المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أبواب الأمثال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - الكوكب الدري على جامع الترمذي - جـ ٣

[رشيد الكنكوهي]

فهرس الكتاب

- ‌أبواب الأطعمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌[باب في أكل الأرنب

- ‌[باب في أكل الضب

- ‌[باب في أكل الضبع

- ‌[باب الفارة تموت في السمن]

- ‌[باب ما جاء في لعق الأصابع]

- ‌[باب ما جاء في استحباب التمر]

- ‌[باب الأكل مع المجذوم]

- ‌[باب ما جاء أن المؤمن يأكل في معي واحد

- ‌[باب في طعام الواحد يكفي الاثنين]

- ‌[باب ما جاء في أكل الشواء]

- ‌[باب ما جاء، نعم الادام الخل]

- ‌[باب ما جاء في أكل البطيخ بالرطب]

- ‌كتاب الأشربة

- ‌[باب في شارب الخمر]

- ‌[باب في كراهية الشرب في آنية الذهب والفضة

- ‌[باب في التنفس في الإناء]

- ‌[باب ما جاء في أن ساقي القوم آخرهم شربًا]

- ‌[باب في بر الخالة]

- ‌[باب في قطعية الرحم]

- ‌[باب في حب الولد]

- ‌[باب في رحمة الولد]

- ‌[باب في النفقة على البنات]

- ‌[باب في رحمة الناس]

- ‌[باب الستر على المسلمين]

- ‌[باب في مواساة

- ‌[باب في الغيبة]

- ‌[باب في الحسد]

- ‌[باب في إصلاح ذات البين]

- ‌[باب في حق الجوار]

- ‌[باب النهي عن ضرب الخدام

- ‌[باب في أدب الولد]

- ‌[باب الشكر لمن أحسن إليك]

- ‌[باب المجالس بالأمانة]

- ‌[باب السخاء]

- ‌[باب في البخل]

- ‌[باب النفقة على الأهل]

- ‌[باب في الضيافة]

- ‌[باب الصدق والكذب]

- ‌[باب في الشتم]

- ‌[باب في فضل المملوك الصال

- ‌[باب في سوء الظن]

- ‌[باب في المزاح]

- ‌[باب في المراء]

- ‌[باب في المداراة]

- ‌[باب في الكبر]

- ‌[باب في حسن الخلق]

- ‌[باب في الإحسان والعفو]

- ‌[باب في الحياء]

- ‌[باب التأني والعجلة]

- ‌[باب خلق النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[باب ما جاء في اللعن والطعن]

- ‌[باب ما جاء في كثرة الغضب]

- ‌[باب ما جاء في الصب

- ‌[باب ما جاء في العي]

- ‌[باب ما جاء في التواضع]

- ‌[باب ما جاء في الظلم]

- ‌[باب ما جاء في تعظيم المؤمن]

- ‌[باب ما جاء في التجارب]

- ‌[باب ما جاء في المتشيع بما لم يعطه]

- ‌أبواب الطب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌[باب ما جاء في الحمية

- ‌[باب ما جاء في الدواء والحث]

- ‌[باب ما جاء في الحبة السوداء

- ‌[باب من قتل نفسه بسم أو غيره]

- ‌[باب ما جاء في كراهية التداوي بالمسكر

- ‌[باب ما جاء في السعوط

- ‌[باب ما جاء في كراهية الكي]

- ‌[باب ما جاء في الرخصة في ذلك]

- ‌[باب ما جاء في الحجامة]

- ‌[باب ما جاء في كراهية الرقية]

- ‌[باب ما جاء في الرخصة في ذلك]

- ‌[باب ما جاء في الرقية بالمعوذتين]

- ‌[باب ما جاء في الرقية من العين]

- ‌[باب ما جاء في أخذ الأجر على التعويذ]

- ‌[باب ما جاء في الكمأة والعجوة]

- ‌[باب في كراهة التعليق]

