الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب في الرياء والسمعة]
قوله [يرائى الله به] أي يحصل الله مقصوده ذلك، أي يراه الناس ويمدحونه، وكذلك فيما بعده (1). قوله [من لا يرحم] مناسبته بما قبله أن المتكبر وهو المرائي لا يرحمهم. قوله [أسألك بحق وبحق]
(1) أي في الجملة الآتية من قوله صلى الله عليه وسلم: من يسمع يسمع الله به، قال القاري من سمع بتشديد الميم أي عمل عملاً للسمعة بأن نوه بعمله وشهره ليسمع الناس به ويتمدحوه، سمع الله به بتشديد الميم أيضًا أي شهره الله بين أهل العرصات وفضحه على رؤوس الأشهاد، وفي شرح مسلم: معنى من يرائى من أظهر للناس العمل الصالح ليعظم عندهم وليس هو كذلك يرائي الله به، أي يظهر سريرته على رؤوس الخلائق، وفيه أن قيده بقوله وليس هو كذلك ظاهره أنه ليس كذلك، بل هو على الإطلاق سواء يكون كذلك أو لا، وقيل: معناه من سمع بعيوب الناس وأذاعها أظهر الله عيوبه، وقيل: أسمعه المكروه، وقيل: أراه الله ثواب ذلك من غير أن يعطيه إياه ليكون حسرة عليه، وقيل: معناه من أراد أن يعلمه الناس أسمعه الله الناس، وكان ذلك حظه منه، انتهى. وذكر الحافظ هذه المعاني بشيء من التفصيل، ومختار الشيخ هو المعنى الأخير، ذكره الحافظ بلفظ: وقيل: المراد من قصد بعمله أن يسمعه الناس ويروه، ليعظموه وتعلو منزلته عندهم حصل له ما قصد، وكان ذلك جزاء عمله ولا يثاب عليه في الآخرة، انتهى. قلت: ولعل الشيخ اختاره من بين المعاني لما أنه مؤيد بقوله عز اسمه: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا} وبقوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا} الآية، ولما أنه كالمدلول الصريح للحديث الآتي من قوله تعالى:«فقد قيل» ورجح الحافظ أول المعاني فقال: ورد في عدة أحاديث التصريح بوقوع ذلك في الآخرة فهو المعتمد، ثم ذكر الروايات المصرحة بذلك.
قالوا (1): هذا تأكيد، والظاهر من توسيط العاطف غير ذلك، وهو أنه أشار أولاً إلى حق وثانيًا إلى حق هو مغائر للأول، فإما أن يراد بهما أخوة الإسلام وأخوة العربية، أو غيرهما من الأخوات، وإنما أكد بذلك تعطفًا لأبي هريرة عليه. فإن الأستاذ المعلم كثيرًا ما يغضب على التلميذ بمثل هذه التقييدات الغير المفيدة والغير المفتقرة إليها، فكل ما حدثه أبو هريرة عنه صلى الله عليه وسلم إنما كان يحدث إذا عقله وعلمه بحسب فهمه.
قوله [ثم نشغ (2) أبو هريرة إلخ] وكان ذلك لتذكره ما كانوا عليه من صحبة النبي صلى الله عليه وسلم، وما كانوا يحوزون بقربه من خيري الدنيا والدين، كما أشار إليه أبو هريرة بقوله: في هذا البيت ما معنا أحد غيري وغيره، ولا يبعد أن يكون توارد ذلك عليه لإحضار ذهنه هول ما اشتمل عليه الحديث الذي أراد بيانه، قوله [فأول من يدعو به إلخ] هذا لا ينافي ما ورد أن أول ما يسأل
(1) يعني المشهور على الألسنة أنه تأكيد، كما اختاره المحشى أيضًا لكن ذكر الثاني بحرف العطف يدل على أنه تأسيس، والمراد بالحق الثاني غير الأول، والمراد بالتقييدات ما ذكرها من قوله: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم عقلته وعلمته.
(2)
قال صاحب المجمع: أصل النشغ الشهيق حتى يكاد يبلغ به الغشى، وإنما يفعل تشوقًا إلى ما فات وأسفًا عليه، ومنه حديث أنه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فنشغ نشغة أي شهق شهقة وغشى عليه.
