الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِذَا اسْتَفَادَ مَالًا، فَلَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَتِمَّ عَلَيْهِ الْحَوْلُ، إِلَّا نِتَاجَ السَّائِمَةِ، وَرِبْحَ التِّجَارَةِ، فَإِنَّ حَوْلَهُ حَوْلُ أصْلِهِ إِنْ كَانَ نِصَابًا، وَإِنْ لَمْ يَكنْ نِصَابًا فَحَوْلُهُ مِنْ حِينَ كَمَلَ النِّصَابُ.
ــ
حِينَئِذٍ، ثم تَعُودُ في النَّقْصِ فلا (1) تَجِبُ فيها زَكاةٌ ثانِيَةٌ، لعَدَمِ إرْصادِها للنَّماءِ. وكذلك الخارِجُ مِن المَعْدِنِ مُسْتَفادٌ خارِجٌ مِن الأرْضِ، بمَنْزِلةِ الزُّرُوعِ والثِّمارِ، إلَّا أنَّه إن كان مِن جِنْسِ الأثْمانِ، وَجَبَتْ فيه الزكاةُ عندَ كلِّ حَوْلٍ؛ لأنَّه مَظِنَّةٌ للنَّماءِ، مِن حيثُ إنَّ الأثْمانَ قِيَمُ الأمْوالِ، ورُءُوسُ مالِ التِّجارات، وبها تَحْصُلُ المُضارَبَةُ والشَّرِكَةُ، وهى مَخْلُوقَةٌ لذلك، فكانت بأصْلِها وخِلْقَتِها، كمالِ التِّجارَةِ المُعَدِّ لها.
836 - مسألة: (فإذا اسْتَفادَ مالًا، فلا زَكاةَ فيه
(2) حتى يَتِمَّ عليه الحَوْلُ، إلَّا نِتاجَ السَّائِمَةِ، ورِبْحَ التِّجارَةِ، فإنَّ حَوْلَه حَوْلُ أصْلِه (3) إن كان نِصابًا، وإن لم يَكُنْ نِصابًا فحَوْلُه مِن حينَ كَمَلَ النِّصابُ) وجُمْلَةُ ذلك، أنَّ مَن اسْتَفادَ مالًا زَكَوِيًّا ممّا يُعْتَبَرُ له الحَوْلُ،
(1) في م: «بملا» .
(2)
سقط من: م.
(3)
في م: «مثله» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولم يَكُنْ له مالٌ سِواه، وكان المُسْتَفادُ نِصابًا، أو كان له مالٌ مِن جِنْسِه لا يَبْلُغُ نِصابًا، فبَلَغَ بالمُسْتَفادِ نِصابًا، انْعَقَدَ عليه حَوْلُ الزكاةِ مِن حِينئِذٍ، فإذا تَمَّ وَجَبَتْ فيه الزكاةُ، لعُمُومِ قَوْلِه عليه السلام:«لَا زَكَاةَ في مَالٍ، حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الحَوْلُ» . وهذا مَذْهَبُ الشافعيِّ، وإسْحاقَ، وأبي ثَوْرٍ، وأصحابِ الرَّأْىِ، لأنَّه لم يَحُلِ الحَوْلُ على نِصابٍ، فلم تَجِبِ الزكاةُ فيها، كما لو كَمَلَتْ بغيرِ سِخالِها. والحُكْمُ في فُصْلانِ الإِبِلِ، وعُجُولِ البَقَرِ، كالحُكْمِ في السِّخالِ. وعن أحمدَ في مَن مَلَك دُونَ (1) النِّصابِ مِن الغَنَمِ فَكَمَلَ بالسِّخالِ، احْتُسِبَ الحَوْلُ مِن حينَ مَلَك الأُمَّهاتِ. وهو قولُ مالكٍ. والمَذْهَبُ الأوَّلُ، لأنَّ النِّصابَ هو السَّبَبُ، فاعْتُبِرَ مُضِيُّ الحَوْلِ على جَمِيعِه.
وإن كان عندَه نِصابٌ لم يَخْلُ المُسْتَفادُ مِن ثَلاثَةِ أقْسامٍ؛ أحدُها، أن يَكُونَ مِن نَمائِه، كرِبْحِ مالِ التِّجارَةِ، ونِتاجِ السّائِمَةِ، فهذا يَجِبُ ضَمُّه إلى ما عِنْدَه مِن أصْلِه في الحَوْلِ. لا نَعْلَمُ في ذلك خِلافًا إلَّا ما حُكِىَ عن الحسنِ، والنَّخَعِيِّ، لا زَكاةَ في السِّخالِ حتى يَحُولَ عليها الحَوْلُ؛ للحَدِيثِ المَذْكُورِ. والأوَّلُ أوْلَى، لقولِ عُمَرَ، رَضِىَ اللهُ عنه،
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لساعِيه: اعْتَدَّ عليهم بالسَّخْلَةِ يَرُوحُ بها الرّاعِى على يَدَيْه (1). والحَدِيثُ مَخْصُوصٌ برِبْحِ التِّجارَةِ؛ لأنَّه تَبَعٌ له مِن جِنْسِه، أشْبَهَ زِيادَةَ القِيمَةِ في العُرُوضِ وثَمَنَ العَبْدِ والجارِيَةِ.
