الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلِكُلِّ واحدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ غَسْلُ صَاحِبِهِ [38 ظ] ، فِى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ السَّيِّدُ مَعَ سُرِّيَّتِهِ.
ــ
والخَالَةِ، فهُنَّ أوْلَى مِن الأجانِبِ. وبهذا قال الشافعيُّ إن لم يكنْ لها زَوْجٌ.
فإن كان لها زَوْجٌ، فهل يُقَدَّمُ على النِّساءِ؟ فيه وَجْهان؛ أحَدُهما، يُقَدَّمُ؛ لأنَّه يَنْظُرُ منها إلى مالا يَنْظُرُ النِّساءُ. والثَّانِي، يُقَدَّمُ النِّساءُ على الزَّوْجِ؛ لأنَّ الزَّوْجِيَّةَ تَزُولُ بالمَوْتِ، والرَّحِمَ لا يَزُولُ، كما ذَكرْنا في حَقِّ الرجلِ.
734 - مسألة: (ولِكلِّ واحِدٍ مِن الزَّوْجَيْنِ غَسْلُ صاحِبهِ في إحْدَى الرِّوايَتَيْنِ، كذلك السَّيِّدُ مع سُرِّيَّتِه)
اخْتَلَفَتِ الرِّوايَةُ عن أحمدَ، رَحِمَه اللهُ تعالى، في غَسْلِ كلِّ واحِدٍ مِن الزَّوْجَيْنِ الآخَرَ، فرُوِىَ عنه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الجَوازُ فيهما، نَقَلَها عنه حَنْبَلٌ. ورُوِىّ عنه المَنْعُ مُطْلَقًا، حَكاها ابنُ المُنْذِرِ. ورُوِى عنه التَّفْرِقَةُ، وهو جَوازُ غَسْلِ الزَّوْجِ دُونَ الزَّوْجَةِ.
والقولُ بجَوازِ غَسْلِ المرأةِ زَوْجَها قولُ أهلِ العلمِ، حَكاه ابنُ المُنْذِرِ إجْماعًا. قالت عائشةُ: لو اسْتَقْبَلْنَا مِن أمْرِنا ما اسْتَدْبَرْنا ما غَسَّلَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلَّا نِساؤُه. رَواه أبو داودَ (1). وأوْصَى أبو بكرِ، رَضِىَ اللهُ عنه، أن تُغَسِّلَه امْرَأتُه أسْماءُ بنتُ عُمَيْسٍ، فَفَعَلَتْ. وغَسَّلَ أَبا موسى امْرَأَتُه أُمُّ عبدِ اللهِ (2). قال أحمدُ: ليس فيه اخْتِلافٌ بينَ الْنَّاسِ. وعنه، لا يَجُوزُ. حَكَى عنه صالِحٌ ما يَدُلُّ على ذلك؛ لأنَّها فُرْقَةٌ بينَ الزَّوْجَيْنِ، أشْبَهَتِ الطَّلاقَ، ولأنَّها أحَدُ الزَّوْجَيْن، أشْبَهَتِ الآخَرَ.
(1) في: باب في ستر الميت عند غسله، من كتاب الجنائز. سنن أبى داود 2/ 175. كما أخرجه ابن ماجه، في: باب ما جاء في غسل الرَّجل امرأته وغسل المرأة زوجها، من كتاب الجنائز. سنن ابن ماجه 1/ 470.
والإمام أَحْمد، في: المسند 6/ 267.
(2)
أخرجهما عبد الرَّزّاق، في المصنف 3/ 409، 410.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: والمَشْهُورُ عن أحمدَ جوازُ غَسْلِ الرجلِ زَوْجَتَه. وهو قولُ عَلْقَمَةَ، وعبدِ الرحمنِ بنِ يَزيدَ (1)، وجابِرِ بنِ زَيدٍ، وسُلَيْمانَ بنِ يَسارٍ، وأبى سَلَمَةَ، وأبى قَتَادَةَ، وحَمَّادٍ، ومالكٍ، والأوْزاعِيِّ، والشافعىِّ، وإسحاقَ. وعن أحمدَ رِوايَةٌ ثانِيَةٌ، ليس للزَّوْجِ غَسْلُها. وهو قولُ أبى حنيفةَ، والثَّوْرِيِّ؛ لأنَّ المَوْتَ فُرْقَةٌ تُبِيحُ أُخْتَها، وأرْبَعًا سِواها، فحَرَّمَتِ اللَّمْسَ والنَّظَرَ، كالطَّلاقِ. ولَنا، ما روَى ابنُ المُنْذِرِ، أنَّ عليًّا،
رَضِىَ اللهُ عنه، غَسَّلَ فَاطِمَةَ، عليها السلام (2). واشْتَهَرَ ذلك، فلم يُنْكَرْ، فكان إجْمَاعًا، ولأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال لعائشةَ:«لَوْ مِتِّ قَبْلِى لَغَسَّلْتُكِ وَكَفَّنْتُكِ» . رَواه ابنُ ماجه (3). والأصْلُ في إضَافَةِ الفِعْلِ إلى الشَّخْصِ أن يكونَ للمُباشَرَةِ، فإنَّ حَمْلَه على، الأمْرِ يُبْطِلُ فائِدَةَ
(1) هو عبد الرحمن بن يزيد بن قيس النخعى الكوفى، تابعى ثقة، قتل في الجماجم سنة ثلاث وثمانين. تهذيب التهذيب 6/ 269.
