الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِنْ وَجَدَهُ فِى مَوَاتٍ، أَوْ أَرْضٍ لَا يَعْلَمُ مَالِكَهَا، وَإِنْ عَلِمَ مَالِكَهَا،
ــ
فصل: وباقِى الرِّكازِ لواجِدِه؛ لِما ذَكَرْنا، ولأنَّ عُمَرَ وعَلِيًّا، رَضِىَ اللَّه عنهما، دَفَعا باقِىَ الرِّكازِ بعدَ الخُمْسِ إلى واجدِه. ولأنَّه مالُ كافِرٍ مَظْهُورٌ عليه، فكان لواجِدِه بعدَ الخُمْسِ، كالغَنِيمَةِ، وقد ذَكَرْنا الخِلافَ فيه.
918 - مسألة؛ قال: (إن وَجَدَه في مَواتٍ أو أرْضٍ لا يَعْلَمُ
أوْ كَانَتْ مُنْتَقِلَةً إِلَيْهِ، فَهُوَ لَهُ أَيْضًا. وَعَنْهُ، أَنَّهُ لِمَالِكِهَا، أوْ لِمَنِ انْتَقَلَتْ عَنْهُ، إِنِ اعْتَرَفَ بهِ، وَإلَّا فَهُوَ لأوَّلِ مَالِكٍ. وَإنْ وَجَدَهُ فِى أَرْضِ حَرْبِىٍّ مَلَكَهُ، إِلَّا أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَيْهِ إِلَّا بِجَمَاعَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَيْكُونُ غَنِيمَةً.
ــ
مالِكَها، وإن عَلِم مالِكَها، أو كانت مُنْتَقِلَةً إليه، فهو له أيضًا. وعنه، أنَّه لمالِكِها، أو لمَن انْتَقَلَتْ عنه، إنِ اعْتَرَفَ به، وإلَّا فهو لأوَّلِ مالكٍ. وإن وَجَدَه في أرْضِ حَرْبِىٍّ مَلَكَه، إلَّا أن لا يَقْدِرَ عليه إلَّا بجَماعَةٍ مِن المسلمين، فيَكُونُ غَنِيمَة) وجُمْلَةُ ذلك، أنَّ مَوْضِعَ الركازِ لا يَخْلُو مِن أرْبَعَةِ أقْسامٍ؛ أحَدُها، أن يَجِدَه في مَواتٍ، أو أرْضٍ لا يَعْلَمُ لها مالِكًا، كالأرْضِ التى يُوجَدُ فيها آثارُ المُلْكِ، مِن الأَبْنِيَةِ القَدِيمَةِ، والتُّلُولِ، وجُدْرانِ الجاهِلِيَّةِ، وقبُورِهم. فهذا فيه الخُمْسُ بغيرِ خِلافٍ فيه، إلَّا ما ذَكَرْنا. ولو وَجَدَه في هذه الأرْضِ على وَجْهِها، أو في طَرِيقٍ غيرِ مَسْلُوكٍ، أو قَرْيَةٍ خَرابٍ، فهو كذلك في الحُكْمِ؛ لِما روَى عمرُو بنُ شُعَيْبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه، قال: سُئِل رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن اللُّقَطَةِ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فقال: «[مَا لَمْ يَكُنْ] (1) فِى طَرِيقٍ مَأْتِىٌّ، أوْ فِى قَرْيَةٍ عَامِرَةٍ، فَفِيهِ وَفِى الرِّكازِ الْخُمْسُ» . رَواه النَّسائِىُّ.
