الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبو مُسْهِر عبد الأعلى (1)(218 هـ)
عبد الأعلى بن مسهر بن عبد الأعلى أبو مسهر الغساني الدمشقي الفقيه، ولد سنة أربعين ومائة. سمع من مالك بن أنس وإسماعيل بن عياش وابن عيينة وغيرهم. روى عنه يحيى بن معين وأحمد بن حنبل والبخاري وغيرهم. قال يحيى بن معين: الذي يحدث ببلد به من هو أولى بالتحديث منه أحمق، وإذا رأيتني أحدث ببلد فيها مثل أبي مسهر فينبغي للحيتي أن تحلق. كان أعلم الناس بالمغازي وأيام الناس. قال أبو داود: سمعت أحمد يقول: رحم الله أبا مسهر، ما كان أثبته، وجعل يطريه. قال ابن حبان: كان إمام أهل الشام في الحفظ والإتقان، ممن عني بأنساب أهل بلده وأنبائهم، وإليه كان يرجع أهل الشام في الجرح والعدالة لشيوخهم. وقال أبو داود: لقد كان من الإسلام بمكان، حمل على المحنة فأبى، وحمل على السيف، فمد رأسه وجرد السيف فأبى أن يجيب فلما رأوا ذلك منه، حمل إلى السجن فمات. توفي رحمه الله سنة ثمان عشرة ومائتين.
موقفه من الجهمية:
- عن محمد بن يعقوب الدمشقي قال: سمعت أبا مسهر يقول: ما أدركنا أحدا من أهل العلم إلا وهو يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق. (2)
- جاء في السير: قال علي بن عثمان النفيلي: كنا على باب أبي مسهر
(1) السير (10/ 228) وطبقات ابن سعد (7/ 473) والجرح والتعديل (6/ 29) وتاريخ بغداد (11/ 72 - 75) وترتيب المدارك (1/ 241 - 242) وتهذيب التهذيب (16/ 369) وتذكرة الحفاظ (1/ 381) وشذرات الذهب (2/ 44).
(2)
الإبانة (2/ 12/21 - 22/ 213).
جماعة من أصحاب الحديث، فمرض فعدناه وقلنا: كيف أصبحت؟ قال في عافية، راضيا عن الله ساخطا على ذي القرنين: كيف لم يجعل سدا بيننا وبين أهل العراق كما جعله بين أهل خراسان وبين يأجوج ومأجوج، فما كان بعد هذا إلا يسيرا حتى وافى المأمون دمشق، ونزل بدير مران وبنى القبة فوق الجبل، فكان بالليل يأمر بجمر عظيم فيوقد ويجعل في طسوت كبار تدلى من عند القبيبة بسلاسل وحبال فتضيء لها الغوطة فيبصرها بالليل.
وكان لأبي مسهر حلقة في الجامع بين العشائين عند حائط الشرقي، فبينا هو ليلة إذ قد دخل الجامع ضوء عظيم فقال أبو مسهر: ما هذا؟ قالوا: النار التي تدلى من الجبل لأمير المؤمنين حتى تضيء له الغوطة فقال: {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} (1) وكان في الحلقة صاحب خبر للمأمون، فرفع ذلك إلى المأمون فحقدها عليه، وكان قد بلغه أيضا أنه كان على قضاء أبي العميطر، فلما رحل المأمون أمر بحمل أبي مسهر إليه فامتحنه بالرقة في القرآن
…
- وفيه بالسند إلى أصبغ: وكان مع أبي مسهر هو وابن أبي النجا، خرجا معه يخدمانه فحدثني أصبغ أن أبا مسهر دخل على المأمون بالرقة وقد ضرب رقبة رجل وهو مطروح، فأوقف أبا مسهر في الحال فامتحنه فلم يجبه، فأمر به فوضع في النطع ليضرب عنقه فأجاب إلى خلق القرآن، فأخرج من النطع، فرجع عن قوله فأعيد إلى النطع، فأجاب فأمر به أن يوجه إلى العراق،
(1) الشعراء الآيتان (128 - 129).
