الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَنْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ، صَلَّى عَلَى الْقَبْرِ إِلَى شَهْرٍ،
ــ
فصل: إذا أدْرَكَ الإِمامَ بينَ تَكْبيرَتَيْنِ، فعن أحمدَ، أنَّه يَنْتَظِرُ الإِمامَ حتَّى يُكَبِّرَ معه. وهو قولُ أبى حنيفةَ، والثَّوْرِىِّ، وإسحاقَ؛ لأنَّ
التَّكْبِيراتِ كالرَّكَعاتِ، ثم لو فاتَتْه رَكْعَةٌ، لم يَتَشاغَلْ بِقَضائِهَا، كذلك التَّكْبِيرَةُ. والثانيةُ، يُكَبِّرُ ولا يَنْتَظِرُ. وهو قولُ الشافعىِّ؛ لأنَّه في سائِرِ الصَّلَواتِ إذا أدْرَكَ الإِمامَ، كَبَّرَ معه، ولم يَنْتَظِرْ، وليس هذا اشْتِغالًا بقَضاءِ ما فاتَه، وإنَّما يُصَلِّى معه ما أدْرَكَه، فيُجْزِئُه ذلك، كالذى يَتَأخَّرُ عن تَكْبِيرِ الإِمامِ قَلِيلًا. وعن مالكٍ كالرِّوايَتَيْن. قال ابنُ المُنْذِرِ: سَهَّلَ أحمدُ في القَوْلَيْن جَمِيعًا. ومتى أدْرَكَ الإِمامَ في التَّكْبِيرَةِ الأُولَى فَكَبَّرَ، وشَرَع في القِراءَةِ، ثم كَبَّرَ الإِمامُ قبلَ أن يُتِمَّها، فإنَّه يُكَبِّرُ ويُتابِعُه، ويَقْطَعُ القِراءَةَ، كالمَسْبُوقِ في بَقِيَّةِ الصَّلَواتِ، إذا رَكَع الإِمامُ قبلَ إتْمَامِه القِراءَةَ.
782 - مسألة: (ومَن فاتَتْه الصلاةُ على الجِنازَةِ، صَلَّى علَى القَبْرِ إلى شَهْرٍ)
مَن فاتَتْه الصلاةُ على الجِنازَةِ، فله أن يُصَلِّىَ عليها، ما لم تُدْفَنْ، فإن دُفِنَتْ، فله أن يُصَلِّىَ على القَبْرِ إلى شَهْرٍ. هذا قولُ أكْثَرِ أهلِ العِلْمِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رُوِىَ ذلك عن أبى موسى، وابنِ عُمَرَ، وعائشةَ، رَضِىَ اللهُ عنهم. وهو مَذْهَبُ الأوْزَاعِىِّ، والشافعىِّ. وقال النَّخَعِىُّ، والثَّوْرِىُّ، ومالكٌ، وأبو حنيفةَ: لا تُعادُ الصلاةُ على المَيِّتِ، إلَّا للوَلِىِّ إذا كان غائِبًا، ولا يُصلَّى على القَبْرِ إلَّا كذلك، ولو جاز ذلك، لصُلِّىَ على قَبْرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في جَمِيعِ الأعْصارِ. ولَنا، ما رُوِىَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ذَكَر رجلًا مات، فقال:«فَدُلُّونِى عَلَى قَبْرِهِ» . فأتَى قَبْرَه، فصَلَّى عليهِ. مُتَّفَقٌ عليه (1). وعن ابنِ عباس، أنَّه مَرَّ مع النبىِّ صلى الله عليه وسلم بِقَبْر مَنْبُوذٍ، فأمَّهم وصَلَّوْا خلفَه (2).
قال أحمدُ: ومَن يَشُكُّ في الصلاةِ على القَبْرِ! يُرْوَى عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم من سِتَّةِ وُجُوهٍ، كلُّها حِسانٌ. ولأنَّ غيرَ الوَلِىِّ مِن أهلِ الصلاةِ، فسُنَّتْ له الصلاةُ، كالوَلِىِّ، وإنَّما لم يُصَلَّ على قَبْرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، لأنَّه لا يُصَلَّى
على القَبْرِ بعدَ شَهْرٍ.
(1) أخرجه البخاري، في: باب كنس المسجد والتقاط الخرق والقذى والعيدان، من كتاب الصلاة، وفى: باب الإذن بالجنازة، وباب الصلاة على القبر بعد ما يدفن، من كتاب الجنائز. صحيح البخاري 1/ 124، 2 - 92، 113. ومسلم، في: باب الصلاة على القبر، من كتاب الجنائز. صحيح مسلم 2/ 659. كما أخرجه أبو داود، في: باب الصلاة على القبر، من كتاب الجنائز. سنن أبى داود 2/ 189. وابن ماجة، في: باب ما جاء في الصلاة على القبر، من كتاب الجنائز. سنن ابن ماجة 1/ 490. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 353، 388.
