الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ فِى الْمَعْدِنِ:
وَمَنِ اسْتَخْرَجَ مِنْ مَعْدِنٍ نِصَابًا مِنَ الْأَثْمَانِ، أوْ مَا قِيمَتُهُ نِصَابٌ مِنَ الْجَوَاهِرِ، وَالصُّفْرِ، وَالزِّئْبَق، وَالْقَارِ، وَالنِّفْطِ، وَالْكُحْلِ، وَالزِّرْنِيخِ، وَسَائِرِ مَا يُسَمَّى مَعْدِنًا، فَفِيهِ الزَّكَاةُ فِى الْحَالِ، رُبْعُ الْعُشْرِ مِنْ قِيمَتِهِ، أوْ مِنْ عَيْنِهَا، إِنْ كَانَتْ أَثْمَانًا، سَوَاءٌ اسْتَخْرَجَهُ فِى دَفْعَةٍ أَوْ دَفَعَاتٍ لَمْ يَتْرُكِ الْعَمَلَ بَيْنَهَا تَرْكَ إِهْمَالٍ.
ــ
(فصل في المَعْدِنِ):
915 - مسألة: (ومَن اسْتَخْرَجَ مِن مَعْدِنٍ نِصابًا مِن الأثْمانِ، أو ما قِيمَتُه نِصابٌ مِن الجَواهِرِ، والقارِ، والصُّفْرِ، والزِّئْبَقِ، والكُحْلِ، والزِّرْنِيخِ، وسائِرِ ما يُسَمَّى مَعْدِنًا، ففيه الزكاةُ في الحالِ، رُبْعُ العُشْرِ مِن قِيمَتِه، أو مِن عَيْنِها، إن كانت أثْمانًا، سَواءٌ اسْتَخْرَجَه في دفْعَةٍ أو دفَعاتٍ لم يَتْرُكِ العَمَلَ بينَها تَرْكَ إهْمالٍ)
الكلامُ في هذه المَسْألةِ في فُصُولٍ أربعةٍ؛
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أحَدُها، في صِفَةِ المَعْدِنِ الذى تَتَعَلَّقُ به الزكاةُ، وهو كلُّ ما خَرَج مِن الأرْضِ ممّا خُلِق فيها مِن غيرِها ممّا له قِيمَةٌ، كالذى ذُكِر ههُنا ونَحْوِه مِن البِلَّوْرِ، والعَقِيقِ، وِالحَدِيدِ، والسَّبَجِ (1)، والزَّاجِ (2)، والمُغْرَةِ (3)، والكِبْرِيتِ، ونحْوِ ذلك. وقال الشافعىُّ، ومالكٌ: لا تَتَعَلَّقُ الزكاةُ إلَّا بالذَّهَبِ والفِضَّةِ؛ لقول النبىِّ صلى الله عليه وسلم: «لَا زَكَاةَ فِى حَجَرٍ» (4). ولأنَّه مالٌ مُقَوَّمٌ مُسْتَفَادٌ مِن الأَرْضِ، أشْبَهَ الطِّينَ الأحْمَرَ. وقال أبو حنيفةَ، في إحْدَى الرِّوايَتَيْن: تَتَعَلَّقُ الزكاةُ بكلِّ ما يَنْطَبعُ، كالرَّصاصِ والحَدِيدِ والنُّحاسِ، دُونَ غيرِه. ولَنا، عُمُومُ قولِه تعالى:{وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} (5). ولأنَّه مَعْدِنٌ،
(1) السبج: خرز أسود، الواحدة سبجة كقصب وقصبة.
(2)
الزاج الأبيض: كبريتات الخارصين. والزاج الأزرق: كبريتات النحاس. والزاج الأخضر: كبريتات الحديد.
(3)
المُغْرَة: مسحوق أكسيد الحديد، ويوجد في الطبيعة مختلطا بالطُّفال، وقد يكون أصفر أو أحمر بُنِّيًّا، ويستعمل في أعمال الطلاء. (المعجم الوسيط م غ ر).
(4)
أخرجه البيهقى، في: باب ما لا زكاة فيه من الجواهر غير الذهب والفضة، من كتاب الزكاة. السنن الكبرى 4/ 146.