- ‌[باب ما جاء في تبريد الحي بالماء]

- ‌[باب ما جاء في الغيلة]

- ‌[باب في دواء ذات الجنب]

- ‌[باب في العسل]

- ‌أبواب الفرائض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌[باب ما جاء في ميراث بنت الابن مع بنت الصلب]

- ‌[باب في ميراث الإخوة من الأب والأم]

- ‌[باب في ميراث العصبة]

- ‌[باب في ميراث الجد]

- ‌[باب ميراث الجدة]

- ‌[باب في ميراث الخال]

- ‌[باب في الذي يموت وليس له وارث]

- ‌[باب في إبطال الميراث بين المسلم والكافر]

- ‌[باب الميراث للورثة والعقل على العصبة]

- ‌[باب في الرجل يسلم على يدي الرجل]

- ‌[باب من يرث الولاء]

- ‌أبواب الوصايا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌[باب في الحث على الوصية]

- ‌[باب أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوص]

- ‌[باب في الرجل يتصدق أو يعتق عند الموت]

- ‌[باب الولاء لمن اعتق]

- ‌[باب في حث النبي صلى الله عليه وسلم على الهدية]

- ‌[باب ما جاء في التشديد

- ‌[باب في الشقاء والسعادة]

- ‌[باب أن الأعمال بالخواتيم]

- ‌[باب ما جاء كل مولود يولد على الفطرة]

- ‌أبواب الفتن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌[باب لا يحل دم امرئ مسلم]

- ‌[باب لا يحل لمسلم أن يروع مسلمًا]

- ‌[باب من صلى الصبح فهو في ذمة الله]

- ‌[باب في نزول العذاب إذا لم يغير المنكر]

- ‌[باب في تغيير المنكر باليد

- ‌[باب أفضل الجهاد

- ‌[باب سؤال النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثًا في أمته]

- ‌[باب الرجل يكون في الفتنة]

- ‌[باب لتركبن سنن من كان قبلكم]

- ‌[باب في انشقاق القمر]

- ‌[باب في الخسف]

- ‌[باب في خروج يأجوج ومأجوج]

- ‌[باب في صفة المارقة]

- ‌[باب فتنة القاعد فيها خير من القائم]

- ‌[باب في الهرج

- ‌[باب في أشراط الساعة]

- ‌[باب في قتال الترك]

- ‌[باب في الخلفاء]

- ‌[باب ما جاء أن الخلفاء من قريش

- ‌[باب في المهدي]

- ‌[باب في نزول عيسى]

- ‌[باب ما جاء في الدجال

- ‌[باب من أين يخرج الدجال]

- ‌[باب في ذكر ابن صياد

- ‌[باب ذهبت النبوة وبقيت المبشرات]

- ‌[باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: من رآني في المنام

- ‌[باب إذا رأى في المنام ما يكره ما يصنع]

- ‌[باب الذي في يكذب في حلمه

- ‌[باب ما جاء في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في الميزان والدلو]

- ‌أبواب الزهد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌[باب في ذكر الموت]

- ‌[باب ما جاء في إنذار النبي صلى الله عليه وسلم قومه]

- ‌[باب في قلة الكلام]

- ‌[باب ما جاء في هوان الدنيا]

- ‌[باب ما جاء مثل الدنيا مثل أربعة نفر]

- ‌[باب فقر]

- ‌[باب في أعمال هذه الأمة]

- ‌[باب في تقارب الزمن]

- ‌[باب في قصر الأمل]

- ‌[باب ما جاء لو كان لابن آدم واديان

- ‌[باب في الزهادة في الدنيا]

- ‌[باب في فضل الفقر

- ‌[باب ما جاء في معيشة النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[باب في الرياء والسمعة]

- ‌[باب المرأ مع من أحب

- ‌[باب في البر والإثم]

- ‌[باب الحب في الله]

- ‌[باب في إعلام الحب]

