الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ فِى الْخُلْطَةِ:
وَإِذَا اخْتَلَطَ نَفْسَانِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ فِى نِصَابٍ مِنَ الْمَاشِيَةِ حَوْلًا، لَمْ يَثْبُتْ لَهُمَا حُكْمُ الِانْفِرَادِ فِى بَعْضِه، فَحُكْمُهُمَا فِى الزَّكَاةِ حُكْمُ الْوَاحِدِ، سَوَاءٌ كَانَتْ خُلْطَةَ أَعْيَانٍ؛ بِأَنْ يَكُونَ مُشَاعًا بَيْنَهُمَا، أَوْ خُلْطَةَ أَوْصَافٍ؛ بِأَنْ يَكُونَ مَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَمَيِّزًا، فَخَلَطَاهُ وَاشْتَرَكَا فِى الْمُرَاحِ وَالْمَسْرَحِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَحْلَبِ وَالرَّاعِى وَالْفَحْلِ.
ــ
(فصلٌ في الخُلْطَةِ)
871 - مسألة: (وإذا اخْتَلَطَ نَفْسان أو أكْثَرُ مِن أهلِ الزكاةِ في نِصابٍ مِن الماشِيَةِ حَوْلًا، لَم يَثْبُتْ لهما حُكْمُ الانْفِرادِ في بَعْضِه، فحُكْمُهما في الزكاةِ حُكْمُ الواحِدِ، سَواءٌ كانت خُلْطَةَ أعْيانٍ؛ بأن يَكُونَ مُشاعًا بينَهما، أو خُلْطَةَ أوْصافٍ؛ بأن يَكُونَ مالُ كلِّ واحِدٍ منهما مُتَمَيِّزًا، فخَلَطاه واشْتَرَكا في المُراحِ والمَسْرَحِ والمَشْرَبِ والرّاعِي والفَحْلِ)
الخُلْطَةُ في السّائِمَةِ تَجْعَلُ المالَيْن كالمالِ الواحِدِ إذا وُجِدَتْ فيها الشُّرُوطُ المَذْكُورَةُ، فتَجِبُ فيها الزكاةُ إذا بَلَغ المَجْمُوعُ نِصابًا. فإذا كان لكلِّ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
واحِدٍ منهما عِشْرُوِن، فعليهما شاةٌ، وإن زاد المالان على النِّصاب، لم يَتَغَيَّرِ الفَرْضُ حتى يَبْلُغا فرِيضَةً ثانِيَةً، مثلَ أن يَكُونَ لكلِّ واحِدٍ منهما سِتُّون شاةً، فلا يَجِبُ عليهما إلَّا شاةٌ، وسَواءٌ كانت خُلْطَةَ أعْيانٍ؛ بأن تَكُونَ الماشِيَةُ مُشْتَرَكَة بينَهما، لكلِّ واحِدٍ منهما نَصِيبٌ مُشاعٌ، مثلَ أن يَرِثا نِصابًا أو يَشْتَرِياه، فيُبْقِياه بحالِه.، أو خُلْطَةَ أوْصافٍ؛ وهى أن يَكُونَ مالُ كلِّ واحِدٍ منهما مُتَمَيِّزًا، فخَلَطاه، واشْتَرَكا في الأوْصافِ التى ذَكَرْناها. وسَواءٌ تَساوَيا في الشَّرِكَةِ، أو اخْتَلَفا، مثلَ أن يَكُونَ لرجلٍ شاةٌ، ولآخَرَ تِسْعَةٌ وِثَلاُثون، أو يَكُونَ لأرْبَعِين رَجُلًا أرْبَعُون شاةً، لكلِّ واحِدٍ منهم شاةٌ. نصَّ عليهما أحمدُ. وهذا قولُ عَطاءٍ، والأوْزاعِىِّ،: اللَّيْثِ، والشافعىِّ، وإسْحاقَ. وقال مالكٌ: إنَّما تُؤَثِّرُ الخُلْطَةُ إذا كان لكلِّ واحِدٍ مِن الشُّرَكاءِ نِصابٌ. وحُكِىَ ذلك عن الثَّوْرِىِّ، وأبي ثَوْرٍ. واخْتارَه ابنُ المُنْذِرِ.
