الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وآه في الحلية التي هي حلية آخر عمره صلى الله عليه وسلم، وقال الآخرون: بل كل حلية النبي صلى الله عليه وسلم سواء كان حلية آخر عمره أو غير ذلك، وذهب المتأخرون وهو الحق (1) إلى أن الرائي لما رآه صلى الله عليه وسلم في أي حلية كانت وعلم بالقرائن أنه النبي صلى الله عليه وسلم فهو هو لا غيره، سواء رآه على حليته المنقولة عنه أولاً (2) والاختلاف فيه حينئذ يرجع إلى اختلاف حال الرائي بحسب إيمانه ونياته وأموره الباطنية.
[باب إذا رأى في المنام ما يكره ما يصنع]
قوله [فإنها لا تضره] أي يذهب بذلك وسواسه (3) وإلا فالمقدور كائن لا محالة إن كان الذي رآه حقًا مطابقًا
(1) ففي البذل عن فتح الودود: قيل هذا مختص بصورته المعهودة فيعرض على الشمائل الشريفة المعلومة فإن طابقت الصورة المرئية تلك الشمائل فهي رؤيا حق، وإلا فالله تعالى أعلم بذلك، وقيل: بل في أي صورة كانت، وقد رجحه كثير بأن الاختلاف إنما يجئ من أحوال الرائي، انتهى.
(2)
نسبة الحلية إليه صلى الله عليه وسلم باعتبار ما هو المعروف عند أهل الفن أن روايات الحلية مرفوعة، قال الحافظ ابن حجر: الأحاديث الواردة في صفته صلى الله عليه وسلم من قسم المرفوع اتفاقًا مع كونها ليست قولاً له، ولا فعلاً ولا تقريرًا، قاله المناوي.
(3)
قال الحافظ: استدل به على أن للوهم تأثيرًا في النفوس، لأن التفل وما ذكر معه يدفع الوهم الذي يقع في النفس من الرؤيا، فلو لم يكن للوهم تأثير لما أرشد إلى ما يدفعه، انتهى. وقال أيضًا في حديث أبي سعيد رفعه إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله فليحمد الله عليها، وليحدث بها، وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان الحديث، ظاهر الحصر أن الرؤيا الصالحة لا تشتمل على شيء مما يكرهه الرائي، ويؤيده مقابلة رؤيا البشرى بالحلم، وإضافة الحلم إلى الشيطان، وعلى هذا ففي قول أهل التعبير ومن تبعهم أن الرؤيا الصادقة قد تكون بشرى، وقد تكون إنذارًا نظر لأن الإنذار غالبًا يكون فيما يكره الرائي، ويمكن الجمع بأن الإنذار لا يستلزم وقوع المكروه، وبأن المراد بما يكره ما هو أعم من ظاهر الرؤيا، ومما نعبر به، قال القرطبي: ظاهر الخير أن هذا النوع من الرؤيا يعني ما كان فيه تهويل أو تخويف أو تحزين هو المأمور بالاستعاذة منه، لأنه من تخيلات الشيطان، فإن استعاذ الرائي منه صادقًا في التجائه إلى الله وفعل ما أمر به من التفل والتحول والصلاة أذهب الله عنه ما به، وما يخافه من مكروه ذلك، ولم يصبه منه شيء، وقيل: بل الخبر على عمومه فيما يكرهه الرائي يتناول ما تسبب به الشيطان، وما لا تسبب له فيه، وفعل الأمور المذكورة مانع من وقوع المكروه كما جاء أن الدعاء يدفع البلاء، والصدقة تدفع ميتة السوء، وكل ذلك بقضاء الله وقدره، لكن الاسباب عادات لا موجودات، انتهى.
للواقع، وغير المقدور غير واقع لا محالة. قوله [إلا لبيبًا أو حبيبًا] لأن (1)
(1) قال أبو إسحق في قوله لا تقصها إلا على واد أو ذي رأي: الواد الذي لا يحب أن يستقبلك في تعبيرها إلا بما تحب، وإن لم يكن عالمًا بالعبارة فلا يعجل لك بما يغمك، لا أن تعبيرها يزيلها عما جعلها الله عليه، وأما ذو الرأي فمعناه ذو العلم بعبارتها وأنه يخبرك بحقيقة تفسيرها أو بأقرب ما يعلم منها، فلعله أن يكون في تفسيره موعظة يردعك عن قبيح أنت عليه، أو يكون فيه بشرى فتشكر الله عز وجل على النعمة فيها، كذا في البذل.