القسمُ الثَّانِى، أن يَجِدَه في مِلْكِه المُنْتَقِلِ إليه، فهو له في إحْدَى الرِّوايَتَيْن؛ لأنَّه مالُ كافِرٍ مَظْهُورٌ عليه في الإِسلامِ، فكان لمَن ظَهَر عليه، كالغَنائِمِ، ولأنَّ الرِّكازَ لا يُمْلَكُ بمِلْكِ الأرْضِ؛ لأنَّه مُودَعٌ فيها، وإنَّما يُمْلَكُ بالظُّهُورِ عليه، وهذا قد ظَهَر عليه، فوَجَبَ أن يَمْلِكَه. والرِّوايَةُ الثّانِيَةُ، هو للمالِكِ قبلَه إنِ اعْتَرَفَ به، وإن لم يَعْتَرِفْ به فهو للذى قَبْلَه كذلك إلى أوَّلِ مالِكٍ. وهذا مَذْهَبُ الشافعىِّ؛ لأنَّه كانت يَدُه على الدَّارِ، فكانت على ما فيها، وإنِ انْتَقَلَتِ الدّارُ بالمِيراثِ، حُكِم
(1) في النسخ: «ما كان» . والمثبت من سنن النسائى 5/ 33. وقد تقدم تخريج الحديث في صفحة 576.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بأنَّه مِيراثٌ، فإنِ اتفَقَ الوَرَثَةُ على أنَّه لم يكن لمَوْروثِهم (1)، فهو لأوَّلِ مالِكٍ، فإن لم يُعْرَفْ أوَّلُ مالكٍ، فهو كالمالِ الضّائِعِ الذى لا يُعْرَفُ له مالِكٌ. والأوَّلُ أصَحُّ، إن شاء اللَّه؛ لأنَّ الرِّكازَ لا يُمْلَكُ بمِلْكِ الدّارِ؛ لأنَّه ليس مِن أجْزائِها، وإنَّما هو مُودَعٌ فيها، فهو كالمُباحاتِ مِن الحَطَبِ والحَشِيشِ والصَّيْدِ يَجِدُه في أرْضِ غيرِه، فيَأْخُذُه، لكنْ إنِ ادَّعَى المالكُ الذى انْتَقَلَ عنه المِلْكُ (2) أنَّه له، فالقولُ قولُه (3)؛ لأنَّ يَدَه كانت عليه، بكوْنِها (4) على مَحَلِّه، وإن لم يَدَّعِه، فهو لواجدِه. وإنِ اخْتَلَفَ الوَرَثَةُ، فادَّعَى بعضُهم أنه لمَوْروثِهم (1) وأنْكَرَ البَعْضُ، فحُكْمُ مَن أنكَرَ في نَصيبِه حُكْمُ المالِكِ الذى لم يَعْتَرِفْ به، وحُكْمُ المُدَّعِين حُكْمُ المالِكِ المُعْتَرِفِ.
(1) في م: «لمورثهم» .
(2)
في م: «المالك» .
(3)
في هامش الأصل: «يعنى بيمينه» .
(4)
في م: «بكونه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
القسمُ الثّالثُ، أن يَجِدَه في مِلْكِ آدَمِىٍّ مَعْصُومٍ، مسلمٍ أو ذِمِّىٍّ، فعن أحمدَ ما يَدُلّ على أنَّه لصاحِبِ الدّارِ، فإنَّه قال، في مَن اسْتَأْجَرَ حَفّارًا ليَحْفِرَ له في دارِهِ فأصاب كَنْزًا عادِيًّا (1)، فهو لصاحِب الدّارِ. وهذا قولُ أبى حنيفةَ، ومحمدِ بنِ الحسنِ. ونُقِل عن أحمدَ ما يَدُل على أنَّه لواجِدِه؛ لأنَّه قال، في مَسْألَةِ مَن اسْتَأجَرَ أجِيرًا ليَحْفِرَ له في دارِهِ، فأصَابَ في الدّارِ كَنْزًا: فهو للأجِيرِ. نَقَل عنه ذلك محمدُ بنُ يحيى الكَحّالُ (2). قال القاضى: هو الصَّحِيحُ. وهذا يَدُلّ على (3) أنَّ الرِّكازَ لواجِدِه. وهو قولُ الحسنِ بنِ صالِحٍ، وأبى ثَوْرٍ. واسْتَحْسَنَه أبو يُوسُفَ. وذلك لأنَّ الكَنْزَ لا يُمْلَكُ بمِلْكِ الدّارِ، على ما ذَكَرْنا في القِسْمِ الذى قبلَه، لكنْ إنِ ادَّعاه المالِكُ، فالقولُ قولُه؛ لأنَّ يَدَه عليه بكَوْنِها على مَحَلِّه. وإن لم يَدَّعِه، فهو لواجِدِهِ. وقال الشافعىُّ: هو لمالِكِ الدّارِ إنِ اعْتَرَفَ به، وإلَّا فهو لأوَّلِ مالكٍ. ويُخَرَّجُ لَنا مِثْلُ ذلك، على ما (3) ذَكَرْنا في القِسْمِ الثَّانِى.