- ‌[باب في كراهية المدحة والمداحين]

- ‌[باب في الصبر على البلاء]

- ‌[باب في ذهاب البصر]

- ‌[باب في حفظ اللسان]

- ‌[باب ما جاء في شأن الحشر]

- ‌[باب ما جاء في شأن الصراط]

- ‌[باب ما جاء في الشفاعة]

- ‌[باب ما جاء في صفة أواني الحوض

- ‌[باب في صفة غرف الجنة]

- ‌[باب في صفة نساء أهل الجنة]

- ‌[باب في صفة ثياب أهل الجنة]

- ‌[باب صفة طير الجنة]

- ‌[باب في صفة خيل الجنة]

- ‌[باب في كم صف أهل الجنة]

- ‌[باب في سوق الجنة]

- ‌[باب في احتجاج الجنة والنار]

- ‌أبواب صفة جهنم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌[باب ما جاء أن للنار نفسين

- ‌[باب الحياء من الإيمان]

- ‌[باب في حرمة الصلاة]

- ‌[باب في ترك الصلاة]

- ‌[باب في علامة المنافق]

- ‌[باب سباب المسلم فسوق]

- ‌[باب في من يموت وهو يشهد أن لا إله إلا الله]

- ‌[باب افتراق هذه الأمة]

- ‌أبواب العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌[باب في ذهاب العلم]

- ‌[باب في الحث على تبليغ السماع]

- ‌[باب فيمن روى حديثًا وهو يرى أنه كذب]

- ‌[باب الرخصة في ذلك]

- ‌[باب ما جاء الدال على الخير كفاعله]

- ‌[باب الأخذ بالسنة واجتناب البدعة]

- ‌[باب في فضل الفقه على العبادة]

- ‌[باب في إفشاء السلام]

- ‌[باب في أن الاستيذان ثلاث]

- ‌[باب في كراهية إشارة اليد في السلام]

- ‌[باب ما جاء في التسليم على النساء]

- ‌[باب في كراهية التسليم على الذي]

- ‌[باب السلام على مجلس فيه مسلمون وغيرهم]

- ‌[باب التسليم عند القيام والقعودي

- ‌[باب الاستيذان قبالة البيت]

- ‌[باب في كراهية التسليم على من يبول]

- ‌[باب في كراهية أن يقول: عليك السلام]

- ‌[باب في المصافحة]

- ‌[باب في تشميت العاطس]

- ‌[باب ما جاءكم يشمت العاطس]

- ‌[باب في إعفاء اللحية]

- ‌[باب ما جاء في حفظ العورة]

- ‌[باب الرجل أحق بصدر دابته]

- ‌[باب الرخصة في اتخاذ الأنماط]

- ‌[باب في ركوب ثلاثة على دابة]

- ‌[باب في نظرة الفجاءة]

- ‌[باب في كراهية اتخاذ القصة]

- ‌[باب في كراهية خروج المرأة متعطرة]

- ‌[باب ما جاء في حفظ العورة]

- ‌[باب في النظافة]

- ‌[باب مام جاء في الاستتار عند الجماع]

- ‌[باب في دخول الحمام]

- ‌[باب ما جاء في كراهية لبس المعصفر الرجال]

- ‌[باب في العدة]

- ‌[باب في فداك أبي وأمي]

- ‌[باب ما جاء في يا بني]

- ‌[باب ما يكره من الأسماء]

- ‌[باب ما جاء في كراهية الجمع بين اسم النبي صلى الله عليه وسلم وكنيته]

- ‌[باب ما جاء في إنشاد الشعر]

- ‌[باب ما جاء في الفصاحة والبيان]

- ‌أبواب الأمثال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌[باب مثل النبي والأنبياء صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين]

