الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سبب لعجلة منيته في أسماع الناس وآرائهم، وإلا فقد مات بعد معاناة الأمراض والأسقام، ومقاساة الشهور والأعوام، والغرض بهذا التصفيق أنه لم يخبر به الناس في مرضه حتى يعاد، وذلك لما أنه لم يك عندهم بحيث يعودوه.
[باب في فضل الفقر
(1)] قوله [أنظر ما تقول] يعني أن المحبة قد تكون اضطرارية (2) ولا مدفع بموجبه ومقتضاه، وقد يكون تكلفًا وتصنعًا فتعود إلى التخلق والتطبع، فإن كان القول الذي قلته من قبيل الثاني فلا تفعل،
(1) ولا يذهب عليك أن ههنا بحثين طويلين لا يسعهما المقام، وقد تكلم عليهما في المطولات، الأول الجمع لروايات ما في الباب بالروايات التي وردت في تعوذه صلى الله عليه وسلم من الفقر، وقد أشار إلى الجمع بينها الشيخ في البذل، والثاني اختلافهم قديمًا وحديثًا في أن الغني الشاكر أفضل أم الفقير الصابر.
(2)
يعني أن المحبة إذا كانت بلا اختيار من الرجل فما يتفرع عليها من لوازم المحبة وثمراتها لا بد من تحملها ضرورة وجبرًا، ولا إمكان لدفعها، لأنها من لوازم المحبة، وهو بلا اختيار منه، وإذا ثبت الشيء ثبت بلوازمه، فكذلك دعواك المحبة مني إن كان اضطرارًا فما يتفرع عليه من سرعة الفقر لا دافع له، وإن كانت هذه الدعوى منك بالتكلف فسيصير مآله إلى الاعتياد فإن الرجل إذا اختار شيئًا بالتكلف والتصنع فبعد مقاساة شدائد التكلف يكون طبعًا له، ولذا يعودون الصبيان بالضرب والتأديب الصلاة والأخلاق الحسنة لتصير طبعًا له، فإن كانت الدعوى منك من هذا القبيل فلا تتكلف لهذا لأن الأمر إلى الآن في قبضتك، لكن إذا وصل الأمر إلى حقيقة المحبة فخرج من اختيارك ورتب عليها ما يرتب على المحبة مني من سرعة الفقر.
لأن الأمر بعد في يديك، وإذا خرج من اختيارك وضرب (1) تحبسي حقيقية ولم يبق تكلفًا وتصنعًا، فإني أخشى عليك الفقر، فإن المحتابين المتحدين في عاقبة الأمر، كما هو مآل المحبة تتحد (2) خصالهم- والواردات عليهم، ونحن معاشر الأنبياء أشد الناس بلاء الأمثل فالأمثل، ومن ههنا يعلم فضل الفقر (3) على الغنى، قوله [بخمس مائة عام] الظاهر (4) أن ذلك ليس تحديدًا، وإنما
(1) هكذا في المنقول عنه، والظاهر عندي أنه تحريف من الناقل، والصواب وصرت تحبي.
(2)
كما هو معروف في باب المحبة فمن الأمثال: النفس مائلة إلى شكلها، وقد قيل: عن المرء
لا تسأل وسل عن جليسه
…
فإن الجليس بالمجالس مقتد
إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم
…
ولا تصحب الأردي فتردي مع الردي
(3)
وفي المسألة خلاف مشهور، وحكى الحافظ عن القرطبي أن العلماء فيها خمسة أقوال: بالثها الأفضل الكفاف، ورابعها يختلف باختلاف الأشخاص، وخامسها التوقف، وحكى عن جمهور الصوفية ترجيح الفقير الصابر، وبسط الكلام.
(4)
وإليه مال القاري كما بسطه في المرقاة، وحكى عن الأشرف يمكن أن يكون المراد من الأغنياء في حديث الخريف أغنياء المهاجرين، أي يسبق فقراء المهاجرين إلى الجنة بأربعين خريفًا، ومن الأغنياء في حديث الباب الأغنياء الذين ليسوا من المهاجرين، فلا تناقض بين الحديثين، وتعقبه القاري بأنه إنما يتم إذا أريد بالفقراء الخاص، وبالأغنياء العام، فلا يفهم حكم الفقراء من غير المهاجرين، فالأولى حمل الحديث على العموم، وهو أن يراد به التكثير لا التحديد، أو أخبر أولاً بأربعين، ثم أخبر ثانيًا بخمس مائة زيادة من فضله على الفقراء ببركته صلى الله عليه وسلم، أو التقدير بأربعين خريفًا إشارة إلى أقل المراتب، وبخمس مائة عام إلى أكثرها، ويدل عليه ما رواه الطبراني عن مسلمة بن مخلد بلفظ: سبق المهاجرون الناس بأربعين خريفًا إلى الجنة، ثم يكون الزمرة الثانية مائة خريف، فالمعنى أن يكون الزمرة الثالثة مائتين، وهلم جرا، أو الاختلاف باختلاف مراتب أشخاص الفقراء في حال صبرهم ورضاهم وشكرهم، وهو الأظهر المطابق لما في جامع الأصول حيث قال: وجه الجمع بينهما أن الأربعين أراد بها تقدم الفقير الحريص وأراد بالخمس مائة تقدم الفقير الزاهد، ولا تظنن أن هذا التقدير وأمثاله يجري على لسان النبي صلى الله عليه وسلم جزافًا ولا بإنفاق، بل لسر أدركه ونسبة أحاط بها علمه، فإنه صلى الله عليه وسلم {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَاّ وَحْيٌ يُوحَى} انتهى.
المقصود بذلك بيان كثرة زمان قبليتهم في الدخول، ولا يبعد أن يكون تحديدًا أيضًا، والذي يرد من القليل من هذا كأربعين خريفًا مثلاً ليس ينفي الأكثر منه، حتى يخالف هذه الرواية، أولاً مفهوم للعدد، أو يقال: إن تفاوت المدد (1) بتفاوت أحوال الأغنياء في غنائهم.
قوله [قال إنهم يدخلون الجنة إلخ] هذه الفضيلة جزئية، والأغنياء
(1) بضم الميم جمع مدة، وهي برهة من الزمان كما في المجمع.