الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِلَّا أَنْ يَقْصِدَ بِذَلِكَ الْفِرَارَ مِنَ الزَّكَاةِ عِنْدَ قُرْبِ وُجُوبِهَا، فَلَا تَسْقُطُ.
ــ
839 - مسألة: (إلَّا أن يَقْصِدَ بذلك الفِرارَ مِن الزكاةِ عندَ قُرْبِ وُجُوبِها، فلا تَسْقُطُ)
وكذا لو أتْلَفَ جُزْءًا مِن النِّصابِ، ليَنْقُصَ النِّصابُ، فتَسْقُطَ عنه الزكاةُ، لم تَسْقُطْ، وتُؤْخَذُ منه في آخِرِ الحَوْلِ. وهذا قولُ مالكٍ، والأوْزاعِيِّ، وابنِ الماجِشُون، وإسْحاقَ، وأبى عُبَيْدٍ. وقال أبو حَنيفةَ، والشافعيُّ: تَسقُطُ عنه الزكاةُ، لأنَّه نَقَص قبلَ تَمامِ حَوْلِه، فلمِ تَجِبْ فيه الزكاةُ، كما لو أتْلَفَه لحاجَتِه. ولَنا، قَوْلُه عز وجل:{إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ} إلى قَوْلِه: {فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ} (1). فعاقَبَهم اللهُ تَعالَى بذلك، لفِرارِهم مِن الصَّدَقَةِ.
(1) سورة القلم 17 - 20.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولأنَّه قَصَد إسْقاطَ نَصِيبِ مَن انْعَقَدَ سَبَبُ اسْتِحْقاقِه، فلم يَسْقُطْ، كما لو طَلَّقَ امْرَأَتَه في مَرَضِ مَوْتِه، ولأنَّه لَمّا قَصَد قَصْدًا فاسِدًا، اقْتَضَتِ الحِكْمَةُ عُقُوبَتَه بنَقِيضِ قَصْدِه، كمَن قَتَل مَوْرُوثَه لاسْتِعْجالِ مِيراثِه، عاقَبَه الشَّرْعُ بالحِرْمانِ. أمّا إذا أتْلَفَه لحاجَةٍ، فلم يَقْصِدْ قَصْدًا فاسِدًا، وإنَّما يُؤَثِّرُ ذلك إذا كان عندَ قُرْبِ الوُجُوبِ؛ لأنَّه حِينَئِذٍ مَظِنَّةُ الفِرارِ، فإن فَعَل ذلك في أوَّلِ الحَوْلِ لم تَجِبِ الزكاةُ، لكَوْنِه ليس بمَظِنَّةٍ للفِرارِ. وقِيلَ: تَجِبُ؛ لِما ذَكَرْنا.
فصل: وإذا قُلْنا: لا تَسْقُطُ الزكاةُ. وحالَ الحَوْلُ، أخْرَجَ الزكاةَ مِن جِنْسِ المالِ المَبِيعِ، دُونَ المَوْجُودِ، لأنَّه الذى وَجَبَب الزكاةُ بسَبَبِه، ولَوْلاه لم تَجِبْ في هذه زكاةٌ.
فصل: وإذا باعَ النِّصابَ فانْقَطَعَ الحَوْلُ، ثم وَجَد بالثانِى عَيْبًا فرَدَّه، اسْتَأْنَفَ حَوْلًا لزَوالِ مِلْكِه بالبَيْعِ، قَلَّ الزَّمانُ أو كَثُرَ. وإن حالَ الحَوْلُ على النِّصاب المُشْتَرَى وَجَبَتْ فيه الزكاةُ، فإن وَجَد به عَيْبًا قبلَ إخْراجِ زَكاتِه فله الرَّدُّ، سَواءٌ قُلْنا: الزكاةُ تَتَعَلَّقُ بالعَيْنِ، أو بالذِّمَّةِ؛ لأنَّ الزكاةَ لا تَتَعَلَّقُ بالعَيْنِ، بمَعْنَى اسْتِحْقاقِ الفُقراءِ جُزْءًا منه، بل بمَعْنَى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تَعَلُّقِ حَقِّهم به، كتَعَلُّقِ الأرْشِ بالجانِى، فعلى هذا يَرُدُّ النِّصابَ، وعليه إخْرَاجُ زَكَاتِه مِن مالٍ آخَرَ. فإن أخْرَجَ الزكاةَ منه، ثم أرادَ رَدَّه، انْبَنَى على المَعِيبِ إذا حَدَث به عَيْبٌ آخَرُ عندَ المُشْتَرِى، هل له رَدُّه؟ على رِوايَتَيْن، ومتى رَدَّه فعليه عِوَضُ الشّاةِ المُخْرَجَةِ، تُحْسَبُ عليه بحِصَّتِها مِن الثَّمَنْ، والقَوْلُ قَوْلُ المُشْتَرِى في قِيمَتِها مع يَمِينِه؛ لأنَّه غارِمٌ، إذا لِم تكنْ بَيِّنَةٌ. وفيه وَجْهٌ، أنَّ القَوْلَ قَوْلُ البائِعِ؛ لأنَّه يَغْرَمُ ثَمَنَ. المَبِيعِ، فيَرُدُّه. والأوَّلُ أصَحُّ؛ لأنَّ الغارِمَ لثَمَنِ الشّاةِ المُدَّعاةِ هو المُشْتَرِى. فإن أخْرَجَ الزكاةَ مِن غيرِ النِّصابِ، فله الرَّدُّ وَجْهًا واحِدًا.
