الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ:
وَفِى الرِّكَازِ الْخُمْسُ، أَي نَوْعٍ كَانَ مِنَ الْمَالِ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ، لِأَهْلِ الْفَىْءِ. وَعَنْهُ، أنَّهُ زَكَاة، وَبَاقِيهِ لِوَاجِدِهِ.
ــ
(فصل: وفى الرِّكازِ الخُمْسُ، أىَّ نَوْعٍ كان مِن المالِ، قَلَّ أو كَثُر (1)؛ لأهلِ الفَىْءِ. وعنه، أنَّه زكاة، وباقِيه لواجدِهِ) الواجِبُ في الرِّكازِ الخُمْسُ؛ لِما روَى أبو هُرَيْرَةَ، عن رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:«وفِى الرِّكَازِ الْخُمْسُ» . مُتَّفَقٌ عليه (2). وقال ابنُ المُنْذِرِ: لا نَعْلمُ أحَدًا
(1) في م: «أكثر» .
(2)
أخرجه البخارى، في: باب من حفر بئرا في ملكه لم يضمن، من كتاب المساقاة، وفى: باب في الركاز =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
خالَفَ هذا الحديث، إلَّا الحسنَ، فإنَّه فَرَّقَ بينَ ما يُوجَدُ في أرْضِ الحَرْبِ وأرْضِ العَرَبِ، فقال: فيما يُوجَدُ في أرْضِ الحَرْبِ الخُمْسُ، وفيما يُوجَدُ في أرْضَ العَرَبِ الزكاةُ.
فصل: والرِّكازُ الذى فيه الخُمْسُ كلُّ ما كان مالًا على اخْتِلافِ أنْواعِه؛ مِن الذَّهَبِ، والفِضَّةِ، والحَدِيدِ، والرَّصاصِ، والصُّفْرِ، والآنِيَةِ، وغيرِ ذلك. وهو قولُ إسحاقَ، وأبى عُبَيْدٍ، وابنِ المُنْذِرِ،
= الخمس، من كتاب الزكاة، وفى: باب المعدن جبار والبئر جبار، وباب العجماء جبار، من كتاب الديات. صيح البخارى 3/ 145، 2/ 160، 9/ 15، 16. ومسلم، في: باب جرح العجماء والمعدن والبئر جبار، من كتاب الحدود. صحيح مسلم 3/ 1334، 1335.
كما أخرجه أبو داود، في: باب ما جاء في الركاز وما فيه، من كتاب الخراج والفئ والإمارة، وفى: باب العجماء والمعدن والبئر جبار، من كتاب الديات. سنن أبى داود 2/ 161، 502. والترمذى، في: باب ما جاء أن العجماء جرحها جبار. . .، من أبواب الزكاة، وفى باب با جاء في العجماء جرحها جبار، من أبواب الأحكام. عارضة الأحوذى 3/ 138، 6/ 145. والنسائى، في: باب المعدن، من كتاب الزكاة. المجتبى 5/ 33. وابن ماجه، في: باب من أصاب ركازا، من كتاب اللقطة، وفى: باب الجبار، من كتاب الديات. سنن ابن ماجه 2/ 839، 891. والدارمى، في: باب في الركاز، من كتاب الزكاة، وفى: باب العجماء جرحها جبار، من كتاب الديات. سنن الدارمى 1/ 393، 2/ 196. والإمام مالك، في: باب زكاة الركاز، من كتاب الزكاة، وفى: باب جامع العقل، من كتاب العقول. الموطأ 1/ 249، 2/ 869. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 314، 2/ 228، 239، 274، 254، 285، 319، 382، 386، 406، 411، 415، 454، 456، 467، 475، 482، 493، 495، 499، 501، 507، 3/ 336، 354، 5/ 326، 327.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأصحابِ الرَّأْى، والشافعىِّ في قولٍ، وأحَدُ الرِّوايَتَيْن عن مالكٍ. وقال الشافعىُّ في الآخَرِ: لا يَجِبُ إلَّا في الأثْمانِ. ولَنا، عُمُومُ قولِه عليه السلام:«وَفِى الرِّكَازِ الْخُمْسُ» . ولأنَّه مالٌ مَظْهُورٌ عليه من مالِ الكُفّارِ، فوَجَبَ فيه الخُمْسُ على اخْتِلافِ أنْواعِه، كالغَنِيمَةِ. إذا ثَبَت هذا، فإنَّ الخُمْسَ يجب في كثِيرِه وقَلِيله. وهذا قولُ مالكٍ، وإسحاقَ، وأصحابِ الرَّأْى، والشافعىِّ في القَدِيمِ. وقال في الجَدِيدِ: يُعْتَبَرُ فيه النِّصابُ؛ لأنَّه مُسْتَخْرَجٌ مِن الأرْضِ، يَجِبُ فيه حَقٌّ، أشْبَهَ المَعْدِنَ والزَّرْعَ. ولَنا، الحديثُ المذْكُورُ، ولأنَّه مال مَخْمُوسٌ، فلا يُعْتَبَرُ له النِّصابُ، كالغَنِيمَةِ، والمَعْدِنُ والزَّرْعُ يَحْتَاجُ إلى كُلْفَةٍ، فاعْتُبِرَ فيه النِّصابُ تَخْفِيفًا، بخِلافِ الرِّكازِ.
