الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفِى الدَّيْنِ عَلَى غَيْرِ الْمَلِيءِ، وَالْمُؤَجَّلِ، وَالْمَجْحُودِ، وَالْمَغْصُوبِ، وَالضَّائِعِ، رِوَايَتَانِ؛ إِحْدَاهُمَا، هُوَ كَالدَّيْنِ عَلَى الْمَلِئِ، وَالثَّانِيَةُ، لَا زَكَاةَ فِيهِ.
ــ
831 - مسألة: (وفى الدَّيْنِ على غيرِ المَلِئِ، والمُؤَجَّلِ، والمَجْحُودِ، والمَغْصوبِ، والضائِعِ، رِوايَتان)
هذا الضَّرْبُ الثّانِي، وهو الدَّيْنُ على المُماطِلِ، والمُعْسِرِ، والمَجْحُودِ الذى لا بَيِّنَةَ به، والمَغْصُوبِ، والضّالِّ، حُكْمُه حُكْمُ الدَّيْنِ على المُعْسِرِ، وفى ذلك كُلِّه رِوايَتان؛ (إحْداهُما) لا تَجِبُ فيه الزكاةُ. وهو قولُ قَتادَةَ، وإسْحاقَ، وأبي ثَوْرٍ، وأهْلِ العِراقِ؛ لأنَّه مالٌ مَمْنُوع منه، غيرُ قادِرٍ على الانْتِفاعِ به، أشْبَهَ الدَّيْنَ على المُكاتَبِ. (و) الرِّوايَةُ (الثّانيةُ) يُزَكِّيه إذا قَبَضَه لِما مَضَى. وهو قولُ الثَّوْرِىِّ، وأبي عُبَيْدٍ؛ لِما رُوِىَ عن عليٍّ، رَضِىَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
اللهُ عنه، أنَّه قال، في الدَّيْنِ المَظْنُونِ: إن كان صادِقًا فلْيُزَكِّه إذا قَبَضَه لِما مَضَى. وعن ابنِ عباس نحوُه. رَواهُما أبو عُبَيْدٍ (1). ولأنَّه مالٌ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فيه، أشْبَهَ الدَّيْنَ على المَلِئِ، ولأنَّ مِلْكَه فيه تامٌّ، أشْبَهَ ما لو نَسِىَ عندَ مَن أوْدَعَه. وللشافعىِّ قَوْلان كالرِّوايَتَيْن. وعن عُمَرَ ابنِ عبدِ العزِيزِ، والحسنِ، واللَّيْثِ، والأوْزاعِىِّ، ومالكٍ: يُزَكِّيه إذا قَبَضَه لعامٍ واحِدٍ؛ لأنَّه كان في ابْتِداءِ الحَوْلِ في يَدِه، ثم حَصَل بعدَ ذلك في يَدِه، فوَجَبَ أن لا تَسْقطَ الزكاةُ عن حَوْلٍ واحِدٍ. ولَنا، أنَّ هذا المالَ
في جميعِ الأحْوالِ على حالٍ واحِدٍ، فوَجَبَ أن يَتَساوَى في وُجُوبِ الزكاةِ أو سُقُوطِها، كسائِرِ الأمْوالِ. قَوْلُهم: إنَّه حَصَل في يَدِه في كل الحَوْلِ.
قُلْنا: هذا لا يُؤَثِّرُ؛ لأنَّ المانِعَ إذا وُجِد في بعضِ الحَوْلِ مَنَعَ، كنَقْصِ النِّصابِ، ولا فَرْقَ بينَ كَوْنِ الغَرِيم يَجْحَدُه في الظّاهِرِ دُونَ الباطِنِ، أو فيهما.
(1) في: الأموال 431، 432.
وأخرج ابن أبي شيبة حديث على، في: باب وما كان لا يستقر يعطيه اليوم ويأخذه إلى يومين فليزكيه، من كتاب الزكاة. المصنف 3/ 163.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وظاهِرُ كلامِ أحمدَ، أنَّه لا فَرْقَ بينَ الحالِّ والمُؤَجَّلِ؛ لأنَّ البَراءَةَ تَصِحُّ مِن المُؤَجَّلِ، ولولا أنَّه مَمْلُوكٌ لم تَصِحَّ منه البَراءَةُ، لكنَّه في حُكْم الدَّيْنِ على المُعْسِرِ، لتَعَذُّرِ قَبْضِه في الحالِ.