(5)
سورة البقرة 267.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فتَعَلَّقَتِ الزكاةُ به، كالأثْمانِ، ولأنَّه مالٌ لو غَنِمَه خَمَّسَه، فإذا أخْرَجَه مِن مَعْدِنٍ وَجَبَتْ زَكاتُه، كالذَّهَبِ. فأمّا الطِّينُ فليس بمَعْدِنٍ؛ لأنَّه تُرابٌ، والمَعْدِنُ، ما كان في الأرْضِ مِن غيرِ جِنْسِها.
الفَصْلُ الثاني، في قَدْرِ الواجِبِ فيه، وصِفَتِه. وقَدْرُ الواجِبِ فيه رُبْعُ العُشْرِ. وهو زكاةٌ. وهذا قولُ عُمَرَ بنِ عبدِ العزِيزِ، ومالكٍ. وقال أبو حنيفةَ: الواجِبُ فيه الخُمْسُ، وهو فىْءٌ. واخْتارَه أبو عُبَيْدٍ (1). وقال الشافعىُّ: هو زكاةٌ. واخْتُلِفَ عنه في قَدْرِه كالمَذْهَبَيْن. واحْتَجَّ مَن أوْجَبَ الخُمْسَ بقولِه عليه الصلاة والسلام: «مَا لَمْ يَكُنْ فِى طَرِيقٍ مَأْتِىٍّ، وَلَا فِى قَرْيَةٍ عَامِرَةٍ، فَفِيهِ وَفِى الرِّكَازِ الْخُمْسُ» . رَواه النَّسائِىُّ، والجُوزْجانِىُّ (2). وفى حَدِيثٍ عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «وَفِى الرِّكَازِ
(1) انظر: الأموال 340، 341.
(2)
أخرجه النسائى، في: باب المعدن، من كتاب الزكاة. المجتبى 5/ 33. كما أخرجه أبو داود، في: كتاب اللقطة. سنن أبى داود 1/ 397. والإمام أحمد بلفظ آخر، في: المسند 2/ 180، 186، 203.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الْخُمْسُ»، قِيلَ: يا رسولَ اللَّهِ، ما الرِّكازُ؟ قال:«الذَّهَبُ والْفِضَّةُ الْمَخْلُوقَانِ فِى الْأَرْضِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ» (1). وعن أبى هُرَيْرَةَ، قال: قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الرِّكَازُ هُوَ الذَّهَبُ الذِى يَنْبُت مَعَ الْأَرْضِ» (1). وفى حديثِ علىٍّ، عليه السلام، أنَّه قال:«وَفِى السُّيُوبِ الْخُمْسُ» (2). قال: والسُّيُوبُ عُرُوقُ الذَّهَبِ والفِضَّةِ التى تَحْت الأرْضِ. ولَنا، ما روَى أبو عُبَيْدٍ (3)، بإسْنادِهِ، أنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أقْطَعَ بِلالَ بنَ الحارِثِ المُزَنِىَّ مَعادِنَ القَبَلِيَّةِ (4) مِن ناحِيَةِ الفُرْعِ (5)، قال: فتلك المَعادِنُ لا يُؤْخَذُ منها إلَّا الزكاةُ (6) إلى اليَوْمِ. وقد أسْنَدَه
(1) أخرجه البيقهى، في: باب من قال المعدن ركاز فيه الخمس، من كتاب الزكاة. السنن الكبرى 4/ 152.
(2)
ذكر ابن منظور، في اللسان (س ي ب) 1/ 477 أن ذلك كان في كتاب النبى صلى الله عليه وسلم لوائل بن حجر. ووائل بن حجر من أقيال اليمن، وفد على النبى صلى الله عليه وسلم، وكتب له كتابا، ومات في خلافة معاوية. أسد الغا بة 5/ 435، 436، الإصابة 6/ 596، 597.
(3)
في: الأموال 338.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في إقطاع الأرضين، من كتاب الخراج والفئ والإمارة. سنن أبى داود 2/ 154. والإمام مالك، في: باب الزكاة في المعادن، من كتاب الزكاة. الموطأ 1/ 248، 249. والبيهقى، في: باب زكاة المعدن ومن قال المعدن ليس بركاز، من كتاب الزكاة. السنن الكبرى 4/ 152.