- ‌[باب ما جاء مثل الصلوات الخمس

الفصل: ‌أبواب الأمثال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

‌أبواب الأمثال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

وضعها ليعلم بذلك أن التمثيل جائز وأن التشبيه إنما يعتمد الكمال في وجه الشبه، ولا ينظر فيه إلى سائر ما يلزم، فإن تطبيق كل المشبه على كل المشبه به لا يكون مقصودًا، فإن الله عز وجل شبه بالصراط المستقيم وهو على الأرض بالإسلام (1)، ولا تشبه بينهما في كثير من الأمور بجامع الإيصال إلى المقصود، وكذلك ما قال: وداع (2) يدعو فوقه فإنه لا ينظر فيه إلى ما لزم من تحيزه إذ

(1) هكذا في المنقول عنه بزيادة الباء على الإسلام والصراط معًا، والظاهر أنها على الإسلام من سهو الناسخ.

(2)

ظاهر ما أفاده الشيخ رحمه الله أنه فسر الداعي بالله عز اسمه، وهو ظاهر سياق الترمذي، إذ قال: والله يدعو إلى دار السلام، لكن هذا الحديث مختصر، وأخرجه الحاكم مفصلاً وفسر فيه الداعيين بغير ذلك، ولفظه: عن النواس بن سمعان قال: ((ضرب الله مثلاً صراطًا مستقيمًا، وعلى كنقي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعلى الصراط داع يدعو يقول: يا أيها الناس اسلكوا الصراط جميعًا ولا تعوجوا: وداع يدعو على الصراط فإذا أراد أحدكم فتح شيء من تلك الأبواب، قال: ويلك لا تفحته فإنك إن تفتحه تلجه، فالصراط الإسلام، والستور حدود الله، والأبواب المفتحة محارم الله، والداعي الذي على رأس الصراط كتاب الله، والداعي من فوق واعظ الله يذكر في قلب كل مسلم، صحيح على شرط مسلم ولا أعرف له علة، ولم يخرجاه، انتهى. قلت: ويؤيد رواية الحاكم ما في المشكاة برواية ابن مسعود مثل هذه القصة بلفظ: وعند رأس الصراط داع يقول: استقيموا على الصراط، وفوق ذلك داع يدعو كلما هم عبد أن يفتح شيئًا من تلك الأبواب: ويحك لا تفتح، ثم فسر الداعي على رأس الصراط بالقرآن، والداعي من فوقه بواعظ الله في قلب كل مؤمن، ومما ينبغي التنبيه عليه أن قوله (صراطًا مستقيمًا) بدل من قوله (مثلاً) لا على إهدام المبدل كما في قولك: زيد رأيت غلامه رجلاً صالحًا، قاله القارئ. قوله (زوران) بالزاي المبدلة عن السين بمعنى سوران كما حققه المحشي، وفي النسخة المصرية (داران) بدل (زوران) والظاهر أنه تحريف، وما ذكر المصنف من رواية الدارمي عن زكريا بن عدي عن الفزاري، وكتب عليه المحشي أنه يوجد في بعض النسخ زكريا بن أبي عدي فهو تحريف من الناسخ، والصواب بدون حرف الكنية فإنه زكريا بن عدي بن زريق من مشايخ الدارمي، وتلامذة الفزاري، وهذا الأثر ذكره مسلم في مقدمته بدون لفظ الكنية، وليست في النسخة المصرية من الترمذي أيضًا.

ص: 437

التشبيه والتصوير إنما هو لمجرد دعائه مستقبلاً، فإن الداعي إذا كان في الجهة المقابلة من المدعو كان الوصول إليه أسهل وسمع قوله أصوب فكان القبول له أهم.