فصل: ولو أجَّرَ دارَه سِنِين بأربَعِين دِينارًا، مَلَك الأجْرَةَ مِن حينِ العَقْدِ، وعليه زكاةُ الجميعِ إذا حالَ الحَوْلُ؛ لأنَّ مِلْكَه عليها تامٌّ، بدَلِيلِ جَوازِ التَّصَرُّفِ فيها بأنْواعِ التَّصَرُّفاتِ، ولو كانت (1) جارِيَة كان له وَطْؤُها. وكَوْنُها يَعْرِضُ الرُّجُوعُ، لانْفِساخِ العَقْدِ لا يَمْنَعُ وُجُوبَ الزكاةِ، كالصَّداقِ قبلَ الدُّخُولِ. ثم إن كان. قد قَبَض الأُجْرَةَ أخرَجَ الزكاةَ منها، وإن كانت دَيْنًا فهى كالدَّيْنِ، مُعَجَّلًا أو مُؤَجَّلًا. وقال ابنُ أبي موسى: فيه رِوايةٌ، أنَّه يُزَكِّيه في الحالِ، كالمَعْدِنِ. والصَّحِيحُ الأوَّلُ؛ لقَوْلِه عليه السلام:«لَا زَكَاةَ فِى مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» (2).
وكما لو مَلَكَه بهِبَةٍ، أو مِيراثٍ، أو نحوِه. وقال مالكٌ، وأبو حنيفةَ: لا يُزَكِّيها حتى يَقْبِضَها ويَحُولَ عليها حَوْلٌ؛ بِناءً على أنَّ الأُجْرَةَ إنَّما تُسْتَحَقُّ بانْقِضاءِ مُدَّةِ الِإجارَةِ. وهذا يُذْكَرُ في مَوْضِعِه، إن شاء اللهُ تعالى.
(1) أي الأجرة.
(2)
أخرجه ابن ماجه، في: باب من استفاد مالًا، من كتاب الزكاة. سنن ابن ماجه 1/ 571 من حديث عائشة رضى الله عنها مرفوعًا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ولو اشْتَرَى شيئًا بعِشْرِين دِينارًا، أو أسْلَمَ نِصابًا في شيءٍ، فحالَ الحَوْلُ قبلَ أن يَقْبِضَ المُشْتَرِى المَبِيعَ، أو المُسْلَمَ فيه، والعَقْدُ باقٍ، فعلى البائِعِ والمُسْلَمِ إليه زَكَاةُ الثَّمَنِ؛ لأنَّ مِلْكَه ثابِتٌ فيه، فإنِ انْفَسَخَ العَقْدُ لتَلَفِ المَبِيعِ، أو تَعَذَّرَ المُسْلَمُ فيه، وَجب رَدُّ الثَّمَنِ، وزَكاته على البائِعَ والمُسْلَمَ إليه.
فصل: والغَنِيمَةُ يملِكُ الغانِمُون أرْبًعَةَ أخْماسها بانْقِضاءِ الحَرْبِ، فإن كانت جِنْسًا واحِدًا تَجِبُ فيه الزكاةُ، كالأثْمانِ والسّائِمَةِ، ونَصِيبُ كلِّ واحِدٍ منهم نِصابٌ، فعليه زَكاتُه إذا انْقَضَى الحَوْلُ، ولا يَلْزَمُه إخْراجُ زَكاتِه قبلَ قَبضِه، كالدَّيْنِ على المَلِئِ. وإن كان دُونَ النِّصابِ فلا زَكاةَ فيه، إلَّا أن يَكُونَ أرْبَعَةُ أخْماسِها يَبْلُغُ النِّصابَ، فتَكُونُ خُلْطَةً، ولا تُضَمُّ إلى الخُمسِ؛ لأنَّه لا زَكاةَ فيه. فإن كانت أجْناسًا، كإبل وبَقَرٍ وغَنَمٍ، فلا زَكاةَ على واحِدٍ منهم؛ لأنَّ للإِمامِ أن يَقْسِمَ بينَهم قِسْمَةً بحُكْمٍ (1)، فيُعْطِىَ لكلِّ واحِدٍ منهم مِن أىِّ أصْنافِ المالِ شاء، فما تَمَّ مِلْكُه على شئٍ مُعَيَّن، بخِلافِ المِيراثِ.