(2)
أخرجه عبد الرزاق في الموضع السابق.
(3)
في: باب ما جاء في غسل الرجل امرأته وغسل المرأة زوجها، من كتاب الجنائز. سنن ابن ماجه
1/ 470. كما أخرجه الدارمى، في: باب في وفاة النبى صلى الله عليه وسلم، من المقدمة. سنن الدارمي 1/ 37، 38. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 228. والجميع بلفظ: «فغسلتك» .
قال ابن حجر: قوله: «لغسلتك» باللام تحريف، والذي في الكتب المذكورة:«فغسْلتك» بالفاء وهو
الصواب، والفرق بينهما أن الأولى شرطية والثانية للتمنى ا. هـ. تلخيص الحبير 2/ 107.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
التَّخْصِيصِ، ولأنَّه أحَدُ الزَّوْجَيْنِ، فأُبِيحَ له غَسْلُ صاحِبِه، كالآخَرِ.
والمَعْنَى في ذلك أنَّ كلَّ واحِدٍ مِن الزَّوْجَيْن يَسْهُلُ عليه اطِّلاعُ الآخَرِ على عَوْرَتِه؛ لِما كان بَينَهما في الحياةِ، ويَأْتِي بالغَسْلِ على ما يُمْكِنُه، لِما كان بينَهما مِن المَوَدَّةِ والرَّحْمَةِ. وما قَاسُوا عليه لا يَصِحُّ؛ لأنَّه يَمْنَعُ الزَّوْجَةَ مِن النَّظَرِ، بخِلافِ هذا، ولأنَّه لا فَرْقَ بينَ الزَّوْجَيْن إلَّا بَقَاءُ العِدَّةِ. ولو وضَعَتْ حَمْلَها عَقِيبَ مَوْتِهِ كان لها غَسْلُه وقد انْقَضَتْ عِدَّتُها.
فصل: فإن طَلَّقَ امْرَأتَه طَلاقًا بائِنًا، ثم مات أحَدُهما في العِدَّةِ، لم يَجُزْ لواحِدٍ منهما غَسْلُ الآخَرِ؛ لأنَّ اللَّمْسَ والنَّظَرَ مُحَرَّمٌ حالَ الحياةِ، فبعدَ المَوْتِ أوْلَى. وإن كان الطَّلاقُ رَجْعِيًّا، وقُلْنا: الرَّجْعِيَّةُ مُحَرَّمَةٌ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فكذلك. وإن قُلْنَا: هي مُباحَةٌ، فحُكْمُها حُكْمُ الزَّوْجَيْن؛ لأنَّها تَرِثُه ويَرِثُها، ويُباحُ له وَطْؤُها والخَلْوَةُ والنَّظَرُ إليها، أشْبَهَ سائِرَ الزَّوْجَاتِ.
فصل: وحُكْمُ أُمِّ الوَلَدِ حُكْمُ الزَّوْجَةِ فيما ذَكَرْنا. واخْتارَ ابنُ عَقِيلٍ أنَّه لا يَجُوزُ لها غَسْلُ سَيِّدِها؛ لأنَّها عَتَقَتْ بِمَوْتِهِ، ولم يَبْقَ عُلْقَةٌ مِن مِيراثٍ ولا غيرِه. وهو قولُ أبى حنيفةَ، وأحَدُ الوَجْهَيْن لأصحابِ الشافعىِّ.
ولَنا، أنَّها في مَعْنَى الزَّوْجَةِ في اللَّمْسِ والنَّظَرِ والاسْتِمْتاعِ، فكذلك في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الغَسْلِ، والمِيراثُ ليس مِن جُمْلَةِ المُقْتَضَى، بدَلِيلِ مالو كان أحَدُ الزَّوْجَيْن رَقِيقًا، والاسْتِبْراءُ ههُنا كالعِدَّةِ. فأمَّا غيرُها مِن الِإماءِ، فيَجُوزُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لسَيِّدِها غَسْلُها في أصَحِّ الرِّوايَتَيْن. ذَكَرَه. أبو الخَطَّابِ؛ لأنَّه يَلْزَمُه كَفَنُها ودَفْنُها ومُؤْنَتُها، فهى أوْلَى مِن الزَّوْجَةِ. وهل يَجُوزُ لها غَسْلُ سَيِّدِها؟ قال شيخُنا (1): يَحْتَمِلُ أن لا يَجُوزَ؛ لأنَّ المِلْكَ انْتَقَلَ فيها إلى غيرِه.
