الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنْ كُفِّنَ بِثَوْبٍ غَصْبٍ، أَوْ بَلَعَ مَالَ غَيْرِهِ، غَرِمَ ذَلِكَ مِنْ تَرِكَتِهِ وَقِيلَ: يُنْبَشُ، وَيُؤْخَذُ الْكَفَنُ، وَيُشَقُّ جَوْفُهُ فَيُخْرَجُ.
ــ
المُغيرَةَ بنَ شُعْبَةَ طَرَحِ خاتَمَه في قَبْرِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثم قال: خَاتَمِى.
ففُتِحَ مَوْضِعٌ منه، فأخذَ المُغِيرَةُ خاتَمَه، وكان يَقُولُ: أنا أقْرَبُكم عَهْدًا برسولِ الله صلى الله عليه وسلم (1). ولأنَّه أمْكَنَ رَدُّه إلى صاحِبِه مِن غيرِ ضَرَرٍ، فوَجَبَ.
809 - مسألة: (وإن كُفِّنَ بِثَوْبٍ غَصْبٍ، أو بَلَع مالَ غيرِه، غَرِم ذلك مِن تَرِكَتِه. وقِيلَ: يُنْبَشُ، ويُؤْخَذُ الكَفَنُ، ويُشَقُّ جَوْفُه فيُخْرَجُ)
إذا بَلَع المَيِّتُ مالًا، لم يَخْلُ مِن أن يَكُونَ له أو لغيرِه، فإن كان له لم يُشقَّ بَطْنُه؛ لأنَّه اسْتَهْلَكَه في حَياتِه، ويَحْتَمِلُ أنَّه إن كان كَثِيرَ القِيمَةِ، شُقَّ بَطْنُه وأُخْرِجَ؛ لأنَّ فيه حِفْظَ المالِ عن الضَّياعِ، ونَفْعَ الوَرَثَةِ الذين تَعَلَّقَ
(1) انظر: المسند، للإمام أحمد 1/ 101، والبداية والنهاية 5/ 270.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حَقُّهم بمالِه في مَرَضِه. وإن كان المالُ لغيرِه، وابْتَلَعَه بإذْنِه، فهو كمالِه؛ لأنَّ صاحِبَه أذِنَ في إتْلافِه. وإنِ ابْتَلَعَه غَصْبًا، ففيه وَجْهان؛ أحَدُهما، لا يُشَقُّ بَطْنُهُ، ويُغْرَمُ مِن تَرِكَتِه؛ لِما في ذلك مِن المُثْلَةِ، ولأنَّه إذا لم يُشَقَّ بَطْنُ الحامِلِ مِن أجْلِ الوَلَدِ المَرْجُوِّ حياتُه، فمِن أجْلِ المالِ أوْلَى.
والثّانِى، يُشَق إن كَثُرَتْ قِيمَتُه؛ لأنَّ فيه دَفْعَ الضَّرَرِ عن المالِكِ برَدِّ مالِه إليه، وعن المَيِّتِ بإبْراءِ ذمَّتِه، وعن الوَرَثَةِ بحِفْظِ التَّرِكَةِ لهم. ويُفارِقُ الجَنِينَ مِن وَجْهيْن؛ أحَدُهما، أنَّه لا يَتَحَققُ حَياتَه. والثّانِى، أنَّه ما حَصَلَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بجِنايَتِه. فإن لم يَكُنْ له تَرِكَةٌ، ولم يَتَبَرَّعْ إنْسان بتَخْلِيصِ ذِمَّتِه، شُقَّ بَطْنُه على كلا الوَجْهيْن. وعلى الوَجْهِ الأوَّلِ، إذا بَلِىَ جَسَدُه، وغَلَب على الظَّنِّ ظُهُورُ المالِ وتَخْلِيصُه مِن أعْضاءِ المَيِّتِ جاز نَبْشُه وإخْراجُه،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لِما روَى أبو داودَ (1)، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال:«هذَا قَبْرُ أبِى رِغَالٍ (2)، وَآيَةُ ذَلِكَ أنَّ مَعَهُ غُصْنًا مِنْ ذَهبٍ، إنْ أنْتُمْ نَبَشْتُم عَنْهُ أصَبْتُمُوهُ مَعَهُ» . فابْتَدَرَه النّاسُ، فاسْتَخْرَجُوا الغُصْنَ. ولو كان في أُذُنِ المَيِّتِ حَلَقٌ، أو في أُصْبُعِه خاتَمٌ أُخِذَ. فإن صَعُبَ أخْذُه بُرِد، وأُخِذَ؛ لأنَّ تَرْكَه تَضْيِيعٌ للمالِ.