(1) في م: «تحكم» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وقد ذَكَرْنا أنَّ حُكْمَ المالِ المَغْصُوبِ حُكْمُ الدَّيْنِ على المُعْسِرِ، على ما فيه مِن الخِلافِ، فإن كان سائِمَةً، وكانت مَعْلُوفَةً عندَ صاحِبِها وغاصِبِها فلا زَكاةَ فيها؛ لفُقْدانِ الشَّرْطِ. وإن كانت سائِمَةً عندَهما ففيها الزكاةُ، على الرِّوايَةِ في وُجُوبِ الزكاةِ في المَغْصُوبِ. وإن كانت مَعْلُوفَةً عندَ المالِكِ، سائِمَةً عندَ الغاصِبِ، ففيه وَجْهان؛ أحَدُهما، لا زَكاةَ فيها؛ لأنَّ صاحِبَها لم يَرْضَ بإسامَتِها، فلم تَجِبْ عليه الزكاةُ بفِعْل الغاصِبِ، كما لو رَعَتْ مِن غيرِ أن يُسِيمَها. والثّانِي، عليه الزكاةُ؛ لأنَّ السَّوْمَ يُوجِبُ الزكاةَ مِن المالِكِ، فأوْجَبَها مِن الغاصِبِ، كما لو كانت سائِمَةً عندَهما، وكما لو غَصَب بَذْرًا فزَرَعَه، وَجَب العُشْرُ فيما خَرَج منه. وإن كانت سائِمَةً عندَ المالِكِ، مَعْلُوفَةً عندَ الغاصِبِ، فلا زَكاةَ فيها؛ لفُقْدانِ الشَّرْطِ. وقال القاضي: فيه وَجْهٌ آخَرُ، أنَّ الزكاةَ تَجِبُ فيها؛ لأنَّ العَلَفَ مُحَرَّمٌ، فلم يُؤَثِّرْ في الزكاةِ، كما لو غَصَب أثْمانًا فصاغَها حَلْيًا. قال أبو الحسنِ الآمِدِىُّ: هذا هو الصَّحِيحُ؛ لأنَّ العَلَفَ إنَّما أسْقَطَ الزكاةَ لِما فيه مِن المُؤْنَةِ، ولا مُؤْنَةَ عليه ههنا. ولَنا، أنَّ السَّوْمَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
شَرْطٌ لوُجُوبِ الزكاةِ وقد فُقِدَ، فلم يَجِبْ، كنَقْصِ النِّصابِ. قَوْله: إنَّ العَلَفَ مُحَرَّمٌ. مَمْنُوعٌ، إنَّما المُحَرَّمُ الغَصْبُ، والعَلَفُ تَصَرُّفٌ في مالِه بإطْعامِها إيّاه، ولا تَحْرِيمَ فيه، ولهذا لو عَلَفَها عندَ مالِكِها، لم يُحَرَّمْ عليه. وما ذَكَرَه الآمِدِىّ مِن خِفَّةِ المُؤْنَةِ غيرُ صَحِيحٍ، فإنَّ الخِفَّةَ لا تُعْتَبَرُ بنَفْسِها، وإنَّما تُعْتَبَرُ بمَظِنَّتِها، وهو السَّوْمُ، ثم يَبْطُلُ ما ذَكَراه بالمَعْلُوفَةِ عندَهما جميعًا، ويَبْطُلُ ما ذَكَرَه القاضى بما إذا عَلَفَها مالِكُها عَلَفًا مُحَرَّمًا، أو أتْلَفَ شاةً مِن النِّصابِ، فإنَّه مُحَرَّمٌ، وتَسْقُطُ به الزكاةُ. وأمّا إذا غَصَب ذَهَبًا فصاغَه حَلْيًا، فلا يُشْبِهُ ما اخْتَلَفْنا فيه؛ لأنَّ العَلَفَ فات به شَرْطُ الوُجُوبِ، والصِّياغَةُ لم يَفُتْ بها شئٌ، وإنَّما اخْتُلِفَ في كَوْنِها مُسْقِطَةً بشَرْطِ كَوْنِها مُباحَةً، فإذا كانت مُحَرَّمَةً لم يُوجَدْ شَرْطُ الِإسْقاطِ، ولأنَّ المالِكَ لو عَلَفَها عَلَفًا مُحَرَّمًا، سَقَطَتِ الزكاةُ، ولو صاغَها صِياغَةً مُحَرَّمَةً، لم تَسْقُط، فافْتَرَقا. ولو غَصَب حَلْيًا مُباحًا، فكَسَرَه، أو ضَرَبَه نَقْدًا، وَجَبَتْ فيه الزكاةُ؛ لأنَّ المُسْقِطَ لها زال، ويَحْتَمِلُ أن لا يَجِبَ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كما لو غَصَب مَعْلُوفَةً فأسامَها. ولو غَصب عُرُوضًا، فاتَّجَرَ فيها، لم تَجِبْ فيها الزكاةُ؛ لأنَّ نِيَّةَ التِّجارَةِ شَرْطٌ، ولم تُوجَدْ مِن المالِكِ، وسَواءٌ كانت للتِّجارَةِ عندَ مالِكِها أو لا؛ لأنَّ بَقاءَ النَيَّةِ شَرْطٌ، ولو لم يَنْوِ التِّجارَةَ به عندَ الغاصِبِ. ويَحْتَمِلُ أن تَجِبَ فيها الزكاةُ إذا كانت للتِّجارَةِ عندَ مالِكِها واسْتَدامَ النِّيَّةَ؛ لأنَّها لم تَخْرُجْ عن مِلْكِه بغَصْبِها، وإن نَوَى بها الغاصِبُ القُنْيَةَ. وكلُّ مَوْضِعٍ أوْجَبْنا الزكاةَ، فعلى الغاصِبِ ضَمانُها؛ لأنَّه نَقْصٌ حَصَل في يَدِه، فضَمِنَه، كتَلَفِه.
فصل: إذا ضَلَّتْ واحِدَةٌ مِن النِّصاب أو أكْثَرُ، أو غُصِبَتْ، فنَقَصَ النِّصابُ، فالحُكْمُ فيه كما لو ضَلَّ جَمِيعُه أَو غُصِبَ؛ لأنَّ كَمالَ النِّصابِ شَرْطٌ لوُجُوبِ الزكاةِ. لكنْ إن قُلْنا بوُجُوبِ الزكاةِ، فعليه الِإخْراجُ عن المَوْجُودِ عندَه. وإذا رَجَع الضّالُّ والمَغْصُوبُ أخْرَجَ عنه، كما لو رجَع جَمِيعُه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإن أُسِرَ المالِكُ لم تَسْقُطِ الزكاةُ عنه، سَواءٌ حِيلَ بينَه وبينَ مالِه أو لم يُحَلْ؛ لأنَّ تَصَرُّفَه في مالِه نافِذٌ، يَصِحُّ بَيْعُه، وهِبَتُه، وتَوْكِيلُه فيه. وقال بعضُ أصحابِ الشافعيِّ: يُخَرَّجُ فيه وَجْهٌ، أنَّه لا تَجِبُ فيه الزكاةُ إذا حِيلَ بينَه وبينَه، كالمَغْصُوبِ.
فصل: وإنِ ارْتَدَّ قبلَ مُضِىِّ الحَوْلِ، وحال الحَوْلُ وهو مُرْتَدٌّ، فلا زَكاةَ عليه [نَصَّ عليه](1)؛ لأنَّ الإسْلامَ شَرْطٌ لوُجُوبِ الزكاةِ، فعَدَمُه في بعضِ الحَوْلِ يُسْقِطُ الزكاةَ، كالمِلْكِ. وإن رَجَع إلىْ الِإسْلامِ قبلَ مُضِىِّ الحَوْلِ، اسْتَأنَفَ حَوْلًا؛ لِما ذَكَرْنا. نَصَّ عليه أحمدُ. فأمّا إنِ ارْتَدَّ بعدَ الحَوْلِ، لم تَسْقُطْ عنه الزكاةُ. وهو قولُ الشافعىِّ. وقال أبو حنيفةَ: تَسْقُطُ؛ لأنَّ مِن شَرْطِها النِّيَّةَ، فسَقَطَتْ بالرِّدَّةِ، كالصلاةِ. ولَنا، أنَّه حَقٌّ مالِىٌّ، فلا يَسْقُطُ بالرِّدَّةِ، كالدَّيْنِ. وأمّا الصلاةُ فلا تَسْقُطُ أيضًا، لكنْ لا يُطالَبُ بفِعْلِها؛ لأنَّها لا تَصِحُّ منه، ولا تَدْخُلُها النِّيابَةُ، فإذا عاد لَزِمَه قَضاؤها، والزكاةُ تَدْخُلُها النِّيابَةُ، ويَأخُذُها الِإمامُ مِن المُمْتَنِعِ،
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فكذا ههُنا [يَأخُذُها الِإمامُ مِن](1) مالِه. فإن أسْلَمَ بعدَ أخْذِها، لم يَلْزَمْه أداؤها؛ لأنَّها سَقَطَتْ بأخْذِ الِإمام، كسُقُوطِها بالأخْذِ مِن المُسْلِمِ المُمْتَنِعِ. ويَحْتَمِلُ أن لا تَسْقُطَ؛ لأنَّها عِبادَةٌ، فلا تَصحُّ بغيرِ نِيَّةٍ. وأصْلُ هذا إذا أُخِذَتْ مِن المُسْلِمِ المُمْتَنِعِ قَهْرًا، وسيَأتِى ذِكْرُه، إن شاء الله تعالى. وإن أخَذَها غيرُ الِإمامِ، أو نائِبُه، لم تَسْقُطْ عنه؛ لأنَّه لا وِلايةَ له عليه، فلا يَقُومُ مَقامَه بخِلافِ نائِبِ الِإمامِ. وإن أدّاها في حالِ رِدَّتِه، لم تُجْزِئْه، لأنَّه كافِرٌ، فلا تَصِحُّ منه، لكَوْنِها عبادَةً، كالصلاةِ.
