الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جائز ولذلك فعله النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يحملوا النهي على التحريم (1).
[باب ما جاء في أن ساقي القوم آخرهم شربًا]
هذا إذ تولى القسمة ولم يملك المقسوم فأما إذا كان من ملكه فهو بالخيار أنى يأخذ، وإنما جعل لقاسم آخرًا لأن في تقديمه نفسه دلالة على الحرص وإيثار نفسه على أصحابه.
قوله [الحلو البارد] وجه (2) الحلاوة ظاهر وسبب استحباب البرد حرارة المزاج فلا ينافيه لو ثبت استحباب شيء آخر لوجه آخر.
(1) فقد قال النووي: اتفقوا على أن النهي ههنا للتنزيه لا للتحريم قال الحافظ: وفي نقل الاتفاق نظر فقد نقل عن مالك أنه أجاز الشرب من أفواه القرب وقال: لم يبلغني فيه نهي، وجزم ابن حزم بالتحريم لثبوت النهي، وحمل أحاديث الرخصة على أصل الإباحة، وأطلق الأثرم صاحب أحمد أن أحاديث النهي ناسخة للإباحة لأنهم كانوا يفعلون ذلك حتى وقع دخول الحية في بطن الذي شرب من فم السقاء فنسخ الجواز.
(2)
قال المناوي في شرح الشمائل: الماء الممزوج بعسل أو المنقوع بتمر أو زبيب قال ابن القيم: الأظهر أن المراد الكل ولا يشكل اللبن كان أحب إليه لأن الكلام في شراب هو ماء أو فيه ماء.
أبواب البر (1) والصلة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) قال القارئ تحت قوله صلى الله عليه وسلم البر حسن الخلق أي مع الخلق: بأمر الحق أو مداراة الخلق ومراعاة الحق، قيل: فسر البر في الحديث بمعان شيء ففسره في موضع بما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، وفسره في موضع بالإيمان، وفي موضع بما يقربك إلى الله تعالى، وههنا بحسن الخلق، وفسر حسن الخلق باحتمال الأذى وقلة الغضب وبسط الوجه وطيب الكلام، وكلها متقاربة في المعنى ذكره الطيبي، وقال الترمذي: البر ههنا الصلة والتصدق والطاعة ويجمعها حسن الخلق، وقال بعض المحققين: تلخيص الكلام أن البر اسم جامع لأنواع الطاعات والأعمال المقربات، ومنه بر الوالدين وهو استرضاؤهما بكل ما أمكن، وقد قيل: إن البر من خواص الأنبياء عليهم السلام أي كمال البر، وقد أشار إليهما من أوتى جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم بقوله: حسن الخلق لأنه عبارة عن حسن العشرة والصحبة مع الخلق بأن يعرف أنهم أسراء الأقدار وأن كل ما لهم من الخلق والرزق والأجل بمقدار فيحسن إليهم فيأمنون منه ويحبونه، هذا مع الخلق وأما مع الخالق بأن يشتغل بجميع الفرائض والنوافل ويأتي بأنواع الفضائل عالمًا بأن كل ما أتى منه ناقص يحتاج إلى العذر وكل ما صدر من الحق كامل يوجب الشكر انتهى، وأصل الصلة وصل الشيء بالشيء: وصلة الرحم كناية عن الإحسان إلى الأقربين من ذوي النسب والأصهار والتعطف عليهم والرفق بهم والرعاية لأحوالهم، وكذلك إن بعدوا وأساؤوا، كذا في المجمع.
قوله [من أبر] فعل متكلم، ووجه ذكر الأم ترجيحها على الأب في أحكام (1) البر والصلة، وأما الاطاعة ففيها تقديم للأب كالتعظيم، ثم تكرار (2) الجواب مشعر بكثرة البون بين الأبوين في الانفاق. قوله [أي الأعمال أفضل] اختلفت الأجوبة عن ذلك باختلاف السائل والزمان والمكان، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر الإيمان ههنا مع ماله من فضل على سائر الأعمال مسلم اتكالاً على فهم الذي سأله واعتمادًا على علمه بإعلامه صلى الله عليه وسلم، أو باجتهاد منه أن الإيمان ملاك الأمر ورأس الطاعات، أو لأن السائل سائل عن أفعال الجوارح كما هو الغالب في استعمال لفظ العمل، وليس الإيمان داخلاً فيها.