عنه الصلاة، فإن أول السؤال من هؤلاء لعل عن (1) صلواتهم. قوله [وحدثني العلاء بن أبي حكيم أنه] أي العلاء [كان (2) سباقًا لمعاوية فدخل عليه رجل] وهو الشفي (3) المذكور إلا أن العلاء ما كان يعرفه فعبر عنه بلفظ رجل. قوله [فيسره] من الأسرار (4) وهو الإخفاء. قوله [له أجران] هذا إذا لم يطلب بفشره مديح
(1) يعني الوارد في حديث الباب لفظ الدعاء، فلا يبعد أن تكون هذه الثلاثة أول من يدعي بهم، إلا أن السؤال عن هؤلاء أيضًا يكون أولاً عن صلواتهم وبعدها عن هذه الأمور، فلا ينافي لفظ الحديث، وهو جمع حسن، ولا يبعد أن يجمع بينها بأن الأولية مختلفة باعتبار العرضات، ففي المشكاة برواية الترمذي وأحمد عن أبي هريرة مرفوعًا: يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات، فأما عرضتان فجدال ومعاذير، وأما الثالثة فعند ذلك تطير الصحف، الحديث.
(2)
قال المجدر: رجل سائف ذو سيف، وسياف صاحبه جمعه سيافة، أو هم الذين حصونهم سيوفهم، انتهى.
(3)
هو بالفاء مصغر كما في التقريب، وحاصل ما أفاده الشيخ أن المهم في قوله: فدخل عليه رجل فأخبره بهذا هو الشفي الراوي للحديث، وصرح المصنف أيضًا بذلك قريبًا، إذ قال: إن شفيا هو الذي دخل على معاوية فأخبره بهذا.
(4)
يعني لم يكن من قصده الإظهار والرياء بل كانت نيته الإخفاء والستر، لكن ظهر الأمر بغير قصد منه، والحديث أخرجه صاحب المشكاة برواية الترمذي عن أبي هريرة بسياق آخر، ولفظه: قلت: يا رسول الله؟ ؟ ؟ بينا أنا في بيتي في مصلاي إذ دخل على رجل فأعجبني الحال التي رآني عليها، فقال رسوله الله صلى الله عليه وسلم: رحمك الله يا أبا هريرة! لك أجران، أجر السر وأجر العلانية، انتهى.
الناس، بل كان قلبه (1) على ما كان عليه قبل اطلاعه. قوله [إنما معناه] هذا تعيين لأحد محتملات (2) الحديث.
(1) يشكل عليه لفظ الحديث فأعجبه، والجواب أن المراد ليس إعجاب المرائي وهو المنفي في كلام الشيخ، بل المراد من الإعجاب كون علانيته صالحة، فقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم رب اجعل سريرتي خيرًا من علانيتي، وعلانيتي صالحة، أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
(2)
يعني أن الحديث كان محتملاً لعدة معان ففسره بأحدها اختيارًا منه لهذا المعنى، قال القاري: قوله لك أجران أجر السر لإخلاصك، وأجر العلانية للاقتداء بك، أو لفرحك بالطاعة وظهورها منك، قيل: معناه فأعجبه رجاء أن يعمل من رآه بمثل عمله فيكون له مثل أجره، كما قال صلى الله عليه وسلم: من سن سنة حسنة الحديث، كذا في شرح السنة، والأظهر أن إعجابه بحسب أصل الطبع المطابق للشرع من أنه يعجبه أنه رآه أحد على حالة حسنة، ويكره أن يراه على حالة قبيحة مع قطع النظر عن أن يكون ذلك العمل مطمحًا للرياء والسمعة، فيكون من قبيل قوله صلى الله عليه وسلم: من سرته حسنته وسائته سيئته فهو مؤمن، وقد قال عز اسمه:{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ} قال الحافظ تحت حديث من سمع سمع الله الحديث: فيه استحباب إخفاء العمل الصالح، لكن قد يستحب إظهاره ممن يقتدى به على إرادته الاقتداء به، ويقدر ذلك بقدر الحاجة، قال ابن عبد السلام: يستثنى من استحباب إخفاء العمل من يظهر ليقتدي به أو لينتفع به ككتابه العلم، ومنه حديث سهل: لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي، قال الطبري: كان ابن عمر وابن مسعود وجماعة من السلف يتهجدون في مساجدهم ويتظاهرون بمحاسن أعمالهم ليقتدي بهم، قال: فمن كان إمامًا يستن بعمله عالمًا بما لله عليه، قاهرًا لشيطانه استوى ما ظهر من عمله وما خفى لصحة قصده، ومن كان بخلاف ذلك فالإخفاء في حقه أفضل، وعلى ذلك جرى عمل السلف، انتهى.