وقال أبو حنيفةَ: لا أثَرَ لها بحالٍ؛ لأنَّ مِلْك كلِّ واحِدٍ دُونَ النِّصابِ، فلم يَجِبْ عليه زكاةٌ، كما لو انْفَرَدَ. [وله، فيما إذا اخْتَلَطا في نِصابَيْن](1) أنَّ كلَّ واحِدٍ منهما يَمْلِكُ أرْبَعِين مِن الغَنَمِ، فوَجَبَتْ عليه شاةٌ؛ لقَوْلِه عليه الصلاة والسلام:«فِى أرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» (2). ولَنا، ما رَوَى
(1) في الأصل: «وله على ملك» . وفى م: «وعلى قول مالك» . والمثبت هو الصواب. انظر المغنى 4/ 52.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 316.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
البخارىُّ في حَدِيثِ أنَسٍ (1): «وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، ولا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ، خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ، وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ، فإنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا (2) بِالسَّوِيَّةِ» . ولا يَجِئُ التَّراجُعُ إلَّا على قَوْلِنا في خُلْطَةِ الأوْصافِ. وقَوْلُه: «لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ» . إنَّما يَكُونُ هذا إذا كان لجَماعَةٍ، فإنَّ الواحِدَ يَضُمُّ بَعْضَ مالِه إلى بَعْضٍ وإن كان في أماكِنَ، وهكذا قَوْله:«لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ» . ولأنَّ للخُلْطَةِ تَأْثِيرًا في تَخْفِيفِ المُؤْنَةِ، فجاز أن تُؤَثِّرَ في الزكاةِ، كالسَّوْمِ، وقِياسُهم مع مُخالَفَةِ النَّصِّ غيرُ مَسْمُوعٍ.
فصل: ويُعْتَبَرُ للخُلْطَةِ شُرُوطٌ أرْبَعَةٌ؛ أوَّلُها، أن يَكُونَ الخَلِيطان مِن أهلِ الزكاةِ، فإن كان أحَدُهما ذِمِّيًّا، أو مُكاتَبًا لم يُعْتَدَّ بخُلْطِته؛ لأنَّه لا زكاةَ في مالِه، فلم يَكْمُلِ النِّصابُ به. الثّانِى، أن يَخْتَلِطا في نِصابٍ؛ إمّا في خَمْسٍ مِن الإِبِلِ، أو ثَلاثِين مِن البَقَرِ، أو أرْبَعِين مِن الغَنَمِ، فإنِ اخْتَلَطا فيما دُونَ. النِّصابِ لم تُؤَثِّرِ الخُلْطَةُ، سواءٌ كان لهما مالٌ سِواه أو لم يَكُنْ؛ لأنَّ المُجْتَمِعَ دُونَ النِّصابِ، فلم تَجِبِ الزكاةُ فيه. الثّالِثُ، أن يَخْتَلِطا في جَمِيعِ الحَوْلِ، فإنِ اخْتَلَطُوا في بعضِه لم يُؤَثِّرِ اخْتِلاطُهم.
(1) تقدم تخريجه في صفحة 395.
(2)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وبه قال الشافعيُّ في القول الجَدِيدِ. وقال مالكٌ: لا يُعْتَبَرُ اخْتِلاطُهم في أوَّلِ الحَوْلِ؛ لقولِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم: «لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ» . يَعْنِى في وَقْتِ الزكاةِ. ولَنا، أنَّ هذا مالٌ ثَبَت له حُكْمُ الانْفِرادِ في بعضِ الحَوْلِ، أشبَهَ مالو انْفَرَدَ في آخِرِ الحَوْلِ، ولأنَّ الخُلْطَةَ مَعْنًى يَتَعَلَّقُ به إيجابُ الزكاةِ، فاعْتُبِرَتْ في جَمِيعِ الحَوْلِ، كالنِّصابِ. الرّابعُ، أن يَكُونَ اخْتِلاطُهم في السّائِمَةِ. وسَنَذْكرُ ذلك، إن شاء الله تعالى.