فصل: وقد اخْتَلَفَتِ الرِّوايَةُ عن أحمدَ، رحمه الله، في مَصْرِفِ خُمْس الرِّكازِ، فرُوِىَ عنه، انَه لأهلِ الفَىْءِ. نَقَلَها عنه محمدُ بنُ الحَكَمِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وبه قال أبو حنيفةَ، والمُزَنِىُّ؛ لِما روَى أبو عُبَيْدٍ (1)، بإسنادِه، عن الشَّعْبِىِّ، أنَّ رجلًا وَجَد ألْف دِينارٍ مَدْفُونَةً (2) خارِجًا مِن المَدِينَةِ، فأتىَ بها عُمَرَ بنَ الخَطّابِ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، فأخَذَ منها الخُمْسَ مائَتَىْ دِينارٍ، ودَفَعْ إلى الرجلِ بَقِيَتّهَا وجَعَل عُمَرُ يَقْسِمُ المائَتَين بينَ مَن حَضرَه مِن المسلمين، إلى أن فَضَل منها فَضْلَةٌ، فقال: أين صاحِبُ الدَّنانِيرِ؟ فقام إليه، فقال عُمَرُ: خُذْها فهى لك. ولو كان زَكاةً لخَصَّ به أهلَ الزكاةِ، ولم يَرُدَّه على واجِدِه. ولأنَّه يَجِبُ على الذِّمِّىِّ، والزكاةُ لا تَجِبُ عليه، ولأنَّه مالٌ مَخْمُوسٌ زالت عنه يَدُ الكُفّارِ، أشْبَهَ خُمْسَ الغَنِيمَةِ. وهذه الرِّوايَةُ أقْيَس في المَذْهَبِ. ورُوِىَ عنه، أنَّ مَصْرِفَه مَصْرِفُ الصَّدَقاتِ.
(1) في: الأموال 342.
(2)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نَصَّ عليه أحمدُ، في رِوايَةِ حَنْبَلٍ، فقال: يُعْطِى الخُمس مِن الرِّكازِ على مَكانِه، وإن تَصَدَّقَ به على المساكينِ أجْزَأه. واخْتاره الخِرَقِىُّ. وهذا قولُ الشافعىِّ؛ لِما روَى الإِمامُ أحمدُ (1)، بإسْنادِه عن عبدِ اللَّهِ بنِ بِشْرٍ الخَثْعَمِىِّ، عن رجل مِنِ قَوْمِه يُقالُ له: ابنُ حُمَمَةَ، قال: سَقَطْتُ على جَرَّةٍ مِن دَيْرٍ قَدِيمٍ بالكُوفةِ، عندَ جَبّانَةِ بِشْرٍ، فيها أرْبَعَةُ آلافِ دِرْهَمٍ، فذَهَبْتُ بها إلى علىٍّ، عليه السلام، فقال: اقْسِمْها خَمْسَةَ أخْماسٍ فقَسَمْتُها، فأخَذَ منها علىٌّ خُمْسًا، وأعْطانِى أرْبَعَةَ أخْماسٍ، فلَمّا أدْبَرْتُ دَعانِى، فقال: في جِيرانِك فُقَراءُ ومَساكِينُ؟ قلتُ: نعم. قال: فخُذْها فاقْسِمْها بينَهم. والمَساكِينُ مَصْرِفُ الصَّدَقاتِ؛ ولأنَّه حَقٌّ يَجِبُ في الخارجِ مِن الأرْضِ، فأشْبَهَ صَدَقَةَ المَعْدِنِ.
