الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفشو الجهالة دال على أن مادة الخير كانت باقية بعد لم تنقطع، وعروق تعليم الدين وإفشاء السنن متصلة لم ترتفع. قوله [فيعيش خمسًا إلخ] والتوفيق بين هذه الروايات (1) أن تجهيزه الجيش في خمس سنين، ثم محاربته مع الكفار سنتان، ثم يعيش بعد ذلك سنتين فتلك تسع بأسرها.
[باب في نزول عيسى]
قوله [فيكسر الصليب ويقتل الخنزير] إنما ذكر هذين مع أن كافرًا لا يبقى إذًا ولا يقبل الجزية من أحد بل يصير الأمر دائرًا بين السيف والإسلام فحسب بغلبة النصارى إذ ذاك.
[باب ما جاء في الدجال
(2)] قوله [لم يكن نبي بعد نوح إلا قدر أنذر قومه] ليس المراد أنه أنذره أن يخرج إليهم كما فهمه الشراح (3)، كيف وقد
(1) وعلى هذا فالترديد في هذه الرواية ليس بشك من الراوي بل هو تنويع في الرواية.
(2)
اختلف في حقيقته فقيل: هو صافي بن الصياد أو الصائد ومولده المدينة، هذا بناء على أن ابن الصياد والدجال واحد، والأصح أنه غيره كما سيأتي. وعلى هذا فأما هو شيطان موثق ببعض الجزائر، أو هو من أولاد شق الكاهن المشهور، أو هو شق نفسه وكانت أمه جنية عشقت أباه فأولدها شقًا، وكانت الشياطين تعمل له العجائب، فحبسه سليمان النبي عليه السلام ولقبه المسيح وصفته الدجال، هكذا في الإشاعة والبسط في الفتح.
(3)
فقد قال الحافظ: قد استشكل إنذار نوح قومه بالدجال مع أن الأحاديث قد ثبتت أنه يخرج بعد أمور ذكرت، وأن عيسى يقتله بعد أن ينزل من السماء فيحكم بالشريعة المحمدية، والجواب أنه كان وقت خروجه أخفى على نوح ومن بعده فكأنهم أنذروا به ولم يذكر لهم وقت خروجه فحذروا قومهم من فتنة ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم في بعض طرقه: إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه، فإنه محمول على أن ذلك كان قبل أن يتبين له وقت خروجه وعلاماته فكان يجوز أن يخرج في حياته صلى الله عليه وسلم، ثم بين له بعد ذلك حاله ووقت خروجه فأخبر به فبذلك تجتمع الأخبار، وقال ابن العربي: إنذار الأنبياء تحذير من الفتن وطمأنينة لها حتى لا يزعزعها عن حسن الاعتقاد، وكذلك تقريب النبي صلى الله عليه وسلم له زيادة في التحذير، انتهى. قلت: فكأن رأي الشيخ موافق لابن العربن، وقال القارئ: ويحتمل أن الإبهام إنما وقع بسبب أن العلاقات قد يكون وجودها معلقًا بشرط فإذا قد يتصور خروجه بعدم ظهورها، ونظيره خوف الأنبياء والمرسلين صلوات الله تعالى عليهم أجمعين مع تحقق عصمتهم، أو لأنه لا يجب على الله تعالى شيء وأفعاله لا تعلل، والأسباب لا يتعين وجودها ولا تأثير لها بعد حصولها، انتهى.
