الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيه من المبالغة ما لم يكن في الحديث السابق، يعني أن القيح لو أفسد جوفه حتى لم يبق له إلا الهلاك لم يضره إضرار الشعر إذا غلب عليه، وشغله عن أمور دينه، لأن ضرره يفسد دينه فيفسد عليه حياته الأخروية، بخلاف القيح إذا روى جوفه فإن إضراره مقتصر على الحياة الدنيوية.
[باب ما جاء في الفصاحة والبيان]
فإنهما مع كونهما صفتي مدح إذا قصد الرجل بهما الرياء والسمعة (1) وتكلف فيهما ليشار إليه بالبنان فيقال: لله دره من بليغ! وواها له من فصيح! كان سببًا لبلائه ووبالاً عليه.
قوله [كما يتخلل البقرة بلسانه إلخ] وخص البقرة (2) لطول في لسانها
(1) ففي المشكاة برواية أبي داؤد عن أبي هريرة مرفوعًا: من تعلم صرف الكلام ليسبي به قلوب الرجال أو الناس لم يقبل الله منه يوم القيامة صرفًا ولا عدلاً، وفي جمع الفوائد برواية الترمذي عن أبي هريرة رفعه: تعوذوا بالله من جب الحزن، قالوا: وما جب الحزن؟ قال: واد في جهنم تتعوذ منهم جهنم كل يوم مأة مرة، قيل: ومن يدخله؟ قال: القراء المراؤن، والروايات في الباب عديدة.
(2)
وقال القارئ: ضرب للمعنى مثلاً يشاهده الراؤن من حال البقر ليكون أثبت في الضمائر، وذلك أن سائر الدواب تأخذ من نبات الأرض بأسنانها فضرب بها المثل لمعنيين: أحدهما أنهم لا يهتدون من المآكل إلا إلى ذلك سبيلاً، كما أن البقرة لا تتمكن من الاحتشاش إلا بلسانها، والآخر أنهم في مغزاهم ذلك كالبقرة التي لا تستطيع أن تتميز في رعيها بين الشوكة والرطب، والحلو والمر، بل تلف الكل بلسانها لفا، فكذلك هؤلاء الذين يتخذون ألسنتهم ذريعة إلى مآكلهم لا يميزون بين الحق والباطل، وقال القاضي: شبه إدارة لسانه حول الأسنان والفم حال التكلم تفاصحًا بما تفعل البقرة بلسانها، وفي النهاية: هو الذي يتشدق في الكلام ويفخم به لسانه ويلفه كما تلف البقرة بلسانها، انتهى.
وحرص لها على الأكل ما ليس لغيره، كما أن هذا الرجل يريد أن يتطاول بلسانه على الأنام، ويجوز ببيانه ما ينحاز له من الحلال والحرام.
قوله [فإن الفويسقة ربما جرت الفتيلة] المراد بها الفارة فإنها تشرب الزيت وتعتاد جمع الأشياء في بيتها، فتجر الفتيلة (1) لذلك يحرق البيت، ولا ضير في تركه إذا أمن (2) الاحتراق.
(1) فقد أخرج أبو داؤد بسنده عن ابن عباس قال: جاءت فارة فأخذت تجر الفتيلة فجاءت بها فألقتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخمرة التي كان قاعدًا عليها فأحرقت منها مثل موضع درهم، فقال: إذا نمتم فاطفئوا سرجكم فإن الشيطان يدل مثل هذه على هذا فتحرقكم.
(2)
وبذلك جزم جمع من الشراح، فقد حكى القارئ عن النووي: هذا عام يدخل فيه السراج وغيره، وأما القناديل المعلقة فإن خيف بسببها حريق دخلت في ذلك وإلا فلا بأس لانتفاء العلة، وقال القرطبي: جميع أوامر هذا الباب من باب الإرشاد إلى المصلحة، ويحتمل أن تكون للندب لا سيما فيمن ينوي امتثال الأمر، والإغلاق مقيد بالليل، والأصل في جميع ذلك يرجع إلى الشيطان فإنه هو الذي يسوق الفارة إلى الإحراق، انتهى. قلت: ويدل عليه ما تقدم في رواية أبي داؤد عن ابن عباس، وفيها: فإن الشيطان يدل مثل هذه على هذا.
قوله [فأعطوا الإبل حظها من الأرض] أي إذا نزلتم (1) لحاجة فاتركوه يرعى لما أن الكلاء حينئذ توجد في كل أرض ولا تتركوه بحيث لا يقدر على الرعي، وكذا غيره من الدواب.
قوله [فبادروا بها نقيها إلخ] أي عجلوا في قطع المسافة ولا تتمهلوا في الطريق، فإن الراحلة تستضر بذلك فإنها لا تجد (2) ما تأكله فتأثر بالجوع ويذوب نقيها. قوله [أن ينام الرجل إلخ] أي قريبًا من الطرف حتى يخاف السقوط، وأما إذا بعد أو كان على مثل ما تنام (3) عليه فلا كراهة إذ لا يخاف السقوط،
(1) وللحديث معنى آخر كما أفاده الشيخ في البذل تبعًا للقارئ، يعني دعوها ساعة فساعة ترعى إذ حقها من الأرض رعيها فيه، انتهى. ومعنى قول الشيخ: وكذا غيره من الدواب، أن الحكم لا يختص بالإبل بل ذكره لكثرته في هذه الديار، وكل الدواب في ذلك سواء، ولذا قال النووي: معنى الحديث الحث على الرفق بالدواب ومراعاة مصلحتها، فإن سافروا في الخصب قللوا السير وتركوها ترعى في بعض النهار وفي أثناء السير فتأخذ حظها من الأرض بما ترعاه منها، وإن سافروا في القحط عجلوا السير ليصلوا المقصد وفيها بقية من قوتها، ولا يقللوا السير فيلحقها الضرر، لأنها لا تجد ما ترعى فتضعف ويذهب نقيها، انتهى.
(2)
يعني لا تجد الكلاء في كل موضع فينبغي الإسراع إلى المنزل لتجد هناك ما تأكله، وقال القارئ: أي أسرعوا عليها السير ما دامت قوية باقية النقي، وبسط في إعراب هذا اللفظ وتركيبها، والنقي بكسر النون وسكون القاف إلخ.
(3)
هكذا في المنقول عنه، ولعل المعنى أن هذا حكم السطح، وأما إذا نام على شيء موضوع للنوم كالسرير ونحوه الذي لا يخاف منه السقوط فلا كراهة، وأما إذا خيف على السرير أيضًا فيكره لأن علة الكراهة خوف السقوط سواء كان على السطح أو على السرير.
وأما إذا خيف كان منهيًا عنه حينئذ أيضًا.
قوله [سئلت] على زنة الغائبة (1) من المجهول. قوله [وإن قل] فإنه يكثر كميته بطوله (2).
(1) كما يدل عليه صوغ الكتابة من النسخ التي بأيدنا الهندية والمصرية، وفي الشمائل: بلفظ سألت بصياغة كتابة المعروف، وضبطه شراح الشمائل من القارئ والمناوي، والبيجوري، بالاحتمالين معًا إذ قالوا: بصيغة المتكلم، وعلى هذا فالكلمتان بعده بالنصب على المفعولية، وفي رواية بصيغة الغائبة مبنيًا للمجهول، وعلى هذا فالاسمان بعده بالرفع على النيابة عن الفاعل، انتهى.
(2)
أي يزداد المقدار بازدياد الزمان.