(1) الحديث لم نجده في المسند. وأخرجه البيهقى، في: باب ما روى عن على رضى اللَّه عنه في الركاز، من كتاب الزكاة. السنن الكبرى 4/ 156، 157.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ويَجُوزُ لواجِدِ الرِّكازِ أن يَتَوَلَّى تَفْرِقَةَ الخُمْسِ بنَفْسِه. وبه قال أصحابُ الرَّأْى، وابنُ المُنْذِرِ؛ لِما ذَكَرْنا مِن حديثِ علىٍّ. ولأنَّه أدَّى الحَقَّ إلى مُسْتَحِقِّه، فبَرِئَ منه، كما لو فَرَّقَ الزكاةَ. ويَتَخَرَّجُ أن لا يَجوزَ؛ لأنَّه فَىْءٌ، فلم يَمْلِكْ تَفْرِقَتَه بنَفْسِه كخُمْسِ الغَنِيمَةِ. وبهذا قال أبو ثَوْرٍ. وإن فَعَل ضَمَّنَه الإِمامُ. قال القاضى: ليس للإِمامِ رَدُّ خُمْسَ الرِّكازِ على واجِدِه؛ لأنَّه حَقُّ مالٍ فلم يَجُزْ رَدُّه على مَن وَجَب عليه، كالزكاةِ، وخُمْسِ الغَنِيمَةِ. وقال ابنُ عَقِيلٍ: يَجُوزُ؛ لأنَّ عُمَرَ، رَضِىَ اللَّه عنه، رَدَّ بَعْضَه على واجِدِه، ولأنَّه فَىْءٌ، فجاز رَدُّه أو رَدُّ بَعْضِه على واجِدِه، كخراجِ الأرْضِ. وهذا قولُ أبى حنيفةَ.
فصل: ويَجِبُ الخُمْسُ على مَن وَجَد الرِّكازَ، مِن مسلمٍ، وذِمِّىٍّ، وحُرٍّ، وعَبْدٍ، ومُكاتَبٍ، وكَبِيرٍ، وصَغِيرٍ، وعاقِلٍ، ومَجْنُونٍ، إلَّا أنَّ الواجِدَ له إذا كان عَبْدًا فهو لسَيِّدِه؛ لأنَّه كَسْبُ مالٍ، أشْبَهَ الاحْتِشاشَ، والمُكاَتَبُ يَمْلِكُه، وعليه خُمْسُه؛ لأنَّه بمَنْزِلَةِ كَسْبه، والصَّبِىُّ والمَجْنُونُ يَمْلِكانه، ويُخْرِجُ عنهما وَلِيُّهما. وهذا قولُ أكثرَ أهلِ العلمِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ مَن أحْفَظُ عنه مِن أهلِ العلمِ على أنَّ على الذِّمِّىِّ في الرِّكازِ يَجِدُه الخُمْسَ. قاله مالكٌ، وأهلُ المَدِينَةِ، والثَّوْرِىُّ، والأوْزاعِىُّ، وأهلُ العراقِ مِن أصحابِ الرَّأْى وغيرُهم: وقال الشافعىُّ: لا يَجِبُ الخُمسُ إلَّا على مَن تَجبُ عليه الزكاةُ؛ لأنَّه زكاةٌ. وحُكِىَ عنه في الصَّبِىِّ والمرأةِ، أنَّهما لا يَمْلِكَانِ الرِّكازَ. وقال الثَّوْرِىُّ، والأوْزاعِىُّ، وأبو عُبَيْدٍ: إذا وَجَدَه عَبْدٌ يُرْضَخُ له منه، ولا يُعْطاه كلَّه. ولَنا، عُمُومُ قولِه عليه السلام:«وَفِى الرِّكازِ الْخُمْسُ» (1). فإنَّه يَدُلُّ بعُمُومِه على وُجُوبِ الخُمْسِ في كلِّ رِكازٍ، وبمَفْهُومِه على أنَّ بَاقيَه لواجِدِه كائِنًا مَن كان، ولأنَّه مالُ كافِرٍ مَظْهُورٌ عليه، فكان فيه الخُمْسُ على مَن وَجَدَه، وباقِيه لواجِدِه، كالغَنِيمَةِ، ولأنَّه اكْتِسابُ مالٍ، فكان لواجِدِه إن كان حُرًّا، ولسَيِّدِه إن كان عَبْدًا، كالاحْتِشاش والاصْطِيادِ. ويَتَخَرَّجُ لَنا أن لا يَجِبَ الخُمْسُ إلَّا على مَن تَجِبُ عليه الزكاةُ، بِناءً على أنه زكاةٌ. والأوَّلُ أصَحُّ.
(1) تقدم تخريجه في صفحة 587، 588.