قوله [الوالد أوسط إلخ] ثم إن حال الأم معلوم بذلك مقايسة فصح الاستدلال. قوله [وكان متكئًا فجلس] وهذا للاهتمام بشأنه كالتكرار، وإنما أكده دفعًا لما يتوهم من تعقيب ذكره أن أمره خفيف، ولما كثر في النفوس من قلة المبالاة به بخلاف أخويه المتقدمين ولأن ضرره متعد دون ضرر الشرك، وكذلك
(1) ففي العالمكيرية: إذا تعذر عليه جمع مراعاة حق الوالدين بأن يتأذى أحدهما بمراعاة الآخر يرجح حق الأب فيما يرجع إلى التعظيم والاحترام وحق الأم فيما يرجع إلى الخدمة والأنعام، وعن علاء الأئمة الحمامي قال مشائخنا: الأب يقدم على الأم في الاحترام والأم في الخدمة حتى لو دخلا عليه في البيت يقوم للأب، ولو سألا عنه ماء ولم يأخذ من يده أحدهما فيبدأ بالأم كذا في القنية انتهى، قلت: وفيه أن البداية من باب التكريم فتأمل.
(2)
قال ابن بطال: مقتضاه أن يكون للأم ثلاثة أمثال ما للأب من البر، وذلك لصعوبة الحمل ثم الوضع ثم الرضاع، فهذه تنفرد بها الأم ثم تشارك الأب في التربية، وقد وقعت الإشارة إلى ذلك في قوله تعالى:{وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} ، فسوى بينهما في الوصية وخص الأم بالأمور الثلاثة، كذا في الفتح.
هو أعم بحسب المورد من الشرك والعقوق، فكان فيه مضرة جزئية تزيد بها عليهما والشهادة المذكورة أخص من قول الزور، ثم تمنيهم سكوته صلى الله عليه وسلم إنما كان لغاية مودتهم إياه، فكانوا يحبون التخفيف (1) عنه ما أمكن، فإنما قصدوا بذلك أنا فهمنا مراده حق الفهم فلا حاجة له إلى تحمل المشقة بعد ذلك.
قوله [وهل يشتم الرجل والديه] إنما سألوا عن ذلك علمًا منهم أن مثل ذلك لا يمكن أن يقع (2) عادة، والمنع إنما يفيد عما يقع عادة، وأما النبي صلى الله عليه وسلم فلم يحببهم بأن يدفع عنهم استبعاده فيقول: إنه سيقع بعد زمان بل غير الجواب توسيعًا للدائرة فقال: إن سبب الشيء له حكمه، فلما كان التسبب في ذلك من الكبائر علم حال الارتكاب بالأولى، وكان التسبب شائعًا فيهم فكانوا يلعنون ويشتمون آباء الرجال فيجازون عليه، قوله [أن أبر البر إلخ] فإن (3) هذا دليل على كثرة
(1) قال الحافظ: أي تمنينا أنه يسكت إشفاقًا عليه لما رأوا من انزعاجه في ذلك، وقال ابن دقيق العيد: اهتمامه صلى الله عليه وسلم بشهادة الزور يحتمل أن يكون لأنها أسهل وقوعًا على الناس والتهاون بها أكثر ومفسدتها أيسر وقوعًا، لأن الشرك ينبو عنه المسلم، والعقوق ينبو عنه الطبع، والقول الزور فالحوامل عليه كثيرة، إلى آخر ما في الفتح.
(2)
قال الحافظ: هو استبعاد من السائل لأن الطبع المستقيم يأبى ذلك، فبين في الجواب أنه وإن لم يتعاط السب بنفسه في الأغلب الأكثر لكن قد يقع منه التسبب فيه وهو مما يمكن وقوعه كثيرًا، قال ابن بطال: هذا الحديث أصل في سد الذرائع ويؤخذ منه أن من آل فعله إلى محرم يحرم عليه ذلك الفعل وإن لم يقصد إلى ما يحرم.
(3)
قال النووي: فيه فضل صلة أصدقاء الأب والإحسان إليهم بإكرامهم وهو متضمن لبر الأب وإكرامه لكونه بسببه، وتلتحق به أصدقاء الأم والأجداد والمشايخ والزوج والزوجة، وقد وردت الأحاديث في إكرامه صلى الله عليه وسلم خلائل خديجة رضي الله عنها، انتهى.