قوله [حتى يكشف الستر] والله أعلم ماذا أريد (1) بالستر، وما الفرق بينه وبين الحد؟ ولعله أراد بالستور الشبهات وبالحدود المنهيات، أو أراد بالستور ما على المنهيات من الصور المرغوبة فيها كما قال صلى الله عليه وسلم: حفت النار بالشهوات وحفت الجنة بالمكاره، أو المراد بالحدود المنهيات، والستر نفس النهي، ولا ينحل المقام إلا

(1) ولفظ رواية الحاكم المتقدمة يشير إلى أن المراد بالحدود حدود الجواز، فلا يدخل في الحرام إلا بعد تعدي حدود الجواز وهو المعبر بكشف الستر، والله أعلم. ولفظ رواية ابن مسعود: إن الأبواب المفتحة محارم الله، وإن الستور المرخاة حدود الله، قال الطيبي: الحد الفاصل بين العبد ومحارم الله كما قال الله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا} قال القارئ: والظاهر أن المراد بالستور الأمور المستورة الغير المبينة من الدين، المسماة بالشبهة المعبرة عنها بحول الحمى في الحديث المشهور، انتهى. وفي المجمع: أصل الحد الفصل بين الشيئين، فكأن حدود الشرع بين الحلال والحرام، وقال الراغب: الحد الحاجز بين الشيئين الذي يمنع اختلاط أحدهما بالآخر، يقال: حددت كذا جعلت له حدًا يميز، وحد الشيء الوصف المحيط بمعناه المميز له عن غيره.

ص: 438

بالاستفسار عن الأستاذ العلام، والله الهادي إلى الصراط المستقام.

قوله [والذي يدعو من فوقه] وكذلك ما تقدم من قوله [وداع يدعو فوقه] الكناية راجعة إلى الصراط أو إلى العبد، أي من فوق الصراط أو من فوق العبد المدعو، والمراد به الأنبياء ونوابهم، أو ملهم الخير من الله سبحانه، فقد تحقق بتعدد التجارب أن القلب لا يبادر إلى الجرائم إلا بعد تردد فيه ومنازعة أن يفعله وأن يتركه، إلا إذا جعل السيئات ديدنه ودأبه فكان (1) كما قال:((كلا بل رأن على قلوبهم ما كانوا يكسبون)).

(1) ففي الدر برواية أحمد والحاكم والترمذي وصححاه والنسائي وابن ماجة وغيرهم عن أبي هريرة مرفوعًا: إن العبد إذا أذنب ذنبًا نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه، وإن عاد زادت حتى تعلو قلبه، فذلك الران الذي ذكر الله في القرآن، وبرواية البيهقي عن حذيفة: القلب هكذا مثل الكف، فيذنب الذنب فينقبض منه، ثم يذنب الذنب فينقبض منه حتى يختم عليه، فيسمع الخير فلا يجد له مساغًا، الحديث. وفي الباب روايات أخر، فمن جعل السيئات دأبه يستولي الرين على قلبه فلا يتردد في فعلها، ولا يتعظ بواعظ القلب ولا غيره غالبًا إلا من شرح الله صدره، ووفقه، فهو على كل شيء قدير.