فصل: وإنْ كان البَيْعُ بالخِيارِ، انْقَطَعَ الحَوْلُ في ظاهِرِ المَذْهَبِ، سَواءٌ كان الخِيارُ للبائِعِ أو للمُشْتَرِى، أو لهما؛ لأنَّ ظاهِرَ المَذْهَبِ أنَّ البَيْعَ بشَرْطِ الخِيارِ يَنْقُلُ المِلْكَ عَقِيبَ العَقْدِ، ولا يَقِفُ على انْقِضاءِ الخِيارِ. فعلى هذا إذا رُدَّ المَبِيعُ على البائِعِ اسْتَقْبَلَ به حَوْلًا. وعن أحمدَ، لا يَنْتَقِلُ المِلْكُ حتى يَنْقَضِىَ الخِيارُ. وهو قولُ مالكٍ. وقال أبو حنيفةَ:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لا يَنتقِلُ المِلْكُ إن كان الخِيارُ للبائِعِ، وإن كان للمُشْتَرِى خَرَج عن البائِعِ، ولم يَدْخُلْ في مِلْكِ المُشْتَرِى. وعن الشافعيِّ ثَلاثَةُ أقْوالٍ؛ قَوْلان كالرِّوايَتَيْن، وقَوْلٌ ثالِثٌ، أنَّه مُرَاعًى، فإن فسَخاه تَبَيَّنّا أنَّه لم يَنْتَقِلْ، وإلَّا تَبَيَّنّا أنَّه انْتَقَلَ. ولَنا، أنَّه بَيْعٌ صَحِيحٌ، فانْتَقَلَ المِلْكُ عَقِيبَه، كما لو لم يُشْتَرَطِ الخِيارُ. وهكذا الحُكْمُ لو فَسَخا البَيْعَ في المَجْلِسِ بخِيارِهما؛ لأنَّه لا يَمْنَعُ نَقْلَ المِلْكِ، فهو كخِيارِ الشَّرْطِ. ولو مَضَى الحَوْلُ في مُدَّةِ الخِيارِ، ثم فَسَخا البَيْعَ، كانت زَكاتُه على المُشْتَرِى؛ لأنَّه مِلْكُه وإن قُلْتا بالرِّوايَةِ الأُخْرَى، لم يَنْقَطِعِ الحَوْلُ ببَيْعِه؛ لأنَّ مِلْك البائِعِ لم يَزُلْ عنه. ولو حال عليه الحَوْلُ في مُدَّةِ الخِيارِ، كانت زَكاتُه على البائِعِ، فإن أخْرَجَها مِن غيرِه، فالبَيْعُ بحالِه، وإن أخْرَجَها منه بَطَل البَيْعُ في المُخْرجِ، وهل يَبْطُلُ في الباقِى؟ على وَجْهَيْن، بِناءً على تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. وإن لم يُخْرِجْها حتى سُلِّمَتْ إلى المُشْتَرِى، وانْقَضَتْ مُدَّةُ الخِيارِ، لَزِم البَيْعُ فيه، وكان عليه الإِخْراجُ مِن غيرِه، كما لو باع ما وَجَبَتْ فيه الزكاةُ. ولو اشْتَرَى عَبْدًا، فهَلَّ هِلالُ شَوّالٍ، ففِطْرَتُه على المُشْتَرِى، وإن كان في مُدَّةِ الخِيارِ على الصَّحِيحِ. وعلى الرِّوايَةِ الأُخْرَى، يَكُونُ في مُدَّةِ الخِيارِ على البائِعَ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإن كان البَيْعُ فاسِدًا، لم يَنْقَطِعْ به الحَوْلُ، وبَنَى على حَوْلِه الأوَّلِ؛ لأنَّه لا يَنْقُلُ المِلْكَ إلَّا أن يَقْبِضَه المُشْتَرِى ويَتَعَذَّرَ رَدُّه، فيَصيرَ كالمَغْصُوبِ، على ما مَضَى.