وإن كُفِّنَ بثَوْبٍ مَغْصُوبٍ غَرِم قِيمَتَه مِن تَرِكَتِه، ولا يُنْبَشُ. ذَكَرَه القاضى؛ لِما فيه مِن هَتْكِ حُرْمَتِه مع إمْكانِ دَفْعِ الضَّرَرِ بدُونِها. ويَحْتَمِلُ أن يُنْبَشَ إن كان الكَفَنُ باقِيًا بحالِه، ليُرَدَّ إلى مالِكِه عَيْنُ مالِه، وإن كان بالِيًا فقِيمَتُه في تَرِكَتِه وإن دُفِن في أرْضٍ غَضبٍ، أو أرْضٍ مُشْتَرَكَةٍ بينَه وبينَ غيرِه بغيرِ إذْنِ الشَّرِيك، نُبِش وأُخْرِج؛ لأنَّ القَبْرَ في الأرْضِ يَدُومُ ضَرَرُه، ويَكْثرُ، بخِلافِ الكَفَنِ، وإن أَذِنَ المالِكُ في الدَّفْنِ في أرْضِه، ثم أراد إخْراجَه لم يَمْلِكْ ذلك؛ لأنَّ في ذلك ضَرَرًا. وإن بَلِىَ المَيِّتُ وعاد تُرابًا، فلصاحِب الأرْضِ أخْذُها. وكلُّ مَوْضِع أجَزْنا نَبْشَه لحُرْمَةِ مِلْكِ الآدَمِىِّ، فالأفْضَلُ تَرْكُه.
(1) في: باب نبش القبور العادية يكون فيها المال، من كتاب الإمارة. سنن أبى داود 2/ 161.
(2)
أبو رغال: هو أبو ثقيف، وكان من ثمود.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإن دُفِن مِن غيرِ غَسْل، أو إلى غيرِ القِبْلَةِ نُبِش، وغُسِّلَ، ووُجِّة، إلأ أن يُخافَ عليه أن يَتَفسَّخَ، فيُتْرَكُ. وهذا قولُ مالكٍ،
والشافعىِّ، وأبى ثَوْرٍ. وقال أبو حنيفةَ: لا يُنْبَشُ؛ لأنَّ النَّبْشَ مُثْلَةٌ، وقد نُهِىَ عنها. ولَنا، أنَّ هذا واجِبٌ فلا يَسْقُطُ بذلك، كإخْراجِ له قِيمَةٌ.
وقَوْلُهم: إنَّ النَّبْشَ مُثْلَةٌ. قُلْنا: إنَّمَا هو مُثْلَةٌ في حَقِّ مَن تغَيَّرَ، وهو لا يُنْبَشُ.
فصل: وإن دُفِن قبلَ الصلاةِ عليه، فرُوِىَ عن أحمدَ، أنَّه يُنْبَش ويُصَلَّى عليه. وعنه، إن صُلِّىَ على القَبْرِ جاز. واخْتارَ القاضى أنَّه يُصلَّى على القَبْر، ولا يُنْبَشُ. وهو مَذْهبُ أبى حنيفةَ، والشافعىِّ، لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى على قَبْرِ المِسْكِينَةِ ولم يَنْبُشْها (1). ولَنا، أنَّه دُفِن قبلَ واجِبٍ، أشْبَهَ
(1) تقدم تخريجه في صفحة 178، في مصادر تخريج حديث أنه ذكر رجلا مات، فقال:«دلونى على قبره» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مالو دُفِن مِن غيرِ غَسْلٍ، وإنَّما يُصَلَّى على القَبْرِ عندَ الضَّرُورَةِ. وأمَّا المِسْكِينَةُ فقد كان صُلِّىَ عليها، فلم تَبْقَ الصلاةُ عليها واجِبَةً، فلذلك لم تُنْبَشْ. فإن تَغَيَّرَ المَيِّتُ، لم يُنْبشْ بحالٍ.
فصل: وإن دُفِن بغيرِ كَفَنٍ ففيه وَجْهان؛ أحَدُهما، يُتْرَكُ؛ لأنَّ القَصْدَ بالكَفَنِ سَتْرُه، وقد حَصَل بالتُّرابِ. والثّانِى، يُنْبَشُ ويُكَفَّنُ؛
لأنَّ التَّكْفِينَ واجِبٌ، فأشْبَة الغَسْلَ. والله أعلمُ.