القِسْمُ الثانى، أن يكونَ المُسْتَفادُ مِن غيرِ جِنْسِ النِّصابِ، فهذا له حُكْمُ نَفْسِه، لا يُضَمُّ إلى ما عِندَه في حَوْلٍ ولا نِصابٍ، بل إن كان نِصابًا اسْتَقْبَلَ به حَوْلًا وزَكّاهُ، وإلَّا فلا شئَ فيه. وهذا قولُ جُمْهُورِ العُلَماءِ. ورُوِىَ عن ابنِ مسعودٍ، وابنِ عباسٍ، ومُعاوِيَةَ، أنَّ الزكاةَ تَجِبُ فيه حين اسْتَفادَه. قال أحمدُ، عن غيرِ واحِدٍ: يُزَكِّيه حينَ يَسْتَفِيدُه. وعن الأوْزاعِيِّ في مَن باع عَبْدَه، أنَّه يُزَكِّى الثَّمَنَ حينَ يَقَعُ في يَدِه إلَّا أن يَكُونَ له شَهْرٌ يُعْلَمُ، فيُؤَخِّرَه حتىْ يُزَكِّيَه مع مالِه. وجُمْهُورُ العُلَماءِ على القولِ الأوَّلِ؛ منهم أبو بكرٍ، وعُمَرُ، وعثمانُ، وعلىٌّ، رَضِىَ اللهُ عنهم. قال ابنُ عبدِ البَرِّ: والخِلافُ في ذلك شُذُوذٌ، لم يُعَرِّجْ عليه أحَدٌ مِن العُلَماءِ، ولا قال به أحَدٌ مِن أهْلِ الفَتْوَى؛ لِما ذَكَرْنا مِن الحديثِ. وقد رُوِىَ عن أحمدَ في مَن باع دارَه بعَشَرَةِ آلافٍ إلى سَنَةٍ، إذا قَبَض المالَ يُزَكِّيه. وهذا
(1) رواه الإمام مالك، في: باب ما جاء فيما يعتدّ به من السخل في الصدقة، من كتاب الزكاة. الموطأ 1/ 265. والبيهقى، في: باب السن التى تؤخذ في الغنم، من كتاب الزكاة. السنن الكبرى 4/ 100،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مَحْمُولٌ مِن قَوْلِه على أنَّه يُزَكِّيه لكَوْنِه دَيْنًا في ذِمَّةِ المُشْتَرِى، فيَجِبُ على البائِعِ زَكاتُه، كسائِرِ الدُّيُونِ. وقد صَرَّحَ بذلك في رِوايَةِ بكرِ بنِ محمدٍ، عن أبِيه، فقال: إذا أكْرَى (1) عبْدًا أو دارًا في سَنَةٍ بأَلْفٍ، فحَصَلَتْ له الدَّراهِمُ وقَبَضَها، زَكّاها إذا حال عليها الحَوْلُ، مِن حِينَ قَبَضَها، وإن كانت على المُكْتَرِى، فمِن يَوْمِ وَجَبَتْ له فيها الزكاةُ، بمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ إذا وَجَب له على صاحِبِه، زَكّاه مِن يَوْمِ وَجَب له.
القِسْمُ الثّالِثُ، أن يَسْتَفِيدَ مالًا مِن جِنْسِ نِصابٍ عندَه، قد انْعَقَدَ عليه حَوْلُ الزكاةِ بسَبَبٍ مُسْتَقِلٍّ، كمَن عندَه أرْبَعُون مِن الغَنَمِ، مَضَى عليها بعضُ الحَوْلِ، فيَشْتَرِى أو يَرِثُ أو يَتَّهِبُ (2) مائةً، فهذا لا تَجِبُ فيه الزكاةُ حتى يَمْضِىَ عليه حَوْلٌ أيضًا. وبهذا قال الشافعيُّ. ولا يَبْنِى الوارِثُ حَوْلَه على حَوْلِ المَوْرُوثِ، وهو أحَدُ القَوْلَيْن للشافعىِّ؛ لأنَّه تَجْدِيدُ مِلْكٍ. والقَوْلُ الثّانِى، أنَّه يَبْنِى على حَوْلِ مَوْرُوثِه؛ لأنَّ مِلْكَه مَبْنِىٌّ على مِلْكِ المَوْرُوثِ، بدَلِيلِ أنَّه لو اشْتَرَى شيئًا مَعِيبًا، ثم مات، قام الوارِثُ مَقامَه في الرَّدِّ بالعَيْبِ. والأوَّلُ أوْلَى. وقال أبو حنيفةَ: يَضُمُّها إلى ما عندَه. في الحَوْل، فيُزَكِّيهِما جِميعًا عندَ تَمامِ حَوْلِ المالِ الأوَّلِ الذى كان عندَه، إلَّا أن يَكَونَ عِوَضًا مِن مالٍ مُزَكًّى. والدَّلِيلُ على ذلك أنَّه مالٌ
(1) في الأصل: «اكترى» .