ص: 439

قوله [والدار الإسلام] ولم يقل والدار (1) الإيمان إشارة إلى أن

(1) لله در الشيخ ما أدق نكاته، وعامة الشراح سكتوا عن مثل هذه اللطائف. ثم لا يذهب عليك أن سياق روايات جابر مختلف في كتب الحديث وإليه أشار الترمذي أيضًا بعد ذكر الحديث، فسياق الترمذي كما ترى، وإليه أشار البخاري في صحيحه تعليقًا، وأخرج في صحيحه بسند آخر بغير هذا السياق ولفظه: حدثنا محمد بن عبادة نايزيد ناسليم بن حبان ناسعيد بن ميناء حدثنا أو سمعت جابر بن عبد الله يقول: جاءت ملائكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم، فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: إن لصاحبكم مثلاً فاضربوا له مثلاً، فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: مثله كمثل رجل بنى دارًا وجعل فيها مأدبة وبعث داعيًا فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة، ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار، ولم يأكل من المأدبة، فقالوا: أولوها له بفقها، فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: فالدار الجنة والداعي محمد صلى الله عليه وسلم، فمن أطاع محمدًا صلى الله عليه وسلم فقد أطاع الله، ومن عصى محمدًا صلى الله عليه وسلم فقد عصى الله، ومحمد فرق بين الناس، قال الحافظ: قوله فقالوا الدار الجنة أي الممثل بها، زاد في رواية سعيد بن أبي هلال (أي رواية الترمذي) فالله هو الملك، والدار الإسلام، والبيت الجنة، وفي حديث ابن مسعود عند أحمد: أما السيد فهو رب العالمين، وأما البنيان فهو الإسلام، والطعام الجنة، انتهى. قال القارئ: فإن قلت: كيف شبه في الحديث السابق الجنة بالدار، وفي هذا الحديث الإسلام بالدار، وجعل الجنة مأدبة، أجيب بأنه لما كان الإسلام سببًا لدخولها اكتفى في ذلك بالمسبب عن السبب، ولما كانت الدعوة إلى الجنة لا تتم إلا بالدعوة إلى الإسلام وضع كل منهما مقام الآخر، ولما كان نعيم الجنة وبهجتها هو المطلوب الأصلي جعل الجنة نفس المأدبة مبالغة، كذا حققه الطيبي، انتهى. ثم ذكر المصنف أنه مرسل، قال الحافظ: يريد أنه منقطع بين سعيد وجابر، وقد اعتضد هذا المنقطع بحديث ربيعة الجرشي عند الطبراني فإنه بنحو سياقه وسنده جيد، وسعيد بن أبي هلال غير سعيد بن ميناء، وكل منهما مدني، لكن ابن ميناء تابعي بخلاف ابن أبي هلال، والجمع بينهما إما بتعدد المرئي وهو واضح، أو بأنه منام واحد حفظ فيه بعض الرواة ما لم يحفظ غيره، والجمع بين اقتصاره على جبرئيل وميكائيل في حديث، وذكره الملائكة بصيغة الجمع في الجانبين الدالة على الكثرة في حديث آخر، فيحتمل أنه كان مع كل منهما غيره، واقتصر في الرواية على من باشر الكلام منهم ابتداء وجوابًا، ووقع في حديث ابن مسعود عند الترمذي: إذا أنا برجال عليهم ثياب بيض، الحديث: انتهى. قلت: وحديث ربيعة الجرشي الذي أشار إليه الحافظ أخرجه صاحب المشكاة برواية الدارمي بتغير يسير في السياق.

ص: 440

مجرد التصديق المعبر بالإيمان لا ينفع ما لم ينضم إليه قسط من الإقرار، والتسليم المعبر عنه بالإسلام، وأدناها اعتقاد فرضية الشرائع والأحكام، فصار الإسلام منقسمًا إلى نوعين، فالمسلم حقيقة من أدى الأركان كما وجبت، وفي حكم المسلم الحقيقي من لم يؤدها غير أنه مقر بوجوبها عليه، ومعترف بتقصيره بتركها، وأما من أنكر وجوب الشرائع رأسًا فليس له من الإسلام حظ قليل ولا كثير، فلا يدخل الدار ولا هو ذائق من أطعمة اللطيف الخبير.

قوله [وأنت يا محمد رسول إلخ] ووجه التخصيص مع أن سائر الأنبياء دعاة إلى الجنة هداة إلى موائد المنة أن الأنبياء صلوات الله عليهم لا حصر لأحد على نبي منهم معين أن لا يدخل الجنة إلا بأن يؤمن به بل الأمر مرجو بعد كل

ص: 441

منهم، فإن أحدًا من الناس لو لم يؤمن بإبراهيم عليه السلام (1) أو موسى عليه السلام، وكذلك عيسى عليه السلام، لكان في سعة أن يؤمن بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم فينجو، وأما إذا لم يؤمن به صلى الله عليه وسلم فأنى يرجى له الجنة بعد ذلك.

