الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ سَقَطَ منْ دَابَّتِهِ، أَوْ وُجدَ مَيَتًّا وَلَا أثَرَ بِهِ، أَوْ حُمِلَ فَأَكَلَ، أَوْ طَالَ بَقَاؤُهُ، غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ.
ــ
758 - مسألة: (وإن سَقَط مِن دَابَّتِه، [أو وُجِد مَيِّتًا ولا]
(1) أثَرَ به، أو حُمِلَ فأَكَلَ، أو طال بَقَاؤُه، غُسِّلَ وصُلِّىَ عليه) إذا سَقَط مِن دَابَّتِه فمات، أو وُجِد مَيِّتًا ولا أثَرَ به، فإنَّه يُغَسَّلُ ويُصَلَّى عليه. نَصَّ عليه أحمدُ.
وتأوَّلَ الحديثَ: «ادْفِنُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ» (2). فإذا كان به كَلْمٌ لم يُغَسَّلْ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وهذا قولُ أبى حنيفةَ في الذى يُوجَدُ مَيَتًّا لا أثَرَ به. وقال الشافعىُّ: لا يُغَسَّلُ بحالٍ؛ لأنَّه مات بسَبَبٍ مِن أسْبابِ القِتالِ. ولَنا، أنَّ الأصْلَ وُجُوبُ الغَسْلِ، فلا يَسْقُطُ بالاحْتِمال، ولأنَّ سُقُوطَ الغَسْلِ في مَحَلِّ الوِفاقِ مَقْرُونٌ بمَن كُلِم، فلا يَجُوزُ تَرْكُ اعْتِبارِ ذلك.
فصل: وكذلك إن حُمِل، فأكَلَ، أو طال بَقَاؤُه، لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم غَسَّلَ سَعْدَ بنَ مُعاذٍ، وصَلَّى عليه، وكان شَهِيدًا، رَمَاه ابنُ العَرِقَةِ يَوْمَ الخَنْدَقِ بسَهْمٍ، فقَطَعَ أكْحَلَه (1)، فحُمِلَ إلى المَسْجِدِ، فلَبِثَ فيه
(1) الأكحل: عرق معروف، إذا قطع في اليد لم يرقأ الدم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أيَّامًا، ثم مات (1). وظاهِرُ كَلامِ الخِرَقِىِّ، أنَّه متى طالَتْ حَياتُه بعدَ حَمْلِه غُسِّلَ، وصُلَّىَ عليه، وإن مات في المَعْرَكَةِ، أو عَقِبَ حَمْلِه، لم يُغَسَّلْ، ولم يُصَلَّ عليه. وقال مالكٌ: إن أكَلَ، أو شَرِب، أو بَقِىَ يَوْمَيْن أو ثَلَاثةً، غُسِّلَ. وقال أحمدُ في مَوْضِعٍ: إن تَكَلَّمَ، أو أَكَلَ، أو شَرِب، صُلِّىَ عليه. وعن أحمدَ، أنَّه سُئِل عن المَجْرُوحِ إذا بَقِىَ في المَعْرَكَةِ يَوْمًا إلى اللَّيْلِ ثم مات، فرَأى أن يُصَلَّى عليه. وقال أصحابُ الشافعىِّ: إن مات حالَ الحَرْبِ، لم يُغَسَّلْ، ولم يُصَلَّ عليه، وإلَّا غُسِّلَ وصُلِّىَ عليه. قال شيخُنا (2): والصَّحِيحُ التَّحْدِيدُ بما ذَكَرْنا مِن طُولِ الفَصْلِ والأكْلِ؛ لأنَّ الأكْلَ لا يَكُونُ إلَّا مِن ذِى حَياةٍ مُسْتَقِرَّةٍ،
وطُولُ الفَصْلِ يَدُلُّ على ذلك، وقد ثَبَت اعْتِبارُهما في كَثِيرٍ مِن المَواضِعِ،
(1) أخرجه البخارى، في: باب الخيمة في المسجد للمرضى وغيرهم، من كتاب الصلاة، وفى: باب مرجع النبى صلى الله عليه وسلم من الأحزاب ومخرجه إلى بنى قريظة ومحاصرته إياهم، من كتاب المغازى. صحيح البخارى 1/ 125، 5/ 143، 144. ومسلم، في: باب جواز قتال من نقض العهد. . . . إلخ، من كتاب الجهاد.
صحيح مسلم 3/ 1389، 1390. وأبو داود مختصرا، في: باب في العيادة مرارا، من كتاب الجنائز.
سنن أبى داود 2/ 165. والنسائى مختصرا، في: باب ضرب الخباء في المساجد، من كتاب الجنائز. المجتبى 2/ 35. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 141، 56 مختصرا.
(2)
في: المغنى 3/ 472 ، 473.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأمَّا الكَلامُ والشربُ، وحالَةُ. الحَرْبِ، فلا يَصِحُّ التَّحْدِيدُ بشئٍ منها؛ لِما رُوِىَ أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال يَوْمَ أُحُدٍ:«مَنْ يَنْظرُ مَا فَعَلَ سَعْدُ بنُ الرَّبِيعِ؟» فقال رَجُلٌ: أنا أنْظُرُ يا رسولَ اللهِ. فنَظَرَ فوَجَدَه جَرِيحًا به رَمَقٌ، فقال له: إنَّ رسولَ الله أِمَرَنِى أن أَنْظُرَ في الأحْياءِ أنت أم في الأمْواتِ؟ قال: فأنا في الأمْواتِ، فأبْلِغْ رسولَ اللهَ صلى الله عليه وسلم عَنِّى السَّلامَ. وذَكَر الحديثَ، قال: ثم لم أبْرَحْ أن مات (1). ورُوِىَ أنَّ أُصَيْرِمَ بَنِى عَبْدِ الأشْهَلِ وُجِد صَرِيعًا يَومَ أُحُدٍ، فقِيلَ له: ما جاء بك؟ قال: أسْلَمْتُ، ثم جِئْتُ. وهما مِن شُهَداءِ أُحُدٍ، دَخَلا في عُمُومِ قولِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم:«ادْفِنُوهُمْ بِدِمَائِهِمْ وَثِيَابِهِمْ» . ولم يُغَسَّلَا (2)، ولم يُصَلَّ عليهما (3)،
(1) أخرجه الإمام مالك، في: باب الترغيب في الجهاد، من كتاب الجهاد. الموطأ 2/ 465، 466.
