الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بطعام واحد فإن ذلك داع إلى قلة الأكل، والتفنن يورث كثرته والخبز المرقق (1) على هذا القياس فإنه مع كونه من دأب المترفين المرفهين (2) يكون سبب الإكثار في الأكل للآكل مع أنهم لم يكن لهم غرابيل يغربل فيها الدقيق مع قلة الحنطة، وكان عامة طعامهم إذ ذاك هو الشعير، قوله [فقلت لقتادة] لأنه لما علم من تعظيم الطعام ما لا ينكر، أنكر أن يضعه النبي صلى الله عليه وسلم على الأرض، وقد نفى راوي الحديث أكثر ما كانوا يضعون عليه أطعمتهم بل كل ما كان يضع عليه الأجلة والشرفاء، فأجابه قتادة بأن طعامه كان يوضع على هذه السفر التي يأكل عليها عوامكم لاما شاع في ملوككم وأمرائكم وتكون من الأديم (3) ويقوم مقامها السفرة من الغربل (4).
[باب في أكل الأرنب
(5)] قوله [فأدركتها] لما أنه كان من
(1) قال الحافظ: قال عياض مرققًا أي ملينا محسنًا كخبز المواري والترقيق التليين ولم يكن عندهم مناخل، وقد يكون المرقق الرقيق الموسع، وهذا هو المتعارف وبه جزم ابن الأثير وأغرب ابن التين، فقال هو السميد وما يصنع منه، انتهى.
(2)
قال المجد: أرفه الرجل، أدهن كل يوم ودام على أكل النعيم، انتهى.
(3)
قال صاحب المجمع: السفرة طعام يتخذه المسافر وأكثر ما يحمل في جلد مستدير فنقل اسم الطعام إلى الجلد فالسفرة في طعام السفر كاللهنة لطعام يؤكل بكرة، انتهى.
(4)
هكذا في الأصل، والظاهر القرمل وهو شجر ضعيف بلا شوك كما في القاموس، ويحتمل البرايل وهو عشب الأرض.
(5)
دويبة معروفة تشبه العناق لكن في رجليها طول بخلاف يديها والأرنب اسم جنس للذكر والأنثى، وقيل لا يقال الأرنب إلا للأنثى، ويقال إنها شديدة الجبن كثيرة الشبق تكون سنة ذكرًا وسنة أنثى وإنها تحيض كذا في الفتح.
صغارهم (1)، قوله [فبعث معي بفخذها أو بوركها] ولعله بعث (2) بهما لكنه ذكر في بعضها وركا وفي بعضها فخذا وإنما زاد لفظ معي، لئلا يظن قضية قبول النبي صلى الله عليه وسلم إياه أو أكله إنما هي مسموعة له من غيره ولم يحضرها ثم قول (3) أنس رضي الله عنه ((فأكله)) يشير إلى جواز التغير الكثير في رواية الحديث بالمعنى فإن الأكل لما كان لازم القبول وضعه موضعه إذ لا يكون القبول في أمثال هذه إلا للأكل ولذلك لم يقبل النبي صلى الله عليه وسلم حمار وجش أهدى إليه وهو محرم لما لم يجز له أكله ثم لما صرح بأكل النبي صلى الله عليه وسلم، وكان الظاهر منه معناه الحقيقي سألت عنه هل هو في معنى الأكل نفسه، قال لا، إنما أردت منه لازم معناه وإنما هو القبول ومن ههنا يعلم أن أمثال هذه التصرفات تكثر في الروايات ولا يلزم في ذلك ضرر إذا لم يتغير المعنى المراد.
قوله [وقد كره بعض (4) أهل العلم أكل الأرنب] ووجه قولهم بما ورد في بعض الروايات (5) أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأكله ولم يمنع عن أكله، قلنا هذا
(1) ففي مسلم فسعيت حتى أدركتها ولأبي داؤد وكنت غلامًا حزورًا، وهو المراهق، هكذا في الفتح.
(2)
ويدل عليه رواية مسلم بلفظ فبعث بوركها وفخذيها، وهكذا في المنتقي ولفظ النسائي فبعثني بفخذيها ووركيها.
(3)
كما يدل عليه قوله قبله بعد قوله أكله ثم الظاهر من ملاحظة الروايات أن التغير والتصرف في هذا اللفظ من شعبة، فتأمل.
(4)
قال العيني: إباحة أكل الأرنب هو قول الأئمة الأربعة وكافة العلماء إلا ما حكى عن عبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعكرمة مولى ابن عباس أنهم كرهوا أكلها وهو رواية عن أصحابنا والأصح قول العامة، انتهى.
(5)
فقد ورد من حديث عبد الله بن عمرو عند أبي داؤد بلفظ فلم يأكلها ولم ينه عن أكلها ومن حديث خزيمة بن جزء عند ابن ماجة بلفظ لا آكلة ولا أحرمه ومن حديث عبد الله بن معقل عند الطبراني لا آكلها ولا أحرمها، كذا في العيني.
عين علامة الحلة إذ لو كان حرامًا لما تركهم (1) يأكلون مع أن ما ورد في الرواية المسوقة ههنا أنه قبله نص على المراد، ثم إن قوله قالوا إنها تدمي الظاهر أنه إخبار عن حالته العجيبة وإنباء بالنادرة الغريبة وليس علة (2) لقولهم بالحرمة لأن الإدماء لا يصلح (3) علة للحرمة لأن الشرع لم يجعله من أسباب الجريمة وأيضًا فإن الإدماء بمعنى سيلان دم الحيض في أيامه مما يرجح جواز أكله لأنه إذا كان لا يزال يخرج منه الدم الفاسد كان أولى وأنظف وأنقى من وصمة (4) النجاسة وألطف، نعم يمكن توجيه كلام هؤلاء بحيث لا يخالف كلام الجمهور، ولا يخالف الحديث المنصوص المذكور وهو أن يقال أرادوا بالكراهة الكراهة الطبيعية عن أكله لا الكراهة الشرعية تحريمية كانت أو تنزيهية وأن الادماء ليس إخبارًا
(1) هذا وقد ورد نصًا في عدة روايات ذكرها العيني الأمر بأكملها.
(2)
كما يدل عليه حديث عمار بن ياسر رواه أبو يعلى في مسنده والطبراني في الكبير، قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزلنا في موضع كذا وكذا فأهدى له رجل من الأعراب أرنبًا فأكلناها، فقال الأعرابي إني رأيت دمًا فقال لا بأس وروى البيهقي في سننه عن موسى بن أبي طلحة، قال عمر لأبي ذر وعمار وأبي الدرداء أتذكرون يوم كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكان كذا وكذا فأتاه أعرابي بأرنب فقال يا رسول الله إني رأيت بها دمًا فأمرنا بأكلها ولم يأكل قالوا نعم، الحديث كذا في العيني.
(3)
فقد حكى القسطلاني في شرح البخاري عن بعضهم في جملة من تحيض من الحيوانات الناقة أيضًا.
(4)
قال المجد هو العقدة في العود والعار، وفي الصراح هو العار والعيب.