الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَجْتَمِعُ الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ فِى كُلِّ أَرْضٍ فُتِحَتْ عَنْوَةً.
ــ
الزَّرْعَ، فالعُشْرُ عليه؛ لأنَّه نَبَت على مِلْكِه (1). وإن أخَذَه مالِكُها قبل اشْتِدادِ حَبِّه، فالعُشْرُ عليه. وإن أخَذَه بعده، احْتَمَلَ أن يَجِبَ عليه أيضًا؛ لأنَّ أخْذَه إيَّاهُ اسْتَنَدَ إلى أوَّلِ زَرْعِه، فكَأنَّه أخَذَه مِن تلك الحالِ. ويَحْتَمِلُ أن تكونَ زَكاتُه على الغاصِبِ؛ لأنَّه كان مِلْكًا له حينَ وُجُوبِ عُشْرِه، وهو حينَ اشْتِدادِ الحَبِّ. وإن زارَعَ رَجُلًا مُزارَعَةً فاسِدَةً، فالعُشْرُ على مَن يَجِبُ الزَّرْعُ له. وإن كانت صَحِيحَةً، فعلى كلِّ واحِدٍ منهما عُشرُ حِصَّتِه، إن بَلَغَتْ نِصابًا، أو كان له مِن الزَّرْعِ ما يَبْلُغُ بضَمِّه إليه نِصابًا، وإلَّا فلا. وإن بَلَغَتْ حِصَّةُ أحَدِهما نِصابًا دُونَ الآخرِ، فعلى مَن بَلَغَتْ حِصَّتُه النِّصابَ (2) العُشْرُ دُونَ صاحِبهِ، إلَّا إذا قُلنا: الخُلْطَةُ تُوثِّرُ في غيرِ السّائِمَةِ. فيَلْزَمُهما العُشْرُ إذا بَلَغ زَرْعُهما نِصابًا، ويُخْرِجُ كلُّ واحِدٍ منهما عُشْرَ نَصِيبِه، إلَّا أن يكونَ أحَدُهما ممَّن لا عُشْرَ عليه، كالمُكاتَبِ؛ فلا يَلْزَمُ شَرِيكَه شئٌ إلَّا أن تَبْلُغَ حِصَّتُه نِصابًا، وكذلك الحُكْمُ في المُساقاةِ.
913 - مسألة: (ويَجْتَمِعُ العُشْرُ والخَراجُ في كلِّ أرْضٍ
(1) في م: «مالكه» .
(2)
سقط من: النسخ. وانظر المغنى 4/ 202
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فُتِحَتْ عَنْوَةً) الأرْضُ أرْضانِ؛ صُلْحٌ، وعَنْوَةٌ. فأمّا الصُّلْحُ فهو كلُّ أرْضٍ صُولِحَ أهلُها عليها لتَكُونَ مِلْكًا لهم، ويُؤَدُّون عليها خَراجًا، فهذه الأرْضُ مِلْكٌ لأرْبابِها، وهذا الخَراجُ كالجِزْيَةِ، متى أسْلَمُوا سَقَط عنهم، ولهم بَيْعُها وهِبَتُها ورَهْنُها، وكذلك كلُّ أرْضٍ أسْلَمَ عليها أهلُها، كأرْضِ المَدِينَةِ وشِبْهِها، ليس عليها خَراجٌ ولا شئٌ، إلَّا الزكاةَ، فهى واجِبَةٌ على كلِّ مسلمٍ. ولا خِلافَ في وُجُوبِ العُشْرِ في الخارِجِ مِن هذه الأرْضِ. قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ كلُّ مَن نَحْفَظُ عنه مِن أهلِ العلمِ، على أنَّ على كلِّ أرْضٍ أسْلَمَ عليها أهلُها قبلَ قَهْرِهم، عليها الزكاةُ فيما زَرَعُوا فيها. وأمّا العَنْوَةُ فالمُرادُ بها ما فُتِح عَنْوَةً، ووُقِف على المسلمين، وضُرِب عليه خَراجٌ مَعْلُومٌ، فإنَّه يُؤَدِّى الخَراجَ عن رَقَبَةِ الأرْضِ، وعليه العُشْرُ عن غَلَّتِها إذا كانت لمسلمٍ، وكذلك الحُكْمُ في كلِّ أرْض خَراجِيَّةٍ. وهذا قولُ عُمَرَ بنِ عبدِ العزِيزِ، والزُّهْرِىِّ، ويحيى الأنْصارِىِّ، ورَبِيعَةَ، والأوْزاعِىِّ (1)، ومالكٍ، والثَّوْرِىِّ، والشافعىِّ، وابنِ المُبارَكِ، وإسحاقَ، وأبى عُبَيْدٍ. وقال أصحابُ الرَّأْى: لا عُشْرَ في الأرْضِ الخراجِيَّةِ؛ لقولِه عليه السلام: «لَا يَجْتَمِعُ الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ فِى أرْضِ