قوله [ثم خط عليه خطأ] من ها هنا يستنبط جواز الأعمال للحفظ من الجن ودفعهم بل استحبابه، وإنما منعه عن التكلم بهم لئلا يدهش منهم أو لغير ذلك من المنافع.

قوله [أشعارهم (2) إلخ] يعني أنهم كانوا كالزط (3) في أشعارهم وأجسامهم غير أنهم مع أني لم أر عليهم ثيابًا تسترهم لم أر عوراتهم، فكان كالاستثناء عما قبله حيث ساواهم بالزط.

قوله [إذا رقد نفخ] أي تنفس شديدًا، ويكون لقوة في البدن (4). قوله [إن

(1) أي في أزمنتهم، فيسعه أن يؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأما إذ لم يؤمن بنبينا صلى الله عليه وسلم الذي لا نبي بعده فبمن يؤمن بعده؟ ويمكن أن يقال في وجه التخصيص: إن المعروف عادة أنه إذا ذكر الأمير أو السيد أو الرئيس فيراد به جماعته، والنبي صلى الله عليه وسلم سيد الرسل وإمام الأنبياء وخطيبهم، وهم تحت لوائه، فذكره صلى الله عليه وسلم مستلزم لذكرهم، والمراد كل الأنبياء، أو يقال: إن التمثيل باعتبار هذه الأمة، وكذلك حال الأنبياء عليهم الصلوات في أزمنتهم.

(2)

ذكر في الحاشية: يجوز النصب في قوله أشعارهم وأجسامهم على نزع الخافض، ويجوز الرفع على الابتداء والخبر محذوف أي مثلهم، والله أعلم بالرواية، انتهى.

(3)

بضم الزاي وشدة مهملة، جنس من السودان والهنود، هكذا في المجمع، وقال أيضًا: حديث ابن مسعود لا أرى عورة ولا قشرًا، أي لا أرى منهم عورة منكشفة، ولا أرى عليهم ثيابًا، انتهى. قال المجد: القشر بالكسر غشاء الشيء خلقه أو عرضًا وكل ملبوس، انتهى.

(4)

وكان النفخ في النوم من دأبه صلى الله عليه وسلم كما في الشمائل برواية ابن عباس: وكان إذا نام نفخ، وقد ورد هذا اللفظ في البخاري في حديث ابن عباس حين نام عند خالته ميمونة، وأكثر ما يكون النفخ عنه استثقال النوم.

ص: 442

عينيه تنامان إلخ] بكسر الهمزة ليكون كلامًا مستقلاً على حدة، فإنه ليس بيانًا لما تقدم من قولهم: ما رأينا قط عبدًا أوتى إلخ لأن ذلك ليس مما يختص به صلى الله عليه وسلم بل الأنبياء كلهم كذلك، ولذلك لم يكن نوم الأنبياء بناقض طهارتهم، وكذا تصير الأولياء أيضًا، فإنهم يقفون (1) على ما يتكلم به عندهم، فكان مرادهم أنه مختص بخصائص لم يؤتها أحد قبله ولا بعده، وهو يشارك سائر الأنبياء في أن عينيه تنامان ولا ينام قلبه، ثم ضربوا المثل له ليعلم (2) لما علموا أنه صلى الله عليه وسلم يسمعه ويفهمه.