فصل: وحُكْمُ الصداقِ حُكْمُ الدَّيْنِ؛ لأنَّه ديْنٌ للمرأةِ في ذَمَّةِ الرجلِ. فإن كان على مَلِئٍ وجَبَتْ فيه الزكاةُ، فإذا قَبَضَتْه أدَّتْ لِما
مَضَى، وإن كان على جاحِدٍ أو مُعْسرٍ فعلى الرِّوايَتَيْن. ولا فَرْقَ بينَ ما قبلَ الدُّخُولِ وبعدَه؛ لأنَّه دَيْنٌ في الذِّمَّةِ، فهو كثَمَنِ مَبِيعِها، فإن سَقَط نِصْفُه بطَلاقِها قبلَ الدُّخُولِ، وقَبَضَتِ النِّصْفَ، فعليها زَكاةُ ما قَبَضَتْه خاصَّةً؛ لأنَّه دَيْنٌ لم تَتَعَوَّضْ عنه ولم تَقْبِضْه، فأشْبَهَ ما تَعَذَّرَ قَبْضُه لفَلَسٍ أو جَحْدٍ. وكذلك لو سَقَط الصَّداقُ كلُّه قبلَ قَبْضِه لانْفِساخ النِّكاحِ بسَبَبٍ مِن جِهَتِها، ليس عليها زَكاةٌ لِما ذَكَرْنا. ويَحْتَمِلُ أن تجِبَ عليها
(1) في م: «يأخذ الإمام منه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
زكاتُه؛ لأنَّ سُقُوطَه بسَبَبٍ مِن جِهَتِها، أشْبَهَ المَوْهُوبَ. وكذلك كلُّ دَيْنٍ سَقَط قبلَ قَبْضِه مِن غيرِ إسْقاطِ صاحِبهِ، أو أيِسَ صاحِبُه مِن اسْتِيفائِه. والمالُ الضّالُّ إذا أيس منه، فإنَّه لا زكاةَ على صاحِبهِ؛ لأنَّ الزكاةَ مُواساةٌ، فلاْ تَلْزَمُه المُواساةُ إلَّا ممّا حَصَل له. وإن كان الصَّداقُ نِصابًا، فحالَ عليه الحَوْلُ، ثم سَقَط نِصْفُه، وقَبَضَتِ النِّصْفَ، فعليها زَكاةُ النِّصْفِ المَقْبُوضِ؛ لأنَّ الزكاةَ وجَبَتْ فيه، ثم سَقَطَتْ مِن نِصْفِه لمَعْنًى اخْتَص به، فاخْتَصَّ السُّقُوطُ به. وإن مَضَى عليه حَوْلٌ قبلَ قَبْضِه، ثم قَبَضَتْه كلَّه، زَكَّتْه لذلك الحَوْلِ. وإن مَضَتْ عليه أحْوالٌ قبلَ قَبْضِه، ثم قَبَضَتْه، زَكَّتْه لِما مَضَى كلِّه. وقال أبو حنيفةَ: لا تَجِبُ الزكاةُ عليها ما لم تَقْبِضْه؛ لأنَّه بَدَل عمّا ليس بمالٍ، فلم تَجِبِ الزكاةُ فيه قبلَ قَبْضِه، كدَيْنِ الكِتابَةِ. ولَنا، أنَّه دَيْن يُسْتَحَقُّ قَبْضُه، وَيُجْبَرُ المَدِينُ على أدائِه،
فوَجَبَتْ فيه الزكاةُ، كثَمَنِ المَبِيعِ، بخِلافِ دَيْنِ الكِتابَةِ [فإنَّه لا](1) يُسْتَحَقُّ قَبْضُه، وللمُكاتَبِ الامْتِناعُ مِن أدائِه، ولا يَصِحُّ قِياسُهم عليه؛ لأنَّه عِوَضٌ عن مالٍ.
