الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَضْرِبُ السِّدْرَ، فيَغْسِلُ برَغْوَتِهِ رَأْسَه ولِحْيَتَهُ وَسَائِرَ بَدَنِهِ،
ــ
أنْفِه في قولِ أكْثَرِ أهلِ العِلْمِ؛ منهم سعيدُ بنُ جُبَيْرٍ، والنَّخَعِىُّ، والثَّوْرِىُّ، وأبو حنيفةَ. وقال الشافعىُّ: يُمَضْمِضُه ويُنْشِقُه كما يَفْعَلُ الحَىُّ. ولَنا، أنَّ ذلك لا يُؤْمَنُ معه وُصُولُه إلى جَوْفِه، فَيُفْضى إلى المُثْلَةِ به، ولا يُؤْمَنُ مِن خُرُوجِه في أكْفانِه فيُفْسِدَها.
744 - مسألة: (ثم يَضْرِبُ السِّدْرَ، فيَغْسِلُ برَغْوَتِهِ رَأْسَه ولِحْيَتَه
ثُمَّ يَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ، ثُمَّ الْأَيْسَرَ، ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى جَمِيعِ بَدَنِهِ، يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثًا،
ــ
وسائِرَ بَدَنِه، ثم يَغْسِلُ شِقَّه الأيْمَنَ، ثم الأيْسَرَ، يَفْعَلُ ذلك ثَلاثًا) يُسْتَحَبُّ أن يَبْدَأَ الغاسِلُ بعدَ وُضُوءِ المَيِّتِ بغَسْلِ رأْسِ المَيِّتِ، فيَغْسِلُه برَغْوَةِ السِّدْرِ، ويَغْسِلُ بَدَنَه بالثُّفْلِ (1)، يَفْعَلُ ذلك ثَلاثًا. والمَنْصُوصُ عن أحمدَ، رحمه الله، أنَّه يُسْتَحَبُّ أن يُغْسَلَ ثَلاثًا بماءٍ وسِدْرٍ. قال صالحٌ: قال أبى: المَيِّتُ يُغَسَّلُ بماءٍ وسِدْرٍ، ثَلاثَ غَسَلَاتٍ. قلتُ: فيَبْقَى عليه؟ قال: أىُّ شئٍ يكونُ هو أنْقى له. وذُكِر عن عَطاءٍ، أنَّ ابنَ جُرَيْجٍ قال له: إنَّه يَبْقَى عليه السِّدْرُ إذا غُسِّلَ به كلَّ مَرَّةٍ. قال عَطاءٌ: هو طَهُورٌ.
واحْتَجَّ أحمدُ بحَدِيثِ أمِّ عَطِيَّةَ، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم حينَ تُوُفِّيَتِ ابْنَتُه قال: «اغْسِلْنَها ثَلاثًا، أو أربَعًا (2)، أو خَمْسًا، أو أكثَرَ مِنْ ذَلِكَ إنْ رَأْيتُنَّ، بِمَاءٍ
(1) الثُّفْل: حثالة الشيء، وهو الثّخين الذى يبقى أسفل الصافى.
(2)
هكذا ورد هذا اللفظ في الأصل، م. ولم نجده في مصادر الحديث.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَسِدْرٍ، وَاجْعَلْنَ فِى الآخِرَةِ كَافُورًا». مُتَّفَقٌ عليه (1). [وقال في المُحْرِمِ:«اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ» . مُتَّفَقٌ عليه] (2). وذَهَبَ كَثِيرٌ مِن أَصْحابِنا المُتَأَخِّرِينَ، إلى أنَّه لا يُتْرَكُ في الماءِ سِدْرٌ يُغَيِّرُه، ثم اخْتَلَفُوا، فقال
ابنُ حامدٍ: يُطْرَحُ في كلِّ المِياهِ شئٌ يَسِيرٌ مِن السِّدْرِ لا يُغَيِّرُه ليَجْمَعَ بينَ العَمَلِ بالحديثِ، ويكونَ الماءُ باقِيًا على إطْلاقِه. وقال القاضى، وأبو الخَطَّابِ: يُغَسَّلُ أوَّلَ مَرَّةٍ بالسِّدْرِ، ثم يُغَسَّلُ بعدَ ذلك بالماءِ القَراحِ (3)،
(1) أخرجه البُخَارِى، في: باب التيمن في الوضوء والغسل، من كتاب الوضوء، وفى: باب غسل الميت ووضوئه بالماء والسدر، وباب ما يستحب أن يغسل وترا، وباب يبدأ بميامن الميت، وباب مواضع الوضوء من الميت، وباب هل تكفن المرأة في إزار الرَّجل، وباب يجعل الكافور في الأخيرة، وباب نقض شعر المرأة، وباب كيف الإشعار للميت، وباب يجعل شعر المرأة ثلاثة قرون، وباب يلقى شعر المرأة خلفها، من كتاب الجنائز.