(1) أي يطلعون، وقال القارئ: يقضان غير منصرف، وقيل: منصرف، لمجيئ فعلانة منه، يعني فلا يفوته شيء مما تقولون، فإن المدار على المدارك الباطنية دون الحواس الظاهرية، وقال الطيبي: هذه مناظرة جرت بينهم بيانًا وتحقيقًا لما أن النفوس القدسية لا يضعف إدراكها بضعف الحواس أي الحسية لاستراحة القوى البدنية، بل ربما يقوى إدراكها عند ضعفها، كما مشاهد عند أرباب الصوفية (هكذا في الأصل) انتهى. قلت: ومع ذلك فعدم نقض الوضوء بالنوم خصيصة للأنبياء لا يشترك فيهم الأولياء. ولا يذهب عليك ما في حديث ابن مسعود من اختلاف السياق لما تقدم، قال الحافظ: ظاهر حديث سعيد بن أبي هلال أن الرؤيا كانت في بيت النبي صلى الله عليه وسلم لقوله: خرج علينا فقال: إني رأيت في المنام، وفي حديث ابن مسعود أن ذلك كان بعد أن خرج إلى الجن فقرأ عليهم، ثم أغفى عند الصبح، ويجمع بأن الرؤيا كانت على ما وصف ابن مسعود، فلما رجع إلى منزله خرج على أصحابه فقصها، انتهى. قلت: وهذا بعد حمل الروايتين على قصة واحدة ولا مانع عن التعدد.

(2)

يعني ذكروا أول الكلام تمهيدًا واختبارًا لأن النبي صلى الله عليه وسلم هل يسمع أم لا، ثم لما علموا أنه صلى الله عليه وسلم يعلمه ويفهمه ضربوا له المثل ليعلم النبي صلى الله عليه وسلم ما قصدوه.

ص: 443

قوله [فقال سمعت ما قال هؤلاء إلخ] على زنة المتكلم من المعروف (1) لا بصيغة الحاضر، فإن سماع بن مسعود كان غير مرتاب فيه.

قوله [وسليمان التيمي إلخ] إنما (2) ذكر ها هنا سليمان التيمي مع أنه ليس

(1)(). ويؤيد ذلك ما في الخصائص برواية الطبراني وأبي نعيم من طريق عمرو البكالي عن ابن مسعود، وفيه: ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم استيقظ، قال: ما رأيت يا ابن أم عبد؟ فقلت: رأيت كذا وكذا، قال: ما خفى على شيء مما قالوا، هم نفر من الملائكة، انتهى.

(2)

احتاج الشيخ إلى هذا التوجيه لما أنه يوجد في النسخ ذكر سليمان التيمي وليس له ذكر في الرواية، والحق أن في النسخ الهندية سقوطًا من الناسخ، والصواب ما في المصربة ولفظة: وأبو عثمان النهدي اسمه عبد الرحمن مل، وسليمان التيمي قد روى هذا الحديث عنه معتمر، وهو سليمان بن طرخان ولم يكن تيميًا، وإنما كان ينزل نبي يتم فنسب إليهم، انتهى. وعلم بذلك وجه ذكر سليمان ها هنا، فإن الرواية المذكورة رويت من طريقه أيضًا، فذكره المصنف تبعًا، وإن لم يأخذ سليمان عن أحد من رواة السند المذكور، فقد قال الزيلعي: روى أحمد في مسنده: حدثنا عازم وعفان، قالا ثنا معتمر، قال قال أبي: حدثني أبو تميمة، عن عمرو البكالي، عن عبد الله بن مسعود، قال: استتبعني رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلقنا حتى أتينا مكان كذا وكذا، فخط لي خطة وقال لي: كن بين ظهري هذه لا تخرج منها، ثم ذكر حديثًا طويلاً، وأخرج الطحاوي هذا الحديث في كتابه المسمى بـ ((الرد على الكرابيسي)) ثم قال: والبكالي هذا من أهل الشام، ولم يرو هذا الحديث إلا أبو تميمة هذا، وليس هو بالهجيمي، بل هو السلمي بصري ليس بمعروف، انتهى. قلت: ولا مانع من أن المصنف جعله هجيميًا، فذكر سليمان هذا ها هنا لذكره رواية جعفر ابن ميمون عن أبي تميمة الهجيمي قبل ذلك، وسليمان أيضًا آخذ عنه على هذا التوجيه، فناسب ذكره ها هنا.

ص: 444