فصل: ويُعْتَبَرُ لخُلْطَةِ الأوْصافِ اشْتِراكُهم في الأوْصافِ المَذْكُورَةِ، وهى سِتَّةٌ؛ المُراحُ، وهو الذى تَرُوحُ إليه الماشِيَةُ، قال اللهُ تعالى:{حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ} (1). والمَسْرَحُ، وهو
(1) سورة النحل 6.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المَرْعَى الذى تَرْعَى فيه الماشِيَةُ، والمَحْلَبُ، المكانُ الذى تُحْلَبُ فيه الماشِيَةُ، وليس المُرادُ منه خَلْطَ اللَّبَنِ في إناءٍ واحِدٍ؛ لأنَّ هذا ليس بمَرْفَقٍ (1)، بل مَشَقَّةٌ، لِما فيه مِن الحاجَةِ إلى قَسْمِ اللَّبَنِ. والفَحْلُ، وهو أن لا يَكُونَ فُحُولَةُ أحدِ المالَيْن لا تَطْرُقُ غيرَه. والرّاعِى، وهو أن لا يَكُونَ لكلِّ مالٍ راعٍ، يَنْفرِدُ برِعاِيَتِه دُونَ الآخَرِ. والأصْلُ في هذه الشُّرُوطِ ما رَوَى سعدُ بنُ أبي وَقّاصٍ، قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: «لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، وَلَا يُفرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ، خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ، وَالْخَلِيطَانِ مَا اجْتَمَعَا فِى الْحَوْضِ وَالْفَحْلِ والرَّاعِى» . رَواه الدّارَقُطْنِىُّ (2). ورُوِىَ «المَرْعَى» . وبنَحْوِ هذا قال الشافعىُّ. وقال
(1) في م: «بموافق» .
(2)
في: باب تفسير الخليطين. . . .، من كتاب الزكاة. سنن الدارقطنى 2/ 104.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بَعْضُ أصحاب مالكٍ: لا يُعْتَبَرُ إلَّا شَرْطان؛ الرّاعِى والمَرْعَى؛ لقَوْلِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ، وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفرِّقٍ» . والاجْتِماعُ يَحْصُلُ بذلك، ويُسَمَّى خُلْطَةً، فاكْتُفِىَ به. ولَنا، قَوْلُه:«وَالْخَلِيطَانِ مَا اجْتَمَعَا فِى الْحَوْضِ وَالرَّاعِى وَالْفَحْلِ» . وحَكَى ابنُ أبى موسى، عن أحمدَ أنَّه لا يُعْتَبَرُ إلَّا الحَوْضُ والرّاعِى والمُراحُ. وهو
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بَعِيدٌ؛ لأنَّه تَرَك ذِكْرَ الفَحْلِ وهو مَذْكُورٌ في الحَدِيثِ. فإن قِيلَ: فلِمَ اعْتَبَرتُمْ زِيادَةً على هذا؟ قُلنا.: هذا تَنْبِيهٌ على بَقِيَّةِ الشَّرائِطِ، وإلْغاءٌ لِما ذَكَرُوه، ولأنَّ لكلِّ واحِدٍ مِن هذه الأوْصافِ تأْثِيرًا، فاعْتُبِرَ كالمَرْعَى.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولا تُعْتَبَرُ نِيَّةُ الخُلْطَةِ. وحُكِىَ عن القاضى أنَّه اشْتَرَطَها. ولَنا، قولُه عليه - السلامُ:«وَالْخَلِيطَانِ مَا اجْتَمَعَا فِى الْحَوضِ وَالرَّاعِى والْفَحْلِ» . ولأنَّ النِّيَّةَ لا تُؤَثِّرُ في الخُلْطَةِ، فلا تُؤَثِّرُ في حُكْمِها، ولأنَّ المَقْصُودَ مِن الخُلْطَةِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مِن الارْتِفاقِ يَحْصُلُ بدُونِها، فلم يُعْتَبَرْ وُجُودُها معه،؛ لا تُعْتَبَرُ نِيَّةُ السَّوْمِ في السّائِمَةِ، ولا نِيَّةُ السَّقْىِ في الزُّرُوعِ والثِّمارِ.