فصل: ولا يَجُوزُ الدَّفْنُ في السّاعاتِ التى نَهى النبىُّ صلى الله عليه وسلم عن الدَّفْنِ فيها في حَدِيثِ عُقْبَةَ بنِ عامِرِ، وهو قَوْلَه: ثَلاثُ ساعاتٍ كان النبي صلى الله عليه وسلم يَنْهانا عن الصلاةِ فيهِنَّ، وأن نَقْبُرَ فيهِنَّ مَوْتانا، حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بازِغَةً حتى تَرْتَفِعَ، وحينَ يَقُومُ قائِمُ الظَّهِيرَةِ، وحِينَ تَتَضَيَّف الشَّمْسُ للغُرُوبِ حتى تَغْرُبَ. رَواه مسلمٌ (1). ومَعْنَى تَتَضَيَّفُ: أى تَجْنَحُ وتَمِيلُ للغُرُوبِ، مِن قَوْلِك: تَضَيَّفْتُ فُلانًا، إذا مِلْتَ إليه. فأمّا في غيرِ هذه الأوْقاتِ فيَجُوزُ الدَّفْنُ لَيْلًا ونَهارًا. قال أحمدُ في الدَّفْنِ باللَّيْلِ: وما بأْسٌ بذلك، أبو بكر دُفِن لَيْلًا، وعلىٌّ دَفَن فاطمةَ لَيْلًا. وحَدِيثُ عائِشةَ: كُنّا سَمِعْنا صَوْتَ المَساحِى مِن آخِرِ اللَّيْلِ في دَفْنِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم (2). ودُفِن
(1) تقدم تخريجه في 4/ 240.
(2)
أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 6/ 62، 242، 274. وابن أبى شيبة، في: باب ما جاء في الدفن بالليل، من كتاب الجنائز. المصنف 3/ 347.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عثمانُ، وعائشةُ لَيْلًا. وهذا قولُ عُقْبَةَ بنٍ عامِر، وسعيدِ بنِ المُسَيَّبِ، وعَطاءٍ، والثَّوْرىِّ، والشافعىِّ، وإسحاق. وعنه، أنَّه يُكْرَهُ. وهو قولُ الحسنِ؛ لِما روَى مسلمٌ (1)، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم ذَكَر رجلًا مِن أصحابِه قُبِض، فكُفِّنَ في كَفَنٍ غيرِ طائِلٍ، ودُفِن لَيْلًا، فزَجَرَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم أن يُقْبَرَ الرجلُ باللَّيْلِ، إلَّا أن يُضْطَرَ إنْسانٌ إلى ذلك. ووَجْهُ الأوَّلِ ما ذَكَرْنا مِن فِعْلِ الصحابةِ. وروَى ابنُ مسعودٍ، قال: واللهِ لَكَأنِّى أسْمَعُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم في غَزْوَةِ تَبُوكَ، وهو في قَبْرِ ذى البِجَادَيْن (2)، وأبو بكرٍ وعُمَرُ،
وهو يقولُ: «أدْنِيَا مِنِّى أخَاكُمَا حَتَّى أَسْنُدَهُ فِى لَحْدِهِ» . ثم قال لَمّا فَرَغ مِن دَفْنِه، وقام على قَبْرِه مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ:«اللَّهُمَّ إنِّى أمْسَيْتُ عَنْهُ رَاضِيًا فَارْضَ عَنْهُ» . وكان ذلك لَيْلًا، قال: فواللهِ لقد رَأيْتُنِى ولوَدَدْتُ أنِّى مَكَانَه، ولقد أسْلَمْتُ قبلَه بخَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً، وأخَذَه مِن قِبَلِ القِبْلَةِ.
رَواه الخَلَّالُ في «جامِعِه» (3). وعن ابنِ عباسٍ، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم دَخَل قَبْرًا لَيْلًا، فأُسْرِجَ له سِراجٌ، فأخَذَ مِن قِبَلِ القِبْلَةِ، وقال:«رَحِمَكَ اللهُ، إنْ كُنْتَ لَأوَّاهًا تَلَّاءً لِلْقُرْآنِ» (4). قال التِّرْمِذِىُّ: حديثٌ حسنٌ.
(1) في: باب في تحسين الكفن، من كتاب الجنائز. صحيح مسلم 2/ 651. كما أخرجه أبو داود، في: باب في الكفن، من كتاب الجنائز. سنن أبى داود 2/ 176. والنسائى، في: باب الأمر بتحسين الكفن، من كتاب الجنائز. المجتبى 4/ 28. وابن ماجه، في: باب ما جاء في الأوقات التى لا يصلى فيها على الميت ولا يدفن، من كتاب الجنائز. سنن ابن ماجه 1/ 487. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 295.
(2)
هو عبدالله بن عبد نُهم بن عفيف المزنى، وهو عم عبد الله بن مغفل بن عبد نهم، وله صحبة. الإصابة 4/ 161 - 163.
(3)
عزاه الهيثمى إلى الطبرانى في الأوسط. مجمع الزوائد 3/ 43.
(4)
تقدم تخريجه في صفحة 210.