(4)
في الأصل: «القبلة» .
(5)
الفرع: موضع بين نخلة والمدينة.
(6)
في النسخ: «الركاز» . والمثبت من مصادر التخريج.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كَثِيرُ بنُ عبدِ اللَّهِ بنِ عَمْرِو بنِ عَوْفٍ (1) المُزَنِىُّ، عن أبيه، عن جَدِّه (2). ورَواه الدَّراوَرْدِىُّ، عن رَبِيعَةَ عنِ (3) الحَارِثِ بنِ بِلالٍ، عن بِلالِ بنِ الحارِثِ، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم أخَذَ منه زَكاةَ المَعادِنِ القَبَلِيَّةِ. قال أبو عُبَيْدٍ (4): القَبَلِيَّةُ بِلاد مَعْرُوفَةٌ بالحِجازِ. ولأنَّها زَكاةُ أثْمانٍ فكانت رُبْعَ العُشْرِ، كسائِرِ الأثْمانِ، أو تَتَعَلَّقُ بالقِيمَةِ، أشْبَهَتْ زكاةَ التِّجارَةِ. وحَدِيثُهم الأوَّلُ لا يَتَناوَلُ مَحَلَّ النِّزاعِ؛ لأنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم إنَّما ذَكَر ذلك في جَواب سُؤالِه عن اللُّقَطَةِ، وهذا ليس بلُقَطَةٍ، فلا يَتَناوَلُه النَّصُّ، وحديثُ أَبي هُرَيرَةَ يَرْوِيه عبدُ اللَّهِ بنُ سعيدٍ، وهو ضَعِيفٌ. وسائِرُ أحادِيثِهم لا نَعْرِفُ صِحَّتَها، ولا هى مَذكُورَةٌ في المَسانِيدِ.
الفَصْلُ الثَّالِثُ، في نِصابِ المَعْدِنِ. وهو عِشْرُون مِثْقالًا مِن الذَّهَبِ، أو مائتا دِرْهَمٍ مِن الفِضَّةِ، أو قِيمَةُ ذلك مِن غيرِهما. وهذا مَذْهَبُ
(1) ف م: «عون» .
(2)
أخرجه أبو داود، في: باب في إقطاع الأرضين، من كتاب الخراج والفئ والإمارة. سنن أبى داود 2/ 155. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 306.
(3)
في الأصل: «ابن» .
(4)
في: الأموال 338.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الشافعىِّ. وقال أبو حنيفةَ: يَجِبُ الخُمْسُ في قَلِيلِه وكَثِيرِه، بِنَاءً على أنَّه رِكاز؛ لعُمُومِ الأحادِيثِ التى احْتَجُّوا بها، ولأنَّه لا يُشْتَرَطُ له حَوْلٌ، فلم يُشْتَرَطْ له نِصابٌ، كالرِّكازِ. ولَنا، قولُه عليه السلام:«لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أوَاقٍ صَدَقَة» (1). وقولُه عليه السلام: «لَيْسَ فِى الذَّهَبِ شَىْءٌ حَتَّى يَبْلُغَ عِشْرِينَ مِثْقَالًا» (2). ولأنّها زكاة تَتَعَلَّقُ بالأثْمانِ أو بالقِيمَةِ، فاعْتُبِرَ لها النِّصابُ، كالأثْمانِ والعُرُوضِ. وقد بَيَّنّا أن هذا ليس برِكازٍ، وأنَّه مُفارِقٌ للرِّكازِ مِن حيثُ إنَّ الرِّكازَ مالُ كافِرٍ مَظْهُورٌ عليه في الإِسْلامِ، فهو كالغَنِيمَةِ. وهذا وَجَب مُواساةً وشُكْرًا لنِعْمَةِ الغِنَى، فاعْتُبِرَ له النِّصابُ كسائِرِ الزَّكَواتِ. وإنَّما لم يُعْتَبَرْ له الحَوْلُ؛ لحُصُولِه دُفْعَةً