي الله عنه في هذه الآية:{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95]، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا، فجاء بكتف يكتبها، فشكا إليه ابن أم مكتوم ضررا به (4)،
(1) وقع في الرسالة: "قبل نحو" وهو غلط، والصواب:"قبل نجد" كما هو في "صحيح مسلم" رقم (1749). فتفطّن.
(2)
هكذا وعد هنا، لكنه لم يَفِ بوعده هناك، فلم يذكره، فسبحان من لا يسهو، ولا يغفل! ! ! .
(3)
بل في "كتاب الإمارة""باب سقوط فرض الجهاد عن "المعذورين" 3/ 1508.
(4)
في شرح النوويّ 13/ 43 ضرارته": أي عماه، قال النووي: هكذا هو في جميع نسخ بلادنا =
فنزلت: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95]. قال شعبة: وأخبرني سعد بن إبراهيم، عن رجل، عن زيد في هذه الآية:{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ} بمثل حديث البراء. وقال ابن بشار في روايته: سعد بن إبراهيم عن أبيه، عن رجل، عن زيد ابن ثابت.
قلت: هكذا أورده مسلم في "صحيحه"، وقد اشتمل هذا الحديث على طريقين عن صحابيين رضي الله عنهما، فالأول منهما: حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما، وهو صحيح متصل، ثابت متفق عليه. والثاني: حديث زيد بن ثابت، وفي إسناده اختلاف، ورجل غير مسمى، فهو داخل في باب المقطوع على مذهب الحاكم وغيره، إذا لم يعرف ذلك الرجل.
والجواب عن ذلك أن مسلما رحمه الله، إنما احتج بحديث البراء وحده، وإنما أورد الإسناد الثاني؛ لأن شعبة حدث به غندرًا هكذا، فأورده مسلم كما سمعه من أصحاب غندرًا، والظاهر من مذهبه أنه لا يختصر من الحديث شيئا، وإن اختصر منه شيئا لضرورة نبه عليه.
وقد أخرج البخاري حديث البراء هذا في "صحيحه" في غير موضع من رواية شعبة، عن أبي إسحاق عنه، ولم يذكر فيه حديث زيد بن ثابت، فيحتمل (1) أن يكون تركه عمدا لما فيه من الاعتلال، ويحتمل أن يكون إنما سمعه كذلك من غير زيادة، على ما أورده، لكنه أخرج حديث زيد بن ثابت المذكور من طريق آخر، من حديث الزهري، عن سهل بن سعد، عن مروان بن الحكم عنه، وهو إسناد اجتمع فيه ثلاثة من الصحابة رضي الله عنهم، يروي بعضهم عن بعض، ويدخل أيضًا في رواية الأكابر عن الأصاغر؛ لأن سهلا أكبر من مروان، ومروان وإن لم يثبت سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم، فهو معدود في الصحابة رضي الله عنهم. وقد أخرج له البخاري في "صحيحه" حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم مقرونا بالمسور ابن مخرمة. والله أعلم.
فقد تبين بما ذكرناه أن حديث زيد بن ثابت متصل أيضًا في "كتاب البخاري". والله عز وجل أعلم.
ووقع في "كتاب الأشربة"(2) حديث نحو هذا من رواية سليمان التيمي، عن
= "ضرارته" بفتح الضاد، وحكى صاحب "المشارق والمطالع" عن بعض الرواة أنه ضبط "صررً به" والصواب الأول. انتهى.
(1)
النسخة: "محتمل"، والظاهر أنه تصحيف. والله تعالى أعلم.
(2)
"باب تحريم الخمر"
…
3/ 1571.