كان الأنبياء يعلمون أنه لا يمكن أن يخرج قبل بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، بل المراد بالإنذار بيان فتنة التي هي هي ليتسارعوا إلى امتثال أوامر الله سبحانه الذي قيض لعباده أمثال هذه الفتن، كيف وهو على ما يشاء قدير، ولعل الحكمة في إنذار الأنبياء أقوامهم من فتنته أن الإنذار منها لما لم يكن عرفًا مجددًا بل قدر توارثه الآباء كابرًا عن كابر كان أوقع في نفوس أمة محمد صلى الله عليه وسلم وأدهش لهم فيكون أفيد، ولعل إنذار الأنبياء أقوامهم من قبيل ما كانوا يخبرونهم من أعاجيب مقدوراته سبحانه وتعالى كما أسلفناه لك آنفًا. قوله [لعله سيدركه بعض من رآني (1)] قيل: هو خضر، وقيل:
(1) قال في فتح الودود: يمكن أن يحمل على سماعه أعم من أن يكون بلا واسطة أو بواسطة، فيكو المراد بقاء كلامه صلى الله عليه وسلم إلى حين ظهور الدجال، وحمله بعضهم على خضر عليه السلام، قال الشيخ في البذل: حمل السماع على الأعم الشامل بالواسطة ممكن لكن لا يمكن حمل الرؤية على الواسطة، فيلزم على هذه الرواية أن الرؤية إما يحمل على الخضر أو على بعض الجنيين، وأما ما وقع في رواية الترمذي ((أو سمع كلامي)) بلفظ أو فكما يحتمل أن يكون الواو بمعنى أو فكذلك يحتمل أن يكون أو بمعنى الواو، انتهى.
بعض معمري الجن. قوله [لم يقله نبي لقومه] ووجه ذلك ما قدمنا أنهم كانوا (1) يعلمون أنه لا يفاجئهم فلم يحتاجوا إلى بيان علامته، وأما النبي صلى الله عليه وسلم فبين علامته لكوننا أحوج إليها منهم.
قوله [إنه لن يرى أحد منكم ربه حتى يموت] خطاب للأمة فلا نقض برؤيته صلى الله عليه وسلم ربه ليلة (2) الإسراء، وأما ما نقل عن بعضهم من رؤيته (3)
(1) وقال الحافظ: إن السر في اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بالتنبيه المذكور مع أنه أوضح الأدلة في تكذيبه أنه إنما يخرج في أمته دون غيرها ممن تقدم من الأمم، ودل الخبر على أن علم كونه يختص خروجه بهذه الأمة كان طوى عن غير هذه الأمة كما طوى عن الجميع علم وقت قيام الساعة، انتهى. قلت: فكلام الحافظ مبني على مختاره من عدم العلم للأنبياء عليهم السلام بوقت خروجه، وكلام الشيخ يبنى على مختاره من علمهم بذاك، وأما بيان هذه العلامة وهي كونه أعرو فسيأتي قريبًا.
(2)
والمسألة خلافية شهيرة، أنكرت عائشة وابن مسعود الرؤية، وأثبتها أنس والحسن وعكرمة، وروى عن ابن عباس جعل بصره في فؤاده فرأى وبه بفؤاده، هكذا في الجمل.
(3)
قال الحافظ في الفتح: جوز أهل التعبير رؤية الباري عز اسمه في المنام مطلقًا، ولم يجروا فيها الخلاف في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم، وأجاب بعضهم عن ذلك بأمور قابلة للتأويل في جميع وجوهها، فتارة يعبر بالسلطان، وتارة بالوالد، وتارة بالسيد، وتارة بالرئيس في أي فن كان، فلما كان الوقوف على حقيقة ذاته ممتنعًا وجميع من يعبر به يجوز عليهم الصدق والكذب كانت رؤياه تحتاج إلى تعبير دائمًا بخلاف النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا رئى على صفته المتفق عليها، وهو لا يجوز عليه الكذب كانت في هذه الحالة حقًا محضًا لا يحتاج إلى تعبير، وقال الغزالي: من يرى الله سبحانه وتعالى في المنام، فإن ذاته منزهة عن الشكل والصورة، ولكن تنتهي تعريفاته إلى العبد بواسطة مثال محسوس من نور أو غيره، ويكون ذلك المثال حقًا في كونه واسطة التعريف فيقول الرائي: رأيت الله في المنام لا يعني أن رأيت ذات الله تعالى كما يقول في حق غيره، وقال أبو القاسم القشيري ما حاصله أن رؤياه على غير صفته لا يستلزم أن لا يكون هو، فإنه لو رأى الله على وصف يتعالى عنه، وهو يعتقد أنه منزه عن ذلك لا يقدح في رؤيته بل يكون لتلك الرؤيا ضرب من التأويل، كما قال الواسطي: من رأى ربه على صورة شيخ كان إشارة إلى وقار الرأي، انتهى. قال القاضي: اتفق العلماء على جواز رؤية الله تعالى في المنام وصحتها، وإن رآه الإنسان على صفة لا تليق بجلاله من صفات الأجسام لأن ذلك المرئي غير ذات الله تعالى إذ لا يجوز عليه سبحانه وتعالى التجسم، ولا اختلاف الأحوال بخلاف رؤية النبي صلى الله عليه وسلم، قال ابن الباقلاني: رؤية الله تعالى في المنام خواطر في القلب، وهي دلالات للرائي على أمور مما كان أو يكون كسائر المرئيات، قاله النووي.