الحبيب لمحبته إياك واللبيب للبه لا يقول إلا خيرًا فيسرك، وإن كان غير ذلك عبر بما يضرك فيسوءك
قوله [وهي على رجل طائر] قال الأستاذ أدام الله علينا ظلال جلاله وأفاض علينا بركات أفضاله: لا يناسب ههنا تقرير الشراح وأصحاب الحواشي (1) لكثرة ما يرد عليه من الشبهات والغواشي، ولعل مراده صلى الله عليه وسلم بكونه على رجل طائر أن صاحبه لا يكون منه استقرار على أمر ما محصل، وإنما يتخلج في نفسه تعبير لرؤياه، ثم يبدو له ثان وثالث، فيأخذ في تغليظ ما فهم أولاً وهكذا، فكأن رؤياه على رجل طائر فلا يستقر على مقر، حتى إذا عبره أول المعبرين رسخ قوله في قلبه لعدم المزاحم كما يظهر بالتأمل في قاعدة أصحاب المعاني من أن خالي الذهن عن الحكم والتردد لا يحتاج في الإخبار له إلى توكيد، وهذا هو المعبر عنه بقوله صلى الله عليه وسلم: سقطت أي استقرت على مستقر، وقرت في مقر، حتى أن إزالته عن القلب لا يمكن إلا بعد معالجة زائدة. قوله [وكان يقول] هذا يحتمل (2) كونه من
(1) ففي الحاشية عن المجمع: على رجل طائر أي على رجل قدر جار وقضاء ماض من خير أو شر، وإنه هو الذي قسمه الله لصاحبها، من قولهم اقتسموا دارًا فطار سهم فلان في ناحيتها، أي وقع سهمه وخرج، وكل حركة من كلمة أو شيء تجري لك هو طائر، يعني أن الرؤيا هي التي يعبرها المعبر الأول فكأنها كانت على رجل طائر فسقطت حين عبرت، كما يسقط ما يكون على رجل طائر بأدنى حركة، انتهى. وفي البذل: قال الخطابي: هذا مثل ومعناه أنه لا يستقر قرارها ما لم يعبر، انتهى.
(2)
رويت الرواية بألفاظ مختلفة في كتب الروايات، ولفظ البخاري في ((باب القيد في المنام)) بسنده إلى عوف عن محمد بن سيرين أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب، ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة، وما كان من النبوة فإنه لا يكذب، قال محمد: وأنا أقول هذه، قال: وكان يقال الرؤيا ثلاث: حديث النفس، وتخويف الشيطان، وبشرى من الله، فمن رأى شيئًا يكرهه فلا يقصه على أحد وليقم فليصل، قال: وكان يكره الغل في النوم وكان يعجبهم القيد، ويقال: القيد ثبات في الدين، ورواه قتادة ويونس وهشام وأبو هلال عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأدرجه بعضهم كله في الحديث، وحديث عوف أبين، وقال يونس: لا أحسبه إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم، انتهى. وبسط شراح البخاري سيما الحافظان ابن حجر والعيني في شرح كلام البخاري، وبسطًا في ذكر من وقف ووصل أجزاء الرواية، والاحتمالات الثلاثة التي ذكرها الشيخ حكاها الحافظ ابن حجر عن الطيبي وغيره، ثم بسط طرق الرواية وذكر في جملتها حديث الترمذي هذا، وقال: هذا ظاهر في أن الأحاديث كلها مرفوعة، وقال قال القرطبي: هذا الحديث وإن اختلف في رفعه ووقفه فإن معناه صحيح لأن القيد في الرجلين تثبيت للمقيد في مكانه، فإذا رآه من هو على حالة كان ذلك دليلاً على ثبوته على تلك الحالة، وأما كراهة الغل فلأن محله الأعناق نكالاً وعقوبة وقهرًا وإذلالاً، وقد يسحب على وجهه ويخر على قفاه فهو مذموم شرعًا وعادة، انتهى. فقد ورد في الآيات الكثيرة الأغلال في أعناق الكفار، قال القارئ: وفيه إيماء أيضًا على اختيار الخلوة وترك الجلوة كما هو شأن أرباب العزلة من ترك الخروج بالأقدام، وكره الغل لأنه صفة أهل النار، وأيضًا الرقبة مستثقلة بالذمة من حقوق الله وغيره، فهو تقييد للعنق بتحمل الدين أو المظالم، انتهى.
كلامه صلى الله عليه وسلم، ومن كلام أبي هريرة، ومن كلام ابن سيرين، إلا أنه ثبت بإسناد آخر كونه مرفوعًا فالحمل عليه هو الأولى.