الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فتشميته منه (1) وتفضل.
[باب ما جاءكم يشمت العاطس]
القول الجملي أنه إذا تحقق كونه مزكومًا لا يجب التشميت سواء تحقق قبل العطاس أو بعده بمرة أو بمرتين، وأما في غير
(1) وبوب البخاري في صحيحه «باب لا يشمت العاطس إذا لم يحمد الله» قال الحافظ: أورد فيه حديث انس كأنه أشار إلى أن الحكم عام، وليس مخصوصًا بالرجل الذي وقع له ذلك، وإن كان واقعة حال لا عموم فيها، وورود الأمر بذلك فيما أخرجه مسلم من حديث أبي موسى بلفظ: إذا عطس أحدكم فحمد الله فشمتوه، وإن لم يحمد الله فلا تشمتوه، قال النووي: مقتضى هذا الحديث أن من لم يحمد الله لم يشمت، قال الحافظ: بل هو منطوقه، لكن هل النهي فيه للتحريم أو للتنزيه؟ الجمهور على الثاني، انتهى. وقال أيضًا قبيل ذلك: وفي الحديث أن التشميت إنما يشرع لمن حمد الله، قال ابن العربي: هو مجمع عليه، انتهى. وحكى ابن عابدين عن تبيين المحارم: إنما يستحق التشميت إذا حمد الله وإلا لا، لأن العطاس نعمة، فمن لم يحمد بعده لم يشكر الله، وبكفران النعمة لا يستحق الدعاء، انتهى.
المزكوم فالتشميت الأول واجب، والثاني مستحب، والثالث قريب من ذلك، ثم بعد ذلك مباح، وبما ذكرنا ترتفع المعارضة بين الروايات (1).
(1) فإن الروايات في ذلك مختلفة جدًا كما بسطها الحافظ، ثم قال: حكى النووي عن ابن العربي أن العلماء اختلفوا هل يقول لمن تتابع عطاسه: أنت مزكوم في الثانية أو الثالثة أو الرابعة على أقوال، والصحيح في الثالثة، قال: ومعناه أنك لست ممن يشمت بدها لأن الذي بك مرض، وليس من العطاس المحمود الناشئ عن خفة البدن، فإن قيل: إذا كان مريضًا فينبغي أن يشمت بطريق الأولى لأنه أحوج إلى الدعاء من غيره، قلنا: نعم لكن يدعي له بدعاء يلائمه لا بالدعاء المشروع للعاطس، بل من جنس دعاء المسلم للمسلم بالعافية، وذكر ابن دقيق العيد عن بعض الشافعية أنه يكرر التشميت إذا تكرر العطاس إلا أن يعرف أنه مزكوم فيدعو له بالشفاء، وتقريره أن العموم يقتضي التكرار إلا في موضع العلة وهو الزكام، وعند هذا يسقط الأمر بالتشميت عند العلم بالزكام لأن التعليل به يقتضي أن لا يشمت من علم أن به زكامًا أصلاً، وتعقب بأن المذكور هو العلة دون التعليل، انتهى. قلت: وما أفاده الشيخ من مراتب التشميت لم أجده في عامة كتب الحنفية بل ظاهرها تسوية الثلاث، ففي فتاوى قاضي خان: ينبغي لمن كان بحضرة العاطس أن يشمت العاطس إذا تكرر عطاسه في مجلس إلى ثلاث مرات، فإن عطس أكثر من ثلاث فالعاطس يحمد الله في كل مرة، ومن كل بحضرته إن شمته في كل مرة فحسن، وإن لم يشمته بعد الثلاث فحسن أيضًا، انتهى. نعم ذكر الطحطاوي على المراقي من شرح الموطأ للقاري أنه يحب تشميت العاطس مرة واحدة، وما زاد فمندوب، ولو لم يشمت أولاً كفاه واحدة كسجدة التلاوة، انتهى.
قوله [فإذا زاد إلخ] أي بغير المزكوم (1). قوله [العطاس من الله] أي يرضى به لما أنه يورث النشاط والتنبه ويعقب الحمد [والتثاؤب من الشيطان] أي مرضى به لا يرائه غفلة ولا ذكر عقيبه.