(2)
في الأصل: «يغسلهم» .
(3)
في الأصل: «عليهم» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقد تَكَلَّما وماتا بعدَ انْقِضاءِ الحَرْبِ. وفى حديث أهلِ اليَمَامَةِ، عن ابنِ عُمَرَ، أنَّه طاف في القَتْلَى، فوَجَدَ أبا عَقِيلٍ الأُنيْفِىَّ (1)، قال: فسَقَيْتُه ماءً، وبه أرْبَعَةَ عَشَرَ جُرْحًا، كُلُّها قد خَلَص إلى مَقْتَلٍ، فَخَرَجَ الماءُ مِن جِراحاتِه كلِّها، فلم يُغَسَّلْ.
فصل: فإن كان الشَّهِيدُ قد عاد عليه سِلاحُه فقَتَلَه، فهِو كالمَقْتُولِ بأيْدِى العَدُوِّ. وقال القاضى: يُغَسَّلُ، ويُصَلَّى عليه؛ لأنَّه مات بغيرِ أيْدِى المُشْرِكِين، أشْبَهَ مَن أصابَه ذلك في غيرِ المُعْتَرَكِ. ولَنا، ما روَى أبو داودَ (2)، عن رجل مِن أصْحابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قال: أغَرْنَا على حَىٍّ مِن جُهَيْنَةَ (3)، فطَلَبَ رجلٌ مِن المُسْلِمِينَ رجلًا منهم، فضَرَبَه فأخْطَأه، فأصاب نَفْسَه بالسَّيْفِ، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَخُوكُمْ يا
(1) عبد الرحمن بن عبد الله بن ثعلبة الأنصارى، وفى نسبه: أنيف بن جشم، فلعله نسب إليه.
شهد بدرا، واستشهد باليمامة. أسد الغابة 6/ 219.
(2)
في: باب في الرجل يموت بسلاحه، من كتاب الجهاد. سنن أبي داود 2/ 20.
(3)
جهينة: قبيلة من قضاعة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ». فابْتَدَرَه الناسُ، فوَجَدُوه قد مات، فلَفَّه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بثِيابِه ودِمَائِه، وصَلَّى عليه، فقالُوا: يارسولَ اللهِ، أشَهِيدٌ هو؟ قال:«نَعَمْ، وَأَنَا لَهُ شَهِيدٌ» . وعامِرُ بنُ الأكْوَعِ بَارَزَ مَرْحَبًا يومَ خَيْبَرَ، فذَهَبَ يَسْفُلُ (1) له، فرَجَعَ سَيْفُه على نَفْسِه، فكانت فيها نَفْسُه (2). فلم يُفْرَدْ عن الشُّهَداء بحُكْمٍ. ولأنَّه شَهِيدُ المَعْركَةِ، أشْبَهَ مالو قَتَلَه الكُفَّارُ، وبهذا فارَقَ ما لَو كان في غيرِ (3) المُعْتَرَكِ.
فصل: ومَن قُتِل مِن أهلِ العَدْلِ (4) في المَعْرَكَةِ، فَحُكْمُه في الغَسْلِ حُكْمُ مَن قُتِل في مَعْرَكَةِ المُشْرِكِين. وقال القاضى: يُخَرَّجُ على رِوايَتَيْن، كالمَقْتُولِ ظُلْمًا. ولَنا، أنَّ عَلِيًّا، رَضِىَ اللهُ عنه، لم يُغَسِّلْ مَن قُتِلَ معهَ، وعَمَّارٌ أوْصَى أن لا يُغَسَّلَ، وقال: ادْفِنُوني في ثِيابِى، فإنى مُخاصِمٌ. ولأنَّه شَهِيدُ المَعْرَكَةِ، أشْبَهَ قَتِيلَ الكُفَّارِ. وهذا قولُ أبي حنيفةَ. وقال الشافعيُّ، في أحَدِ قَوْلَيْه: يُغَسَّلُون، لأنَّ أسْمَاءَ غَسَّلَتِ ابْنَها عبدَ اللهِ بنَ الزُّبَيْرِ. والأوَّلُ أوْلَى، لِما ذَكَرْنا، فأمَّا عبدُ اللهِ بنُ الزُّبَيْرِ فإنَّه أُخِذ وصُلِب، فصار كالمَقْتُولِ ظُلْمًا، ولأنه ليس بِشَهِيدِ المَعْرَكَةِ.
وأمَّا الباغِى، فيَحْتَمِلُ أن يُغَسَّلَ، ويُصلَّى عليه. اخْتارَه الخِرَقِىُّ،
(1) في م: «سيف» . ويسفل أى يضربه من أسفله.
(2)
أخرجه مسلم، في: باب غزوة ذى قرد وغيرها، من كتاب الجهاد. صحيح مسلم 3/ 1440.
والإمام أحمد، في: المسند 4/ 51، 52.
(3)
سقط. من: م.
(4)
أى الذين يقاتلون البغاة مع الإمام.