(2)
أخرجه بألفاظ مختلفة البخاري، في: باب وضوء الصبيان ومتى يجب عليهم الغسل. . . . إلخ، من كتاب الأذان، وفى: باب الصفوف على الجنازة، وباب صفوف الصبيان مع الرجال على الجنائز، وباب سنة الصلاة على الجنازة، وباب صلاة الصبيان مع الناس على الجنائز، وباب الصلاة على القبر بعد ما يدفن، من كتاب الجنائز. صحيح البخاري 1/ 217، 2/ 109، 110، 111، 112. والترمذى، في: باب ما جاء في الصلاة على القبر، من أبواب الجنائز. عارضة الأحوذى 4/ 256. والنسائي، في: باب الصلاة على القبر، من كتاب الجنائز. المجتبى 4/ 70. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 338.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ولا يُصَلَّى على القَبْرِ بعدَ شَهْرٍ، ويُصَلَّى قبلَه. وبهذا قال بعضُ (1) أصحابِ الشافعيِّ. وقال بَعْضُهم: يُصلَّى عليه أَبدًا. واخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، صَلَّى على شُهَداءِ أُحُدٍ بعدَ ثَمانِى سِنِين. حديثٌ صحيحٌ (2). وقال بعضُهم: يُصَلَّى عليه ما لم يَبْلَ جَسَدُه. وقال أبو حنيفةَ: يُصَلِّى عليه الوَلِيُّ خاصَّةً إلى ثَلاثٍ. وقال
(1) سقط من: الأصل.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 96.
وأخرجه بلفظه البخاري، في: باب غزوة أحد، من كتاب المغازى. صحيح البخاري 5/ 120. وأبو داود، في: باب الميت يصلى على قبره بعد حين، من كتاب الجنائز. سنن أبى داود 2/ 193. والإمام أحمد، في.: المسند 4/ 154.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إسحاقُ: يُصَلِّى عليه الغائِبُ إلى شَهْرٍ، والحَاضِرُ إلى ثَلاثٍ. ولَنا، ما روَى سعيدُ بنُ المُسَيَّبِ، أَنَّ أُمَّ سعدٍ ماتَتْ والنبىُّ صلى الله عليه وسلم غائِبٌ، فلمَّا قَدِم صَلَّى عليها، وقد مَضَى لذلك شَهْرٌ (1). قال أحمدُ: أَكْثَرُ ما سَمِعْتُ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى على أُمِّ سعدِ بنِ عُبادَةَ بعدَ شَهْرٍ. ولأنَّها مُدَّةٌ يَغْلِبُ على الظَنِّ بَقاءُ المَيِّتِ فيها، أشْبَهَتِ الثَّلاثَةَ، أو كالغائِبِ. وتَجْوِيزُ الصلاةِ عليه مُطلَقًا باطِلٌ، بأنَّ قَبْرَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، لا يُصَلَّى عليه الآن إجْماعًا، وكذلك التَّحْدِيدُ ببِلَى المَيِّتِ؛ لكَوْنِه عليه السلام لا يَبْلَى. فإن قِيلَ: فالخَبَرُ دَلَّ على الصلاةِ بعدَ شَهْرٍ، فكيف مَنَعْتُموه؛ قُلْنا: تَحْدِيدُه بالشَّهْرِ يَدُلُّ على أنَّ صَلاتَه، عليه الصلاة والسلام، كانت عندَ رَأْسِ الشَّهْرِ؛ لِيَكُونَ مُقَارِبًا للحَدِّ. وتَجُوزُ الصلاةُ بعدَ الشَّهْرِ قَرِيبًا منه؛ لدَلالَةِ الخَبَرِ عليه، ولا يَجُوزُ بعدَ ذلك؛ لعَدَمِ وُرُودِه فيه.
(1) أخرجه الترمذي، في: باب ما جاء في الصلاة على القبر، من أبواب الجنائز. عارضة الأحوذى 4/ 258.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ومَن صَلَّى عليها مَرَّةً، فلا تُسَنُّ له إعادَةُ الصلاةِ عليها. وإذا صُلِّىَ على الجِنازَةِ، لم تُوضَعْ لأَحَدٍ يُصَلِّى عليها، ويُبادَرُ بِدَفْنِها. قال القاضي: إلَّا أن يُرْجَى مَجِئُ الوَلِىِّ فَتُؤخَّرُ، إلَّا أن يُخافَ تَغَيُّرُه. وقال ابنُ عَقِيلٍ: لا يُنْتظَرُ به أحَدٌ؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال في طَلْحَةَ بنِ البَرَاءِ: «عَجِّلُوا بِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِى لجِيفَةِ مُسْلِمٍ أنْ تحْبَسَ بَيْنَ ظَهْرَانَىْ أهْلِهِ» (1). وأمّا مَن أدْرَكَ الجِنازَةَ مِمَّن لم يُصَلِّ، فله أن يُصَلِّىَ عليها، فَعَلَه علىٌّ، وأنَسٌ، وسَلْمانُ بنُ رَبِيعَةَ (2)، وأبو حَمْزَةَ (3)، رَضِىَ اللهُ
عنهم.
(1) تقدم تخريجه في صفحة 22.
(2)
هو سلمان بن ربيعة بن يزيد الباهلي، سلمان الخيل، يقال إن له صحبة، قتل سنة خمس وعشرين. تهذيب التهذيب 4/ 136، 137.
(3)
أبو حمزة عيسى بن سليم الحمصي، ثقة صدوق. ذكر أبن حجر أن له عند مسلم حديث عوف بن مالك في الصلاة على الجنازة. تهذيب التهذيب 8/ 211.