الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يَجُوزُ إِخْرَاجُ الْقِيمَةِ. وَعَنْهُ، يَجُوزُ.
ــ
كنتُ في غَنَمٍ لى، فجاءَنِى رجلان على بَعِير، فقالا: إنّا رسولَا رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إليك لتُؤَدِّىَ إلينا صَدَقَةَ غَنَمِك. قلتُ: وما علىَّ فيها؟ قالا: شاةٌ. فأعْمَدُ إلى شَاةٍ قد عَرَفْتُ مَكانَهَا مُمْتَلِئَةً مَخْضًا وشَحْمًا، فأخْرَجْتُها إليهما. قالا: هذه شافِعٌ، وقد نَهَى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أن نَأْخُذَ شاةً شافِعًا (1). والشّافِعُ: الحامِلُ؛ سُمِّيَتْ بذلك لأنَّ وَلَدَها قد شَفَعَها. والمَخْضُ: اللَّبَنُ. ورَوَى أبو داودَ بإسْنادِه عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «ثَلَاثٌ مَنْ فَعَلَهُنَّ فَقَدْ طَعِمَ طَعْمَ الإِيمَانِ؛ مَنْ عَبَدَ اللهَ وَحْدَهُ، وَأنَّهُ لَا إلهَ إلَّا هُوَ، وَأعْطَى زَكَاةَ مَالِهِ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ، رَافِدَةً عَلَيْهِ كُلَّ عَامٍ، وَلَمْ يُعْطِ الهَرِمَةَ، وَلَا الدَّرِنَةَ، وَلَا المَرِيضَةَ، وَلَا الشَّرَطَ اللَّئِيمَةَ، ولَكِنْ مِنْ وَسَطِ أمْوالِكُمْ، فَإنَّ اللهَ لَمْ يَسْأَلْكُمْ خَيْرَهُ، وَلَمْ يَأْمُرْكُمْ بِشَرِّهِ» (2). رَافِدَةً؛ مُعِينَةً؛ والدَّرِنَةُ؛ الجَرْباءُ، والشَّرَطُ؛ رُذالَةُ المالِ.
869 - مسألة: (ولا يَجُوزُ إخْراجُ القِيمَةِ. وعنه، فيَجُوزُ)
ظاهِرُ المَذْهَبِ أنَّه لا يَجُوزُ إخْراجُ القِيمَةِ في شئٍ مِن الزَّكَواتِ. وبه قال مالكٌ،
(1) تقدم تخريجه في صفحة 443.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 446.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والشافعيُّ. وقال الثَّوْرِيُّ، وأبو حنيفةَ: يَجُوزُ. ورُوِىَ ذلك عن عُمَرَ ابنِ عبدِ العزِيزِ، والحسنِ. وعن أحمدَ مثلُ قَوْلِهم فيما عدا زكاةَ الفِطْرِ. فأمّا زكاةُ الفِطْرِ فقد نَصَّ على أنَّه لا يَجُوزُ. قال أبو داودَ: قِيلَ لأحمدَ: وأنا أُعْطِى دَراهِمَ. يَعْنِى في صَدَقَةِ. الفِطْرِ، قال: أخافُ أن لا يُجْزِئَه خِلافُ سُنَّةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وقال أبو طالِبٍ: قال أحمدُ: لا يُعْطِى قِيمَتَه. قِيلَ له: قَوْمٌ يَقُولُون: عُمَرُ بنُ عبدِ العَزِيزِ كان يأْخُذُ بالقِيمَةِ. قال: يَدَعُون قولَ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم، ويَقُولُون قالَ فُلانٌ! قال ابنُ عُمَرَ: فَرَض رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم (1)، وقال الله تعالى:{أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} (2). ونُقِلَ عن أحمدَ في غيرِ زكاةِ الفِطْرِ جَوازُ إخْراجِ القِيمَةِ. قال أبو داودَ: وسُئِلَ أحمدُ عن رجلٍ باع ثَمَرَةَ نَخْلِه. قال: عُشْرُه على الذي باعَه. قِيلَ له: فَيُخْرِجُ تَمْرًا، أو ثَمَنَه؟ قال: إن شاء أخْرَجَ تَمْرًا، وإن شاء أخْرَجَ مِن الثَّمَنِ. ووَجْهُ ذلك قولُ مُعاذٍ لأهْلِ اليَمَنِ: ائْتُونِي بخمِيسٍ. (3) أو لَبِيسٍ (4) آخُذُه منكم، فإنَّه أيْسَرُ عليكم،
(1) يشير إلى حديث ابن عمر في زكاة الفطر، ويأتي في موضعه في أول باب زكاة الفطر إن شاء الله تعالى.