فصل: ويَجُوزُ التَّصَرُّفُ في النِّصابِ الذى وَجَبَتْ فيه الزكاةُ بالبَيْعِ وأنْواعِ التَّصَرُّفاتِ، وليس للسّاعِى فَسْخُ البَيْعِ. وقال أبو حنيفةَ: يَصِحُّ، إلَّا أنَّه إذا امْتَنعَ مِن أداءِ الزكاةِ نَقَض البَيْعَ في قَدْرِها. وقال الشافعىُّ في أحَدِ قَوْلَيْه: لا يَصِحُّ لأنَّنا إن قُلْنا: إنَّ الزكاةَ تَتَعَلَّقُ بالعَيْنِ. فقد باع ما لا يَمْلِكُه. وإن قُلْنا: تَتَعَلَّقُ بالذَّمِّةِ. فقَدْرُ الزكاةِ مُرْتَهَنٌ بها، وبَيْعُ الرَّهْنِ لا يَجُوزُ. ولَنا، - أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن بَيْعِ الثَّمَرَةِ حتى يَبْدُوَ صَلاحُها. مُتَّفقٌ عليه (1). ومَفْهُومُه صِحَّةُ بَيْعِها إذا بَدَا صَلاحُها،
(1) أخرجه البخارى، في: باب من باع ثماره أو نخله أو أرضه. . . .، من كتاب الزكاة، وفى: باب بيع المزابنة، وباب بيع الثمر على رءوس النخل بالذهب والفضة، وباب بيع الثمار قبل أن ييدو صلاحها، وباب بيع النخل قبل أن ييدو صلاحها، وباب إذا باع الثمار قبل أن ييدو صلاحها، من كتاب البيوع، وفى: باب الرجل يكون له ممر أو شرب في حائط أو في نخل، من كتاب المساقاة. صحيح البخارى 2/ 157، 3/ 98، 99، 101، 151. ومسلم، في: باب النهى عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها، وباب تحريم بيع الرطب بالتمر إلا في العرايا، وباب النهى عن المحاقلة والمزابنة. . . . من كتاب البيوع. صحيح مسلم 3/ 1165 - 1168، 1174. كما أخرجه أبو داود، في: باب في بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 227. والنسائى، في: باب بيع التمر قبل أن ييدو صلاحه، وباب العرايا بالرطب، من كتاب البيوع. المجتبى 7/ 231، 235، 236. وابن ماجه، في: باب النهي عن بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه 2/ 746، 747. والدارمى، في: باب في النهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، من كتاب البيوع. سنن الدارمى 2/ 252. والإمام مالك، في: باب النهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، من كتاب البيوع. الموطأ 2/ 618. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 7، 46، 56، 59، 62، 63، 75، 79، 80، 123، 363، 3/ 372، 381، 5/ 185، 190، 192، 6/ 70، 106.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وهو عامٌّ فيما تَجِبُ فيه الزكاةُ وغيرِه. ونَهَى عن بَيْعِ الحبِّ حتى يَشْتَدَّ، والعِنَبِ حتى يَسْوَدَّ (1). وهما ممّا تَجِبُ الزكاةُ فيه. ولأنَّ الزكاةَ إن وَجَبَتْ في الذِّمَّةِ لم تَمْنَعْ صِحَّةَ بَيْعِ النِّصابِ، كما لو باع مالَه وعليه دَيْنٌ لآدَمِىٍّ. وإن تَعَلَّقَتْ بالعَيْنِ، فهو تَعَلُّقٌ لا يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ في جُزْءٍ مِن النِّصابِ، فلم يَمْنَعْ بَيْعَ جَمِيعِه، كأَرْشِ الجِنايَةِ. وقَوْلُهم: باع ما لا يَمْلِكُه. لا يَصِحُّ؛ فإنَّ المِلْكَ لم يَثْبُتْ للفُقَراءِ في النِّصابِ، بدَلِيلِ أنَّ له أداءَ الزكاةِ مِن غيرِه بغيرِ رِضاهم، وليس برَهْنٍ، فإنَّ أحْكامَ الرَّهْنِ غيرُ ثابتَةٍ فيه، فعلى هذا إذا تَصَرَّفَ في النِّصابِ، ثم أخْرَجَ الزكاةَ مِن غيرِه، وإَلَّا كُلِّفَ إخْراجَها وتَحْصِيلَها إن لم تَكُنْ عندَه، فإن عَجَز بَقِيَتْ في ذِمَّتِه، كسائِرِ الدُّيُون. ويَحْتَمِلُ أن يُفْسَخَ البَيْعُ في قَدْرِ الزكاةِ
(1) أخرجه أبو داود، في: باب في بيع الثمار قبل أن ييدو صلاحها، من كتاب البيوع. سنن أبى داود 2/ 227. والترمذى، في: باب ما جاء في كراهية بيع الثمرة حتى ييدو صلاحها، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذى 5/ 236. وابن ماجه، في: باب النهى عن بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه 2/ 747. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 221، 250.