واحِدَةً، فأشْبَهَ الزُّرُوعَ والثِّمارَ، ولأنَّ النَّماءَ يَتَكامَلُ فيه بالوُجُودِ والأخْذِ، فهو كالزَّرْعِ. إذا ثَبَت هذا، فإنَّه يُشْتَرَطُ إخْراجُ النِّصابِ دُفْعَةً واحِدَةً أو دُفَعاتٍ لا يُتْرَكُ العَمَلُ بَيْنَهُنَّ تَرْكَ إهْمالٍ، فإن أخْرَجَ دُونَ النِّصابِ، ثم تَرَك العَمَلَ مُهْمِلًا له، ثم أخْرَجَ دُونَ النِّصاب، فلا زكاةَ فيهما وإن بَلَغا بمَجْمُوعِهما نِصابًا؛ لفَواتِ الشَّرْطِ. وإن بَلَغ أحَدُهما نِصابًا
(1) تقدم تخريجه في صفحة 310.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 310.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
دُونَ الآخَرِ، زَكَّى النِّصابَ وَحْدَه، ويَجِبُ فيما زاد على النِّصابِ بحِسابِه، كالأثْمانِ والخارِجِ مِن الأرْضِ. فأمّا تَرْكُ العَمَلِ لَيْلًا، وللاسْتِراحَةِ، أو لعُذْرٍ مِن مَرَضٍ، أو لإصْلاحِ الأداةِ، أو إباقِ عَبْدٍ، ونَحْوِه، فلا يَقْطَعُ حُكْمَ العَمَلِ، وحُكْمُه حُكْمُ المُتَّصِلِ، لأنَّ العادَةَ كذلك. وكذلك إن كان مُشْتَغِلًا بالعَمَلِ، فخَرَجَ بينَ المَعْدِنَيْن تُرابٌ، لا شئَ فيه.
فصل: وإنِ اشْتَمَلَ المَعْدِنُ على أجْناسٍ، كمَعْدِنٍ فيه الذَّهَبُ والفِضَّةُ، فذَكَرَ القاضى أنَّه لا يُضَمُّ أحَدُهما إلى الآخَرِ في تَكْمِيلِ النِّصابِ؛ لأنَّها أجْناسٌ، فلا يُضَمُّ أحَدُهما إلى غيرِه، كغيرِ المَعْدِنِ. قال شيخُنا (1): والصَّوابُ، إن شاء اللَّهُ، أنَّه إن كان المَعْدِنُ يَشْتَمِلُ على ذَهَبٍ وفِضةٍ، ففى ضَمِّ أحَدِهما إلى الآخَرِ وَجْهان مَبْنِيّان على الرِّوايَتَيْن في ضَمِّ أحَدِهما إلى الآخَرِ في غيرِ المَعْدِنِ، وإن كان فيه أجْناسٌ مِن غيرِ (2) الذَّهَبِ والفِضَّةِ، ضُمَّ بَعْضها إلى بَعْض؛ لأنَّ الواجِبَ في قِيمَتِها،
(1) في: المغنى 4/ 243.
(2)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فأشْبَهَتْ عُرُوضَ التِّجارَةِ. وإن كان فيها أحَدُ النَّقْدَيْن، وجِنْسٌ آخَرُ، ضُمَّ أحَدُهما إلى الآخَرِ، كما تُضَمُّ العُرُوضُ إلى الأثْمانِ. وإنِ اسْتَخْرَجَ نِصابًا مِن مَعْدِنَيْن، وَجَبَتِ الزكاةُ فيه، كالزَّرْعِ في مَكانَيْن.
الفَصْلُ الرَّابع، في وَقْتِ الوُجُوبِ. وتَجِبُ الزكاةُ فيه حينَ يَتَناوَلُه ويَكْمُلُ نِصابُه، ولا يُعْتَبَرُ له حَوْل. وهذا قولُ مالكٍ، والشافعىِّ، وأصحابِ الرَّأْىِ. وقال إسحاقُ، وابنُ المُنْذِرِ: يُعْتَبَرُ له الحَوْلُ؛ لعُمُومِ قولِه عليه السلام: «لَا زَكَاةَ فِى مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» (1).
(1) تقدم تخريجه في صفحة 327.