الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يُصَلِّى الإْمَامُ عَلَى الْغَالِّ، وَلَا عَلَى مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ.
ــ
، في أكِيلِ السَّبُعِ، والمُحْتَرِقِ بالنّارِ: يَحْتَمِلُ أن لا يُصَلَّى عليه؛ لذَهابِه، ويُصَلَّى على الغَرِيقِ، إذا غَرِق قبلَ الغُسْلِ، كالغائِبِ البَعِيدِ، لأنَّ الغُسْلَ تَعَذَّرَ لمانِعٍ، أشْبَهَ الحَىَّ إذا عَجَز عن الغُسْلِ والتَيّمَّمِ، صَلَّى على حَسَبِ حالِه.
784 - مسألة: (ولا يُصَلِّى الإِمامُ على الغالِّ، ولا مَن قَتَل نَفْسَه)
الغَالُّ، هو الَّذي يَكْتُمُ غَنِيمَتَه أو بعضَها، ليَأْخُذَها لنَفْسِه ويَختَصَّ بها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فهذا لا يُصَلِّى عليه الإِمامُ، ولا على قاتِلِ نَفْسِه عَمْدًا. ويُصَلِّى عليهما سائِرُ النّاسِ. نَصَّ على هذا أحمدُ. وقال عُمَرُ بنُ عبدِ العَزِيزِ، والأوْزاعِىُّ: لا يُصَلَّى على قاتِلِ نَفْسِه بحالٍ؛ لأنَّ مَن لا يُصلِّى عليه الإِمامُ لا يُصَلِّى عليه غيرُه، كشَهِيدِ المَعْرَكَةِ. وقال عَطاءٌ، والنَّخَعِىُّ، والشافعىُّ: يُصَلِّى الإِمامُ وغيرُه على جَمِيعِ المُسْلِمِين؛ لقَوْلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «صَلُّوا عَلَى مَنْ قَالَ لَا إلهَ إِلَّا اللهُ» . رَواه الخَلَّالُ بإسْنَادِه (1). ولَنا، ما روَى جابِرُ بنُ سَمُرَةَ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم جاءُوه برجلٍ قد قَتَل نَفْسَه بمَشاقِصَ (2)، فلم يُصَلِّ عليه. رَواه مسلمٌ (3). وروَى أبو داودَ نحوَه (4). وعن زيدِ بنِ خالِدٍ الجُهَنِىِّ، قال: تُوُفِّىَ رجلٌ مِن جُهَيْنَةَ يومَ خَيْبَرَ، فذُكِرَ ذلك لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال:«صَلُّوا عَلَى صاحِبِكُمْ» . فتَغَيَّرَتْ وُجُوهُ القَوْمِ. فلمّا
(1) تقدم تخريجه في 3/ 39.
(2)
المشقص: سهم ذو نصل عريض.
(3)
: باب ترك الصلاة على القاتل نفسه، من كتاب الجنائز. صحيح مسلم 2/ 672. كما أخرجه النسائي، في: باب ترك الصلاة على من قتل نفسه، من كتاب الجنائز. المجتبى 4/ 53. والإمام أحمد، في: المسند 5/ 87، 94، 97، 107.
(4)
في: باب الإمام لا يصلى على من قتل نفسه، من كتاب الجنائز. سنن أبى داود 2/ 184.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رَأى ما بهم قال: «إنَّ صَاحِبَكُمْ غَلَّ مِنَ الْغَنِيمَةِ» (1). احْتَجَّ به أحمدُ.
