الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خصلة من خصال من صلح لها وصار بحيث ينزل عليه الوحي، يعني أن المرء إذا أكمل في تلك الخصال بأسرها صار كاملاً مكملاً ومحلاً لنزول الوحي، وأما النبوة فغير متجزية.
[باب خلق النبي صلى الله عليه وسلم]
قوله [فما قال لشيء صنعته] أي لم يكن (1) له صلى الله عليه وسلم اهتمام في أمور الدنيا حتى يأمر بإصلاحها أو يؤدبني على إفسادها مع أن أنسًا (2) كان حينئذ صغير السن ولا يخفى ما يأتي في صغر السن من
(1) وقال بعضهم: سبب ذلك أنه كان يشهد تصريف محبوبه فيه وتصريف المحبوب في المحب لا يعلل بل يسلم لمن استلذ، فكل ما يفعله الحبيب محبوب، ولا فعل لأنس في الحقيقة قالت، رابعة: لو قطعتي أربا أربا لم أزدد فيك إلا حبًا.
(2)
قال القارئ في شرح الشمائل: أما تجويز ابن حجر تبعًا للحنفي وغيره أنه من كمال أدب أنس رضي الله عنه فبعيد جدًا من سياق الحديث، ولعدم تصور ولد عمره عشر سنين يخدم عشر سنين لا يقع منه ما يوجب تأفيقه ولا تقريفه مع أن المقام يقتضي مدحته صلى الله عليه وسلم لا مدح نفسه، ثم اعلم أن ترك اعتراضه صلى الله عليه وسلم بالنسبة إلى أنس إنما هو لغرض فيما يتعلق بآداب خدمته له صلى الله عليه وسلم وحقوق ملازمته بناء على حلمه لا فيما يتعلق بالتكاليف الشرعية الموجبة للحقوق الربانية ولا فيما يختص بحقوق غيره من الأفراد الإنسانية، انتهى. زاد المناوي، وفيه فضيلة تامة لأنس حيث لم ينتهك من محارم الله شيئًا ولم يرتكب في تلك السنين في خدمته ما يوجب المؤاخذة شرعًا لأن سكوته صلى الله عليه وسلم عن الاعتراض عليه يستلزم ذلك، انتهى. قلت: فقد أخرج المصنف في الشمائل عن عائشة ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم منتصرًا من مظلمة ظلمها قط ما لم ينتهك من محارم الله تعالى شيء فإذا انتهك من محارم الله تعالى شيء كان من أشدهم في ذلك غضبًا، الحديث.
الحركات (1) على خلاف المقصود.
قوله [ولا شممت مسكا قط إلخ] ثم هذا (2) لا يغني عن التطيب حتى يرد عليه أن الأمر لو كان كذلك لما تطيب النبي صلى الله عليه وسلم إذ هذا الطيب لم يكن يحس له كما هو العادة أن الأبخر لا يتأذى برائحته لأنه لا يحسها فكذلك عليه الصلاة والسلام لما كان طيب عرقه وجسمه دائمًا له غير منفك عنه لم يكن يحس له وأيضًا فإن العرق ليس دائمًا مع أنه لو ترك التطيب لكان التطيب أمرًا غير مسنون
(1) ضد السكنات والمراد الأفعال نسأله تعالى العصمة في الحركات والسكنات والارادات والكلمات.
(2)
وهذا أجود مما حكاه القارئ عن العلماء أنه صلى الله عليه وسلم مع كون هذه الريح الطيبة صفته وإن لم يمس طيبًا كان يستعمل الطيب في كثير من الأوقات مبالغة في طيب ريحه لملاقاة الملائكة، وأخذ الوحي الكريم، ومجالسة المسلمين، ولفوائد أخرى من الاقتداء وغيره، انتهى.
فكان تطيبه لإجراء السنة لمن خلفه، وأيضًا فإن التعطر من سنة المرسلين فكان تطيبه تحصيلاً للموافقة بهم مع أن المفضول كثيرًا ما يتضمن بعض ما لا يكون في الأفضل من الفوائد والمنافع فكان التطيب بالمفضول مع التلبس بالأفضل تحصيلاً لتلك المنافع.