سبحانه وتعالى في المنام، فإنما هي رؤية مثال وشبه لا رؤية ذات. قوله [مكتوب (1)
(1) قال النووي: الصحيح الذي عليه المحققون أن الكتابة المذكورة حقيقة جعلها الله علامة قاطعة بكذب الدجال، فيظهر الله المؤمن عليها ويخفيها على من أراد شقاوته، وحكى عياض خلافًا وأن بعضهم قال: هي مجاز عن سمة الحدوث عليه، وهو مذهب ضعيف، ولا يلزم من قوله يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب أن لا تكون الكتابة حقيقة بل يقدر الله عز اسمه على غير الكاتب علم الإدراك فيقرأ ذلك وإن لم يكن سبق له معرفة الكتابة، يعني أن الإدراك في البصر يخلقه لله للعبد كيف يشاء ومتى شاء فهذا يراه المؤمن وإن كان لا يعرف الكتابة، ولا يراه الكافر ولو كان يعرف الكتابة، كذا في الفتح.
بين عينيه كافر (1)] هذا حاصل ما يحصل منه، وإلا فالمكتوب مقطعات الحروف ك ف ر. قوله [يقرؤه من كره (2) عمله] ولعل الله (3) يغطي أبصار معتقديه عن رؤيته، أو لا يكادون يبصرون إلى وجهة هيبة وإجلالاً له حتى يروا ما كتب ثمة. قوله [حتى يقول الحجر] وكل شيء سوى شجرة الغرقد لمناسبته (4) باليهود.
(1) اختلفت الروايات في بيان المكتوب هل هو كافر على صيغة اسم الفاعل أو بالهجاء، وما أفاده الشيخ هو الموجه بالروايات الكثيرة، ويؤيده رواية هشام عن قتادة عن أنس بلفظ: مكتوب بين عينيه ك ف ر أي كافر، ومن طريق شعيب عن أنس مكتوب بين عينيه، كافر ثم تهجاها ك ف ر يقرؤه كل مسلم، ولأحمد عن جابر مكتوب بين عينيه كافر مهجاة، ومثله عند الطبراني من حديث أسماء بنت عميس، قال ابن العربي: في قوله ك ف ر إشارة إلى أن فعل وفاعل من الكفر إنما يكتب بغير ألف، وكذا هو في رسم المصحف وإن كان أهل الخط اثبتوا في فاعل ألفًا لزيادة البيان، كذا في الفتح.
(2)
قال الحافظ: هذا أخص مما ورد من قوله يقرؤه كل مسلم، وفي أخرى كل مؤمن، فيحتمل قوله من كره عمله أن يراد به المؤمنون عمومًا، ويحتمل أن يختص ببعضهم ممن قوى إيمانه.
(3)
قال النووي: هذه الكتابة على ظاهرها وإنها كتابة حقيقة جعلها الله آية وعلامة من جملة العلامات القاطعة بكفره وكذبه وإبطاله، ويظهر الله تعالى لكل مسلم كاتب وغير كاتب ويخفيها عمن أراد فتنته وشقاوته، ولا امتناع في ذلك، انتهى.
(4)
فقد ورد نصًا من رواية أبي هريرة عند مسلم بلفظ فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود، قال القارئ: استثناء من الشجر، وهو نوع شجر ذو شوك يقال له العوسج وأضيف إلى اليهود بأدنى ملابسة، قيل: هذا يكون بعد خروج الدجال حين يقاتل المسلمون من تبعه من اليهود، انتهى.