الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا تَسْقُطُ بِتَلَفِ الْمَالِ. وَعَنْهُ، أَنَّهَا تَسْقُطُ إِذَا لَمْ يُفَرِّطْ.
ــ
مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» (1). فمَفْهُومُه وُجُوبُها عليه إذا حالَ الحَوْلُ، ولأنَّه لو لم يَتَمَكَّنْ مِن الأداءِ حتى حال عليه حَوْلان، وَجَبَتْ زَكاةُ الحَوْلَيْن، ولا يَجُوزُ وُجُوبُ فَرْضَيْن في نِصابٍ واحِدٍ في حالٍ واحِدَةٍ، وقِياسُهم يَنْقَلِبُ عليهم، فيُقالُ: عِبادَةٌ، فلا يُشْتَرَطُ لوُجُوبِها إمْكانُ الأداءِ، كسائِرِ العِباداتِ، فإنَّ الصَّوْمَ يَجِبُ على الحائِض والمَرِيضِ والعاجِزِ عن أدائِه، والصلاةُ تَجِبُ على المُغْمَى عليه والنّائِمِ، ومَن أدْرَكَ مِن أوَّلِ الوَقْتِ جُزْءًا ثم جُنَّ أو حاضَتِ المَرأَةُ. ثم الفَرْقُ بينَهما أنَّ تلك العِباداتِ بَدَنِيَّةٌ، يُكَلَّفُ فِعْلَها ببَدَنِه، فأسْقَطَها تَعَذُّر فِعْلِها، وهذه عِبادَةٌ مالِيَّةٌ، يُمْكِنُ ثُبُوتُ الشَّرِكَةِ للمَساكِينِ في مالِه والوُجُوب في ذِمَّتِه مع عَجْزِه عن الأداءِ، كثُبُوتِ الدُّيُونِ في ذِمَّةِ المُفْلِسِ وتَعَلُّقِها بمالِه بجنَايَتِه.
843 - مسألة: (ولا تَسقُطُ بتَلَفِ المالِ. وعنه، أنَّها تَسْقُطُ إذا لم يُفَرِّطْ)
المَشْهُورُ عن أحمدَ، أنَّ الزكاةَ لا تَسْقُطُ بتَلَفِ المالِ، سَواءٌ
(1) تقدم تخريجه في صفحة 327.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فَرَّطَ أو لم يُفَرِّطْ. وحَكَى عنه المَيْمُونِيُّ أنَّه إن تَلِفَ (1) النِّصابُ قبلَ التَّمَكنِ مِن الأداء سَقَطَتِ الزكاةُ، وإن تَلِفَ بعدَه لم تَسْقُطْ. وحَكاه ابنُ المُنْذِرِ مَذْهَبًا لأحمدَ. وهو قَوْلُ الشافعيِّ، والحسنِ بنِ صالِحٍ، وإسْحاقَ، وأبى ثَوْرٍ، وابنِ المُنْذِرِ. وبه قال مالكٌ، إلَّا في الماشِيَةِ، فإنَّه قال: لاشئَ فيها حتى يَجِئَ المُصَدِّقُ، فإن هَلَكَتْ قبلَ مَجِيئِه فلا شئَ عليه. وقال أبو حنيفةَ: تَسْقُطُ الزكاةُ بتَلَفِ النِّصاب على كلِّ حالٍ، إلَّا أن يكونَ الإمامُ قد طالَبَه بها فمَنَعَه؛ لأنَّه تَلَفٌ قبلَ مَحَلِّ الاسْتِحْقاقِ،
(1) في م: «أتلف» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فسَقَطَتِ الزكاةُ، كما لو تَلِفَتِ الثَّمَرَةُ قبلَ الجَذاذِ، ولأنَّه تَعَلَّقَ بالعَيْن، فسَقَطَ بتَلَفِها، كأرْشِ الجِنايَةِ في العَبْدِ الجانِى. ومَنْ اشْتَرَطَ التَّمَكُّنَ قال: هذه عِبادَةٌ يَتَعَلَّقُ وُجُوبُها بالمالِ، فيسْقُطُ فَرْضُها بتَلَفِه قبلَ إمْكانِ أدائِهَا، كالحَجِّ. ومَن نَصَر الأوَّلَ، قال: مالٌ وَجَب في الذِّمَّةِ، فلم يسْقُطْ بتَلَفِ النِّصابِ، كالدَّيْنِ أو: فلم يُشْتَرَطْ في ضَمَانِه إمْكانُ الأداءِ، كثَمَنِ المَبِيعِ. فأمّا الثَّمَرَةُ، فلا تَجبُ زَكاتُها في الذِّمَّةِ حتى تُحْرَزَ؛ لأنَّها في حُكْمِ غيرِ المَقْبُوضِ، ولهذا لو تَلِفَتْ كانت مِن ضَمانِ البائِعِ، على ما دَلَّ عليه الخَبَرُ. وإذا قُلْنا بوُجُوبِ الزكاةِ في العَيْنِ، فليس هو بمَعْنَى اسْتِحقاقِ جُزْءٍ منه، ولهذا لا يُمْنَعُ التَّصَرُّفُ فيه، والحَجُّ لا يَجِبُ حتى يَتَمَكَّنَ مِن الأداءِ، فإذا وَجَبَ لم يَسْقُطْ بتَلَفِ المالِ، بخِلافِ الزكاةِ، فإنَّ التَّمَكُّنَ ليس بِشَرْطٍ لوُجُوبِها، على ما قَدَّمْنا. قال شيخُنا (1):
(1) في: المغنى 4/ 145.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والصَّحِيحُ، إن شاء اللهُ، أنَّ الزكاةَ تَسْقُطُ بتَلَفِ المالِ، إذا لم يُفَرِّطْ في الأداءِ؛ لأنَّها تَجِبُ على سَبِيلِ المُواساةِ، فلا تَجِبُ على وَجْهٍ يَجِبُ أداؤُّها مع عَدَمِ المالِ وفَقْرِ مَن تَجِبُ عليه، ولأنَّه حَقٌّ يَتَعَلَّقُ بالعَيْنِ، فيَسْقُطُ بِتَلَفِها مِن غيرِ تَفْرِيطٍ، كالوَدِيعَةِ. والتَّفْرِيطُ، أن يُمْكِنَه إخْراجُها فلا يُخْرِجُها، فإن لم يَتَمَكَّنْ مِن إخْراجِها فليس بمُفَرِّطٍ، سَواءٌ كان لعَدَمِ المُسْتَحِقِّ، أو لبُعْدِ المالِ، أو لكَوْنِ الفَرضِ لا يُوجَدُ في المالِ، ولا يَجِدُ ما يَشْتَرِى، أو كان في طَلَبِ الشِّراءِ، ونحْوِ ذلك. وإن قُلْنا بوُجُوبِها بعدَ التَّلَفِ، فأمْكَنَه أداؤُّها، أدّاها، وإلَّا اُّمْهِلَ إلى مَيْشرَتِه وتَمكُّنِه مِن أدَائِها مِن غيرِ مَضَرَّةٍ عليه، لأنَّه إذا لَزِم إنْظارُه بدَيْنِ الآدَمِيِّ المُعَيَّنِ، فهذا أوْلَى. فإن تَلِف الزّائِدُ عن النِّصابِ في السّائِمَةِ، لم يَسْقُطْ شئٌ مِن الزكاةِ؛ لأنَّها تَتَعَلَّقُ بالنِّصابِ دُونَ العَفْوِ.