واخْتَصَّ الامْتِناعُ بالإِمامِ، لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لمّا امْتَنَعَ مِن الصلاةِ على الغالِّ، قال:«صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ» . ورُوِىَ أنَّه أمَرَ بالصلاةِ على قاتِلِ نَفْسِه، وكان صلى الله عليه وسلم هو الإمامَ، فأُلحِقَ به مَن ساواه في ذلك، ولا يَلْزَمُ مِن تَرْكِ صلاةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم تَرْكُ صلاةِ غيرِه؛ فإنَّه كان في بَدْءِ الإِسْلامِ لا يُصَلِّى على مَن عليه دَيْنٌ لاوَفاءَ له، ويَأْمُرُهم بالصلاةِ عليه. فإن قِيلَ: هذا خاصٌّ بالنبىِّ صلى الله عليه وسلم، لأنَّ صَلَاتَه سَكَنٌ. قُلْنا: ما ثَبَت في حَقِّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ثَبَت في حَقِّ غيرِه، ما لم يَقُمْ على اْختِصاصِه به دَلِيلٌ. فإن قِيلَ: فقد تَرَك النبىُّ صلى الله عليه وسلم الصلاةَ على مَن عليه دَيْنٌ. قُلْنا: ثم صَلَّى عليه بعدُ، فرَوَى أبو هُرَيْرَةَ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يُؤْتَى بالرجلِ المُتَوَفَّى عليه الدَّيْنُ، فيَقُولُ:«هَلْ تَرَكَ لِدَينِهِ مِنْ وَفَاءٍ؟» . فإن حُدِّثَ أنَّه تَرَك وَفاءً صَلَّى عليه، وإلَّا قال للمُسْلِمِين:«صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ» . فلمَّا فَتَح الله الفُتوحَ قام، فقالَ: «أنَا أوْلَى بِالْمُومِنِينَ مِنْ أنْفُسِهِمْ، فَمَنْ تُوُفِّىَ مِنَ الْمُومِنِينَ، وَتَرَكَ دَيْنًا
(1) أخرجه أبوداود، في: باب في تعظيم الغلول، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود 2/ 62. والنسائي، في: باب الصلاة على من غل، من كتاب الجنائز. المجتبى 4/ 52. وابن ماجة، في: باب الغلول، من كتاب الجهاد. سنن ابن ماجة 2/ 950. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 114.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عَلَيَّ قَضَاؤُهُ، وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ» (1). قال التِّرْمِذِيُّ: هذا حديثٌ صحِيحٌ. ولولا النَّسْخُ كان كمَسْأَلَتِنا، وهذه الأحادِيثُ خاصَّةٌ، فيَجِبُ تَقْدِيمُها على قَوْلِه:«صَلُّوا عَلَى مَنْ قَالَ لَا إلهَ إلَّا اللهِ» .
فصل: قال أحمدُ: لا أشْهَدُ الجَهْمِيَّةَ (2) ولا الرَّافِضَةَ (3)، ويَشْهَدُه مَن شاء، قد تَرَك النبىُّ صلى الله عليه وسلم الصلاةَ على أقَلَّ مِن ذا؛ الدَّيْنِ، والغُلُولِ، وقاتِلِ
(1) أخرجه البخاري، في باب الدين، من كتاب الكفالة، وفي: باب الصلاة على من ترك دينا، من كتاب الاستقراض: وفي باب قول النبي صلى الله عليه وسلم من ترك كلا أو ضياعًا فإلىَّ، من كتاب النفقات، في: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم من ترك مالًا فلأهله، باب ميراث الأسير، من كتاب الفرائض. صحيح البخارى 3/ 128، 155، 7/ 86، 87، 8/ 187، 193، 194، ومسلم في: باب من ترك مالا فلورثته، من كتاب الفرائض.
صحيح مسلم 3/ 1237، 1238. وأبو داود، في: باب في ميراث ذوى الأرحام، من كتاب الفرائض، وفى: باب أرزاق الذرية، من كتاب الإجارة، وفى باب في التشديد في اليمين، من كتاب البيوع. سنن أبى داود 2/ 111، 123، 221. الترمذى، فَى: باب ما جاء في الصلاة على المديون، من أبواب الجنائز، وفى: باب ما جاء من ترك مالا فلورثته، من أبواب الفرائض. عارضة اللأحوذي، 4/ 291، 8/ 239.
والنسائي، في: باب الصلاة على من عليه دين، من كتاب الجنائز. المجتبى 4/ 53. وابن ماجة، في: باب من ترك دينا أو ضياعا. . . .، من كتاب الصدقات، في: باب ذوى الأرحام، من كتاب الفرائض. سنن ابن ماجة 2/ 807، 915. . . . والإمام أحمد، في: المسند 2/ 290، 453، 456، 3/ 296، 371، 4/ 131.