فصل: وإن قَبَضَتْ صَداقَها قبلَ الدُّخُولِ، ومَضَى عليه حَوْلٌ، فزَكَّتْه، ثم طَلَّقَها الزَّوْجُ قبلَ الدُّخُولِ، رَجَع عليها بنِصْفِه، وكانتِ الزكاةُ مِن النِّصْفِ الباقِى لها. وقال الشافعيُّ في قولٍ: يَرْجِعُ الزَّوْج بنِصْفِ المَوْجُودِ ونِصْفِ قِيمَةِ المُخْرَجِ؛ لأنَّه لو تَلِف الكلُّ رَجَع عليها بنِصْفِ
(1) سقطت من النسخ، وأثبتناها لضرورة السياق. وانظر المغنى 4/ 278.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قِيمَتِه، فكذلك إذا تَلِفَ البعضُ. ولَنا، قَوْلُه تعالى:{فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} (1).
ولأنَّه يُمْكِنُه الرُّجُوعُ في العَيْنِ، فلم يَكُنْ له الرُّجُوعُ إلى القِيمَةِ، كما لو لم يَتْلَفْ منه شئٌ. ويُخَرَّجُ على هذا إذا تَلِف كلُّه، لعَدَمِ
إمْكانِ الرُّجُوعِ في العَيْنِ. وإن طَلَّقَها بعدَ الدُّخُولِ وقبلَ الِإخْراجِ، لم يَكُنْ لها الِإخْراجُ مِن النِّصابِ؛ لأنَّ حَقَّ الزَّوْجِ تَعَلَّقَ به على وَجْهِ الشَّرِكَةِ، والزكاةُ لا تتعَلَّقُ به على وَجْهِ الشَّرِكَةِ، لكنْ يُخْرِجُ الزكاةَ مِن غيرِه، أو يَقْتَسِمانِه، ثم تُخْرِجُ الزكاةَ مِن حِصَّتِها. فإن طَلَّقَها قبلَ الدُّخولِ مَلَك النِّصْفَ مُشاعًا، وكان حُكْمُ ذلك كما لو باعَتْ نِصفَه قبلَ الحَوْلِ مُشاعًا، وسيَأتِى ذلك، إن شاء اللهُ تعالى.
فصل: فإن كان الصَّداقُ دَيْنًا، فأبْرَأتِ الزَّوْجَ منه بعدَ مُضىِّ الحَوْلِ، ففيه رِوايتان؛ إحْداهما، عليها الزكاةُ؛ لأنَّها تَصَرَّفَتْ فيه، أشْبَهَ ما لو قَبَضَتْه. والثانيةُ، زَكاتُه على الزَّوْجِ؛ لأنَّه مَلَك ما مُلِّكَ عليه، فكأنَّه لم يَزُلْ مِلْكُه عنه. والأوَّلُ أصَحُّ، وما ذَكَرْناه لهذه الرِّوايَةِ لا يَصِحُّ؛ فإنَّ الزَّوْجَ لم يَمْلِكْ شيئًا، وإنَّما سَقَط عنه، ثم لو مَلَك في الحالِ لم يَقْتَضِ هذا وُجُوبَ زَكاةِ ما مَضى. ويَحْتَمِلُ أن لا تَجِبَ الزكاةُ على واحِدٍ منهما؛ لِما ذَكَرْنا في الزَّوْجِ. وأمّا المرأةُ، فلم تَقْبِضِ الدَّيْنَ، أشْبَهَ ما لو سَقَط بغيرِ إسْقاطِها، وهذا إذا كان الدَّيْنُ ممَّا تَجِبُ فيه الزكاةُ إذا قَبَضَتْه. وكُلُّ دَيْنٍ على إنسانٍ أبرَأه صاحِبُه منه بعدَ مُضيِّ الحَوْلِ عليه،
(1) سورة البقرة 237.