صحيح البُخَارِى 1/ 53، 2/ 93، 94، 95. ومسلم، في: باب في غسل الميت، من كتاب الجنائز. صحيح مسلم 2/ 646 - 648. كما أخرجه أبو داود، في: باب كيف غسل الميت، من كتاب الجنائز. سنن أبى داود 2/ 175، 176. والتِّرمذى، في: باب ما جاء في غسل الميت، من أبواب الجنائز.
عارضة الأحوذى 4/ 209 - 211. والنسائي، في: باب غسل الميت بالماء والسدر، وباب نقض رأس الميت، وباب غسل الميت وترا، وباب غسل الميت أكثر من خمس، وباب غسل الميت أكثر من سبع، وباب الكافور في غسل الميت، وباب الإشعار، من كتاب الجنائز. المجتبى 4/ 24 - 28. وابن ماجه، في: باب ما جاء في غسل الميت، من كتاب الجنائز. سنن ابن ماجه 1/ 468، 469. والإمام مالك، في: باب غسل الميت، من كتاب الجنائز. الموطأ 1/ 222. والإمام أَحْمد، في: المسند 5/ 84، 85، 6/ 407 ، 408.
(2)
سقط من م. والحديث تقدم تخريجه في صفحة 27.
(3)
القراح: الخالص.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فيكونُ الجَمِيعُ غَسْلَةً واحِدَةً، ويكونُ الاعْتِدادُ بالآخِرِ دُونَ الأوَّلِ؛ لأنَّ أحمدَ، رحمه الله، شَبَّهَ غَسْلَه بغُسْلِ الجَنَابَةِ، ولأنَّ السِّدْرَ إن غَيَّرَ الماءَ سَلَبَه الطُّهُورِيَّةَ، وإن لم يُغَيِّرْه فلا فائِدَةَ في تَرْكِ يَسِيرٍ لا يُؤثِّرُ. والأوَّلُ ظاهِرُ كَلامِ أحمدَ. ويكونُ هذا مِن قَوْلِه دَالًّا على أنَّ تَغْيِيرَ الماءِ بالسِّدْرِ لا يُخْرِجُه عن طُهُورِيَّتِه. فإن لم يَجِدِ السِّدْرَ غَسَّلَه بما يَقُومُ مَقامَه، ويَقْرُبُ منه، كالخِطْمِىِّ (1) ونَحْوِه؛ لحُصُولِ المَقْصُودِ به، وإن غَسَّلَه بذلك مع وُجُودِ السِّدْرِ جاز؛ لأنَّ الشَّرْعَ وَرَد بهذا لمَعْنًى مَعْقُولٍ، وهو التَّنْظِيفُ، فَيَتَعَدَّى إلى كل ما وُجِد فيه المَعْنَى. قال أبو الخَطَّابِ: ويُسْتَحَبُّ أن يَخْضِبَ رَأْسَ المَرأَةِ، ولِحْيَةَ الرجلِ بالحِنَّاءِ.
ويُسْتَحَبُّ أن يَبْدَأَ بشِقِّه الأيْمَنِ، فيَغْسِلَ وَجْهَه ويَدَه اليُمْنَى مِن المَنْكِبِ إلى الكَفَّيْنِ، وصَفْحَةَ عُنُقِه اليُمْنَى، وشِقَّ صَدْرِه، وَجَنْبَه، وفَخِذَه،
(1) الخطمى: نبات منضج محلل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وساقَه، وهو مُسْتَلْقٍ، ثم يَصْنَعَ ذلك بالجانِبِ الأيْسَرِ، ثم يَرْفَعَه مِن جانِبهِ، ولا يَكُبَّه لوَجْهِه، فيَغْسِلَ الظَّهْرَ وما هناك مِن وَرِكِه، وفَخِذِه، وساقِه، ثم يَعُودَ فَيَحْرِفَه على جَنْبِه الأيْمَنِ، ويَغْسِلَ شِقَّه الأيْسَرَ كذلك.
هكذا ذَكَرَه إبراهيمُ النَّخَعِىُّ، والقاضى؛ وذلك لقَوْلِه صلى الله عليه وسلم:«ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا» . وهو أشْبَهُ بغُسْلِ الحَىِّ.
فصل: والواجِبُ غَسْلَةٌ واحِدَةٌ؛ لأنَّه غُسْلٌ واجِبٌ مِن غيرِ نَجاسَةٍ أصابَتْه، فكان مَرَّةً واحِدَةً، كغُسْلِ الجَنابَةِ. قال عَطاءٌ: يُجْزِئُه غَسْلَةٌ واحِدَةٌ إن نَقَّوْه. وقد رُوِىَ عن أحمدَ، أنَّه قال: لا يُعْجِبُنِى إن غُسِّلَ واحِدَةً؛ لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: «اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أوْ خَمْسًا» . وهذا على سَبِيلِ الكَراهَةِ دُونَ الِإجْزاءِ؛ لِما ذَكَرْنا، ولأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال في المُحْرِمِ:«اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ» (1) ولم يَذْكُرْ عَدَدًا.