ولم يثق بقوله، فما حذر وأقام عند إسحاق بن إبراهيم -يعني نائب بغداد- أياما لا تبلغ مائة يوم ومات رحمه الله. (1)
- وجاء في ترتيب المدارك: قال موسى بن الحسن: سمعت أبا مسهر وقد وجه به المأمون إلى إسحاق بن إبراهيم ببغداد فأحضر له إسحاق جماعة ليقر بكتاب المحنة الذي كتبه المأمون في خلق القرآن ونفي الرؤية وعذاب القبر، وأن الميزان ليس بكفتين وأن الجنة والنار غير مخلوقتين. فلما قرئ الكتاب على أبي مسهر قال: أنا منكر لجميع ما في كتابكم هذا، أبعد مجالسة مالك والثوري ومشايخ أهل العلم: إذًا لا أكفر بالله بعد إحدى وتسعين، لا أقول القرآن مخلوق ولا أنكر عذاب القبر ولا الموازين أنها كفتان، ولا أن الله يرى في القيامة، ولا أن الله تعالى على عرشه وعلمه قد أحاط بكل شيء، نزل بذلك القرآن وجاءت به الأخبار التي نقلها أهل العلم، فإن كانوا متهمين في ما يقولون فإنهم متهمون في القرآن، فهم الذين نقلوا القرآن والسنن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجر برجله وطرح في أضيق المجالس فما أقام به إلا يسيرا حتى توفي رحمه الله، فحضر جنازته من الخلق ما لا يحصيه إلا الله. (2)
- قال إسحاق بن إبراهيم: لما صار المأمون إلى دمشق، ذكروا له أبا مسهر ووصفوه بالعلم والفقه، فأحضره فقال: ما تقول في القرآن؟ قال: كما قال الله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى
(1) السير (10/ 233 - 234).
(2)
ترتيب المدارك (3/ 223 - 224).
يسمع كَلَامَ اللَّهِ} (1) فقال: أمخلوق هو أو غير مخلوق؟ قال: ما يقول أمير المؤمنين؟ قال: مخلوق. قال: يخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن الصحابة أو التابعين؟ قال: بالنظر. واحتج عليه فقال: يا أمير المؤمنين، نحن مع الجمهور الأعظم أقول بقولهم، والقرآن كلام الله غير مخلوق. قال: يا شيخ، أخبرني عن النبي صلى الله عليه وسلم هل اختتن؟ قال: ما سمعت في هذا شيئا. قال: فأخبرني عنه أكان يشهد إذا زوج أو تزوج؟ قال: ولا أدري، قال: اخرج قبحك الله، وقبح من قلدك دينه وجعلك قدوة. (2)
" التعليق:
لقد ضل سعي المأمون وخسر الخسران المبين، وتأثم الإثم العظيم، فبنى للضلال أركانا، وجعل له سدودا وحصونا، فرخت فيها الجهمية والشيعة الروافض أفراخها، وأظهرت أعناقها التي كانت مقبورة مدفونة مدحورة ذليلة حقيرة عند علماء السلف وحكامهم، والذين جاهدوا فيهم حق جهاده باللسان والفعل والكتاب رضي الله عنهم وأرضاهم.
فاستطاع هؤلاء الضلال الاستحواذ على المأمون الذي ضرب المثل في الجرأة وفي الوقاحة على علماء السلف ولم يستثن منهم أحدا، بل أتى على جميعهم محدثهم وفقيههم، وحتى العامة الذين يعيشون على فطرة سليمة وعقيدة سلفية صحيحة.
ولله في ذلك حكم، فكتب الله الأجر والثواب لجماعة من السلفيين
(1) التوبة الآية (6).
(2)
السير (10/ 235) وترتيب المدارك (3/ 224).