قوله [العطاس والنعاس إلخ] العطاس في الصلاة (2) من الشيطان لما
(1) وبذلك جزم الحافظ إذ قال: يعني الذي لا ينشأ عن زكام لأنه المأمور فيه بالتحميد والتشميت، ويحتمل التعميم، انتهى. واختار العيني الثاني، ثم ما قال المصنف أن إسناده مجهول تعقبه الحافظ في الفتح وقال: أما رواية الترمذي ففيها عن عمر بن إسحاق عن أمه عن أبيها، كذا سماه عمر ولم يسم أمه ولا أباها، وكأنه لم يمعن النظر فمن ثم قال: إسناده مجهول، وقد تبين أنه ليس بمجهول، وأن الصواب يحى بن إسحاق لا عمر، انتهى. وقد ذكر قبل ذلك رواية أبي داود من طريق يحيى بن إسحاق عن أمه حميدة أو عبيدة وحسن إسناده، وقال: المعتمد حميدة.
(2)
قال الحافظ: هذا الحديث سنده ضعيف، وله شاهد عن ابن مسعود في الطبراني لكن لم يذكر النعاس، وهو موقوف وسنده ضعيف، وفي شرح الترمذي: لا يعارض هذا حديث محبة العطاس لكونه مقيدًا بحال الصلاة، وقد يتسبب الشيطان في حصول العطاس للمصلي ليشغله عن صلاته، وقد يقال: إن العطاس إنما لم يوصف بكونه مكروهًا في الصلاة لأنه لا يمكن رده بخلاف التثاؤب، ولذلك جاء في التثاؤب: ليرده ما استطاع ولم يأت ذلك في العطاس، وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي هريرة: إن الله يكره التثاؤب ويحب العطاس في الصلاة، وهذا يعارض حديث جد عدي، وفي سنده ضعف أيضًا، وهو موقوف، انتهى. قلت: ويمكن الجمع بينهما بالكثرة والقلة ويستأنس ذلك بما ذكر الحافظ من رواية عبد الرزاق عن معمر عن قتادة: سبع من الشيطان، فذكر منها شدة العطاس.
أنه يوجب شغلاً ما من الصلاة.
قوله [يقوم لابن عمر فما يجلس فيه] سدًا لباب أو لعل القائم (1) قام من مجلسه حياء ولا يرضى بترك موضعه.
قوله [أن يفرق بين اثنين] أي إذا لم يتركا بينهما فرجة (2) وإذا تركاها فلا ضير بالجلوس ثمة.
قوله [في كل أربعين ليلة] كانت الرخصة في بلادهم، وأما في ديارنا (3)
(1) الحديث أخرجه البخاري في صحيحه: وبسط الحافظ الكلام على الروايات في الباب والأقاويل في ذلك، وحكى عن النووي أن ما نسب إلى ابن عمر ورع منه، وليس قعوده فيه حرامًا إذا كان برضا الذي قام، لكنه تورع لاحتمال أن يكون الذي قام لأجله استحيى منه، فقام عن غير طيب قلبه، فسد الباب ليسلم منه، أو رأى أن الإيثار بالقرب مكروه أو خلاف الأولى، انتهى.
(2)
وبنحو ذلك فسر صاحب المجمع إذ قال: لا يزاحم رجلين فيدخل بينهما، لأنه ربما ضيق عليهما في شدة الحر، انتهى. ومال القاري إلى أنه قد يكون بينهما محبة ومودة وجريان سر وأمانة، فيشق عليهما التفرق بجلوسه بينهما، انتهى، وعلى كلا التوجيهين لا يشك ما تقدم من إخباره صلى الله عليه وسلم عن ثلاثة رجل منها من جلس في الحلقة فآواه الله كما لا يخفى.
(3)
وذلك لأن المقصود النظافة، فكلما تزداد الشعور يحتاج إليها، وهذا يختلف باختلاف البلاد والطباع والرجال، ولذا قال صاحب المجمع: لا تتجاوز عن أربعين لأن المختار أنه يضبط الحلق والتقليم والقص بالطول، روى أنه كان يأخذ أظفاره وشاربه في كل جمعة، ويحلق العانة في عشرين، وينتف الإبط في أربعين، انتهى. قلت: وقال أصحاب الفروع: الأفضل الأسبوع وجاز في كل خمسة عشر يومًا، وكره تركه وراء الأربعين كما في الدر المختار وغيره.