(2)
الجهمية: هم أصحاب جهم بن صفوان، وهو من الجبرية الخالصة، الذين ينفون الفعل حقيقة عن العبد، ويضيفونه إلى الله تعالى. الملل والنحل 1/ 135.
(3)
كان من مذهب زيد على جواز إمامة المفضول، فأجاز إمامة الشيخين أبي بكر وعمر، فلما سمعت شيعة الكوفة هذه المقالة رفضوه، فسموا رافضة. الملل والنحل 1/ 304 - 306.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نَفْسِه. وقال: لا يُصَلَّى على الرَافِضِىِّ. وقال أبو بكرِ بنُ عَيّاشٍ: لا أُصَلِّى على رافِضِىٍّ، ولا حَرُورِىٍّ (1). وقال الفِرْيابِىُّ (2): مَن شَتَم أبا بكرٍ فهو كافِرٌ، لا يُصَلَّى عليه. قِيلَ له: فكيف تَصْنَعُ به، وهو يَقُولُ: لا إلهَ إلَاّ اللَهُ؟ قال: لا تَمَسُّوه بأيْدِيكم، ادْفَعُوه بالخُشُبِ حتَّى تُوارُوه.
وقال أحمدُ: أهلُ البِدَعِ لا يُعادُون إن مَرِضُوا، ولا تُشْهَدُ جَنائِزُهم إن ماتُوا. وهو قَوْلُ مالكٍ. قال ابنُ عبدِ البَرِّ: وسائِرُ العُلَماءِ يُصَلُّون على أهلِ البِدَعِ والخَوَارِجِ وغيرِهم، لعُمُومِ قولِه عليه السلام:«صَلُّوا عَلَى مَن قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ» (3). ولَنا، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم تَرَك الصلاةَ بأدْوَنَ مِن هذا، فأوْلَى أن تُتْرَكَ الصلاةُ به، وروَى ابنُ عُمَرَ أنَّ رسولَ اللهَ صلى الله عليه وسلم قال:«إنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ مَجُوسًا، وإنَّ مَجُوسَ أُمَّتِى الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا قَدَرَ، فَإنْ مَرِضُوا فَلَا تَعُودُوهُمْ، وَإنْ مَاتُوا فلا تَشْهَدُوهُمْ» . رَواه الإِمامُ أحمدُ (4).
(1) الحرورية أتباع نجدة عامر الحرورى الحنفى، وهم فرقة من الخوارج. الملل والنحل 1/ 212.
(2)
أبو عبد الله محمد بن يوسف الفريابى الحافظ، شيخ البخاري، المتوفى سنة اثنتى عشرة ومائتين. العبر 1/ 363.
(3)
تقدم تخريجه في 3/ 39.
(4)
في: المسند 2/ 86، 125 كما أخرجه أبو داود مختصرا، في: باب في القدر، من كتاب السنة سنن أبى داود 2/ 524.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ولا يُصَلَّى على أطْفالِ المُشْرِكِين، لأنَّ لهم حُكْمَ آبَائِهم، إلَّا مَن حَكَمْنا؛ بإسْلامِه، بأن يُسْلِمَ أحدُ أبَوَيْه، أو يَمُوتَ، أو يُسْبَى مُنْفَرِدًا مِن أَبوَيْه، أو مِن أحَدِهما، فإنَّه يُصَلَّى عليه. وقال أبو ثَوْرٍ، في مَن سُبِىَ مع أحَدِ أبَوَيْه: لا يُصَلَّى عليه، حتَّى يَخْتارَ الإِسْلَامَ. ولَنا، أنَّه مَحْكُومٌ بِإسْلامِهِ، أشْبَهَ مَن سُبِىَ مُنْفَرِدًا منهما.