قوله [ولا صخابًا (1)] أي مع كونه يبيع ويشتري فكثيرًا ما يحتاج إلى الصخب ورفع الأصوات واختلاطها من ارتكب ذلك، وليس النفي واردًا على المبالغة حتى يلزم بقاء الصخب فيه فإن زنة فعال قد يكون لمجرد النسبة كخياط وقفال فالصخاب بمعنى من له صخب. قوله [ولكن يعفو ويصفح] فالعفو (2)
(1) قال القاري: بالصاد المهملة المفتوحة والخاء المعجمة المشددة أي صياحًا، وقد جاء بالسين أيضًا، وفي النهاية: المقصود نفي الصخب لا نفي المبالغة، وقيل: المقصود من هذا الكلام مبالغة النفي لا نفي المبالغة، كما في قوله تعالى {وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} وذكر الأسواق إنما هو لكونها محل ارتفاع الأصوات لا لإثبات الصخب في غيرها، أو لأنه إذا انتفى فيها انتفى في غيرها.
(2)
قال صاحب الجمل في قوله تعالى {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا} : العفو والصفح متقاربان، ففي المصباح عفا الله عنك أي محا ذنوبك، وعفوت عن الحق أسقطته، وصفحت عن الأمر أعرضت عنه وتركته، فعلى هذا يكون العطف في الآية للتأكيد وحسنه تغائر اللفظين، وقال بعضهم: العفو ترك العقوبة على الذنب والصفح ترك اللوم والعتاب عليه انتهى، وقال الراغب: الصفح ترك التثريب، وهو أبلغ من العفو، ولذلك قالوا فاعفوا واصفحوا، وقد يعفوا الإنسان ولا يصفح انتهى، قلت: وهذا الإطلاق يوافق ما اختاره الشيخ، وقال القارئ في شرح الشمائل: لكن يعفو أي بباطنه ويصفح أي يعرض بظاهره والصفح في الأصل الإعراض بصفحة الوجه، والمراد ههنا عدم المقابلة بذكره وظهور أثره ووجه الاستدراك أن ما قبل لكن ربما يوهم أنه ترك الجزاء عجزًا أو مع بقاء الغضب فاستدركه بذلك، انتهى.
ما لا يبقى بعده أثر ظاهر على الجناية كالجزاء والتثريب، والصفح ما ليس بعده بقية أثر في قلب المجني عليه أيضًا، فالمراد بالعفو ما هو ظاهر التجاوز من عدم المكافاة وترك التعرض باللوم والشكوى، والصفح العفو بحيث لا يبقى منه أثر في داخله، فيكون القلب بعده خاليًا عنه بالكلية كأن المذنب لم يذنب ما كان أذنب فيه.
[باب ما جاء في الحسن (1) العهد] قوله [وما بي أن أكون أدركتها] أي ليس بي إدراك فضائلها (2) إلا أن البشرية كانت تحملني على الغيرة لكثرة مراعاة النبي صلى الله عليه وسلم عهدها، أو المعنى (3) أني غرت عليها، وليس ذلك لأني أدركتها
(1) وبوب البخاري في صحيحه ((باب حسن العهد من الإيمان))، قال أبو عبيد: العهد ههنا رعاية الحرمة، وقال عياض: هو الاحتفاظ بالشيء والملازمة له، وقال الراغب: حفظ الشيء ومراعاته حالاً بعد حال، وعهد الله تارة يكون بما ركزه في العقل، وتارة بما جاءت به الرسل، وتارة بما يلتزمه المكلف ابتداء كالنذر ومنه قوله تعالى {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ} وأما لفظ العهد فيطلق بالاشتراك بإزاء معان آخر منها الزمان والمكان، واليمين والذمة، والميثاق والإيمان، والوصية وغير ذلك، كما في الفتح.
(2)
واختلفوا في تفضيل عائشة وخديجة وفاطمة، وأفاد في الإرشاد الرضى أن التحقيق أن فاطمة رضي الله عنها أفضل باعتبار الجزية والزهد، وخديجة باعتبار النصرة والسبقة في الإسلام، وعائشة باعتبار التفقه في الدين حتى يستفيد منها الصحابة رضي الله عنهم.
(3)
يؤيد هذا المعنى ما في رواية الصحيحين وغيرهما: ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة، هلكت قبل أن يتزوجني، قال الحافظ: أشارت بذلك إلى أنها لو كانت موجودة في زمانها لكانت غيرتها منه أشد، انتهى.