(2)
سورة النساء 59.
(3)
الثوب الخميس: الذى طوله خمسة أذرع، يعنى الصغير من الثياب. منسوب لملك باليمن يقال له الخمس؛ لأنه أول من عمله.
(4)
اللبيس: الثوب قد كثر لبسه فأخلق.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأنْفَعُ للمُهاجِرِين بالمَدِينَةِ (1). ورَوَى سَعِيدٌ، بإسْنادِه، قال: لَمّا قَدِمْ مُعاذٌ إلى اليَمَنِ، قال: ائْتُونِي بعَرْضِ ثِيابٍ آخُذُه مِنكم مكانَ الذُّرَةِ والشَّعِيرِ، فإنَّه أهْوَنُ عليكم، وخَيْرٌ للمُهاجِرِين بالمَدِينَةِ. ولأنَّ المَقْصُودَ دَفْعُ حاجَةِ الفُقَراءِ، ولا يَخْتَلِفُ ذلك باخْتِلافِ صُوَرِ الأمْوالِ إذا حَصَلَتِ القِيمَةُ. ولَنا، قولُ ابنِ عُمَرَ: فَرَض رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَدَقَةَ الفِطْرِ صاعًا مِن تَمْرٍ، أو صاعًا مِن شَعِيرٍ. فإذَا عَدَل عن ذلك فقد تَرَك المَفْرُوضَ. وقال النبىُّ صلى الله عليه وسلم:«فِى أرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» (2)، «وفِى مِائَتَىْ دِرْهَمٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ» (3). وهو وارِدٌ بَيانًا لقَوْلِه تعالى:{وَآتُوا الزَّكَاةَ} (4). فتَكُونُ الشّاةُ المذْكُورَةُ هى المَأْمُورُ بها، والأمْرُ للوُجُوبِ. وفى كِتابِ أبى بكرٍ، رَضِىَ اللهُ عنه (5):
(1) أخرجه الدارقطنى، في: باب ليس في الخضروات صدقة، من كتاب الزكاة. سنن الدارقطنى 2/ 100. والبيهقي، في: باب من أجاز أخذ القيم في الزكوات، من كتاب الزكاة. السنن الكبرى 4/ 113.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 316.
(3)
تقدم تخريجه في صفحة 313.
(4)
سورة البقرة 43.
(5)
تقدم تخريجه في صفحة 395.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
هذه فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ التى فَرَضَها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وفَسَّرَها بالشّاةِ والبَعِيرِ. والفَرِيضَةُ واجِبَةٌ، والواجِبُ لا يَجُوزُ تَرْكُه. وقَوْلُه عليه السلام:«فَإنْ لَمْ يَكُنْ بِنْتُ مَخَاضٍ، فَابْنُ لبونٍ ذَكَرٌ» . يَمْنَعُ إخْراجَ ابْنَةِ اللَّبُون مع وُجُودِ ابْنَةِ المَخاضِ، ويَدُلُّ على أنَّه أرادَ البَعِيرَ دُونَ المالِيَّةِ؛ فإنَّ خَمْسًا وعِشْرِين مِن الإِبِلِ لا تَخْلُو مِن مالِيَّةِ بِنْتِ مَخاضٍ، وإخْراجُ القِيمَةِ يُخالِفُ ذلك، ويُفْضِى إلى إخْراجِ الفَرِيضَةِ مكانَ الأُخْرَى مِن غيرِ جُبْرانٍ، وهو خِلافُ النَّصِّ. وقد رُوِىَ أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال لمُعاذٍ حينَ بَعَثَه إلى اليَمَنِ:«خُذِ الْحَبَّ مِنَ الْحَبِّ، وَالشَّاةَ مِنَ الْغَنَمِ، وَالْبَعِيرَ مِنَ الإِبِلِ، وَالْبَقَرَ مِنَ الْبَقَرِ» . رَواه أبو داودَ، وابنُ ماجه (1). ولأنَّ الزكاةَ
(1) أخرجه أبو داود، في: باب صدقة الزرع، من كتاب الزكاة. سنن أبى داود 1/ 370. وابن ماجه، في: باب ما تجب فيه الزكاة من الأموال، من كتاب الزكاة. سنن ابن ماجه 1/ 580.