(1) سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مُسْلِمٍ» (1). ولأنَّهما حَقّان سَبَباهُما مُتنافِيان، فلم يَجْتَمِعا، كزكاةِ السَّوْمِ والتِّجارَةِ، وكالعُشْرِ وزكاةِ القِيمَةِ. وبَيانُ تنافِيهما أنَّ الخَراجَ وَجَبَ عُقُوبَةً؛ لأنَّه جِزْيَةٌ للأرْضِ، والزكاةُ وَجَبَتْ طَهُورًا وشُكْرًا. ولَنا، قولُه تعالى:{وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} (2). وقولُ النبىِّ صلى الله عليه وسلم: «فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرُ» (3). وغيرُه مِن عُمُوماتِ الأخْبارِ. قال ابنُ المُبارَكِ: يقولُ اللَّهُ تعالى: {وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} . ثم قال: نَتْرُكُ القُرآنَ لقولِ أبى حنيفةَ! ولأنَّهما حَقّانِ يَجِبانِ لمُسْتَحِقِّين يَجُوزُ وُجُوبُ كلِّ واحِدٍ منهما على المسلمِ فجاز اجْتِماعُهما، كالكَفّارَةِ والقِيمَةِ في الصَّيْدِ الحَرَمِىِّ المَمْلُوكِ، وحَدِيثُهم يَرْوِيه يحيى بنُ عَنْبَسَةَ، وهو ضَعِيفٌ، عن أبى حنيفةَ، ثم نَحْمِلُه على الخَراجِ الذى هوْ جِزْيَةٌ. وقولُهم: إنَّ سَبَبَيْهِما (4) مُتنَافِيان. غيرُ صَحِيحٍ؛ فإنَّ الخَراجَ أُجْرَةُ الأرْضِ، والعُشْرَ زَكاةُ الزَّرْعِ، ولا يَتَنافَيان، كما لو اسْتَأْجَرَ أرْضًا فزَرَعَها. وقولُهم: الخَراجُ عُقُوبَةٌ. قلْنا: لو كان عُقُوبَةً لَما وَجَب على مسلمٍ، كالجِزْيَةِ. وإن كانَتِ الأرْضُ لكافِرٍ فليس عليه فيها سِوَى الخَراجِ. قال أحمدُ: ليس في أرْضِ أهلِ الذِّمَّةِ صَدَقَةٌ، إنَّما قال اللَّهُ
(1) أخرجه ابن عدى في الكامل 7/ 2710. وابن الجوزى، في: الموضوعات 2/ 151.
(2)
سورة البقرة 267.
(3)
تقدم تخريجه في صفحة 372.
(4)
في م: «سببها» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تعالى: {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (1). فأىُّ طُهْرَةٍ للمُشْرِكِينَ؟.
فصل: فإن كان في غَلَّةِ الأرْضِ ما لا عُشْرَ فيه، كالثِّمارِ التى لا زكاةَ فيها، والخَضْراواتِ، وفيها زَرْعٌ فيه الزكاةُ، جُعِل ما لا زكاةَ فيه في مُقابَلَةِ الخَراجِ، وزُكِّىَ ما فيه الزكاةُ، إذا كان ما لا زَكاةَ فيه وافِيًا بالخَراجِ. وإن لم يكنْ لها غَلَّةٌ إلا ما تَجِبُ نجيه الزكاةُ، أُدِّىَ الخَراجُ مِن غَلَّتِها، وَزُكِّىَ ما بَقِىَ، في أصَحِّ الرواياتِ. اخْتارَها الخِرَقِىُّ. وهذا قولُ عُمَرَ بنِ عبدِ العزِيزِ. قال أبو عُبَيْدٍ (2)، عن إبراهيمَ بنِ أبى عَبْلَةَ: كَتَب عُمَرُ بنُ عبدِ العزِيزِ إلى عامِلِه على فِلَسْطِينَ، في مَن كانت في يَدِه أرْضٌ بجِزْيَتِها مِن المسلمين، أن يَقْبِضَ منها جِزْيَتَها، ثم يُؤْخَذَ منها زَكاةُ ما بَقِىَ بعدَ الجِزْيَةِ. وذلك لأنَّ الخَراجَ مِن مُؤْنَةِ الأرْضِ، فيَمْنَعُ وُجُوبَ الزكاةِ في قَدْرِه؛ لقولِ ابنِ عباسٍ: يَحْسِبُ ما أنْفَقَ على زَرْعِه دُونَ ما أنْفَقَ على أهْلِه. وفيه رِوايَةٌ ثانِيَةٌ، أنَّ الدَّيْنَ كلَّه يَمْنَعُ وُجُوبَ الزكاةِ في الأمْوالِ الظّاهِرَةِ. فعلى هذه الرِّوايَةِ يَحْسِبُ كلَّ دَيْنٍ عليه، ثم يُخْرِجُ العُشْرَ ممّا بَقِىَ إن بَلَغ نِصابًا. يُرْوَى نَحْوُ ذلك عن ابنِ عُمَرَ؛ لأنَّه دَيْنٌ فمَنَعَ وُجُوبَ العُشْرِ، كالخَراجِ، وما أنْفَقَه على زَرْعِه. وفيه رِوايَةٌ ثالِثَةٌ، أنَّ الدَّيْنَ لا يَمْنَعُ
(1) سورة التوبة 103.
(2)
في: الأموال 88.