(1) عاديا: أى قديما، من عهد عاد ونحوه.
(2)
أبو جعفر محمد بن يحيى الكحال المتطبب البغدادى، كان من كبار أصحاب الإمام أحمد، وكان يقدمه ويكرمه، وكانت عنده عن أبى عبد اللَّه مسائل كثيرة حسان مشبعة. من رجال القرن الثالث. طبقات الحنابلة 1/ 328.
(3)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وإنِ اسْتَأْجَرَ حَفّارًا ليَحْفِرَ له طَلبًا لكَنْزٍ يَجِدُه، فوَجَدَه، فهو للمُسْتَأْجِرِ؛ لأنَّه اسْتَأْجَرَه لذلك، أشْبَهَ ما لو اسْتَأْجَرَه ليَحْتَشَّ له أو ليَصْطادَ، فإنَّ الحاصِلَ مِن ذلك للمُسْتَأْجِرِ دُونَ الأجيرِ. وإنِ اسْتَأْجَرَه لأمْرٍ غيرِ طَلَبِ الرِّكازِ، فالواجِدُ له هو الأجِيرُ. وهَكذا قال الأوْزاعِىُّ.
فصل: وإنِ اكْتَرَى دارًا، فوَجدَ فيها رِكازًا، فهو لواجِدِه، في أحَدِ الوَجْهيْن، وفى الآخَرِ، هو للمالِكِ، بِناءً على الرِّوايَتَيْن، في مَن وَجَد رِكازًا في مِلْكٍ انْتَقَلَ إليه. وإنِ اخْتَلَفا، فقال كلُّ واحِدٍ منهما: هذا كان لى. فعلى وَجْهَيْن أيضًا، أحَدُهما، القولُ قولُ المالِكِ، لأنَّ الدِّفْنَ تابعٌ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
للأرْضِ. والثانِى القولُ قولُ المُكْتَرِى؛ لأنَّ هذا مُودَعٌ في الأرْضِ، وليس منها، فكان القولُ قولَ مَن يَدُه عليها، كالقَمّاشِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
القسمُ الرابعُ، أن يَجِدَه في أرْضِ الحَرْبِ، فإن لم يَقْدِرْ عليه إلَّا بجَماعَةٍ [مِن](1) المسلمين، فهو غَنِيمَةٌ لهم، وإن قَدَر عليه بنَفسِه فهو لواجِدِه، حُكْمُه حُكْمُ ما لو وَجَده في مَواتٍ مِن أرْضِ المسلمين. وقال أبو حنيفةَ، والشافعىُّ: إن عَرَف مالِكَ الأرْضِ وكان حَرْبِيًّا، فهو غَنِيمَةٌ أيضًا؛ لأنَّه في حِرْزِ مالِكٍ مُعَيَّنٍ، أشْبَهَ ما لو أخَذَه مِن بَيْتٍ أو خِزانَةٍ. ولَنا، أنَّه ليس لمَوْضِعِه مالِك مُحْتَرَمٌ، أشْبَهَ ما لو لم يُعْرَفْ مالِكُه. ويُخَرَّجُ لَنا مِثْلُ قولِهم، بِناءً على قولِنا: إنَّ الرِّكازَ في دارِ الإِسلامِ يكونُ لمالكِ الأرْضِ.
(1) سقط من: م.