(2)
في م: «يهب» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يُضَمُّ إلى جِنْسِه في النِّصابِ، فضُمَّ إليه في الحَوْلِ، كالنِّتاجِ، ولأنَّه إذا ضُمَّ في النِّصابِ وهو سَبَبٌ، فضَمُّه إليه في الحَوْلِ الذى هو شَرْطٌ أوْلَى. وبَيانُ ذلك أنَّه لو كان عندَه مائَتا دِرْهَمٍ، مَضَى عليها بعضُ الحَوْلِ، فوُهِبَ له مائةٌ أُخْرَى، فإنَّ الزكاةَ تَجِبُ فيها إذا تَمَّ حَوْلُها، بغيرِ خِلافٍ، ولولا المائتان ما وَجَب فيها شئٌ، فإذا ضُمَّتْ إلى المائَتَيْن في أصْلِ الوُجُوبِ، فكذلك في وَقْتِه، ولأنَّ إفْرادَه بالحَوْلِ يُفْضِى إلى تَشْقِيصِ الواجِبِ في السّائِمَةِ، واخْتِلافِ أوْقاتِ الواجِبِ، والحاجَةِ إلى ضَبْطِ أوْقاتِ التَّمَلُّكِ، ومَعْرِفَةِ قَدْرِ الواجِبِ في كلِّ جُزْءٍ مَلَكَه، ووُجُوبِ القَدْرِ اليَسِيرِ الذى لا يَتَمَكَّنُ مِن إخْراجِه، ويَتَكَرَّرُ ذلك، وهذا حَرَجٌ مَنْقِىٌّ بقَوْلِه تعالى:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (1). وقد اعْتَبَر الشَّرْعُ (2) ذلك بإيجابِ غيرِ الجِنْسِ فيما دُونَ خَمْسٍ وعِشْرِين مِن الإِبِلِ، وضَمَّ الأرْباحَ والنِّتاجَ إلى حَوْلِ أصْلِها مَقْرُونًا بدَفْعِ هذه المَفْسَدَةِ، فدَلَّ على أنَّه عِلَّةٌ لذلك، فيَتَعَدَّى الحُكْمُ إلى مَحَلِّ النِّزاعِ. وقال مالكٌ كقَوْلِ أبي حنيفةَ في السّائِمَةِ؛ دَفْعًا للتَّشْقِيصِ في الواجِبِ، وكقَوْلِنا في الأثْمانِ؛
(1) سورة الحج 78.
(2)
في م: «الشارع» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لعَدَمِ ذلك فيها. ولَنا، قَوْلُه عليه الصلاة والسلام:«لَا زَكَاةَ في مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» . رَواه ابنُ ماجه (1). وروَى التِّرْمِذيُّ (2) بإسْنادِه، عن ابنِ عُمَرَ، أنَّه قال: مَن اسْتَفادَ مالًا، فَلا زَكاةَ فيه حتى يَحُولَ عليه الحَوْلُ. ورَواه مَرْفُوعًا، إلَّا أنَّه قال: المَوْقُوفُ أصَحُّ. وإنَّما رَفَعَه عبدُ الرحمنِ بنُ زيدِ بنِ أسْلَمَ، وهو ضَعِيفٌ. ولأنه مَمْلُوكٌ أصْلًا، فيُعْتَبَرُ له الحَوْلُ شَرْطًا، كالمُسْتفادِ مِن غيرِ الجِنْس. وأمّا الأرْباحُ والنِّتاجُ، فإنَّما ضُمَّت إلى أصْلِها؛ لأنَّها تَبَعٌ لها، وَمُتَوَلِّدَةٌ منها، لا لِما ذَكَرْتُم، وإن سَلَّمْنا أنَّ عِلَّةَ ضَمِّها ما ذَكَرْتُمْ مِن الحَرَجِ، إلَّا أنَّ الحَرَجَ في الأرْباحِ يَكْثُرُ ويَتَكَرَّرُ في الأيَّام والسّاعاتِ، ويَعْسُرُ (3) ضَبْطُها، وكذلك النِّتاجُ، وقد يُوجَدُ ولا. يُشْعَرُ به، فالمَشَقَّةُ فيه أتَمُّ؛ لكَثْرَةِ تَكَرُّرِه، بخِلافِ هذه الأسبابِ المُسْتَقِلَّةِ، فإنَّ المِيراثَ والاغْتِنامَ والاتِّهابَ ونَحْوَ ذلك يَنْدُرُ ولا يَتَكَرَّرُ غالِبًا، فلا يَشُقُّ ذلك فيه، وإن شَقَّ
(1) تقدم تخريخه في صفحة 327.
(2)
في: باب ما جاء لا زكاة على المال المستفاد حتى يحول عليه الحول، من أبواب الزكاة. عارضة الأحوذى 3/ 125. كما أخرجه الإمام مالك، في: باب الزكاة في العين من الذهب والورق، من كتاب الزكاة. الموطأ 1/ 246.
(3)
في الأصل: «يعتبر» .