فصل: ويُصَلَّى على سائِرِ المُسلمين، أهْلِ الكَبائِرِ، والمَرْجُومِ في الزِّنَا، وغيرِهم. قال أحمدُ: مَن اسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وصَلَّى صَلاتَنا، نُصَلِّى عليه ونَدْفِنُه. ويُصَلَّى على وَلَدِ الزِّنا، والزّانِيَةِ، والذي يُقادُ منه في القِصاصِ، أو يُقْتَلُ في حَدٍّ. وسُئِل عمَّن لا يُعْطِى زَكاةَ مالِه، قال: يُصَلَّى عليه، ما نَعْلَمُ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم تَرَك الصلاةَ على أحَدٍ، إلَّا على قاتِلِ نَفْسِه والغالِّ. وهذا قولُ عَطاءٍ، والنَّخَعِىِّ، والشافعيِّ، وأصحابِ الرَّأْىِ، إلَّا أنَّ أبا حنيفةَ قال: لا يُصَلَّى على البُغاةِ، ولا على المُحارِبِين،
لأنَّهم بايَنُوا أهلَ الإِسْلامِ، أشْبَهُوا أهلَ دارِ الحَرْبِ. وقال مالكٌ: لا يُصَلَّى على مَن قُتِل في حَدٍّ، لأنَّ أبا بَرْزَةَ الأسْلَمِىَّ قال: لم يُصَلِّ رسولُ اللهِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
صلى الله عليه وسلم على ماعِزِ بنَ مالكٍ، ولم يَنْهَ عن الصلاةِ عليه. رَواه أبو داودَ (1).
ولَنا، قولُ النبىِّ صلى الله عليه وسلم:«صَلُّوا عَلَى مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا الله» . رَواه الخَلَّالُ. وروَى عن أبى شُمَيْلَةَ، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم خَرَج إلى قُباءَ، فاسْتَقْبَلَه رَهْطٌ مِن الأنْصارِ، يَحْمِلُون جِنازَةً على بابِ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:«مَا هذَا؟» قالُوا: مَمْلُوكٌ لآلِ فُلانٍ. قال: «أكَانَ يَشْهدُ أنْ لَا إلَهَ إلَّااللهُ؟» قالُوا: نعم، ولكنَّه كان وكان. فقالَ:«أكَانَ يُصَلِّى؟» قالُوا: قد كان يُصَلِّى ويَدَعُ. فقالَ لهم: «ارْجِعُوا بِهِ، فَغَسِّلُوهُ، وَكَفِّنُوهُ، وَصَلُّوا عَلَيْهِ، وَادْفِنُوهُ، وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَقَدْ كَادَتِ الْمَلَائِكَةُ تَحُولُ بَيْنِى وبَيْنَهُ» (2). وأمّا أهلُ الحَرْبِ فلا يُصَلَّى عليهم؛ لكُفْرِهم، لا تُقْبَلُ فيهم شَفاعَةٌ، ولا يُسْتَجابُ فيهم دُعاءٌ، وقد نُهِينا عن الاسْتِغْفارِ لهم. وأمّا تَرْكُ الصلاةِ على ماعِزِ، فيَحْتَمِلُ أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم تَرَك الصلاةَ عليه لعُذْرٍ؛ بدَلِيلِ أنَّه صَلَّى على الغامِدِيَّةِ، فقالَ له عُمَرُ: تَرْجُمُها، وتُصَلِّى عليها؟ فقالَ:«لَقَد تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِّمَتْ عَلَى أهْلِ الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ» (3). كذلك
(1) في: باب الصلاة على من قتلته الحدود، من كتاب الجنائز. سنن أبى داود 2/ 184.
(2)
أخرجه بنحوه عبد الرزاق في مصنفه 3/ 539. وعزاه الهيثمى إلى الطبراني في الكبير. مجمع الزوائد 3/ 41، 42.
(3)
أخرجه مسلم، في: باب من اعترف على نفسه بالزنا، من كتاب الحدود. صحيح مسلم 3/ 1323، 1324. وأبو داود، في: باب في المرأة التى أمر النبى صلى الله عليه وسلم برجمها من جهينة، من كتاب الحدود. سنن أبى داود 2/ 462، 463. والترمذى، في: باب تربص الرجم بالحبلى حتى تضع، من أبواب الحدود. عارضة الأحوذى 6/ 211. والنسائي، في: باب الصلاة على المرجوم، من كتاب الجنائز. المجتبى 4/ 51. والدارمى، في: باب الحامل إذا اعترفت بالزنا، من كتاب الحدود. سنن الدارمى 2/ 180.
والإمام أحمد، في: المسند 4/ 430، 435، 437، 440.