ويَحْتَمِلُ أن يَجُوزَ ذلك لسُرِّيَّتِه؛ لأنَّها مَحَلُّ اسْتِمْتاعِه، ويَلْزَمُها الاسْتِبْرَاءُ بعدَ مَوْتِهِ، أشْبَهَتْ أُمَّ الوَلَدِ. فإن ماتَ الزَّوْجُ قبلَ الدُّخُولِ بامْرَأتِه، احْتَمَل أن لا يُباحَ لها غَسْلُه؛ لأنَّه لم يكنْ بينَهم اسْتِمتاعٌ حالَ الحياةِ.
فصل: فإن كانتِ الزَّوْجَةُ ذِمِّيَّةً، فليس لها غَسْلُ زَوْجِها؛ لأنَّ الكافِرَ لا يُغَسِّلُ المُسْلِمَ؛ لأنَّ النِّيَّةَ واجِبَةٌ في الغَسْلِ، ولا تَصِحُّ مِن الكافِرِ.
(1) في: المغنى 3/ 463.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقال الشافعىُّ: يُكْرَهُ لها غَسْلُه، فإن غَسَّلَتْه جاز؛ لأنَّ القَصْدَ التَّنْظِيفُ، وليس لزَوْجِها غَسْلُها؛ لأنَّ المُسْلِمَ لا يُغَسِّلُ الكَافِرَ، ولا يَتَوَلَّى دَفْنَه على ما يَأْتِي، ولأنَّه لا مِيراثَ بينَهما، ولا مُوالاةَ، وقد انْقَطَعَتِ الزَّوْجِيَّةُ بالمَوْتِ. ويَتَخَرَّجُ جَوازُ ذلك بِناءً على جَوازِ غَسْلِ المُسْلِمِ الكافِرَ، وهو مَذْهَبُ الشافعىِّ.
فصل: وليس لغيرِ مَن ذَكَرْنا مِن الرِّجالِ غَسْلُ أحَدٍ مِن النِّساءِ، ولا لأحَدٍ مِن النِّساءِ غَسْلُ غيرِ مَن ذَكَرْنا مِن الرِّجالِ، وإن كُنَّ ذواتَ رَحِمٍ مَحْرَمٍ. وهذا قَوْلُ أكْثَرِ أهلِ العِلْمِ. وقد رُوِىَ عن أحمدَ، أنَّه حُكِىَ له عن أبى قِلابَةَ غَسْلُ ابنَتِه (1)، فاسْتَعْظَمَ ذلك، ولم يُعْجِبْه. وذلك لأنَّها مُحَرَّمَةٌ حالَ الحياةِ، فلم يَجِبْ غَسْلُها، كالأجْنَبِيَّةِ، وأُخْتِه مِن الرَّضَاعِ.
فإن لم يُوجَدْ مَن يُغَسِّلُها مِن النِّساءِ، فقال مُهَنَّا: سَألْتُ أحمدَ عن الرجلِ يُغَسِّلُ أُخْتَه إذا لم يَجِدْ نِساءً. قال: لا. قُلْتُ: فكيف يَصْنَعُ؟ قال: يُغَسِّلُها وعليها ثِيَابُها، يَصُبُّ الماءَ صَبًّا. قلتُ لأحمدَ: وكذلك كلُّ ذاتِ مَحْرَمٍ تُغَسَّلُ وعليها ثِيابُها؟ قال: نعم. وذلك لأنَّه لا يَحِلُّ مَسُّها.
والأوْلَى أنَّها تُيَمَّمُ، كالأجْنَبيَّةِ؛ لأنَّ الغَسْلَ مِن غيرِ مَسٍّ لا يَحْصُلُ به التَّنْظِيفُ، ولا إزَالَةُ النَّجاسَةِ، بل رُبَّما كَثُرَتْ، أشْبَهَ ما لو عَدِمَ الماءَ.
وقال الحسنُ، ومحمدٌ، ومالكٌ، والشافعىُّ: لا بَأْسَ بغَسْلِ ذاتِ مَحْرَمِه عندَ الضَّرُورَةِ.
(1) أخرجه ابن أبى شيبة، في: باب ما قالوا في الرَّجل يغسل ابنته، من كتاب الجنائز. المصنف 3/ 251.