فصل: والحَائِضُ والجُنُبُ إذا ماتا كغيرِهما في الغَسْلِ، قال ابنُ المُنْذِرِ: هذا قولُ مَن نَحْفَظُ عنه مِن عُلَماءِ الأمْصارِ. وقد قال الحسنُ، وسعيدُ بنُ المُسَيَّبِ: ما مات مَيِّتٌ إِلَّا جَنُبَ. وقِيل عن الحسنِ: إنَّه
(1) تقدم تخريجه في صفحة 27.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يُغَسَّلُ الجُنُبُ للجَنابَةِ، والحائِضُ للحَيْضِ، ثم يُغَسَّلانِ للمَوْتِ (1).
والأوَّلُ أوْلَى؛ لأنَّهما خَرَجا مِن أحْكامِ التَّكْلِيفِ، ولم يَبْقَ عليهما عِبادَةٌ واجِبَةٌ، وإنَّما الغَسْلُ للمَيِّتِ تَعَبُّدٌ، وليَكُونَ في حالِ خُروجِه مِن الدُّنْيا على أكْمَلِ حالٍ مِن النَّظَافَةِ، وهذا يَحْصُلُ بغَسْلَةٍ واحِدَةٍ، ولأنَّ الغَسْلَ الواحِدَ يُجْزِئُ مَن وُجِد في حَقِّه شَيْئَان، كالحَيْضِ والجَنابَةِ، كذا هذا.
(1) أخرجه ابن أبى شيبه، في: باب في الجنب والحائض يموتان ما يصنع بهما، من كتاب الجنائز. مصنف ابن أبى شيبة 3/ 255، 254.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وقال بعضُ أصحابِنا: يَتَّخِذُ الغاسِلُ ثَلَاثَةَ آنِيَةٍ؛ كبِيرًا يَجْمَعُ فيهِ الماءَ الذى يُغَسِّلُ به المَيِّتَ يَكونُ بالبُعْدِ منه، وإناءَيْن صَغِيرَيْن يَطْرَحُ مِن أحَدِهما على المَيِّتِ، والثَّالِثُ يَغْرِفُ به مِنَ الكَبِيرِ في الصَّغِيرِ الذى يُغَسِّلُ به المَيِّتَ، ليَكُونَ الكبيرُ مَصُونًا، فإذا فَسَدَ الماءُ الذى في الصَّغِيرِ، وطار فيه من رَشاشِ الماءِ، كان ما بَقِىَ في الكَبيرِ كافِيًا.
ويَسْتَعْمِلُ في كلِّ أُمُورِه الرِّفْقَ به في تَقْلِيبِه، وعَرْكِ أعْضائِه، وعَصْرِ بَطْنِه، وتَلْيِينِ مَفاصِلِه، وفى سائِرِ أُمُورِه، احْتِرامًا له، فإنَّه مُشَبَّه بالحَىِّ في حُرْمَتِه، ولا يَأْمَنُ إن عَنُفَ به أن يَنْفَصِلَ منه عُضْوٌ، فيكونَ مُثْلَةً به، وقد قال صلى الله عليه وسلم:«كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِ عَظْمِ الْحَىِّ» (1). وقال: «إنَّ اللهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِى الْأمْرِ كُلهِ» (2).
(1) أخرجه أبو داود، في: باب في الحفَّارِ يجد العظم هل يتنكب ذلك المكان؟، من كتاب الجنائز. سنن أبى داود 2/ 190. وابن ماجه، في: باب في النهى عن كسر عظام الميت، من كتاب الجنائز. سنن ابن ماجه 1/ 516. والإمام مالك، في: باب ما جاء في الاختفاء، من كتاب الجنائز. الموطأ 1/ 238. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 58، 100، 105، 169، 200، 264.
(2)
أخرجه البخارى، في: باب الرفق في الأمر كله، من كتاب الأدب، وفى: باب كيف يرد على أهل الذمة السلام، من كتاب الاستئذان، وفى: باب الدعاء على المشركين، من كتاب الدعوات، وفى: باب عرض الذمى وغيره. . . .، من كتاب استتابة المرتدين. صحيح البخارى 8/ 14، 71، 104، 9/ 20.
ومسلم، في: باب النهى عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام. . . .، من كتاب السلام، وفى: باب فضل الرفق، من كتاب البر. صحيح مسلم 4/ 1706، 2003، 2004. وأبو داود، في: باب في الرفق، من كتاب =